أوجاع النكسة في ذاكرة زوجين مقدسيين
تاريخ النشر: 5th, June 2025 GMT
طرقت الجزيرة نت بابا حديديا أُغلق مواربة يحمل الرقم 32 في شارع "محمود بربر" بحي رأس العمود بالقدس، من أجل لقاء الزوجين حسن وهيام الغول، اللذين نبشا ذاكرتهما لسرد أحداث حرب النكسة عام 1967.
وبينما كان الزوج المسن يحرص على سرد قصته الشخصية عن هذه الحرب بروح الدعابة، لم تتمكن زوجته من سردها بالطريقة ذاتها، ورشحت تفاصيل الألم والحزن من ذيل كل كلماتها، فلا شيء مضى وانتهى، ولا ذكرى خبت أو انمحت.
عاش هذان المقدسيان تجربتين مختلفتين في حرب النكسة (حرب الأيام الستة) التي اندلعت في الساعة 08:45 صباح الاثنين الخامس من يونيو/حزيران 1967، وهاجمت فيها إسرائيل كلًّا من الأردن ومصر وسوريا، وفي اليوم الثالث من الحرب احتلت القوات الإسرائيلية شرقي القدس، ووصلت في العاشرة صباحا إلى حائط البراق ثم سيطرت تماما على المدينة مساء.
رأت عينا حسن النور في أكتوبر/تشرين الأول 1946 في بلدة سلوان جنوبي المسجد الأقصى، وبعد إصابة والده برصاصة في ساقه في حرب النكبة عام 1948 قرر الأخير الاستقرار في مدينة أريحا شرقي القدس.
سلاح لم تطلق منه رصاصة واحدةكبُر حسن وترعرع هناك وتلقى تعليمه في مدرسة "هشام بن عبد الملك"، وفي اليوم الذي اندلعت فيه الحرب كان يخضع لامتحان الثانوية العامة (المَترِك في حينه) باللغة الإنجليزية، وبعد انتهاء الجلسة بدأ الرجال بمناداة الشبان وحثّهم على التوجه إلى بلدية أريحا لأخذ السلاح، وهذا ما أقدم عليه حسن بالفعل.
إعلانيقول حسن "حملتُ البارودة وحملونا في شاحنة إلى منطقة الخان الأحمر بين القدس وأريحا، وهناك تم تدريبنا على إطلاق النار بشكل سريع، ثم أمرونا بالعودة كل إلى منطقته.. لكن ملامح الهزيمة ظهرت سريعا أيضا ورأيت الجيش الأردني يتجه مشيا على الأقدام باتجاه أريحا، ومع وصولي إليها رآني أحد الضباط، وقال لي عبارة لن أنساها ما حييت".
قال الضابط الأردني للشاب المندفع "خدّك وتفاصيله ترصده الطائرة التي تحلق فوقنا.. ادفن البارودة في أي بقعة وعد لمنزل عائلتك.. كان الضابط يعلم بأوامر الانسحاب وبالهزيمة، سمعت نصيحته، ومع وصول الجيش الأردني لأريحا زودناهم بملابس مدنية بعد خلع بزّاتهم العسكرية، ونام جزء منهم في جامع أريحا".
لم يهرب الجيش الأردني فحسب، بل كثير من أقارب حسن نزحوا من بلدة سلوان باتجاه أريحا، على وقع الشائعات التي حرصت إسرائيل على تفشيها كالنار في الهشيم كما يقول هذا المسن، ومفادها أن الجيش الإسرائيلي سيقتحم المنازل ويقتل من فيها ويغتصب النساء، فآثر كثيرون النزوح على البقاء، ومن بينهم زوجته هيام التي كانت تبلغ من العمر 10 أعوام.
