موقع النيلين:
2025-06-06@01:11:12 GMT

كامل ادريس: عقل مؤسسي لتحدٍ استثنائي

تاريخ النشر: 4th, June 2025 GMT

1 كل من تولّى الحكم في السودان، من الأزهري إلى حمدوك، كرر عبارة: “ورثنا تركة مثقلة”، حتى باتت هذه الكلمات صدى مألوفًا في أذهان السودانيين لعقود طويلة. لكن رئيس الوزراء كامل إدريس، الذي تقلد المنصب في ظل ظروف استثنائية، لم يردد هذه العبارة، ولم يشكُ من الخراب، رغم أنه ورث وطنًا ممزقًا، واقتصادًا منهارًا، وبنية تحتية مدمّرة، وشعبًا يعاني من النزوح واللجوء والجوع، ويواجه الغزاة والعملاء والصراعات الداخلية في آنٍ واحد.


ومع ذلك، لم يلجأ إدريس إلى الشكوى، بل بدأ عمله بخطاب متزن وهادئ، مستندًا على خبرته المؤسسية الطويلة. فليكن الله في عونه.
2
إن أول ما نحتاجه في كامل إدريس هو العقل المؤسسي الذي راكمه من خلال مسيرته الطويلة في دهاليز المؤسسات الدولية، وخاصة أن رئيس الوزراء يواجه الآن تحديًا وجوديًا يتمثل في إعادة بناء دولة من تحت الرماد — لا عبر الشعارات، بل بإحياء المؤسسات التي تُشكّل أساس الدولة الحديثة. فبدون مؤسسات، سيكون كل عمله عشوائيًا، لا يُنتج أثرًا ولا يصنع تغييرًا.
المؤسسات ليست مجرد زخرفة إدارية، بل هي أساس الدولة، وأدواتها التي تضمن استمرارية الحكم، وتُحقق العدالة، وتُدير الاقتصاد، وتحفظ الأمن، وتُخطط للمستقبل. لا استقرار بلا مؤسسات، ولا عدالة بلا مؤسسات، ولا تنمية بلا مؤسسات.
3
كامل إدريس مؤهّل لبناء مؤسسات الدولة، ليس فقط بما يحمله من مؤهلات أكاديمية، بل أيضًا بما اكتسبه من خبرة عملية في بيئات دولية صارمة لا تحتمل الارتجال.
والمؤسسات التي نتحدث عنها اليوم ليست نقص كفاءات فحسب، بل في حالة انهيار تام لا يصلح معها الترميم، بل تتطلب إعادة بناء شاملة من الجذور. ولعل من حسن الحظ أن هذه المؤسسات، كهياكل تنظيمية، ما تزال منصوصًا عليها في الوثيقة الدستورية المعدلة لعام 2025. لكن المشكلة ليست في وجودها على الورق، بل في كفاءتها وفعاليتها واستقلالها ونزاهتها.
فما أكثر المؤسسات التي تحوّلت إلى هياكل خاوية، وأجهزة بائسة لا تحرك ساكنًا، لأنها أُفرغت من معناها وتحولت إلى أدوات للشللية والمحسوبية.
4
بناء المؤسسات ليس ترفًا تنظيميًا، بل ضرورة وجودية للدولة. فالمؤسسات هي ما يحوّل الدولة من كيان هش إلى كيان فاعل. وهي التي تنظم العلاقة بين الدولة والمجتمع، وتُحصّن الدولة ضد الفوضى، وتُحفّز النمو والاستثمار، وتضمن العدالة وتكافؤ الفرص، وتوفر الاستقرار اللازم لتنفيذ السياسات العامة، بغض النظر عن تغيّر الحكومات أو تبدّل القادة.
