عين ليبيا:
2025-12-12@19:20:28 GMT

القضية الليبية.. واقع مرير والبحث عن الحل

تاريخ النشر: 6th, July 2025 GMT

كتب الكثير وقيل الكثير، وعُقدت مؤتمرات ولقاءات وطنية وخارجية، وصدرَت قرارات لم تُنفَّذ، ووُعِد الشعب الليبي بوعود لم تُحقَّق. جرت انتخابات المؤتمر الوطني العام عام 2012، ثم انتخابات البرلمان في 2014، وانتُخِبت هيئة إعداد الدستور منذ 2017، وبقي مشروعها في الأدراج حتى اليوم. ثم جاء موعد 24 ديسمبر 2021 ليُقفَز عليه دون أن ترى الانتخابات النور.

توالى على ليبيا عشرة مبعوثين أمميين عمل أغلبهم على تدوير الأزمة بدل حلّها، وقد يزداد العدد ليصل عشرين أو أكثر، فيما البلاد تزداد غرقًا في أزمات متلاحقة: سياسية، اقتصادية، وأمنية، بلا مبرر واضح ولا أفق. كل ذلك يحدث أمام أعين الأمم المتحدة والمجتمع الدولي… وأمام الشارع الليبي الذي بدأ أخيرًا يتحرك، ولعلّه – رغم كل شيء – قد يكون بداية الحل الأمثل.

انقسام قديم أم جديد؟

حين اندلعت أحداث فبراير 2011، بدا للبعض أن الليبيين انقسموا فجأة بين مؤيدين للنظام السابق ومطالبين بإسقاطه. لكن الحقيقة أن هذا الانقسام لم يولد حينها، بل كان موجودًا قبل ذلك، وظلّ مستترًا بفعل القبضة الأمنية والخوف من البطش.

منذ السبعينيات، انقسم الليبيون في تقديرهم للمسار الوطني: فئة رأت أن ليبيا فقدت طريقها بعد تعطّل الدستور والمؤسسات، وفئة أخرى تمسكت بالنظام خوفًا من اهتزاز بلد هشّ البنية القبلية والمناطقية.

بين الإصلاح والثورة

كانت هناك أصوات تطالب بالإصلاح التدريجي بدلًا من الثورة الشاملة، خوفًا من انهيار الدولة لا مجرد سقوط السلطة. في المقابل، رأى آخرون أن البلاد بحاجة إلى بداية جديدة تُعيد روح الاستقلال ودستور 1951.

أزمة تركيبة المجتمع والدولة الغائبة

المفارقة أن الدولة أسهمت هي نفسها في ترسيخ البنى التقليدية من قبيلة وجهة ومنطقة بدلًا من مشروع وطني حديث. فظلت الدولة هشة، وزادت هشاشتها بعد عام 2011.

التدخل الأجنبي.. بين الترحيب والخيبة

حين تدخّل الخارج لإسقاط النظام، رحّب البعض بدافع المصلحة أو حسن النية، آملين أن يُصلح الأجنبي ما فسد. لكن قلة قليلة توقعت منذ البداية خطورة هذا التدخل وتداعياته الطويلة.

غياب المشروع الوطني

بعد سقوط النظام، اجتمع الليبيون حول هدف واحد هو التغيير . لكن سرعان ما انكشف غياب رؤية واضحة لما بعد ذلك الهدف، فبرز التنازع والخلافات الشخصية والتخوين، واستُدعيت خلافات الماضي بدلًا من الوحدة لبناء المستقبل.

لماذا تراجعنا وكيف نبني الدولة؟

هذا المقال تذكير بأننا بحاجة لمراجعة جذور أزمتنا الاجتماعية والثقافية والسياسية. لماذا كنا في السبعينيات من الدول المتقدمة نسبيًا ثم توقفنا وتراجعنا، رغم أننا الأسبق في الاستقلال ولدينا ثروات وإمكانات هائلة؟

لماذا لا نستفيد من تجارب دول الجوار التي نجحت في ترسيخ ثقافة الدولة والقانون؟ ولماذا نقدّم القبيلة أو المنطقة على الوطن كلما سُئلنا عن هويتنا؟

كيف نبني دولة بينما مناطق واسعة كانت رهينة الفوضى والإرهاب قبل أن تتحرر بتضحيات الجيش وتصبح منارة للإعمار؟ ولماذا لا نعترف بأن العاصمة لازالت تعاني فوضى أمنية وعجزًا تنمويًا يزيد من تفاقم الأزمات الاقتصادية؟

واقع الليبيين اليوم.. وأولوية الأمن والاستقرار

نسى الليبيون إلى حد كبير الأحداث الدامية الماضية، وأصبحوا جميعًا يتوقون إلى حل حقيقي ينهي أزمتهم الطويلة. لكن هذه المرة، يبدو أن هناك وعيًا أكبر بمواطن الخلل التي عانت منها البلاد، ورفضًا لأي حلول تُفرض عليهم من الخارج أو تُقدّم بشكل غير واقعي، وهو انعكاس لثقافة الدولة الريعية التي اعتاد عليها البعض.

