ماجد حميد الكحلاني

من اليمن إلى غزة… موقف الكرامة لا يُساوَم عليه ففي زمن تتكالب فيه قوى الاستكبار على الشعوب الحرة، لا يمكننا أن نقف صامتين أمام مشهد العدوان المتكرر على اليمن، الذي لم يرتكب ذنباً سوى أنه أعلن وقوفه مع غزة ومع قضايا أمته بوضوح لا لبس فيه. لقد واجهت بلادنا، في الأيام القليلة الماضية، عدواناً أمريكياً غادراً، راح ضحيته أبرياء من الأطفال والنساء، والسبب أن اليمن لم يخضع، ولم يسكت، بل صرخ في وجه الظلم: “أنا مع فلسطين”.

لكن الموقف الرسمي هذه المرة لم يكن صمتاً ولا إدانةً عابرة، بل كان قراراً جريئاً وموقفاً عملياً. ففي زيارة استثنائية لوزارة الاقتصاد والصناعة والاستثمار، أعلن فخامة المشير الركن مهدي المشاط، رئيس المجلس السياسي الأعلى-يحفظه الله- عن منع دخول المنتجات الأمريكية والإسرائيلية إلى اليمن، ومنح مهلة لا تتجاوز ثلاثة أشهر لتطبيق القرار بشكل كامل.. مؤكداً أن المقاطعة ليست خياراً عاطفياً، بل واجب شرعي، يستند إلى نصوص صريحة من القرآن الكريم.

لقد استشهد فخامة الرئيس بالآية الكريمة: “لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا”، وهي دعوة قرآنية لمقاطعة كلمة واحدة كان يستخدمها اليهود لما تحمله من نية سخرية وخبث. فإن كان الإسلام قد أمر بمقاطعة كلمة لما فيها من إهانة، فكيف لا يُلزمنا بمقاطعة منتجات تُستخدم في تمويل الحروب، وشراء الصواريخ، وصناعة الأسلحة التي تزهق أرواح المسلمين في اليمن وفلسطين على حدّ سواء؟

المعركة اليوم لم تعد محصورة في ميادين القتال، بل امتدت إلى ساحة الاقتصاد. ففي كل مرة نشتري فيها منتجاً أمريكياً أو صهيونياً، فإننا نساهم دون أن نشعر في تقوية آلة القتل التي تستهدف شعوبنا. في المقابل، فإن قرار المقاطعة ليس فقط امتناعاً عن الشراء، بل هو موقف أخلاقي، وثورة هادئة، وسلاح بأيدي الشعوب حين تُمنع عنها البنادق.

إن ما يميز هذا القرار اليمني أنه لم يصدر استجابة للغضب الشعبي فقط، بل جاء منسجماً مع هوية الشعب ومبادئه الدينية والإنسانية. هو تأكيد أن الكرامة الوطنية لا يمكن أن تباع أو تُساوَم مقابل رفاهية مزيفة توفرها بضائع العدو. وهو أيضاً تذكير لكل من يتهاون في أمر المقاطعة أن الموقف لم يعد يحتمل التردد، وأن القادم سيكون أشد على من لا يلتزم بهذا الواجب.

إن منح مهلة لثلاثة أشهر هو اختبار للوعي العام، ولضمير كل تاجر ومواطن. فمن يصرّ على الاستيراد أو البيع أو الشراء بعد ذلك، فإنه يصطف بشكل واضح في الصف المقابل للأمة، صف المجرمين والغزاة. وهذا ما أشار إليه فخامة الرئيس بوضوح حين قال: “من لا يقاطع، فليقاطَع من الناس، وقد تُتخذ بحقه إجراءات صارمة.”

اليوم، تُكتب صفحة جديدة من صفحات العزة في تاريخ اليمن. هذه المقاطعة ليست مجرد رد فعل عاطفي، بل معركة وعي وشرف، وأداة مقاومة حضارية. إنها الرسالة التي تقول للعدو: لسنا بحاجة إلى منتجاتكم… كرامتنا أغلى.