فالمؤسسة تبقى، والشخص يزول. الدولة التي تُبنى على الأشخاص تنهار بزوالهم، أما الدولة التي تُبنى على المؤسسات فهي وحدها القادرة على تجاوز الأزمات والنهوض من الكبوات.
5
قدّم الفيلسوف الأمريكي فرانسيس فوكوياما في كتابه “بناء الدولة: الحكم والنظام العالمي في القرن الحادي والعشرين” (2004) رؤية عميقة حول الحاجة للمؤسسات ، جادل فوكوياما بأن مشكلة العالم ليست في نقص الديمقراطية أو غياب السوق الحرة، بل في ضعف الدول وفشلها في بناء مؤسسات فعالة.
وأكد أن القرن الحادي والعشرين يحتاج ليس فقط إلى دول ديمقراطية، بل إلى دول قادرة على أداء وظائفها الأساسية: حفظ الأمن، تطبيق القانون، تقديم الخدمات العامة، ومحاربة الفساد — بغض النظر عن طبيعة النظام السياسي أو الاقتصادي.
ضرب أمثلة حية من تجارب دول استطاعت النهوض من تحت الركام، لأنها بدأت ببناء المؤسسات:
• ألمانيا بعد هزيمتها في الحرب العالمية الثانية وانقسامها، لم تبدأ بالشعارات، بل أسست محكمة دستورية مستقلة، وبنكًا مركزيًا قويًا، ونظامًا اتحاديًا يقلل من مركزية السلطة.
• رواندا، بعد الإبادة الجماعية، أنشأت محاكم “الغاتشاتشا” لتحقيق العدالة والمصالحة، وأصلحت أجهزتها الأمنية، وركّزت على المهنية ومحاربة الفساد.
• سنغافورة، التي بدأت من لا شيء بعد الاستقلال عام 1965، ركزت على الكفاءة والجدارة، وأسّست جهازًا بيروقراطيًا عالي الأداء، وجعلت من القضاء هيئة مستقلة، وحاربت الفساد بصرامة.
6
كل هذه التجارب تؤكد أن بناء الدولة يبدأ من بناء مؤسساتها، ولا يمكن لأي مشروع وطني أن ينجح ما لم يُبنَ على مؤسسات مستقلة وفعالة. ومن حسن حظ السودان أن يكون على رأس حكومته اليوم رجل يمتلك عقلًا مؤسسيًا، مسيرة مهنية حافلة بالخبرات، مما يجعلنا نأمل أن يكون كامل إدريس هو الرجل الذي يبدأ من الأساس الصحيح. فالأوطان لا تُبنى بالخطب، بل تُبنى بالمؤسسات.
7
إن أفضل ما يمكن أن يُنجزه رئيس الوزراء كامل إدريس هو أن يضع حجر الأساس لمؤسسات فاعلة، تنبع من حاجة الوطن، لا من خطب السياسيين، وتُدار بكفاءات مهنية، لا بترضيات حزبية.
عندها فقط، سيكون بناء مشروع دولة مستقلة ومزدهرة ممكنًا.
التحدي الاستثنائي الذي يواجه رئيس الوزراء يتمثل في: كيف نصل إلى تلك الدولة المنشودة؟ دولة المؤسسات؟
في وطنٍ استوطنت فيه العشوائية، والصراعات، والحروب، وتكالبت عليه نخبٌ دائما تنشد الهُدى، وتركب قطارات الضلال.

