في الوقت الذي تحتاج فيه الدول إلى تعزيز الثقة بين المواطنين ومؤسساتهم المنتخبة، تواجه مصر اليوم حملة مركّزة – من أطراف في الخارج وبعض الداخل – لا تستهدف الأشخاص أو الأداء البرلماني فقط، بل تضرب في عمق الفكرة نفسها: فكرة التمثيل النيابي وشرعية المؤسسات.

اللافت أن هذه الحملة لا تأتي في صورة معارضة سياسية مشروعة أو انتقادات موضوعية، بل تُدار بطريقة ممنهجة تشكك في البرلمان ككيان دستوري، وتسعى لإفراغه من معناه أمام الرأي العام.

لماذا البرلمان تحديدًا؟

البرلمان، وفق الدستور، هو الجهة المسؤولة عن سنّ القوانين، ومراقبة أداء الحكومة، وتمثيل صوت الشعب داخل مؤسسات الدولة، وبحكم موقعه، فهو أحد أعمدة النظام السياسي.

من هنا، فإن استهداف البرلمان ليس مجرد خلاف سياسي، بل محاولة لضرب فكرة الدولة الحديثة نفسها، عبر إضعاف ثقة المواطنين في المسار الدستوري، والإيحاء بأن "اللعبة كلها مغلقة".

كيف تُدار حملات التشويه؟

هذه الحملات تمر بثلاث مراحل متتابعة:

1. تشويه السمعة قبل الانتخابات: تستهدف شخصيات معروفة ومحسوبة على تيارات داعمة للدولة، عبر حملات سخرية، صور مفبركة، وشائعات تُربط بالفساد أو الانتماء الأمني.

2. الطعن في قوائم المرشحين: يتم الترويج لخطاب يزعم أن "القوائم مرتبة مسبقًا"، أو أن "البرلمان لا يضم أصواتًا معارضة حقيقية"، لتقويض مصداقية الانتخابات ذاتها.

3. ضرب المؤسسة بعد التشكيل: سواء من خلال تسريبات أو تلميحات عن امتيازات أو غياب الدور الرقابي، الهدف النهائي هو أن يشعر المواطن أن البرلمان لا يمثله.

تناغم ملحوظ بين الداخل والخارج

ما يثير القلق أن هذا الخطاب لا يصدر فقط عن منصات إعلامية معروفة بعدائها للدولة المصرية، بل يُردده أيضًا بعض النشطاء المحليين أو منظمات تحمل شعارات مدنية.

اللغة، والمحتوى، والتوقيت تكاد تكون متطابقة، مما يطرح تساؤلات مشروعة: هل نحن أمام حملة عفوية، أم هناك تنسيق أكبر يستهدف استقرار المؤسسات؟

ما هو التأثير الحقيقي؟

هذه الحملة لا تهدف بالضرورة إلى إسقاط البرلمان من الناحية القانونية، بل تسعى لتحويله – في نظر الناس – إلى كيان رمزي فقط، خالٍ من التأثير، تمهيدًا لزعزعة الثقة في فكرة "التمثيل الدستوري" ككل.

وهنا يكمن الخطر الحقيقي: عندما يفقد الناس ثقتهم في مؤسساتهم، تصبح الساحة مهيأة لخطابات الفوضى، والانقضاض على الدولة نفسها تحت شعارات براقة.

كيف يجب أن نرد؟

بعيدًا عن التبرير أو الردود الانفعالية، هناك حاجة إلى معالجة عقلانية ومدروسة:

أولًا: تعزيز الشفافية في كل مراحل العملية الانتخابية، من الترشيح حتى اختيار القوائم.

ثانيًا: دعم وجود رموز برلمانية فعالة وذات مصداقية، ترد على الهجوم بالأداء لا بالكلام.

ثالثًا: مواجهة الحملات الإعلامية المغرضة بمحتوى مهني محترف، يعرض الحقائق والنجاحات بلغة يفهمها الناس ويثقون بها.

النقد البناء مطلوب، بل ضروري، في أي نظام ديمقراطي. لكن هناك فارق كبير بين النقد الذي يسعى للإصلاح، وبين التشويه المتعمد الذي يهدف إلى إسقاط الثقة في الدولة ومؤسساتها.

معركتنا اليوم ليست على "مقاعد في قاعة البرلمان"، بل على شرعية التمثيل، وهيبة المؤسسة التشريعية، وثقة المواطن في الطريق الذي تسير فيه الدولة.

الحفاظ على هذه الثقة مسؤوليتنا جميعًا.

