شهدت شبه القارة الهندية خلال الفترة الماضية تصعيدًا غير مسبوق بين الجارتين النوويتين الهند وباكستان، وسط ضربات عسكرية متبادلة وتهديدات متزايدة تنذر بانزلاق المنطقة نحو حرب شاملة، وبدأت المواجهة بعد أن أطلقت الهند صواريخ باليستية استهدفت العمق الباكستاني، كان أخطرها ضربة مباشرة لقاعدة عسكرية تقع على بُعد 10 كيلومترات فقط من العاصمة إسلام أباد.

 

واستهدفت نيودلهي ثلاث قواعد عسكرية أخرى داخل الأراضي الباكستانية، في تصعيد هو الأعنف منذ سنوات، وجاء الرد الباكستاني سريعًا عبر عملية عسكرية أطلقت عليها إسلام أباد اسم "البنيان المرصوص"، أسفرت عن تدمير سبعة مواقع عسكرية هندية وعدد من الأهداف الحيوية، أبرزها منظومة الدفاع الجوي المتطورة S-400، إضافة إلى هجوم سيبراني واسع النطاق عطل نحو 70% من شبكة الكهرباء الهندية، ما تسبب في شلل مؤقت بمناطق عدة.

وفي تطور نوعي، أعلنت باكستان إسقاط خمس طائرات مقاتلة هندية من طراز رافال، ميج-29، وسوخوي، إلى جانب تسع مسيرات إسرائيلية الصنع، في ضربة قاسية لقدرات سلاح الجو الهندي، وبحسب مراقبين، فإن السيناريو الأقرب هو استمرار التصعيد، خاصة في ظل غياب أي تحرك دولي جاد لوقف الحرب، ويتزايد القلق الدولي بعد أن دعا رئيس الوزراء الباكستاني، شهباز شريف، لاجتماع عاجل لهيئة القيادة الوطنية المسؤولة عن إدارة الترسانة النووية في البلاد، في إشارة واضحة إلى احتمالية اللجوء إلى الخيار النووي، خصوصًا إذا قررت الهند الدفع بقواتها البرية لاجتياح الأراضي الباكستانية.

وتفوق السلاح يعد قضية حيوية تساهم في تشكيل التوازنات الدولية والإقليمية فقد أثبت التعاون بين باكستان والصين أنه يمكن أن ينتج عنه نتائج ملموسة كتفوق عسكري وفي المقابل، تسعى مصر تحت قيادة الرئيس السيسي إلى تعزيز قدراتها العسكرية من خلال تنويع مصادر تسليحها وزيادة استثماراتها في القطاع الدفاعي.

ومنذ أن تولى الرئيس عبد الفتاح السيسي مقاليد الحكم في مصر عام 2014، شهدت المؤسسة العسكرية نقلة نوعية شاملة لم تعرفها البلاد منذ عقود، أعادت مصر تعريف قوتها العسكرية عبر تحديث وتنوع ترسانتها من السلاح، في مشهد يؤكد عودتها بقوة إلى الساحة الإقليمية والدولية، ليس فقط كقوة دفاعية، بل كرقم صعب في معادلة الأمن في الشرق الأوسط وإفريقيا.

وتُعتبر تعزيز القدرات العسكرية جزءًا أساسيًا من استراتيجية الأمن القومي المصري في ظل المتغيرات الجيوسياسية المعقدة في المنطقة، مع الصعود المستمر للتهديدات الأمنية، سواء من الجماعات المسلحة أو من التوترات بين الدول، أصبح لزامًا على مصر أن تعزز من قدراتها العسكرية لمواجهة هذه التحديات.

التوجه الجديد لمصر في تعزيز قدراتها الدفاعية ليس فقط نتيجة مباشرة للتهديدات، بل هو أيضًا جزء من رؤية تكاملية لأمن إقليمي مستدام، وبمساعدة الحلفاء الاستراتيجيين، تسعى مصر إلى بناء شبكة من التعاون الأمني والدفاعي، مما ساهم في استقرار حوض البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط. 

فبينما كان المراقبون يعتبرون التنوع العسكري ترفًا لا ضرورة له، أدركت القيادة المصرية أن البقاء في منطقة تموج بالصراعات، يتطلب جاهزية تامة واستقلالًا استراتيجيًا في القرار العسكري، فشهدت السنوات الأخيرة تحولات حاسمة في سياسة التسليح، انطلقت من مبدأ "عدم الارتهان لمصدر واحد"، وهو ما عبرت عنه صفقات ضخمة امتدت من الغرب إلى الشرق، ومن السماء إلى أعماق البحار.

