حضرموت ... واحباط مشاريع انفصالية واطماع إقليمية !
تاريخ النشر: 17th, April 2025 GMT
حضرموت هي المنطقة اليمنية القديمة الوحيدة التي لا تزال تفتخر إلى اليوم باحتفاظها باسمها وحدودها ومدنها منذ ثلاثة آلاف سنة وأكثر , أما بقية الممالك اليمنية القديمة فلا تعرف إلى الآن على وجه التحديد مناطقها ولا أهلها ولا حدودها باستثناء عواصمها أو بعض مدنها .تراب يمني
( والله إن هذا التراب ملمسه يمني ورائحته يمنية , وإنني أقف على أرض يمنية ).
وقد طلب من الأمير محمد بن الحسين أن يتحدث مع الصحافيين الذين جاؤوا لتغطية أخبار " حرب الوديعة " ليخبر الصحفيين بكل صراحة هل هذه الأرض يمنية أم سعودية ؟ حاول الأمير التهرب من السؤال وطلب منه إن يعفيه لكن الأمير السعودي أصر على سؤاله أمام الصحافيين والحاضرين ! وأمام إلحاح الأمير السديري انحنى الأمير محمد بن الحسين إلى الأرض وأخذ حفنه من التراب , ونظر إلى الأمير خالد السديري وقال له : ( والله إن هذا التراب ملمسه يمني ورائحته يمنية , وإنني أقف على أرض يمنية ).
أتاكم أهل اليمن
مع تشيد بناء سد في حضرموت , أمر الملك الحميري شرحبيل يعفر بن أبي كرب أسعد ملك " سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنات وإعرابها في الجبال والسواحل " بنقش تاريخ البناء على جداره وفيه يقول : ( إن العمل كان في سنة 564- 565 الحميرية ), وهذا يوافق عامي 449- 450 من الأعوام الميلادية .
حضرموت جزء من الوطن الأم اليمن والدولة المركزية اليمنية الواحدة والتي حكمت اليمن قديما من خلال الدول اليمنية القديمة بدأ بمملكة معين منذ منتصف الألف الثاني قبل الميلاد حتي نهاية الدولة الحميرية عام 525 م , ومع مجيء الإسلام خاطب الرسول الأعظم في عام الوفود وفود اليمن من جميع المناطق بقوله : ( أتاكم أهل اليمن ... ) , ولم يحدد أهل حضرموت أو غيرهم من وفود اليمن ليخاطبهم بقبائلهم أو مناطقهم أو بلدانهم أو بأسرهم أو حتي برؤساء وفودهم ! ,
وحينما قسم اليمن أداريا كانت حضرموت أحد المخاليف الثلاثة لليمن التابعة للدولة الإسلامية وعاصمتها المدينة المنورة وظلت هذا إلى عهد الدولة العباسية ومع استقلال اليمن كانت حضرموت جزء من اليمن وأن خرجت كغيرها من المناطق لفترة زمنية بسبب ضعف الدولة المركزية اليمنية لكنها ما أن تلبث لتعود للوطن الأم اليمن .
ضعف الدولة
مع الخروج العثماني الأول من اليمن عام 1635م , كانت حضرموت تحت حكم صنعاء ومع ضعف الدولة المركزية أنفصلت البلاد شيئا فشيئا حتي استقرت حضرموت على الخضوع للحكم القبلي وأصبحت ثلاث مشيخات هي الكثيرية والفعيطية والكسادية , واستمر التطاحن بين هذه المشيخات زمنا طويلا , ولم ينته إلا أخيرا باختفاء الكسادية وحلول القعيطي محلها وأصبحت حضرموت محكوما بالسلطنة القعيطية في الساحل والكثيرية في الداخل تحت الحماية البريطانية وفقا لمعاهدات متعددة ومختلفة حماية وصداقة واستشارة والذي قبل السلطان بإقامة مستشار بريطاني تعينه إنجلترا لدى السلطان لاستشارته في جميع الأمور , ولم يكن الإنجليز بحاجة إلى إبرام معاهدات خاصة بالاستشاره لأنهم كانوا منذ أن نشبوا أظافرهم في حضرموت وهم يعاملونها معاملة المستعمرات وليس للسلاطين هناك إلا رئاسة شعبية فقط .
ويقضى سلطان الشحر والمكلا حياته كلها في الهند تاركا أمور البلاد للإنجليز فعلا ولنائبه اسما !