ليعلم الجميع ان المقاطعة ليست شعاراً، ولا صيحة لحظية. إنها اختبار حقيقي للإيمان والولاء، امتحانٌ لمدى ارتباطنا بديننا، بقرآننا، بقضايانا. فإما أن نقف في صف الشهداء، أو نكون ممن يموّل قتلتهم.

“إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم” [الممتحنة: 9]

وها هم قد قاتلونا، وأخرجوا أهلنا من فلسطين، وتآمروا على اليمن.

فهل نبقى متفرجين؟ أم نردّ بالوعي… وبالمقاطعة؟

المصدر: يمانيون

إقرأ أيضاً:

الأمة العربية.. مأساة وحدة ضائعة وكرامة مهدورة

 

 

د. سالم بن عبدالله العامري

في خضم التحولات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي يشهدها العالم، تتجلى مأساة الأمة العربية في صورتها الأكثر قتامة، حيث فقدت الأمة كثيرًا من مقومات وحدتها وقوتها، وتبعثرت كلمتها بين مصالح متضاربة وأجندات خارجية، وأصبح البعض يُولي اهتمامًا متزايدًا للعلاقات مع جهات غربية، رغم ما تكتنفه تلك العلاقة من اختلال في موازين الاحترام والمصالح، متجاهلين ما قد ينطوي عليه ذلك من مساس باستقلالية القرار ومكانة الأمة.

واليوم، تتجسد هذه التفرقة في مواقف الدول العربية المتباينة تجاه قضايا مصيرية، مثل القضية الفلسطينية، والأزمات في سوريا واليمن وليبيا، فضلًا عن التطبيع المُتسارع مع الاحتلال الإسرائيلي، الذي أصبح عند البعض حليفًا وشريكًا، رغم سجله الحافل بجرائم الحرب والاضطهاد. يُضاف إلى ذلك التبعية السياسية والاقتصادية للغرب، إذ باتت قرارات بعض العواصم العربية تُتخذ خارج حدودها، وتُنفذ على حساب مصالح شعوبها.

لقد آن للعربي أن يتأمل في مرآة تاريخه، لا ليبكي على الأطلال؛ بل ليقف على ما آل إليه حال أمته التي كانت يومًا منارة للعلم، وقلعة للمروءة، وراية للحق. أمة جمعها لسان واحد، وعقيدة واحدة، وتاريخ حافل بالمجد، تفرقت بها السبل حتى أصبحت كالغثاء، تتقاذفها رياح التبعية، وتنهشها مخالب الأعداء.

في مشهد اليوم، تبدو الأمة العربية كجسد بلا روح، فقد تمزقت أواصر الأخوة بين شعوبها، وغابت وحدة الصف والكلمة، وارتفع صوت العصبيات القُطرية والمذهبية على حساب الانتماء الأوسع، الذي كان، وما زال، يمثل صمام الأمان لهويتها ومكانتها. كيف لا؟ وقد استُبدلت البوصلة، وصار العدو صديقًا يُصافَح، والصديق المخلص يُشيطن ويُقصى، وكأن العقل قد نُزع من الرؤوس، والضمير غاب عن القلوب.

لقد باتت بعض الأنظمة تلهث وراء رضا الغاصب، وتفتخر بالتحالف مع من تلطخت أيديهم بدماء الأبرياء من أبناء الأمة، في فلسطين والعراق وسوريا وغيرها. يُستقبل المحتل بالبساط الأحمر، بينما يُعتقل المناضل، ويُشيطن الحُر، ويُلاحق صوت الحق إن نطق. أما الغرب، الذي لا يزال ينظر إلينا بعين الاستعلاء، فهو المستفيد الأول من هذا الانقسام، يبيع لنا الأمن والشرعية، مقابل إذلال وخضوع، ويزرع الفتن ليحصد الهيمنة. وإن أشدّ ما يثير الحزن، أن هذا التنازل لم يكن ثمرة هزيمة عسكرية فحسب؛ بل كان نتاج هزيمة فكرية ونفسية، أفقدت الأمة ثقتها بذاتها، وحوّلت بعض الأنظمة إلى وكلاء، والشعوب إلى متفرجين، يتجرعون الذل على الشاشات، ويصرخون في صمت.