ولطالما ارتبطت القوات المسلحة المصرية بالسلاح الأمريكي، خاصة منذ اتفاقية كامب ديفيد، وهو ما خلق نوعًا من التبعية الاستراتيجية في فترات حساسة، غير أن القيادة الجديدة وضعت نصب عينيها كسر هذه الحلقة، فبدأت رحلة تنويع مصادر السلاح، ما فتح آفاقًا جديدة أمام الجيش المصري للولوج إلى أسواق التسليح العالمية بلا قيود سياسية أو فنية.

ففي عام 2015، وقعت مصر صفقة تاريخية مع فرنسا لشراء 24 طائرة رافال متعددة المهام، لتصبح أول دولة تحصل على هذه الطائرة بعد فرنسا، وهو ما اعتُبر بمثابة شهادة ثقة دولية في قدرات مصر التسليحية والتدريبية، لم تكتف القاهرة بذلك، بل أتبعت الصفقة بشراء حاملة المروحيات ميسترال، وهي أول قطعة بحرية من هذا النوع تدخل الأسطول المصري، ما جعل مصر الدولة الأولى في الشرق الأوسط التي تمتلك حاملة مروحيات هجومية.

وشكل سلاح الجو العمود الفقري للردع المصري، وتوسع تنويعه بشكل كبير خلال العقد الأخير، فإلى جانب الرافال الفرنسية، حصلت مصر على مقاتلات ميغ-29M/M2 الروسية المتطورة، كما عززت ترسانتها من طائرات F-16 الأمريكية، وهو ما وفر مظلة جوية متكاملة تجمع بين القوة والمرونة والتكنولوجيا المتقدمة.

وأصبحت مصر تمتلك إحدى أقوى القوات البحرية في الشرق الأوسط وإفريقيا، بعد صفقات عززت قدراتها بشكل نوعي، فبالإضافة إلى الميسترال، حصلت على فرقاطات فريم وغوويند الفرنسية، وغواصات Type 209 الألمانية، وقطع سريعة من كوريا الجنوبية ولعب هذا التنوع دورًا محوريًا في فرض مصر لنفوذها البحري، خاصة في ظل التوترات في شرق المتوسط والتدخلات الإقليمية في البحر الأحمر.

ولم يكن سلاح المشاة والمدرعات بعيدًا عن هذه النهضة، حيث شملت خطة التطوير إدخال عربات مدرعة حديثة مثل MRAP الأمريكية، وتحديث دبابات أبرامز M1A1 كما شهد سلاح الدفاع الجوي تطورًا كبيرًا بامتلاك منظومات روسية  إلى جانب نظم غربية ومنظومات صينية أخرى، ما جعل من سماء مصر "شبكة نار" يصعب اختراقها.

هذا التنوع لم يكن عبثيًا، بل يخضع لعقيدة واضحة تنطلق من حماية الأمن القومي المصري، وتوسيع هامش المناورة الاستراتيجية فاليوم تستطيع مصر أن تتعامل مع أي ظرف طارئ دون الحاجة لرضا سياسي من طرف خارجي كما يتيح هذا التنوع إجراء تدريبات ومناورات مشتركة مع قوى عالمية مختلفة، وهو ما انعكس في عشرات المناورات التي شاركت فيها مصر مع روسيا، فرنسا، أمريكا، الصين، اليونان، الإمارات، والسعودية.

لم يكن التنوع في التسليح فقط للشراء، بل فتح الباب أمام شراكات لتوطين التصنيع العسكري فقد بدأت مصر بإنتاج مكونات من مدرعات ومعدات محلية، وتطوير مجمع الصناعات الدفاعية ليكون مركزًا إقليميًا، خصوصًا مع تنظيم معرض EDEX للسلاح الذي استقطب كبرى شركات الدفاع العالمية إلى القاهرة.

