يرويها - صديق السيد البشير
Siddigelbashir3@gmail.com
(1)
تركت شرارة الحرب المشتعلة في السودان منذ ثلاث سنوات بصمتها القاتمة على وجه السودان، حكوما وشعبا، شعب توزع بين المنافي، نزوح وفقر وتشرد وبطالة، في بصمة أقرب للنُدُوبٌ على خدود الوطن، وطن أصبح الداخل فيه مفقود والخارج منه مولود، مفقود بالموت، أو الإعتقال، أو الإختفاء القسري، أو اللجوء، أو التعذيب، آن الأوان، لأن ينعم الناس في السودان بالأمن والأمان والسلام والاستقرار.
(2)
تحت تأثيرات الحرب، دفع الصحفيون السودانيون ثمنا باهظا، من فقر ولجوء وتشرد، وبات معظمهم يعيشون حالة من الهشاشة المُدقعة ، حيث يواجهون وضعاً إدارياً يشوبه عدم الاستقرار في البلدان المضيفة كما يقول بيان لمارتن رو لمدير مكتب الأزمات في منظمة مراسلون بلا حدود.
وبالرغم من الثمن الباهظ الذي يدفعون، أظهر الصحفيون السودانيون شجاعة ومهنية في أداء مهتهم بتميز، بعد أن نجوا بأنفسهم من العنف والإنتهاكات، وإتخذوا من المنافي وطنا لهم، لمواصلة رسالة الوعي والتنوير للمحافظة على السودان، تأريخا وجغرافيا، في ظل دعوات حقوقية للدول المضيفة للصحفيين السودانيين، بتسوية أوضاعهم وتوفير ظروف الاستقرار التي يحتاجونها لمواصلة عملهم من مدن والنزوح.
(3)
ثلاث سنوات خلفت وراءها نُدُوبا على وجه الإعلام في السودان، وفي بيان لنقابة الصحفيين السودانيين (فقد أوقفتْ الحرب معظم المؤسسات الصحفية والإعلاميّة، واضطرتها تحتْ ظروفٍ أمنية، أو سياسية، للتوقّف عن العمل)، مع تدمير ممنهج للبنى التحتية لموسسات الإعلام في السودان، من تضرر الإذاعات والقنوات الفضائية ودور الصحف والمطابع، إلى جانب ضياع كثير لأرشيف الصحف الذي يعود تاريخه إلى عشرات السنين، أرشيف كان يعد ذاكرة للسودان، ثم غاب صوت الموجات وأثير الشاشات وصدى المنصات، ما فتح نوافذ ذهبية لحزمة من المعلومات الكاذبة والمضللة التي غزت الفضاء الرقمي.
هي كلها نُدُوبٌ على وجه السودان.
(4)
ثمانية وعشرون صحفيا وصحفية وعاملا في قطاع الإعلام السوداني ، كل هؤلاء غيبهم الموت عن المشهد الصحفي في السودان، ومن كتبت له النجاة من الموت، تحول إلى عاطل ومتشرد بعد أن فقد أكثر من (90%) وظائفهم.
واقع بائس يعيشه حملة مشاعل الوعي والتنوير، ثم يُغيّبُ الصحفيون عن المشهد، وتُعطّل مؤسساتهم الصحفية التي تعمل على نشر الأخبار والمعلومات، ليرزحوا تحت وطأة النزوح واللجوء والتشرد.
حتما هي نُدُوبٌ على وجه السودان تركتها الحرب، مع دعوات صادقات بأن يعود لجسد الإعلام السوداني عافيته، ليبدأ أهل النص والصوت والصورة بالعودة مجدداً لمخاطبة الأسماع والأبصار والعقول بمحبة وجمال وتفرد وعذوبة ومهنية، مهنية تغرس الأمل من جديد في سودان جديد زاخر بالحق والخير والجمال.
(5)
نُدُوبٌ على وجه الإعلام تركتها الحرب في السودان، من تدمير للمؤسسات وهجرات ونزوح قسري، فعبدالعليم مخاوي نموذج لمئات الصحفيين السودانيين الذين فقدوا وظائفهم بفعل الحرب.