اللافت في هذا المشهد، أن الغالبية من الشعوب العربية لا تزال تحتفظ بوعيها الجمعي، وترفض الذل والهوان، وتطمح إلى وحدة حقيقية تضمن الكرامة والعدالة والسيادة. لكن هذا الوعي يصطدم بواقع تحكمه أنظمة لا تمثل الإرادة الشعبية؛ بل تسعى للحفاظ على سلطتها حتى وإن كان الثمن هو الخضوع والتبعية. لقد تجاوز المشهد حدود السياسة إلى خلل في البنية النفسية والحضارية، جعلت من الذل خيارًا، ومن الانكسار سياسة.

ومع ذلك، فإن الأمة لم تمت، وإن بدا عليها الوجع. فما زال في كل مدينة قلب ينبض، وفي كل قرية روح تقاوم، وفي كل جيل بصيص وعي يتخلق. الحجارة في القدس، والدم في غزة، والهتاف في شوارع العواصم، كلها تقول: إن الشعوب لم توقّع بعد على وثيقة الهزيمة، وإن للكرامة مكانًا في قلوب الأحرار. فوعي الشعوب العربية، وإن أُريد له أن يُدفن تحت ركام الدعاية والتضليل، لا يزال حيًا، يبحث عن لحظة انبعاث، وعن قيادة صادقة تُعيد ترتيب البيت العربي على أسس العدل والكرامة والسيادة.

إن المخرج من هذا الوضع المأساوي لا يكون إلا بعودة الوعي القومي والديني الحقيقي، وتوحيد الصفوف حول الثوابت التي لا خلاف عليها، والتحرر من كل أشكال الارتباط بالقوى التي تعمل على تقويض إرادة الأمة وسلب قرارها، وتجديد المشروع الحضاري العربي الذي ينطلق من إرادة الشعوب لا من مصالح النخب أو توجيهات الخارج؛ فالأمة التي أنجبت عمرًا والمعتصم وصلاح الدين، قادرة على أن تنهض من كبوتها، متى ما عادت إلى ذاتها، وطرحت عن كاهلها أثقال التبعية والتشرذم. ومتى ما اجتمعت الكلمة، وتآلفت القلوب، فإن الفجر لا بد أن يبزغ، مهما طال ليل الشتات.

في النهاية، يبقى الأمل معقودًا على الأجيال الجديدة، التي وإن عاشت في زمن الانقسام، إلا أنها تملك أدوات التغيير والمعرفة، وقادرة على قلب الموازين متى ما اجتمعت على هدف واحد: كرامة الأمة ووحدتها.

 

مقالات مشابهة

  • نصّاب عبر أنستغرام .. شرطة العاصمة توجه نداءً للجمهور
  • جلالة السُّلطان يتلقى رسالة خطية من رئيس القمر المتحدة
  • بمشاركة دولية.. السليمانية تستعد لإطلاق أول مهرجان لثقافات الشعوب (صور)
  • الهند تخوض حربًا ضد تركيا عبر المقاطعة
  • تحيات جلالة السلطان إلى رئيس بيلاروس ينقلها السيد ذي يزن
  • الأمة العربية.. مأساة وحدة ضائعة وكرامة مهدورة
  • تحيات جلالة السلطان إلى رئيس بيلاروس نقلها السيد ذي يزن
  • الهند تقاطع المنتجات التركية
  • الرئيس السيسي يستقبل نظيره اللبناني في قصر الاتحادية
  • سعر رولز رويس كولينان 2025 في السعودية .. فخامة بمظهر رياضي