في توقيت سياسي حساس، وقبيل أسابيع من الانتخابات الأوروبية، فجّر وزير الداخلية الفرنسي برونو ريتيلو جدلاً واسعاً بإعلانه عن تقرير "سري" يتعلق بجماعة الإخوان المسلمين ونشاطها المفترض داخل فرنسا. التصريحات التي صدرت خلال جلسة لهيئة المحلفين الكبرى، بحضور وسائل إعلام فرنسية، حملت اتهامات مباشرة للجماعة بـ"التهديد للجمهورية الفرنسية" من خلال ما وصفه الوزير بأنه "تسلل ناعم" إلى المدارس، والأندية الرياضية، ومعاهد التدريب الخاصة.



الوزير المحسوب على التيار اليميني، والمعروف بخطابه المتشدد تجاه ما يسمى "الإسلام السياسي"، أشار إلى أن هذا التقرير سيُناقش في اجتماع مجلس الدفاع الذي سيُعقد في 21 أيار/مايو الجاري برئاسة إيمانويل ماكرون. وأكد ريتيلو أن التقرير، رغم كونه سرياً، قد تُنشر منه مقتطفات لاحقاً للرأي العام، دون الكشف الكامل عن مضمونه.

السياق السياسي والأمني:

تأتي هذه التصريحات في خضم تصاعد الخطاب اليميني في فرنسا، وارتفاع وتيرة استثمار ملف "الإسلام السياسي" في الحملات الانتخابية، خصوصاً مع اقتراب الانتخابات الأوروبية المقررة في حزيران/يونيو 2025. كما أنها تأتي بعد إعلان الحكومة الفرنسية، قبل أيام فقط، عن تكليف اثنين من كبار مسؤوليها بإعداد تقارير معمقة عن نشاط جماعة الإخوان المسلمين في البلاد، ما يكشف عن وجود خطة رسمية تستهدف تضييق الخناق على الجماعة وسياقاتها الاجتماعية والدينية.

وتعيد هذه الخطوة إلى الأذهان الحملات الحكومية التي أطلقتها فرنسا بعد مقتل المدرّس الفرنسي صامويل باتي في 2020، وما تبعها من تشريعات وتشديدات أمنيّة طالت العديد من الجمعيات الإسلامية، وبعض المساجد، تحت ذريعة "مكافحة التطرف والانفصالية الإسلامية". غير أن منتقدي هذه السياسات، من بينهم منظمات حقوقية وصحف دولية، يعتبرونها في كثير من الأحيان ستاراً لتقييد الحريات الدينية واستهداف المسلمين ككل.

الإخوان في الخطاب الفرنسي.. تهديد مركزي أم فزاعة انتخابية؟

رغم عدم تقديم دلائل علنية على نشاطات "مهدِّدة" لجماعة الإخوان المسلمين داخل فرنسا، إلا أن الخطاب الرسمي بات يُقدّم الجماعة باعتبارها "عدواً داخلياً ناعماً"، كما عبّر ريتيلو، في مقابل "الإرهاب العنيف" الذي تمثّله التنظيمات الجهادية. وتستند الحكومة إلى خطاب يشدد على "الاختراق الثقافي" للجماعة ضمن المجتمع المدني، دون تقديم شواهد قانونية ملموسة.

وفي ظل غياب تعريف قانوني واضح للجماعة في السياق الفرنسي، فإن هذا الخطاب يعكس رغبة سياسية أكثر من كونه مبنياً على تحقيقات جنائية دقيقة. وما يعزز هذا التحليل هو توقيت الإعلان عن التقرير "السري"، والذي يهدف على ما يبدو إلى استقطاب الناخبين اليمينيين والوسطيين، الذين يشكلون خزانا انتخابيا حاسما في الانتخابات الأوروبية.

هل نحن أمام حملة سياسية أم خطر حقيقي؟

التحركات الأخيرة، بما فيها فتح ملفات تقارير أمنية وإشراك مجلس الدفاع في مناقشة قضية غير مسلحة، تثير تساؤلات جدية حول مدى واقعية التهديد المفترض. فبينما يبرر الوزير ريتيلو هذه الخطوة بضرورة "حماية الجمهورية"، فإن المعارضين يعتبرونها حملة شعبوية تصب في مصلحة رفع أسهم التحالفات اليمينية، خصوصاً أن ماكرون نفسه يتعرض لضغوط متزايدة من اليمين المتطرف بقيادة مارين لوبان، ومن صعود موجة "الفرنسة السياسية" التي تربط الأمن بالهوية والثقافة.