ويحمل هذا التنوع في طياته رسائل واضحة مصر لم تعد حبيسة قرار خارجي، ولا تكتفي برد الفعل فهي تملك اليوم القدرة على الرد، والردع، والمبادرة. فمع التهديدات التي تطال حدودها الغربية مع ليبيا، والجنوبية مع السودان وإثيوبيا، والشمالية مع سيناء وغزة، والمصالح الحيوية في البحرين الأحمر والمتوسط، بات لزامًا أن تمتلك قوة حقيقية تستطيع التحرك بمرونة دون عوائق.

ويختصر المشهد العسكري الحالي مقولة الرئيس السيسي: "القوة تحمي السلام" فمصر التي تسعى للاستقرار والتنمية، تدرك أن التنمية لا تُحمى إلا بقوة عسكرية حديثة، مدربة، متنوعة، لا تعرف الارتباط إلا بالمصلحة الوطنية وقد يكون هذا ما جعل الجيش المصري اليوم يتقدم في التصنيفات العالمية، ويعود ليكون درع الأمة وحارس حدودها، من طابا إلى السلوم، ومن حلايب إلى رفح، ومن المتوسط إلى أعماق البحر الأحمر.

 

المصدر: بوابة الفجر

كلمات دلالية: السيسي قاعدة عسكرية صواريخ البنيان المرصوص القوات المسلحة قواعد عسكرية عملية عسكرية مواقع عسكرية الترسانة النووية رئيس الوزراء الباكستاني سلاح الجو الهندي الشرق الأوسط هذا التنوع وهو ما

إقرأ أيضاً:

هل أصبح الخطاب الغربي مقبولًا في ظل المعايير المزدوجة؟

لا شك أن السياسات الغربية الراهنة وكما كانت من قبل، وفي المقدمة سياسة الولايات المتحدة، في الكثير من قضايا العالم المعاصر، أنهم يتحدثون ويكثرون من الحديث عن إنسانية الإنسان، وحقوقه العادلة التي يجب أن تعطى لكل طالب حق دون النظر إلى عرقه ودينه، من أي شعب من شعوب العالم، وكذلك يتحدثون عن ضرورة الديمقراطية والتعددية السياسية وقبولها، باعتبارها صمام الأمان للشعوب والمجتمعات الإنسانية في أي زمان ومكان، ويطالبون كل الدول بتطبيق الديمقراطية فيها بكل حذافيرها ومنطلقاتها ورؤيتها، كما هي سائدة في أغلب النظم الغربية، وأن سبب العثرات والتوترات في عصرنا الراهن، سببها غياب الحقوق والديمقراطية، سواء حق الإنسان في الحرية، أو التمتع بكل ما تعنيه الكلمة من معنى بحسب قوله،

لكن الغرب الذي يتحدث بهذا الكلام الجميل والمنطقي كتعبير في المنتديات والمحاضرات، أو إصدار المؤلفات عن الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، فهو أول ما يتجاهلها عمليًا وواقعيًا، ولم يعد يهتم بما يقوله ويدعو إليه، وفي الأمم المتحدة فإن الدول الغربية، وفي المقام الأول الولايات المتحدة، تستخدم حق النقض(الفيتو)، ضد أي قرار يقر حقوقا عادلةً لشعوب ظُلمت واحتلت، وتم الاستيلاء على أراضيها بالقوة بدعم الدول الغربية الكبرى، واعتبرت أن هذا المعتدي، هو صاحب الحق،

وليس صاحب الحق الأصلي منذ مئات وآلاف السنين! وأول الشعوب التي تم هضم حقوقها وسرقت أراضيها، هم شعب الفلسطيني، مع أن القرارات الدولية أقرت هذا الحق وألزمت إسرائيل بالانسحاب منها، لكن الدول الغربية وقفت مع الاحتلال الصهيوني منذ عام 1948، وما بعدها.

ولا شك أن الغرب الليبرالي الذي كان يتحدث عما ينبغي للشعوب أن تقتفي أثره في الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، جعل هذه الدول تنفر وتستهجن مثل هذه المعايير والمقاييس الغربية المزدوجة، التي جعلت موازين الحق تنقلب رأسا على عقب، بسبب هذه المقاييس التي تكتب كمواثيق، وهم أول من يمزقها أو يتجاهلها، ويرمي بها عرض الحائط! وما يحدث في مدينة غزة منذ ما يقرب من عامين من قتل جماعي وتجويع وتدمير المدارس والمستشفيات لهو أبرز مثال، نعم بعض الدول الغربية تستنكر قولًا، لكن لا تفعل شيئًا مؤثرًا مع هذا القول، وكان بإمكانها أن تقوم بدور قوي في مسألة وقف العدوان، واتخاذ مواقف أكثر حزمًا مع إسرائيل للتوقف عما تفعله في غزة ،