الحملات الوهابية
استغل آل سعود خلال دولتهم السعودية الأولى (1746- 1818م ) ضعف الدولة المركزية اليمنية وتحت ذريعة محاربة البدع والخرافات ونشر الوهابية بعد اتصال بعض الأسر الحضرمية اليافعية بحكام نجد , فقد اتصل الشيخ عبدالحميد بن قاسم بن جابر اليافعي بابن سعود عبدالعزيز بن محمد آل سعود في عام 1205م , وكان ذلك الاتصال فتح اطماع آل سعود في حضرموت وضمها إلى دولتهم .
فقد أرسل الوهابيين ثلاث حملات عسكرية إلى حضرموت الأولى سنو 1221هجريةالموافق 1806م جاء الوهابيون عن طريق حضرموت عن طريق العبر إلى وادي حضرموت في حملة استطلاعية عسكرية وبلغوا إلى شبام ثم عادوا أدراجهم .
الحملة الثانية 1224 هجرية , الموافق 1809م
وهي حملة بن قملا في عهد السلطان علي بن بدر بن علي بن جعفر الكثيري والتي جاءت إلى حضرموت ومكث الوهابيون في حضرموت أربعين يوما وحاولوا الامتداد إلى الساحل , لكن مقاومة أهل حضرموت في معركة أجبرتهم على الانسحاب من حضرموت .
الحملة الثالثة سنة 1226 هجرية جاءت عن طريق البحر نزلت شرق مدينة الشحر لكنها لم تحقق شيء لتعود إلى نجد دون تحقيق اهدافهم واطماعهم في حضرموت .
مقاومة حضرموت
لقت الحملات الوهابية السعودية مقاومة شديدة من قبائل حضرموت فقد تصدى للحملة الأولي قبائل الصيعر , أما الثانية فقد كان علي بن سالم بن سليمان الجعيدي ساكن منطقة قرن بن عدوان في وادي عمد كان احد قواد جيش المنطقة الحضرمية في تلك الحرب .
وذلك حينما هاجم ابن قملا قائد حملة السعوديين . كذلك ايضا السيد عيدروس بن صالح بن الحامد كان قائدا للمعركة . وخرج على رأس جيش من قبائل الجعده من أعالي وادي عمد حتى التقوا بابن قملا وجيشه , وهزموهم بسنة 1224 هجرية في منطقة حدبة حريضه أمام حصن بن صنهاجه ولا زالت أثاره باقيه إلى اليوم .
ومع نشر الوهابيين للخراب والدمار في الجزيرة العربية ووصولهم إلى بلاد الشام والعراق وسيطرتهم على الأماكن المقدسة في الحجاز . كانت نهاية دولتهم الأولي قاسية وإلى اليوم يمثل لهم شهر سبتمبر كابوس حيت تم على يد قوات إبراهيم ابن محمد علي باشا تدمير عاصمتهم الدرعية وتسويتها بالتراب وقتل قاداتها وأسر أمرائهم واعدام حاكمها في سنة 1818م .
سري للغاية
في 16 أكتوبر 1985م , عقد اجتماع مغلق للمكتب السياسي للحزب الاشتراكي اليمني وبحضور 15 عضو , ومندوبي الأحزاب الشيوعية العربية وجورج حبش ونايف حواتمة . وفي الاجتماع أوضح الرئيس علي ناصر لأعضاء المكتب السياسي حقيقة أن هناك مطامع إقليمية بأراضي جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية تقف خلفها قوى غربية استعمارية : ( أمامكم ثلاث دول عربية تسعى الأولى لاقتطاع المهرة والثانية لاقتطاع حضرموت والثالثة لاقتطاع ثلاث محافظات لحج وأبين وشبوة ) .
طرح البعض حلول في هذا الاجتماع بإبلاغ الاتحاد السوفيتي بهذه المعلومات , وطرح البعض الوحدة مع اليمن الشمالي . خرج الاجتماع بتصويت 7 أعضاء مع حل ابلاغ الاتحاد السوفيتي , و8 أعضاء مع خيار السعي والتسريع لتحقيق الوحدة اليمنية مع اليمن الشمالي . وبعد أربعة أشهر من هذا الاجتماع تفجرت احداث 13 يناير 1986م .
تكتلات انفصالية
مع شن العدوان على اليمن لم يقتصر الدور عسكريا بل مارست السعودية ودويلة الإمارات نهج سياسيا عبر تأسيس العديد من التكتلات السياسية الجنوبية كإحياء للسياسة الاستعمارية البريطانية الهادفة إلى تقسيم جنوب اليمن عامة وحضرموت خاصة في كيانات ودويلات مستقلة .
