لم تكن رحلة الحج في الأزمنة الماضية سهلة أو ميسّرة كما هي الحال اليوم، بل كانت طريقا شاقة وطويلة تقطعه القوافل على ظهور الجمال، من صحارى شمال أفريقيا وبلاد الشام حتى الجزيرة العربية. إنها رحلة متعبة، لكنها تهون أمام الحنين الجارف لزيارة بيت الله الحرام، فتفيض الأرواح شوقا، وتطلق الألسن "لبيك اللهم لبيك" ويتحول التعبير عن هذا الشوق والمشقة إلى غناءٍ نابضٍ من القلب، يعكس ما تختزنه النفوس من مشاعر دينية وإنسانية.

ولطالما ارتبطت أغاني الحج بالمواكب الخارجة من بلاد الشام وفلسطين ومصر وشمال أفريقيا، كطقس مرافق لهذه الرحلة المقدسة. وهذا الغناء لم يكن مجرد بهجة بل كان تعبيرا عن رهبة الطريق التي طالما رآها الناس "رحلة بلا عودة" خاصة إذا كان الحاج مسنا. وفي فلسطين مثلا، يُغنى للحاج المغادر:

حاجنا طاح البحر في كيله.. يارب ترده سالم للعيلة… حاجنا طاح البحر في إبريق… يارب ترده سالم من الطريق

رايحة فين يا حاجة.. تراث مصري غناه العرب

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2ألبومات صيف 2025: نجوم الغناء العربي يعودون بقوة والمنافسة تحتدمlist 2 of 2"حرروا فلسطين".. مغني الكيبوب جاي بارك يدعو لوقف المجازر في غزةend of list

وتتقاطع طرق قوافل الحج من المغرب العربي -من تونس والجزائر وليبيا والمغرب- مع قافلة المحمل المصري التي تحمل كسوة الكعبة وهدايا مصر للحرمين. وتخرج القافلة من "باب النصر" بالقاهرة، وتُحييها المدافع بـ21 طلقة، ويشارك في وداعها الملك ووزراؤه، قبل أن تبدأ رحلتها عبر السويس وعيون موسى، مرورا بصحراء سيناء والعقبة، ثم إلى ينبع فمكة المكرمة.

إعلان

وطول المسير كان يخفف من عنائه الغناءُ، خصوصا الفلكلور المصري الذي سرعان ما أصبح صوتا جامعا للحجيج من مختلف الأقطار. والأغنية الأشهر "رايحة فين يا حاجة؟" غناها المصريون، ورددها الفلسطينيون والمغاربة، يتغنون بـ"أم شال قطيفة" المتجهة لزيارة النبي ﷺ والكعبة المشرفة.

أثر البيئة على تراث أغاني الحج

يرى أستاذ الموسيقى الشعبية بأكاديمية الفنون المصرية الدكتور محمد شبانة أن الأغاني المرتبطة بالحج اتخذت سمات بيئية وثقافية خاصة بكل منطقة. ففي المغرب العربي مثلا، كانت القصائد الأمازيغية هي اللغة السائدة في أناشيد الحجاج، كما في أغنية ليبية تقول:

كيف اللي حج على الناقة… يا أنا يا عقلي ونجناجة… اللي ع الناقة حج وحاجة… الدوة في نقناقي أنا

أما في فلسطين، فاختلطت مشاعر المقاومة بالروحانية، ليغني الناس:

يا زايرين النبي… خدوني في محاملكم… لا أنا حديد ولا رصاص أثقلكم

ومن الجزائر، اشتهرت أغنية رابح الدرايسة ذات الطابع الأمازيغي، التي يقول مطلعها:

ودعنا الغالي والعزيز في حب رسول الله… من زار الزين سميناه اسمين

نصح ووصية.. الأغاني ليست فقط للبهجة

يضيف الدكتور شبانة أن هناك فروقا بين أغاني وداع الحجاج في الحضر والريف المصري، وفي الوجهين البحري والقبلي. ففي منطقة الدلتا، تحتفي الأغاني بـ"الحاجة"، فتغني النساء:

رايحة فين يا حاجة… يا أم شال قطيفة… رايحة أزور النبي محمد والكعبة الشريفة

أما في صعيد مصر، فتركز الأغاني على الرجل الحاج، فيقال:

هنيالك يا حاج… مكتوبالك يا حاج… مكتوبالك تزور التهامي… مكتوبة ع الباب قدامي… وأخواتي بيدعوا عقبالي

ما بين البهجة والنصح.. وظيفة مزدوجة للغناء

ما يميز الغناء الريفي المصري -حسب شبانة- أنه لم يكن فقط للاحتفاء والبهجة، بل حمل أيضا مضامين إرشادية توجيهية. ففي زمن لم يكن فيه إعلام حديث، لعب الغناء الشعبي دور "الناصح" فكانت الأغاني تحمل تعليمات دقيقة حول ما يجب أن يحمله الحاج معه في رحلته:

خد أبيض وصافي.. إن نويت ع الحجاز… خد أبيض وصافي… خد محارم حرير لعرق العوافي

خد أبيض وشيلة… عند حرم النبي يا محلا غسيله

كما عبرت الأغاني عن الوصايا والوداع، وكأن الحاج خارج في سبيل الله، لا يعلم إن كان سيعود. فقد وصّت الأم ابنتها قائلة:

إن طال غيابي… أقعدي مقعدي… وحنني حنني فوق العتابي

إن طال سفرنا… أقعدي مقعدي… وإن طال سفرنا حنني حنني على سطح دارنا

وبهذه الكلمات، يظل تراث الأغاني الشعبية المرتبط بالحج شاهدا حيا على رحلة روحانية وجسدية، كانت يوما محفوفة بالمشقة والرجاء، يتناقلها الناس، وتنقل عبرها الأجيال مشاعر الشوق والتضرع، ومهابة الرحيل نحو البيت العتيق.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الحج حريات الحج

إقرأ أيضاً:

كامل إدريس: السودان لا يموت.. لن ننتظر المعجزات بل سنصنعها بأيدينا وعقولنا

متابعات – تاق برس- بشر رئيس الوزراء السوداني كامل إدريس الشعب السوداني بعودة الحياة للعاصمة الخرطوم.

وقال في تغريدة له : “أود أن أُطمئن شعبنا الكريم بأن العاصمة الخرطوم ستنهض مجدداً، وبقوةٍ لا تُكسر”.

وأضاف: “نحن لا نعيد فقط بناء المباني، بل نُعيد ترميم الروح السودانية، الروح التي لا تعرف الانكسار”

وتابع: “لقد شرعنا في خطة إعمار متكاملة، تبدأ من الإنسان قبل البنيان.. خلال أشهر معدودة، سترون الخرطوم تعود كما عهدتموها، بل أجمل، أنقى، وأقوى.. وأقولها بصدق ووضوح: آن الأوان أن يعود المواطن إلى عاصمته.. فلا كرامة لشعبٍ دون أرضه، ولا نهوض دون تلاحم.

ودعا إدريس السودانيين بأن يكونوا جزءاً من هذا التحول. وقال: لن ننتظر المعجزات.. نحن نصنعها بأيدينا، بعقولنا، وبإيماننا بهذا الوطن”.

وأضاف أن السودان لا يموت، وأن الخرطوم ستكتب فصلاً جديداً من المجد.

الخرطومرئيس الوزراء السودانيكامل إدريس

مقالات مشابهة

  • 331 ألف مستفيد من برامج ”الإرشاد والتوجيه المهني“.. والشرقية ثالثة
  • حزنا عليها.. زوج يلحق بزوجته بعد وفاتها بثلاثة أيام في البحيرة
  • قبة المعراج في القدس معلم يخلد رحلة النبي ﷺ إلى السماء
  • عبر صفحته الرسمية.. جاستن تيمبرليك يُعلن عن إصابته بمرض لايم
  • الموسيقيين: راغب علامة لم يُمنع من الغناء.. القرار إجراء تنظيمي مؤقت
  • بعد وصية أحمد عامر بحذف أغانيه.. رنا سماحة: لا يوجد نص صريح يحرم الغناء.. فيديو
  • تحولات الروح الشاعرة في بيت الشعر بالشارقة
  • رايحة تعمل جلسة مساج.. التحقيق في اعتداء مصور على ابنته بالشيخ زايد
  • كامل إدريس: السودان لا يموت.. لن ننتظر المعجزات بل سنصنعها بأيدينا وعقولنا
  • مُسن أردني مفقود منذ 21 يومًا