طباعة شارك البرلمان الحكومة الانتخابات

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: البرلمان الحكومة الانتخابات

إقرأ أيضاً:

أبو شامة: مصر أكبر من كل محاولات تشويه صورتها.. وستظل ثابتة في دعمها للفلسطينيين

علّق محمد مصطفى أبو شامة، مدير المنتدى الاستراتيجي للفكر والحوار، على التظاهرات أمام السفارة المصرية في تل أبيب، قائلا، إنها مشهد مؤسف ومؤلم، مشددًا، على أنّ  مصر تاريخيًا هي أكبر من كل المحاولات التي تسعى لتشويه صورتها، وأن الشعب المصري قدّم منذ بداية الأزمة مساعدات مادية ضخمة من قوت يومه لأشقائه في فلسطين.

وزير الخارجية الفرنسي: مؤسسة غزة الإنسانية بقيادة أمريكا وإسرائيل مخزيةالسويد تطالب الاتحاد الأوروبي بتجميد التجارة مع إسرائيل بسبب غزةالجيل الديمقراطي: مصر أنفقت 578 مليون دولار على علاج جرحى غزةهيئة البث الإسرائيلية: الجيش يقرر سحب لواءي الاحتياط 646 و179 من غزة

وأضاف أبو شامة، في مداخلة هاتفية عبر قناة "القاهرة الإخبارية"، أنّ مصر لم تتوقف عن تقديم المساعدات والإسناد، وأن المؤسسات الخيرية والجهات الرسمية المصرية احتشدت بالمساعدات التي يقدمها المصريون بإرادتهم الحرة، مشددًا على أن هذه العلاقة الأخوية راسخة ولن تهزها محاولات التشويه والتدخلات الخارجية، مشددًا، على أن مصر ستظل ثابتة في دعمها للفلسطينيين ولن تسمح لأي جهة بتقويض هذا الدعم مهما كانت الظروف.

وأشار إلى أن معبر رفح مفتوح من الجانب المصري، وأن من يمنع دخول المساعدات إلى قطاع غزة هو الاحتلال الإسرائيلي، لافتًا إلى أن مصر واجهت تحديات اقتصادية واجتماعية كبيرة، لكن أولوية دعم الشعب الفلسطيني لم تتغير على الإطلاق.

وتابع، أنّ المظاهرات أمام السفارات المصرية، والتي حاولت إلقاء اللوم على مصر بشأن الحصار المفروض على غزة، هي محاولات ضمن حرب نفسية تستهدف الشعب المصري وقيادته، وتستغل بعض الجماعات التي تتلقى دعمًا خارجيًا لتشويه الصورة، مبينًا، أن مصر ظلت محافظة على مواقفها الثابتة طوال الأزمة، متمسكة بالحق الفلسطيني ورافضة لكل أشكال التهجير والتجويع التي تمارسها إسرائيل.

وأكد،  أن محاولات توريط مصر ليست سوى ذرائع لإلهاء الرأي العام عن الفاعلين الحقيقيين في استمرار الأزمة، مشيرًا إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية هي القادرة وحدها على إيقاف الحرب فورًا، وأن حركة حماس هي الطرف الذي يرفض شروط الهدنة التي عرضتها مصر وقطر. 

طباعة شارك غزة قطاع غزة الاحتلال فلسطين اخبار التوك شو

مقالات مشابهة

  • أبو شامة: مصر أكبر من كل محاولات تشويه صورتها.. وستظل ثابتة في دعمها للفلسطينيين
  • تايمز: الضفة الغربية في قلب معركة الاعتراف بالدولة الفلسطينية
  • صناعة البرلمان: توجيهات الرئيس دفعة قوية لتوطين صناعة السيارات في مصر
  • الورداني: المقارنة بين الوطن والأمة فكرة شيطانية لهدم البلدان
  • نجاة عبد الرحمن تكتب: ما وراء البريق الخادع للشهرة السريعة
  • هند عصام تكتب.. الملك أمنمحات الثالث
  • ترمب يتحدث مجددا عن فكرة نقل سكان غزة
  • مفتي الجمهورية: صون الماء والغذاء والطاقة فريضة شرعية ومسؤولية وطنية
  • الطارف.. احباط محاولة هجرة غير شرعية على البحر و توقيف 10 أشخاص
  • أبو العينين في مؤتمر الجيزة: الجبهة الوطنية يساند الدولة في معركة البناء وتدعم مرشحيها... وموقف مصر من فلسطين ثابت ورافض للتهجير