ومن ذلك تأسيس " مؤتمر حضرموت الجامع" في إبريل 2017م , يطالب مؤتمر حضرموت الجامع بأن يكون لحضرموت إقليم مستقل بذاته وفق جغرافيته المعروفة يتمتع بحقوقه السياسة السيادية كاملة كذلك قيام " تحالف القوى الوطنية الجنوبية ", تحالف أعلن عنه في مدينة جدة السعودية في سبتمبر 2019م .
في أثناء المفاوضات غير المباشرة بين ما يسمى ممثلين عن الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي – وبذلك ارادت الرياض إحياء مشاريع السلاطين والحكام في جنوب اليمن والتي أنشأها الإنجليز بقيام 23 سلطنة ومشيخة قبل إعلان الاستقلال في 30 نوفمبر1967م وتوحيد - , ومؤسسو التحالف هم أبناء وأحفاد السلاطين والحكام السابقين لجنوب اليمن بما فيها حضرموت .
ويهدف التحالف إلى استعادة ما يسموها الهوية الجنوبية العربية التي اختطفت بحسب زعمهم في عام 1967م .
ويعد إعلان تحالف القوى الجنوبية من داخل المملكة العربية السعودية سابقة غير معهودة , نظرا لما تعلنه في منع المتواجدين فيها من ممارسة أي أنشطة سياسية.
وهذا يذكرنا بفشل السعودية سياسيا عن محاولة فصل حضرموت عبر قيامها بدعم ما يسمي آنذاك " رابطة الجنوب العربي ) أو محاولتها الأخيرة باستمالة سلاطين حضرموت الذين يشاركون في وفد الاستقلال في جنيف للمطالبة بفصل حضرموت كدولة مستقلة عقب إعلان الاستقلال في 30 نوفمبر 1967م , حيث تمكنت الجبهة القومية وجيش البادية في حضرموت من السيطرة على المكلا عشية عودة سلاطين حضرموت بباخرة اقلتهم من جدة إلى المكلا في 17 سبتمبر 1967م . ليوقعوا على التنازل ويعودوا للسعودية ليس حكام بل لاجئين سياسيين ! .
نهب الثروات
ركزت دول العدوان على الهيمنة المباشرة على الموانئ البرية والبحرية والجزر ومنابع النفط من المهرة إلى باب المندب كوجبة أولى لصالح دويلة الإمارات ومن ورائها بريطانيا , كذلك نهب دويلة الإمارات للمعادن في حضرموت وعلى رأسها معدن الذهب عبرشركاتها في استغلال مناجم الذهب بحضرموت .
وفيما يخص السعودية الحصول على ممر بري لصالح السعودية عبر حضرموت إلى البحر العربي بعرض 100/ 150 كيلو متر تحت السيادة المطلقة للسعودية ومن ورائها إمريكا كأحتياطي لنقل النفط السعودي إضافة لمضيق هرمز أو يديلا عنه عند الضرورة , ثم فصل ما تبقى من حضرموت وجنوب اليمن وتقسيمها إلى دويلات كرتونية وتكون تحت بيت الطاعة السعودي .
إحباط مطامع
مع ظهور دويلات وأمارات ودول بجزيرة العرب والتي لم يتعدي ظهور بعضها نصف قرن زرعت بذورها أيادي شيطانية في المنطقة العربية ممثلة بقوى غربية بعد خروجها من المنطقة واحباط لمشاريعهم الاستعمارية , جعلت من هذه الدويلات المصطنعة بمثابة وكلاء لهم لرعاية مصالحهم في المنطقة ونهب الثروات واحباط أي توافق عربي -إسلامي نحو الوحدة الشاملة , واستخدامهم ضد الأخرين لزعزعة استقرار وأمن أغلب دولة المنطقة العربية ومنها اليمن .
فمنذ عقد ونيفا من الزمن يشن على اليمن عدوان غاشم واحتلال لأجزاء من أرضها في انتهاك للسيادة اليمنية والمواثيق والقوانين الدولية مستغلين الظروف الداخلية لليمن سياسيا وعسكريا واقتصاديا واجتماعيا .
واليوم نجد تلك الدول العدوانية وخلفها قوى استعمارية غربية تسعى لفرض وإحياء مشاريع انفصالية ومناطقية وقروية وبالذات فيما يخص محافظة حضرموت متناسيين أن حضرموت أكبر من أي مشروع انفصالي مناطقي قروي بل أنها قادت اليمن في مرحلة تاريخية إلى مواجهة الظلم الخارجي ووحدت اليمن .
