فضيحة سيجنال.. وزير الدفاع الأمريكي تحت النار ومعلومات عسكرية في دردشة عائلية
تاريخ النشر: 21st, April 2025 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
تعيش وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) واحدة من أكثر مراحلها اضطراباً في السنوات الأخيرة، وسط أزمة داخلية متصاعدة تتعلق بتسريب معلومات أمنية حساسة، واتهامات تطال شخص وزير الدفاع نفسه، بيت هيجسيث، بتعريض أمن العمليات العسكرية للخطر، عبر قنوات تواصل غير رسمية.
تسريبات خطيرة.
. ودائرة غير رسمية من الثقة
بحسب ما كشفته صحيفة نيويورك تايمز، فإن هيجسيث شارك معلومات تتعلق بجدول ضربات جوية ضد جماعة الحوثيين في اليمن، من خلال مجموعة دردشة على تطبيق "سيجنال"، ضمت زوجته، وشقيقه، ومحاميه الشخصي، بالإضافة إلى عدد من أصدقائه المقربين. ما يثير تساؤلات جدية حول خروقات للبروتوكولات الأمنية واستخدام قنوات خاصة لتداول معلومات مصنفة على أنها حساسة أو سرية.
ما يزيد من تعقيد الموقف أن هذه المحادثات – التي تعود إلى يناير، أي قبل تثبيت هيجسيث رسميًا وزيرًا للدفاع – جرت من خلال هاتفه الشخصي، وليس الهاتف الحكومي المؤمَّن، ما يُعد مخالفة صريحة لمعايير أمن المعلومات في مؤسسات الأمن القومي.
البنتاجون في دوامة الإقالات والتسريبات
الأزمة لم تتوقف عند الوزير، بل شملت موجة من الإقالات التي طالت ثلاثة من كبار مساعديه، بالإضافة إلى الإعلان عن مغادرة كبير موظفيه، جو كاسبر. كما تم التحقيق مع عدد من المسؤولين، بينهم دان كالدويل وكولين كارول، على خلفية اتهامات بتسريبات أخرى تتعلق بإحاطة سرية كان من المقرر إجراؤها لإيلون ماسك حول سيناريوهات عسكرية محتملة في حال نشوب صراع مع الصين.
المفارقة أن كاسبر نفسه، الذي قاد التحقيقات الداخلية، أصبح لاحقًا أحد ضحايا الإقالات، في مشهد يعكس الفوضى الداخلية والانقسام الحاد داخل أروقة الوزارة.
دفاع رسمي.. وهجوم على الإعلام
المتحدث باسم البنتاجون، شون بارنيل، سارع إلى نفي الاتهامات الموجهة للوزير، واصفًا ما نشرته الصحيفة بأنه "قصة قديمة أعيد تدويرها"، ومهاجمًا وسائل الإعلام التي وصفها بـ"الزائفة والمعادية لأجندة الرئيس دونالد ترمب"، دون أن يؤكد أو ينفي بشكل مباشر وجود المحادثة المشار إليها.
هذا الموقف الدفاعي لم يقنع كثيرين، لا سيما بعد تعليق زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ، تشاك شومر، الذي اعتبر أن ما قام به هيجسيث "يعرض حياة الأمريكيين للخطر"، مطالبًا بإقالته الفورية.
زوجة الوزير.. حضور لافت دون صفة رسمية
جزء من الانتقادات تركز أيضًا على الدور غير الرسمي الذي تلعبه جينيفر هيجسيث، زوجة الوزير ومنتجة سابقة في شبكة فوكس نيوز، التي رافقت زوجها في عدة مهام خارجية واجتمعت مع قادة عسكريين ومسؤولين أجانب، رغم أنها لا تحمل أي صفة حكومية. ويمثل وجودها في دردشات خاصة يتم فيها تداول معلومات عسكرية، نقطة مثيرة للجدل بشأن حدود النفوذ العائلي في مؤسسة يفترض أنها من أكثر مؤسسات الدولة انضباطًا وسرية.
أزمة التسريبات في البنتاجون تكشف أكثر من مجرد تجاوزات فردية، فهي تعكس تآكلًا خطيرًا في معايير العمل المؤسسي داخل واحدة من أهم مؤسسات الأمن القومي الأمريكي. وتحول وزارة الدفاع إلى ساحة لتبادل النفوذ العائلي، وإقحام شخصيات خارج الإطار الرسمي في نقاشات استراتيجية، يهدد ليس فقط بسوء إدارة داخلية، بل بأضرار استراتيجية على مستوى السياسة الخارجية للولايات المتحدة.
كما تعكس هذه الفوضى هشاشة العلاقة بين البيت الأبيض والبنتاجون، خاصة في ظل إدارة متوترة سياسيًا، تسعى للحفاظ على تماسك أجهزتها مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية المقبلة.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: الدفاع الأمريكية خطيرة
إقرأ أيضاً:
«طبخة باراك فتنة على الحدود».. وسيناريوهات الفوضى المركّبة
في زمن التحولات الكبرى، لا تُطبخ المشاريع الجيوسياسية في العلن، بل في الغرف الرمادية، على نارٍ هادئة، وبمقادير دقيقة يتقنها طباخو المخابر الاستراتيجية. هكذا يبدو ما يفعله المبعوث الأمريكي «توماس باراك» وهو يتحرك بهدوء في الميدان «السوري-اللبناني»، مستعرضًا وصفته الجديدة لتثبيت الأمن ظاهريًا، وتفكيك البنية الحليفة للمقاومة فعليًا.