صحيح أن بعض السياسيين الغربيين، تحدثوا عن هذه المظالم والانتهاكات، كما أن الجيل الجديد من شباب الجامعات والكليات العلمية في الغرب، تظاهروا وخرجوا في مسيرات كبيرة وضخمة بالآلاف، منددة بالمظالم الصهيونية في غزة والضفة الغربية والقدس، لكن التأثير الغربي الرسمي كحكومات، لم يكن له ذلك الدور المطلوب لوقف الإبادة الجماعية اليومية للشعب الفلسطيني في غزة، عدا بعض الدول كان لها موقف سياسي متميز قوي كإسبانيا، من منع الغذاء والدواء الذي لم يدخل بالكمية التي تكفي لمئات الآلاف من سكان غزة، هذه الممارسات وضعت الشرعية الدولية ـ كما تسمى ـ على المحك، دون أي دور لها عمليا، عدا التصريحات للأمين العام للأمم المتحدة، دون القيام بنشاط فعال من هذه المنظمة، لأنه منزوع القدرة على الفعل لمثل هذه الانتهاكات.

الغرب الآن لم يعد له الحق في الكلام في نقد الشعوب الأخرى، عندما يطالبها كعادته بالكلام عن الحقوق والحريات والديمقراطية، التي استهلكت دون أن تكون حقيقة واقعية مطبقة، لكل شعب مظلوم ومهدور الحقوق والحريات، لذلك الخطاب الغربي خالف شعاراته المرفوعة منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، وأسس المنظمات التي أنشأها، وأصبح مثل الدول الأخرى التي يقال عنها أنها ليست بها ديمقراطية أو حقوق إنسان أو حريات في دولها، لذلك في غياب العدل الإنساني، تصبح المقولة الشائعة (كلنا في الهوى سواء)، عندما يتم تغييب ما يقال من عبارات جميلة ووعود جذابة، وأحلام وردية لكل الأمم والشعوب، ثم يتم التخلي عنها! ويقول المفكر والأكاديمي العربي المعروف د/ جورج قرم في كتابه: (شرق وغرب: الشرخ الأسطوري): «لا شيء يثير القلق في الثقافة الغربية كنظرتها إلى الإسلام ومقاربتها له.

فيختار الغرب من بين الصور التي يشرف على ترويجها وصياغتها في العالم، تلك التي تشرّع رؤيته السلبية إلى الإسلام، فيتعامل معه بصفته عقيدة كلية شاملة ورابطة اجتماعية وثيقة، زمنية ودينية في آن، وبصفته أيضا عقيدة متصلبة تنضح عنفا ولا تتسم بالعقلانية». ويتساءل د/ قرم: لماذا تركزت التحليلات الأكاديمية أو الإعلامية الغربية بشأن الإسلام، في النصف الأخير من القرن الماضي، على ما أسماه الأصولية الإسلامية، فقط خارج أي سياق جيوسياسي؟ لماذا تجاهلت التيار الناشط للفكر العربي الليبرالي والنقدي، علمًا بأن هذا التيار يستعيد الجذور العقلانية للفكر الإسلامي في عصره الذهبي خلال القرنين التاسع والعاشر، ويستحضر كذلك الجذور الفكرية لحركة النهضة العربية التي بدأت مع حملة نابليون على مصر واستمرت خلال القرن العشرين مغذية مقاومة الاستعمار،

ولكن بالحفاظ على التواصل الفكري مع فلسفة الأنوار؟ ولماذا اقتصرت صورة الإسلام في الثقافة الغربية منذ نهاية الستينيات على صورة الحجاب والسيف والعمامة والجهاد الإسلامي ولحى المشايخ؟ يجيب د/ قرم: هناك مجموعة معقدة من العوامل أدت إلى الاستخدام الاستثنائي للأصولية الإسلامية لتأدية أغراض شتى في كل المجتمعات التي توجد فيها طوائف إسلامية، ولا يبدو أن شيئًا بإمكانه إيقاف التعبئة للمواقف الأصولية المتشددة، وهذا ما أثبتته لاحقًا التبعات الاستثنائية التي تمخضت عنها أحداث الحادي عشر من أيلول. لقد تسبب الخطاب الغربي الذي يتناول الشرق، بسوء فهم هائل ، نابع من الإطار المنهجي والمفهومي المعتمد للنظر إلى الشرق، ما أدّى إلى هذا الشرخ بين الشرق والغرب، فقد تصور الغرب أنه قطع صلة الوصل بعالم البطاركة والأنبياء الأسطوري وأوكل إلى الشرق رمزيًا مهمة تتمثل في تجسيد كل ما هو سلفيّ وروحانيّ.