فالتاريخ السياسي والعسكري لحضرموت يكشف انها افشلت العديد من المشاريع الانفصالية والاطماع الإقليمية عبر تاريخها خاصة في التاريخ الحديث والمعاصر اثناء الاستعمار البريطاني , وهي قادرة اليوم على أفشال واحباط كل الدعوات والتكتلات والمشاريع الانفصالية وايضا التصدي للأطماع الإقليمية والاستعمارية الخارجية
المصدر: ٢٦ سبتمبر نت
كلمات دلالية: الدولة المرکزیة ضعف الدولة فی حضرموت آل سعود
إقرأ أيضاً:
البخيتي يطرح .. رؤية واقعية «لطبيعة الصراع في اليمن ومسارات الحلول الممكنة»
هذه الرؤية الواقعية سبق أن طرحناها خلال مؤتمر الحوار الوطني، وقدّمناها مكتوبة لكل شركاء الحوار، ثم عملنا على ترجمتها إلى واقع عملي بعد انتصار ثورة 2014، من خلال تحويلها إلى مشروع سياسي تمثّل في اتفاق السلم والشراكة الوطنية، الذي وقّعت عليه جميع الأطراف السياسية دون استثناء.
ورغم أن أنصار الله كانوا الطرف المنتصر، إلا أن الاتفاق لم يمنحهم أي امتيازات خاصة، التزامًا بمبدأ الشراكة الوطنية والتوافق السياسي.
تكمن المشكلة في أن الطرف المهزوم ظلّ مصرًّا على الانفراد بالقرار السياسي، ولعجزه عن تحقيق ذلك بإمكاناته الذاتية، لجأ إلى الاستقواء بالخارج الذي كان يسعى لإبقاء اليمن تحت الوصاية الدولية وفقًا للمبادرة الخليجية.
ومنذ ذلك الحين، عملوا على تعطيل تنفيذ اتفاق السلم والشراكة الوطنية القائم على مبدأ الشراكة والتوافق، مطالبين بانسحابنا من مناطق سيطرتنا وتسليم سلاحنا، تمهيدًا لعودة السفير الأمريكي ليمارس حكم اليمن عبر واجهته المتمثلة في عبدربه منصور هادي.
اليوم، وبعد مرور أكثر من عشر سنوات على العدوان على اليمن، ومع ما كشفته معركة طوفان الأقصى من حقائق ومعادلات جديدة في المنطقة، نعيد طرح السؤال مجددًا: ما هو الحل المنطقي والمفترض لليمن في هذه المرحلة؟
وقبل الإجابة على هذا السؤال الجوهري والمصيري، لا بد من التوقف عند جملة من الحقائق الأساسية التالية:
الحقيقة الأولى:
لم تعد المشكلة في اليمن تعبّر عن صراع داخلي على السلطة، بل تحوّلت إلى صراع إقليمي ودولي يهدف إلى إبقاء اليمن تحت الوصاية الخارجية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.
وهذا ما يؤكده سلوك عملاء الداخل وأعداء الخارج الذين ما زالوا يصرّون على تبنّي عملية سياسية تقوم على أساس المبادرة الخليجية التي كرّست الوصاية الدولية، وعلى قرارات مجلس الأمن التي وضعت اليمن تحت طائلة العقوبات الدولية. ويكفي للدلالة على حجم الارتهان أن عبدربه منصور هادي اعترف بأنه لم يكن على علم بعملية عاصفة الحزم إلا في صباح اليوم التالي لبدء العدوان، وهو ما يثبت أن دول العدوان لم تكلف نفسها حتى عناء إبلاغ عملائها في الداخل، فضلًا عن استشارتهم أو إشراكهم في قرار العدوان.
اعتراف رشاد العليمي بأن التدخل العسكري السعودي–الإماراتي هو الذي حال دون سيطرة أنصار الله على كامل الأراضي اليمنية، يؤكد أن الصراع المسلح في اليمن كان قد حُسم فعليًا لصالح طرف داخلي يؤمن بمبدأ الشراكة ولا يسعى للانفراد بالقرار السياسي.
وهذا بدوره يشير إلى أن اليمن كان مهيّأً آنذاك لبناء عملية سياسية مستقرة تقوم على مبدأ الشراكة لا على منطق الغلبة والقوة. ولولا ذلك التدخل الخارجي، لكانت اليمن اليوم دولة مستقلة، مستقرة، وذات سيادة كاملة.