عادل الباز

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: رئیس الوزراء کامل إدریس التی ت

إقرأ أيضاً:

استمرار طبيعة الانقلاب والحرب بعد تعيين كامل إدريس

استمرار طبيعة الانقلاب والحرب بعد تعيين كامل إدريس

تاج السر عثمان بابو

1

اشرنا سابقا وبعد تعيين د. كامل إدريس رئيس للوزراء، ان ذلك ما هو الا ديكور مدني لانقلاب عسكري اسلاموي كامل الدسم بعد تعديل الوثيقة الدستورية ، اسفر عن وجهه القبيح بعد انقلاب 25 أكتوبر 2021 الذي أعاد التمكين للطفيلية الاسلاموية، وواجه مواكب الثوار بعنف وحشي غير مسبوق، لكن الانقلاب فشل حتى في تكوين حكومة، وأدي الاختلاف حول مدة دمج قوات الدعم السريع في الجيش الي الحرب اللعينة الجارية التي هي امتداد لمجزرة فض الاعتصام، وانقلاب ٢٥ أكتوبر.

وجاء اول خطاب لـ د. كامل إدريس بعد تعيينه باهتا، اكد الاستمرار في الحرب، ولم يطالب بوقفها، علما بأن وقف الحرب شرط مهم للاعمار والإصلاح، فلا يمكن الحديث عن سلام و إعمار ونهوض وتنمية بدون وقف الحرب واستعادة مسار الثورة. كما تجاهل خطاب كامل إدريس الحديث عن ثورة ديسمبر، كما تجاهل جرائم الحرب التي ترتكب يوميا من طرفي الحرب  ضد المدنيين وهذا يتسق مع أهداف العسكر من خلفه الذين عينوه، الذين حاولوا عبثا وأد ثورة ديسمبر بمجزرة فض الاعتصام وبانقلاب ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١، والحرب الجارية حاليا، فما استطاعوا إلى ذلك سبيلا.

2

من جانب آخر بعد خطاب كامل إدريس استمر طرفا الحرب في جرائم ومجازر الحرب، اضافة لجريمة استخدام جيش الإسلامويين السلاح الكيميائي المحرم دوليا والعقوبات المتوقعة، الذي سوف تجعل الحياة جحيما لا يطاق، فضلا عن احتمال التدخل العسكري الخارجي.

كما  جاء في الأخبار في الجريمة البشعة التي اقدمت مليشيات الدعم والجنجويد بحرق قافلة مساعدات انسانية في محلية الكومة 76 كيلو متر شرق الفاشر كانت متجهة الى النازحين وسكان مدينة الفاشر المحاصرة منذ أكثر من سنة. التي وجدت إدانة واستنكار عالميا واسعا.

إضافة لاستمرار وتزايد معاناة الناس من تدهور الأوضاع المعيشية ومرض الكوليرا، وانقطاع الكهرباء والماء والاتصالات، ومحاولة إرجاع عجلة الساعة للوراء بعودة نظام الانقاذ الذي أسقطته ثورة ديسمبر، كما في عودة مصادرة الحريات ومحاولة الهيمنة على النقابات، واستمرار الاعتقالات والتعذيب الوحشي للمعتقلين واغتيال بعضهم بتهم جزافية مثل التعاون مع الدعم السريع، اضافة لاشاعة العنصرية البغيضة التي تهدد وحدة البلاد، إضافة لخطر تكوين الحكومة الموازية َن الدعم السريع التي تمزق وحدة البلاد، إضافة  للفساد ونهب ثروات البلاد  وبيع الأراضي، لمصلحة المحاور الاقليمية والدولية التي تسلح طرفي الحرب، والتفريط في السيادة الوطنية، وإرهاق كاهل المواطنين بالمزيد من الجبايات والضرائب.

3

بالتالي لم تتغير طبيعة الانقلاب العسكري بعد تعيين كامل إدريس، ولم تنطل مسرحية تعيينه رئيس وزراء على الجماهير التي تطالب بوقف الحرب واستعادة مسار الثورة، وخروج العسكر والدعم السريع والمليشيات من السياسة والاقتصاد، وقيام الحكم المدني الديمقراطي، والمحاسبة وعدم الإفلات من العقاب بمحاسبة كل الذين ارتكبوا جرائم الحرب وضد الانسانية، وتفكيك التمكين وإعادة ممتلكات الشعب المنهوبة، وغير ذلك من شعارات وأهداف ثورة ديسمبر.

الوسومالانقلاب الانقلاب العسكري الإسلاموي التدخل الدولي الثورة الحرب السودان رئيس الوزراء كامل إدريس

مقالات مشابهة

  • د. كامل إدريس يطمئن على موقف عقد امتحانات الشهادة الثانوية
  • تور يلتقي كامل ادريس
  • الناطق الرسمي بوزارة الثقافة والإعلام: لا يوجد أي حساب رسمي على منصة “فيسبوك” باسم رئيس الوزراء الدكتور كامل إدريس
  • استمرار طبيعة الانقلاب والحرب بعد تعيين كامل إدريس
  • د. كامل إدريس يوجه بإنشاء مجلس للعلاقات الخارجية
  • نظرة في .. اعماق الدولة المدنية !
  • حكومة “كامل ادريس” .. حتى لا تتكرر الخيبات!
  • خطاب بلا مضمون… كامل إدريس وتكريس سلطة الحرب والانقلاب
  • “على طاولة مكتبه العديد من الملفات” .. ارتياح وتفاؤل بخطاب رئيس الوزراء الانتقالي د. كامل إدريس