إذا درسنا الصورة التي كوّنها الغرب ـ كما يقول قرم ـ عن المسار التنموي المنفصل الذي يفترض أنه تميّز به، فقد لا تكون في الجوهر عداءً للآخرين، بل رغبة شديدة في الراحة والأمان النفسيين. لا شك في أن الغزاة الذين سعوا إلى السيطرة على العالم إبّان عصر النهضة الأوروبي أسهموا في تكريس السمات السلبية للشق الشرقي من ثنائية الشرق والغرب، وعمّقوا فكرة التمايز بينهما لتبرير الغزوات والاستعمار. لكن، من غير المؤكد أن التصوير الذي قُدّم للعالم على أنه يقوم على شرخ جوهري بين الشرق والغرب نابع من عداء أصيل أو «وراثي» بين عالمين ، كما يحلو لبعض المفكرين ترسيخه في المتخيلين الغربي والإسلامي. هذا ما أثبتته التحليلات التي تناولت نظام القيم والاهتمامات التي صاغت مفاهيم الأنثروبولوجيا والسوسيولوجيا المعاصرين، وعلى وجه التحديد، الإرث الذي خلفه فيبر والتحريف الذي مارسته الألسنية.

إن نقد الخطاب الاستشراقي وتخيلاته ـ كما يشير/ قرم ـ الذي يعتمد فقط على فرضية وجود عداء إرثي الطابع بين الشرق والغرب، قد يفشل في إصابة هدفه الحقيقي المتمثل في ضرورة تفكيك الأسطورة المنسوجة حول الشرخ بين الشرق والغرب، ذلك أن هدف التفكيك لا يجب أن يكون تأجيج العداء بين العالمين، بل ـ بالعكس ـ الحد ّمنه، وإثبات بطلانه، وإظهار أثره المشؤوم في اللاوعي الجماعي الذي يرتوي، برغم التطور المزعوم للعلمانية، من معين النماذج التوراتية الأولى، سواءً كانت يهودية أم مسيحية أم إسلامية. هذا ما تفتقده أيضاً التحليلات البراقة التي أبرزت الطابع «الاستعماري» و«التوتاليتاري» الذي يتسم به خطاب الغرب عن الشرق، كما قام به إدوارد سعيد في كتابه الشهير عن الاستشراق.

عندما حصل الاعتداء على «أوكلاهوما» سيتي في الولايات المتحدة عام 1995، «أخذت أصابع الاتهام تشير بشكل حاسم إلى المسلمين. ثم أصيب الجميع بالذهول عندما تبيّن لاحقًا أن المسؤول عن العملية أمريكي « قحّ» يضمر حقدًا ذا طابع فوضوي على الدولة الفيدرالية. لا ينحصر، إذن، الجنون بالإسلام، لكن منظمة «الجهاد الإسلامي» و «حزب الله» و«حركة حماس» هي التي تتعرض لسمعة سيئة.

فبعد اعتداء الحادي عشر من سبتمبر، بذل الإسرائيليون كل ما في وسعهم للتأكيد على العلاقة بين عناصر القاعدة المنتمين إلى منظمة ابن لادن، والمنظمات الإسلامية التي تحارب الاحتلال الإسرائيلي في لبنان وفلسطين. بات الإسلام من الآن فصاعدًا معادلًا للإرهاب.

فهل سيصبح الإسلام، آخر الديانات التوحيدية ، طريد النظام الجديد الذي يفرضه الغرب المهيمن على العالم؟ وماذا سيكون مصير هذا الدين الإسلامي الذي تمّ جعله غريب الأطوار ومنبوذًا، بعد أن تعرض لفرنجة منحرفة تحت وطأة الاستعمار الأوروبي والثقافة الغربية الظافرة».