في المقابل، تلتزم المؤسسات الإسلامية في فرنسا الصمت الحذر، تجنباً لمزيد من التصعيد أو التهم الجاهزة، بينما لم تُقدَّم حتى اللحظة وثائق تُثبت أن جماعة الإخوان، كتنظيم، تمارس نشاطاً منظماً على الأراضي الفرنسية.

في فرنسا، حيث الهوية والدين والأمن تلتقي في خطوط صدام مستمرة، يبدو أن جماعة الإخوان المسلمين ـ أو صورتها النمطية ـ باتت ورقة سياسية يتم استخدامها مع كل موسم انتخابي أو أزمة هوية. التقرير "السري" الذي يُنتظر أن يُطرح على طاولة ماكرون بعد أيام، قد لا يكشف جديداً أمنياً، لكنه بالتأكيد يكشف الكثير عن المزاج السياسي الفرنسي، واتجاه البوصلة نحو المزيد من المراقبة، وربما التشريع، بحق المسلمين في فرنسا.




من جانبه، قال الدكتور محمد غانم، القيادي في جماعة الإخوان المسلمين، في تصريحات خاصة لـ"عربي21"، إن الجماعة لا تتدخل في شؤون أي دولة، ولا تمارس أي نشاط سياسي خارج الأطر القانونية، مضيفاً أن "حركتنا حركة تثقيفية بالأساس، تدعو إلى الإسلام الوسطي المتزن، وتعتمد الخط المعتدل".

ورأى غانم أن مشكلة السلطات الفرنسية، كما هو حال كثير من الأنظمة العربية، أنها لا تحتمل هذا الخط الوسطي، وتسعى إلى اجتثاثه لأنه لا يخدم مشاريعها السلطوية أو الاستئصالية. وقال: "وزير الداخلية الفرنسي، ومعه كثير من النظم، يعادون الإخوان لا لشيء، إلا لأنهم أصحاب تفكير معتدل لا يتوافق مع نزعات التطرف أو الاستبداد".

وشدد على أن الإخوان يُحارَبون لأن خصومهم لا يجدون ما يواجهونهم به سوى تلفيق تهم التطرف، رغم أن تاريخ الجماعة وخطابها السياسي والدعوي يدعوان إلى الاعتدال والاندماج المجتمعي. وأضاف: "حين لا يجدون علينا شيئاً حقيقياً، يدّعون أننا متطرفون.. مع أن جوهر دعوتنا هو الإسلام الوسطي الذي يعلي من قيم التسامح والتعايش".

وفي تصريحات خاصة لـ"عربي21"، قلّل القيادي وفي تصريحات خاصة لـ"عربي21"، قلّل القيادي في جماعة الإخوان المسلمين محمود الأبياري من أهمية المزاعم التي قد يتضمنها التقرير السري الفرنسي بشأن الجماعة، مؤكداً أن الإخوان لم يشكلوا في أي وقت من الأوقات تهديداً لأي دولة أوروبية، وأن تاريخ الجماعة وأفكارها لا يتضمنان ما يستدعي العداء أو التخويف.

وأضاف الأبياري أن حديث وزير الداخلية الفرنسي،، لا يمكن فصله عن حالة التعبئة ضد المسلمين في فرنسا ، في وقت يتصاعد فيه الخطاب الشعبوي في البلاد.

وشدد على أن المسلمين في فرنسا، كما في باقي دول أوروبا، باتوا مكوناً أصيلاً من المجتمعات الأوروبية، ولا يمكن التعامل معهم كجسم غريب أو تهديد أمني، داعياً إلى معالجة الأزمات الاجتماعية والسياسية بعيداً عن أساليب الشيطنة والاستقطاب.


المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية تقرير فرنسا فرنسا اخوان تقرير ردود المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة جماعة الإخوان المسلمین المسلمین فی فی فرنسا

إقرأ أيضاً:

ثورة 30 يونيو.. يوم استعاد فيه المصريون الوطن والهوية

تفصلنا أيام قليلة على الذكرى الثانية عشرة لثورة 30 يونيو، التي مثلت نقطة تحول فارقة في تاريخ مصر، حيث غيرت هذه الثورة مسار البلاد، وأنقذتها من الانزلاق في نفق مظلم مجهول، خاصة بعدما سيطرت جماعة الإخوان على مؤسسات الدولة، كما أنقذت الثورة مصر من محاولات الجماعة المتكررة لتغيير الهوية المصرية وجر البلاد إلى صراعات إقليمية.

ثورة 30 يونيو واستعادة الهوية المصرية

أدرك الشعب المصري مبكرا خطورة هذا المسار الذي كانت ستسلكه البلاد، خاصة بعدما ظهرت نية جماعة الإخوان لتحويل مصر إلى أداة لتنفيذ أجندات خارجية، بهدف اختراق الدولة المصرية من الداخل.