الجميع اليوم يتفقون على نقطة أساسية: الأمن والاستقرار هما الأساس الذي لا يمكن تجاوزه. فعملية بناء دولة ديمقراطية سياسية لن تكون ممكنة في ظل وجود السلاح خارج إطار سلطة الدولة الشرعية. ولا يمكن تحقيق ذلك إلا بالاعتراف بسلطة واحدة قادرة على قيادة مشروع وطني جامع.

لقد فشل خيار التعددية الفوضوية القائمة على الجموع والانتخابات المتعددة التي تتصدر الأولويات، لكن الحقيقة أن الانتخابات يجب أن تكون أولوية ثانية، بعد ضمان الأمن والاستقرار الذي هو القاعدة الصلبة لأي عملية سياسية ناجحة.

هل يكفي الحل الليبي – الليبي… أم نحتاج دورًا إقليميًا؟

رفعنا طويلًا شعار «الحل الليبي – الليبي»، لكن مع فشل المحاولات الوطنية المتكررة، تبرز الحاجة لدور خارجي إقليمي داعم لا مفروض.

تبدو جمهورية مصر العربية الأقرب للعب هذا الدور البناء: بروابطها التاريخية والاجتماعية مع ليبيا، ومصلحتها المباشرة في استقرار بلدنا، فضلًا عن علاقاتها المتوازنة مع الأطراف الليبية المختلفة.

وتزداد أهمية هذا الدور إذا ما تزامن مع تعاون مصري–تركي، مستند إلى علاقات مصر الدولية مع أمريكا وبريطانيا وفرنسا وروسيا والصين، وحتى تركيا نفسها.
التعاون بين مصر وتركيا يمكن أن يخلق مساحة توافق إقليمي حقيقية تُمكّن الليبيين من إيجاد حل مستدام، بدلًا من الرهان وحده على الدول الكبرى.

ورغم محاولات البعض تشويه هذا الدور لأسباب سياسية أو جهل بطبيعة العلاقات الدولية، إلا أن الواقع يقول إن الدورين المصري والتركي، معًا، أقرب لتحقيق اختراق حقيقي من أي وساطات دولية بعيدة عن الأرض الليبية.

خاتمة: ما بعد الواقع المرير

بعد أربعة عشر عامًا من الانقسام والفوضى والوعود المؤجلة، آن الأوان أن نواجه الحقيقة:

الحل لا يأتي بشعارات جوفاء ولا بإقصاء نصف الشعب، بل ببناء دولة مؤسسات وقانون، والاعتراف بما تحقق من أمن واستقرار وتوسيعه ليشمل كل ليبيا.

نحتاج إلى مشروع وطني جامع، لا يُقصي أحدًا ولا يُستورد جاهزًا من الخارج، بل ينطلق من داخلنا وبدعم شركائنا الإقليميين الأقرب إلينا فهمًا ومصلحة.

دولة تجمع الليبيين لا تفرقهم، تعيد الاعتبار للإنسان الليبي، وتبني المستقبل بثرواته وعقول أبنائه… فهل نجرؤ على ذلك قبل أن يضيع وطن بأكمله؟

ولا نملّ التكرار في تناول قضيتنا الليبية، في محاولة للبحث عن الحلول، بخطاب يخاطب العقول النيّرة ويأخذ بيدها نحو التفكير والابتعاد عن السلبية… خطاب صادق تلتقطه القلوب الصافية بكل خشية من الله، أملاً في أن يكون بذرة خير تُثمر مستقبلًا مختلفًا.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

المصدر: عين ليبيا

كلمات دلالية: بدل ا من

إقرأ أيضاً:

تزايد معدلات العنف.. ما الحل؟

العنف أصبح ظاهرة يومية في مصر؛ لا يمر يوم إلا وتطالعنا الصحف والمواقع الإخبارية بحادثة عنف هنا أو هناك باختلاف أنواع تلك الحوادث والجرائم. والحديث هنا ينصب على العنف والإيذاء الجسدي الذي يصل حد القتل وإزهاق الأرواح. سواء كان عنفاً أسرياً، ضد الأطفال والنساء، أو حتى جرائم الاعتداء الجنسي على الأطفال التي تعد من أخطر وأشدّ صور العنف الإنساني. لأنه عنف متعدد المستويات؛ خليط من مختلف أنواع العنف والاعتداء، بدنياً وجنسياً ونفسياً، لذلك هو من أعلى درجات العنف المسجّلة عالميًا.
الإحصاءات والبيانات الخاصة بالعنف في مصر ــــ وتلك قضية كبرى ومهمة ــــ تشير إلى أن هناك زيادات واضحة في جرائم العنف خاصة ضد النساء في مصر خلال السنوات الأخيرة بمختلف أشكالها: قتل، تحرش، اغتصاب، وعنف أسري. القاهرة والجيزة من أكثر المحافظات التي تُسجّل فيها تلك الجرائم بحسب مرصد جرائم العنف ضد النساء والفتيات التابع لـمؤسسة إدراك للتنمية والمساواة، والذي يقول إن مصر سجلت خلال عام 2024 نحو 1195 جريمة عنف موجهة ضد نساء وفتيات في مصر. وأن من بين هذه الجرائم نحو 363 جريمة قتل، وفي تقرير نصف-سنوي صدر حديثًا في 2025 وثق المرصد 495 جريمة عنف ضد النساء والفتيات خلال النصف الأول من العام. ما يلفت الانتباه أن غالبية جرائم القتل في التقرير — حوالي 89.5٪ — ارتكبت من قبل أحد أفراد الأسرة أو شريك/زوج. و أن جرائم القتل ضد النساء في 2025 كادت تتجاوز مستويات 2024 رغم أن البيانات نصف سنوية فقط.
الإشكالية الكبرى هنا أننا بصدد ظاهرة مركبة؛ أخذه في التزايد والانتشار، لكن رغم ذلك، الرقم الرسمي لا يعكس كل الحالات، خصوصًا في ظل العنف غير المعلن أو غير المبلّغ عنه. ولا توجد — حتى الآن — بيانات رسمية شاملة أو دورية تُنشر لجمهور عام (على مستوى جميع أنواع الجريمة/العنف) تكفي لرسم صورة كاملة ودقيقة. و أن التقارير على مستوى المراصد والمراكز المستقلة تعتمد بشكل رئيسي على “ما تم الإبلاغ عنه واكتشافه، ونشره في الصحف، ما يعني أن عدد الحالات الحقيقية قد يكون أعلى بكثير مما يُسجَّل. في ظل غياب إحصائيات رسمية حديثة من جهات أمنية أو هيئة وطنية موثوقة، وغياب تحديثات دورية، يجعل من الصعب تقييم تطور الحالة على مستوى المجتمع بأكمله.
نحن في حاجة ملحة لإستراتيجية وطنية لمكافحة العنف بمختلف أنواعه وأشكاله، قائمة على مقاربة متعددة مستويات؛ تبدأ بمراجعة التشريعات القائمة وتغليظ العقوبات بها، وإذا ما كان هناك حاجة لتشريعات جديدة. ثم إنشاء نيابات متخصصة للعنف الأسري. من أجل تحقيق ردع مباشر، وتقليل الجرائم قبل وقوعها. المستوى الثاني من تلك المقاربة يتعلق بالوعي والتوعية وهنا دور الإعلام والدراما في هذا السياق، ولعل إشارة الرئيس عبد الفتاح السيسي المهمة والخاصة بمراجعة الأعمال الفنية التي تمجّد العنف والبلطجة أو تربط “الفهلوة” بالبطولة، وضرورة استعادة الدراما المصرية التي تعكس وتقدم الشكل الحقيقي للمجتمع المصري. وأخيرا المستوى الثالث من تلك المقاربة والمعني بمحور التعليم والتنشئة خاصة مع ازدياد وتيرة العنف بالمدارس في مراحل التعليم المختلفة وكيفية مواجهة تلك الظاهرة من تحصين الأجيال الجديدة قبل مرحلة الخطر.

مقالات مشابهة

  • تزايد معدلات العنف.. ما الحل؟
  • المحللون الحزبيون على الشاشات… من يمثل من؟ واقع إعلامي بلا اسمنت مهني
  • سرقة الأسورة الأثرية تهز المتحف المصري وجلسة 14 ديسمبر للفصل في القضية
  • قادربوه: قلقون بشأن موقع ليبيا ضمن مؤشرات الفساد الدولية
  • بعثة الأمم المتحدة تشدد على مركزية حقوق الإنسان في خارطة الطريق الليبية
  • مشعل: القضية الفلسطينية استعادت حضورها الدولي والطوفان كشف الوجه الحقيقي لـ"إسرائيل"
  • حرب وانتهاكات جسيمة: السودان.. واقع مظلم في يوم حقوق الإنسان
  • من إسلام آباد.. الرئيس الإندونيسي يجدد التزام بلاده بدعم القضية الفلسطينية
  • الخارجية بالحكومة الليبية تستدعي القنصل اليوناني احتجاجًا على تصريحات تمس السيادة
  • ليبيا تواصل ترحيل المهاجرين «غير الشرعيين»