اعتاد معظم قادة المرتزقة على تحريض الدول الإقليمية والقوى الكبرى على التدخل العسكري في اليمن، بزعم أن خطر أنصار الله لا يقتصر على الداخل، بل يمتد ليشمل الإقليم والعالم بأسره.
وهذا في جوهره اعتراف ضمني بأن اليمن، بقيادة أنصار الله، سيكون مؤهَّلًا للعب دور إقليمي ودولي فاعل، ولن يظل مجرد حديقة خلفية للسعودية كما يريد الأمريكيون وأدواتهم في المنطقة، وهو ما أقرّ به صراحةً سلطان البركاني في احد تصريحاته.
كل ذلك يؤكد أن الحرب في اليمن لم تعد تعبّر عن صراع داخلي، بل حربًا استباقية شنّتها الولايات المتحدة وبريطانيا عبر أدواتهما في المنطقة، بعد أن استنفدت أدواتهما في الداخل قدرتها على تحقيق أهدافهما.
الحقيقة الثانية:
أي حل سياسي في أي دولة لا يمكن أن يتحقق إلا بين أطراف الصراع في الداخل، الذين يمتلكون مناطق سيطرة فعلية على الأرض ولديهم القدرة على اتخاذ القرار.
أما في اليمن، فقد فقد المرتزقة تلك القدرة، إذ لم يعد لديهم مناطق سيطرة حقيقية، ولم يعد القرار بيدهم، بل أصبح خاضعًا لإشراف الضباط السعوديين والإماراتيين، مما أفقدهم أي تأثير فعلي على القرار السياسي.
ويكفي في هذا السياق أن بن سلمان جمع جميع المرتزقة في الرياض وأجبرهم على التوقيع على مشروع حل قضى بعزل هادي، وتنصيب رشاد العليمي، وتشكيل مجلس قيادة من ثمانية أعضاء، بالإضافة إلى اعتماد لائحة تنظيمية بديلة عن دستور الجمهورية اليمنية.
الحقيقة الثالثة:
يفتقر المرتزقة إلى لغة المنطق، مما جعل التوصل إلى حل معهم أمرًا مستحيلاً، حتى وإن تعاملنا معهم كأطراف صراع حقيقيين.
فهم لا يزالون يطالبوننا بإعلان الاستسلام، لتتاح لهم الفرصة للانفراد بالقرار السياسي، على الرغم من أن حلفاءهم قد فشلوا في تحقيق اهداف المعركة الإقليمية والدولية، كما انهم أنفسهم قد خسروا المعركة الداخلية.
وهذا يؤكد ما نكرره دائمًا: أنهم فقدوا القدرة على استشعار الواقع من حولهم، وينتقلون للعيش في عالم متخيل، بعيد عن مجريات الأحداث وقوانين المنطق.
بعد استعراض هذه الحقائق، يمكن الآن الإجابة على السؤال الجوهري والمصيري: ما هو الحل المفترض في اليمن؟
وفي سياق ذلك، سُئل محمد حسنين هيكل في بداية العدوان على اليمن عن توقعاته لنتائج عملية عاصفة الحزم، فأوضح أن اليمن يمثل حالة استثنائية.
وأشار إلى أن السعودية كانت مضطرة لدفع أموال طائلة لشراء ولاء المشايخ بهدف احتواء اليمن وتحييده، محذرًا من أن اليمن يشبه البركان النائم، وإذا ما أيقظه التدخل الخارجي، فسينفجر ويجتاح المنطقة بأسرها.
إنّ صمود اليمن الأسطوري أمام العدوان ونجاحه في إسناد غزة في مواجهة مباشرة مع امريكا وبريطانيا والكيان الصهيوني يؤكِّدان صدق تحذيرات محمد حسنين هيكل.
ونظرًا لأن الحل في اليمن لم يعد ممكنا عبر الاتفاقات السياسية، ولا مفضلا عبر الحسم العسكري, فإن الخيار الثوري القائم على صحوة الشعب اليمني من صعدة إلى المهرة للمشاركة في شرف تحرير الوطن وانتزاع حقوقه واستعادة عمقه الجغرافي والديموغرافي في جزيرة العرب يعد هو الخيار الافضل والانسب.
خصوصا بعد ان ادرك الشعب اليمني حقيقة اهداف دول العدوان وارتباط مرتزقتهم بالمشروع الصهيوني في المنطقة.