بعد أن أمضى شهورا حسوما بين أزيز الطيران المقاتل ودوي المدافع، ترك مخاوي داره بحي (القوز) العريق بالعاصمة السودانية الخرطوم، ميمما وجهه شطر مدينة كوستي بولاية النيل الأبيض جنوبي السودان، ليتخذها سكنا آمنا له.
ترك عبدالعليم مخاوي مهنة القلم ولاقط الصوت والعدسة، المهنة التي خدم في لعشرات السنوات، ليتحول إلى عامل في سوق الخضروات والفواكه بسوق كوستي، ليعمل على ترحيل بضائع التجار من داخل السوق إلى مواقع أخرى، بثمن زهيدة، ليوفر منها قوتا لأسرته.
يمارس مخاوي مهنته البديلة بمحبة واحترافية وتواضع وصبر ويقين واحتساب وأمل، أمل في توقف الحرب، تمهيدا للعودة مرة أخرى، مجدداً للأهل والديار وممارسة مهنة الصحافة بمحبة واحترافية وجمال وتفرد وعذوبة، عذوبة القلم و (الميكروفون) و (الكاميرا)، ليخاطب الأسماع والأبصار والعقول بعشق ومهنية.
بعد ثلاث سنوات من الحرب في السودان، بدأ عبدالعليم مخاوي أخيراً بتحرير صفحة رياضية لصحيفة (الإخبارية) السودانية التي تصدر في نسخة pdf، ثم تقديم برامج سمعية وبصرية لمنصة (المدرج) كصانع محتوى على المنصات الرقمية المختلفة، في ثنائية مع صديقه، الزميل عمر كمال محمود (رنقو).
مع دعوات صادقات له والآخرين ببلوغ المرامي وتحقيق الأهداف على مختلف الصعد.
حقا هي نُدُوبٌ على وجه الإعلام في السودان.
(6)
حين إندلاع شرارة القتال في العاصمة السودانية الخرطوم، لتنتقل ألسنة اللهب إلى مناطق أخرى، عانى الزميل سراج الدين مصطفى من آلام مرض السكر، الذي تسبب له في إنفصال حاد في الشبكية، وضعف بصره، ليستعين بي في قراءة الرسائل الخاصة به من هاتفه النقال، معاناة عشت بعض فصولها (التراجيدية).
بعد مجهودات بذلت من مختلف القطاعات، تمكن سراج الدين مصطفى من مغادرة مدينة كوستي بولاية النيل الأبيض متوجها إلى مدينة عطبرة شمالي السودانية في ثمان رحلات، حيث أجريت له أربع عمليات لعينيه، ليتمكن من عودة بصره، في رحلة باطنها الرحمة وظاهرها العذاب، عذاب الرحلة بالطريق البري، لتكلفه الرحلة الواحدة ثلاثة أيام بلياليها.
نموذج سراج الدين مصطفى، واحد من مئات النماذج لصحفيين سودانيين، سامتهم الحرب صنوف العذاب، عذاب الموت والبطالة والنزوح، نزوح قطعه محمد الجيلي من وسط السودان إلى ليبيا في رحلة إمتدت لشهور، قطع خلالها عشرات المدن والقرى، إلى جانب نزوح محمد غلامابي، الذي تحول إلى بائع للخضار، وغيره من الصحفيين السودانيين الذين مارسوا مهنة بديلة.
فقط هي نُدُوبٌ على وجه الإعلام في السودان.