لم يستغرق الأمر سوى عام واحد من حكم الجماعة لتنكشف نواياها الحقيقية، فقد سعوا إلى إضعاف مؤسسات الدولة، وتهميش القضاء، والسيطرة على الإعلام، واستعداء الجيش، والارتهان لقوى خارجية، مما شكل تهديدًا مباشرًا للأمن القومي المصري.

لم تتوقف الجماعة الإرهابية عن استفزاز الشعب المصري، ففي 8 يوليو 2012، أصدر محمد مرسي قرارا جمهوريا بإعادة مجلس الشعب المنحل، متحديًا بذلك حكم المحكمة الدستورية العليا التي قضت بعدم دستورية قانون الانتخابات، وفي 22 نوفمبر 2012، أصدر إعلانًا دستوريًا مكملًا منح نفسه سلطات واسعة وحصن قراراته من الطعن القضائي، كما منع حل مجلس الشورى والجمعية التأسيسية لوضع الدستور الجديد.

ثورة 23 يونيو

أشعلت هذه الخطوات فتيل الاحتجاجات في الشارع المصري، وردًا على ذلك، حشدت الجماعة أنصارها في مظاهرات مؤيدة، وقام أعضاء وأنصار الإخوان بالاعتداء على المتظاهرين السلميين مستخدمين الأسلحة، مما أدى إلى استشهاد وإصابة العشرات، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد عادوا الإعلام والصحافة، متوعدين كل من يتحدث عن انتهاكاتهم ومخالفاتهم.

وفي تحد آخر لاستقلال القضاء، أصدر محمد مرسي قرارًا بتعيين النائب العام من بين أعضاء السلطة القضائية بقرار رئاسي لمدة أربع سنوات، ترتب على هذا القرار عزل النائب العام المستشار عبد المجيد محمود، مما أثار غضبًا عارمًا داخل الأوساط القضائية، ولم يمر الأمر مرور الكرام، فقد عقد القضاة اجتماعًا طارئًا تحت عنوان «يوم أسود في تاريخ القضاء المصري»، لينتهي الصراع بانتصار إرادة القضاء وتراجع الرئيس الإخواني عن قراره.

وعاني الشعب المصري خلال حكم الإخوان من تدني الخدمات بشكل كبير، وتفاقمت الأوضاع سوءًا، حيث واصلت الجماعة استغلال الشعارات الدينية لتنفيذ مصالحها، لكن الشعب المصري كان على درجة كبيرة من الوعي، لذا بدأ المصريون في التحرك، وتمرد الشباب على حكم الإخوان وشرعوا في جمع ملايين التوقيعات من المصريين فيما عرف وقتها بحركة تمرد والتي قادها الشباب المصري.

ولكن قوبلت هذه الجهود بالاستهزاء من قبل مرسي وجماعته، ولكن المصريين كانوا على الموعد في 30 يونيو فخرج الملايين إلى الشوارع في واحدة من أكبر الحركات الشعبية في تاريخ مصر الحديث معلنين رفضهم القاطع لحكم جماعة الإخوان، ومطالبين باستعادة الدولة من مشروع كان يهدد بتفكيكها وإضعاف مؤسساتها.

اقرأ أيضاًمدبولي: ثورة 30 يونيو كانت بداية تصحيح المسار للدولة المصرية

«مصطفى بكري»: ثورة 30 يونيو عظيمة وستبقى خالدة في الذاكرة مدى الدهر

مقالات مشابهة

  • الحرب على الوعي.. كيف تسعى منصات الإخوان لتزييف الحقائق؟
  • ثورة 30 يونيو.. يوم استعاد فيه المصريون الوطن والهوية
  • حسام الغمري: جماعة الإخوان كذبت وقالت لولا حسن البنا ما قام الإسلام.. فيديو
  • «تريندز»: الإخوان في فرنسا.. شبكات خفية تغيّر ملامح الهوية
  • محمد شومان يهدد الجماعة الإرهابية بفضحهم أمام الإعلامي أحمد موسى.. تفاصيل
  • الكلاب تحتل مقر جماعة حربيل بمراكش
  • جون نويل بارو وزير الخارجية الفرنسي
  • في ذكرى ثورة 30 يونيو.. حسام الغمري يفتح خزائن أسراره لفضح جرائم الإخوان
  • انهيار صومعة قمح حديثة يثير جدلاً واسعًا في العراق
  • جماعة الحسيمة تشرع متأخرة في تهيئة الشواطئ