ويصعب علينا الجواب عن هذا السؤال الآن كما يرى جورج قرم، لأن جزءًا من الإجابة موجود في المسار المستقبلي لتطور الفكر الغربي والسياسة الدولية. : «ثم إن الثقافة الغربية لا يمكن توقع ردود فعلها، لأن طابعها الأساسي هو بعدها الجدلي والتناقضي، وصعوبة إيمانها بقناعات ثابتة، وكذلك طابعها النضالي والأيديولوجي الذي اتسمت به منذ عصر النهضة: يحكمها الخطاب النرجسي عن الذات والتحقيري عن الآخرين؛ النماذج التوراتية الأولية والنبوية ولاهوت الخلاص و «الشعب المختار» التي تهيكل هذا الخطاب العلماني الذي ادّعى إزالة الصفة الدينية عنه؛ الصدام بين الميل إلى تقوية الحريات إلى أقصى حد، والميل إلى تبني النموذج النبوي في نشر الأفكار والمعتقدات.

كذلك، لا تتمثل معجزة الغرب في قوته بحد ذاتها». بل في قدرته على الحفاظ على هذه القوة وتوسيعها بحسب د.قرم، بينما يكاد يقضي على نفسه وهو يبتلع الآخرين. : «الغريب هو أيضا التأرجح بين مواقف متطرفة ومتناقضة طبعت القرن العشرين وقبله القرن التاسع عشر. إنه الثورة والثورة المضادة في آن. إنه المواجهة العاتية بين الرأسمالية والاشتراكية. إنه العلمانية الداعية إلى إطلاق الحرية بشكلها الواسع ومواطنية على النسق الجمهوري، ويمثّل في الوقت نفسه حركة الانجذاب إلى تأكيد الهوية والانتماء العرقي والديني والتمسّك بتقاليد تخطاها الزمن، والنفور منها في آن، وغالبًا المزج بينهما. هذا ما لا نستطيع تمييزه جيدا، لأن الغرب يبقى دائمًا ظافرًا، ولأن لدينا ميلًا إلى التباس بين القوة والرشدانية».

أما اليوم، كما يرى هذا الباحث، فإن الغرب يقودنا إلى معركة أخرى: معركة العولمة الاقتصادية التي تريد إرساء نظام عالمي جديد و « عادل » فهل سنكون أكثر حكمة وتبصّرًا إزاء هذه المعركة الفكرية والسياسية؟ الإنسانية في انتظار مثل هذه الرؤى العادلة والصحيحة عن الآخر العربي والمسلم في إدارات الرؤساء الأمريكيين، لكنْ شيء لم يتحقق مع تعاقب رؤساء من الحزب الديمقراطي والجمهوري على السوى، فلم تتأثر القضايا العربية وأهمها قضية فلسطين بالمتغيرات والتحولات السياسية التي تحدث هنا وهناك، والتي يتناولها البعض بأحكام مسبقة ومتحيزة بصورة قاتمة ومتجاوزة للحقائق والوقائع الثابتة عن العرب والمسلمين، وستظل هذه التحيزات قائمة كلما كانت بعيدة عن العدل والإنصاف والمقاييس المتناقضة.

مقالات مشابهة

  • هل أصبح الخطاب الغربي مقبولًا في ظل المعايير المزدوجة؟
  • الرئيس السيسي يتلقى اتصالاً من زيلينسكي لبحث تطورات الأزمة الأوكرانية والأوضاع في الشرق الأوسط
  • وهم الحل الليبي الليبي
  • الرئيس السيسي يؤكد ثوابت الموقف المصري الداعم لوحدة السودان وسيادته واستقراره
  • الرئيس السيسي يؤكد لـالبرهان على ثوابت الموقف المصري الداعم لوحدة السودان
  • الرئيس السيسي : الموقف المصري داعم لوحدة السودان وسيادته وأمنه
  • الرئيس السيسي يهنئ رئيس وزراء كندا ويؤكد دعم التعاون الثنائي وجهود استقرار الشرق الأوسط
  • الرئيس السيسي لـ رئيس وزراء كندا: إقامة الدولة الفلسطينية الضامن الوحيد لاستقرار الشرق الأوسط
  • الرئيس السيسي: استقرار ليبيا جزء لا يتجزأ من الأمن القومي المصري
  • الرئيس السيسي: لا سلام في الشرق الأوسط دون دولة فلسطينية على حدود 1967