(7)
حزن الختام
قصيدة بعنوان من أنا ؟
للشاعر اليمني - أسامة الرضي
خيالُ الليل يسكنُ في رؤايا
وخيلُ الصمتِ تصهلُ في دجايا
صراخ ال آه يصخب في فؤادي
وكل الحزن يُخلق من أسايا
سؤالٌ كشر الأنياب نحوي
ويسألني بعنف ٍ من أنايا ؟
يعاتبي ويضنيني بماذا
ويسأل من انا ولما حنايا ؟
يحاول مقتلي و يريد صلبي
فأهرب نحو أحضان المرايا
أيسأل من انا و انا سؤال ٌ
تذيله القنابل و الشظايا
انا طفلٌ وعمري الفُ عام ٍ
و ليدي غدي وأسكن في صِبايا
أفتش داخلي عني فأحبوا
إلى أمسي ولا ألقى خطايا
انا جفن ٌ ضناه الدمع نعيا ً
انا الطوفان يعبر في حشايا
انا الموؤد في رمز الأماني
انا حلمٌ تغازله المنايا
انا أبنُ الريح و الأمطار أمي
وخلف الغيم تُمطرني الحكايا
انا وطنٌ تؤرقه دموع ٌ
جفاف الأرض يُسقى من بكايا
انا لونٌ سماوي ٌ حنونٌ
أكابر ُ أن أعيش بلا سمايا
انا نجمٌ تؤرقه الليالي
انا ركن ٌ حبيسٌ في الزوايا
اتعرفني لتقرأ صمت بوحي
اتدرك ما تخبئه شفايا ؟
انا عني فقيد ٌ لم اجدني
وتحملني كما طفلٍ يدايا
اواري داخلي أوجاع قومي
و أحمل فوق اكتافي الضحايا
خفافيش المساء تنال صُبحا ً
وصبحي مات حزنا ً في مسايا
*صحافي سوداني
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الإعلام فی السودان على وجه السودان على وجه الإعلام
إقرأ أيضاً:
الجامعة العربية ترحب بتعيين كامل إدريس رئيساً لوزراء السودان
وفقاً لمصدر بأمانتها العامة ستعمل الجامعة على “استعادة مسار التحول المدني وإطلاق عملية سياسية شاملة يقودها السودانيون، تضمن مشاركة جميع مكونات المجتمع المدني السوداني”.
القاهرة: التغيير
رحبت الأمانة العامة لجامعة الدول العربية بتعيين كامل إدريس، رئيساً لمجلس وزراء جمهورية السودان، ووصفت الخطوة بأنها “هامة” على طريق استعادة عمل المؤسسات الوطنية المدنية، وسط أزمة سياسية وإنسانية متفاقمة تعيشها البلاد منذ أكثر من عام.
وقال مصدر مسؤول في الأمانة العامة إن الجامعة العربية “ستكثف جهودها من أجل دعم صون سيادة السودان ووحدة أراضيه، وزيادة الاستجابة الدولية لاحتياجاته التنموية والإنسانية”، كما ستعمل على “استعادة مسار التحول المدني وإطلاق عملية سياسية شاملة يقودها السودانيون، تضمن مشاركة جميع مكونات المجتمع المدني السوداني”.
يأتي هذا الترحيب في أعقاب تعيين إدريس، الخبير القانوني والدولي والمدير السابق للمنظمة العالمية للملكية الفكرية، في خطوة غير مسبوقة منذ اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في 15 أبريل 2023، وهي الحرب التي عطلت مسار التحول الديمقراطي وتسببت في أزمة إنسانية خانقة، ونزوح الملايين داخل وخارج البلاد.
وكانت الجامعة العربية قد شاركت إلى جانب الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي في اجتماع ثلاثي على هامش القمة العربية التي عُقدت في بغداد يوم 16 مايو الجاري، وهو أول اجتماع مشترك على مستوى رؤساء هذه المنظمات منذ اندلاع الحرب، بهدف تنسيق الجهود الإقليمية والدولية لإنهاء الصراع ومعالجة تداعياته السياسية والإنسانية.
ويمثل تعيين إدريس، بحسب مراقبين، محاولة لإعادة الزخم للمسار السياسي المدني، بعد أكثر من عام من الشلل التام في مؤسسات الحكم، وسط جهود متعثرة من أطراف دولية وإقليمية لإطلاق حوار سياسي شامل يقود إلى تسوية سلمية دائمة في السودان.
الوسومالجامعة العربية جامعة الدول العربية كامل إدريس