في ظاهر الحكاية، يتقدم باراك بمقترح تشكيل «قوة حماية» على الحدود بين سوريا ولبنان، عنوانها «مكافحة الإرهاب ومنع التهريب»، وتغليفها برنامج تدريبي ممول من البنتاجون نفسه، تحت مظلة حماية الاستقرار الداخلي في الجنوب السوري، وتحديدًا في محافظة السويداء. يتسلل الخطاب بلغة احترافية ناعمة: تنسيق، تأهيل، دعم، مراقبة، و«غرفة عمليات مشتركة» بين الجيشين السوري واللبناني. ولكن من يُمعن في التركيبة يدرك سريعًا أن الغاية تتجاوز الحدود الجغرافية إلى العمق السياسي والعقائدي.
ليست هذه القوة الأمنية المقترحة بريئة في ولادتها، ولا في مهمتها. هي ليست «قوة دولية»، ولا «حماية محايدة»، بل إعادة تشكيل لميزان القوى في خاصرة الشام الجنوبية، تمهيدًا لإعادة ضبط الإيقاع الإقليمي بما يتناغم مع إيقاع المشروع الأمريكي-الإسرائيلي القديم المتجدد.
فالحديث عن ثلاثية «المخدرات والسلاح والإرهاب» ليس جديدًا، لكنه هذه المرة يُطرح بلغة مزدوجة، في العلن بوصفه مكافحة للجريمة العابرة للحدود، وفي الخفاء كإعادة برمجة للأولويات العسكرية السورية، وربما جرّها في اتجاه صدام غير مباشر مع حزب الله، عبر احتكاك محسوب يُزرع على تخوم البقاع والقصير، وربما الجنوب السوري.
والمفارقة أن هذا الطرح يأتي بعد هدوء نسبي في جبهات الجنوب، وبعد تطورات داخلية في السويداء توحي بأن ما يجري ليس فقط بحثًا عن أمن الحدود، بل توظيفًا للأرضية الاجتماعية والدينية في الجنوب لتنفيذ نموذج شبيه بالتنسيق الأمني الذي يجمع السلطة الفلسطينية بجيش الاحتلال الإسرائيلي. نموذج يُبقي المقاومة تحت المجهر، ويُشغل الدولة المركزية بمعارك جانبية، ويُطبع العلاقة بين "المتدرب والممول"، حتى لو اختلفت الأعلام.
ورغم أن دمشق تُدرك خطورة ما يُطبخ، إلا أن المشهد يبدو مفتوحًا على مفارقات عديدة. فمن جهة، هناك حاجة لضبط الانفلات الحدودي ومواجهة تمدد العصابات والتهريب المنظم. ومن جهة أخرى، ثمة محاولة لتوريط الدولة السورية في صراع داخلي مع حليفها الاستراتيجي، دون إعلان حرب، ولكن عبر احتكاك بارد تتزايد حرارته مع كل طلقة وهمية في الظل.
أما الفصائل المحلية المسلحة، التي يُظهر بعضها حماسة للعب دور في ملاحقة "الطرف اللبناني"، فليست سوى أدوات مؤقتة في لعبة كبرى قد تبتلعها هي أولًا. ولعل أخطر ما في هذا السيناريو، هو محاولته تأسيس حالة "فتنة أمنية" بين ما يُسمى "جيش سوري جديد" وبين قوات حزب الله، بما يشبه إعادة تدوير لحرب الوكالة، ولكن هذه المرة تحت رعاية مؤسسات رسمية وشرعية وبدعم فني أمريكي - فرنسي مشترك.
باراك لا يتحرك في الفراغ. خلفه شبكات مصالح، ومراكز قرار، ومصانع سرديات. وما يهمه ليس حماية السويداء من الفوضى، بل استثمار الفوضى في الجنوب كرافعة لمشروع قديم: ضرب العمق الاستراتيجي للمقاومة، وتحويل الجيش السوري إلى طرف محايد - وربما لاحقًا خصم - في معادلة الحدود، بعد إفراغها من أي بعد عقائدي أو سيادي.
في الخلاصة، لا شيء بريء في هذه "الطبخة". عنوانها الظاهر أمني، ومضمونها سياسي، وغايتها إعادة رسم خطوط النفوذ وفقًا للخرائط الجديدة التي تُرسم على الورق قبل أن تُجرب على الأرض. ولكن هل دمشق في وارد الوقوع في الفخ؟ أم أن ما يجري هو مجرد اختبار آخر لقدرة الدولة السورية على التماسك والتمييز بين “الشراكة التقنية” و”الاصطفاف السياسي”؟.
في هذه اللحظة الحرجة، يبدو أن الإجابة ستتوقف على من يكتب السيناريو الأخير: وزارة الدفاع السورية؟ أم البنتاجون؟
(كاتب وباحث في الجيوسياسية والصراعات الدولية).
اقرأ أيضاً«البنتاجون» يعلن انسحاب المارينز من لوس أنجلوس
تضارب بين البنتاجون و «CIA» بشأن نتائج استهداف ترامب نووي إيران