شارك في حرب النكسة بتوزيع السلاح على المقدسيين، واستهدفه الاحتلال بقذيفة هاون أدت لاستشـ.ـهاده، ودفن في ساحة بيته 6 أشهر.. تعرف إلى الشـ.ـهيد المقدسي يوسف فتيحة
للمزيد: https://t.co/Hd2AXoI7wB pic.twitter.com/0yE4elInCU
— الجزيرة نت | قدس (@Aljazeeraquds) June 5, 2024
هربا من المجازر والاغتصابفي مستهل حديثها للجزيرة نت، قالت هيام إن كبار السن كانوا يتهامسون قبيل اندلاع الحرب، وكأنهم كانوا يعرفون أنها ستندلع حتما، "فاشتروا المواد التموينية وبعض الطعام لتخزينه، وفي اليوم الأول للحرب وعلى وقع أصوات الطائرات والقذائف خبّأنا والدي (عليّ) أسفل طاولة الطعام، ظنّا منه أنها ستحمينا من القذائف إن أُطلقت تجاه منزلنا".
إعلانكانت هيام تكرر السؤال ذاته على والدها "خلصت الحرب؟" فيجيب "كمان شوي" أي بعد قليل، وصمد وعائلته الممتدة ليومين، ثم أقنعته والدته "مريم" بالنزوح من رأس العمود في سلوان باتجاه أريحا خوفا من اقتحام الجيش الإسرائيلي للمنازل واغتصاب النساء.
كانت رحلة النزوح قاسية حملت فيها هيام ذكريات ألم وموت كثيرة، إذ سارت هذه الطفلة على قدميها الصغيرتين من رأس العمود نحو بلدة أبو ديس، ومنها إلى العيزرية شرقا، وبعد اجتيازهم منطقة الخان الأحمر حملت شاحنة الأطفال مع جدتهم، في حين أكمل والدها ووالدتها وعمتّها الطريق إلى أريحا سيرا على الأقدام.
تتابع هيام "في الطريق، شاهدت كثيرا من الخنادق، وعلى جانبي الطريق الكثير من الشهداء المدنيين من أطفال ونساء ومسنين.. جعنا وعطشنا وتعبنا وكانت رحلة النزوح شاقة، انتهت باستقرارنا في منزل عم والدي بأريحا، ومكثنا هناك شهرا قبل أن نعود إلى منزلنا بالقدس".
عادوا إلى القدس وعاشوا أسابيع من منع التجول، التي تذكر هيام أنه رُفع بمجرد انتهاء إسرائيل من إحصاء السكان وتسجيلهم، وبموجب هذا الإحصاء لم يتمكن أي مقدسي من الحصول على حق الإقامة في المدينة بسبب عدم وجوده فيها خلال فترة الإحصاء.
خرجت هذه الطفلة من المدينة وهي تحت الحكم الأردني، وعادت إليها وهي تحت الحكم الإسرائيلي، وقبل أن ننتقل بالحديث إلى زوجها مرّة أخرى، تذكرت سنوات الحكم الأردني عندما كان الجنود والضباط وعائلاتهم يستأجرون منازل من أهلها، وعن العلاقات الطيبة بينهم وبين المقدسيين، وتذكرت مقرّ الجيش الأردني الذي كان يبعد بضع خطوات عن منزل عائلتها.
نجت من النكبة وسقطت في النكسة.. لماذا تأخر احتلال شرقي القدس 19 عاما؟
للمزيد: https://t.co/Yw8dhBA937 pic.twitter.com/1MeVG6Q79c
— الجزيرة نت | قدس (@Aljazeeraquds) May 26, 2025
إعلان نزوح ثم عودةورغم أن عائلة الغول الممتدة نزحت إلى منزلهم في أريحا، فإن حسن وأشقاءه ألحّوا على والدهم للنزوح باتجاه الأردن، وهكذا فعلوا.
ويقول "عشنا لمدة 4 أشهر في حي المحطة بعمّان الشرقية عند أصدقاء والدي قبل أن نعود إلى منزلنا، لكنني كنت أتوجه باستمرار إلى أريحا ومعظم رحلاتي كانت سيرا على الأقدام.. أقطع نهر الأردن باتجاه المدينة.. أوّفر بعض الطعام للنازحين في منزلنا، ومن بينهم هيام التي لم أكن أعلم أنها ستصبح زوجتي في المستقبل".
دارت الأيام وأصبحت فلسطين محتلة بالكامل، ووجد هذا الشاب فرصة عمل بدولة الكويت التي مكث فيها لنحو 5 أعوام قبل أن يعود ويتزوج هيام عام 1975 ويعيشا في بيت يقع على مقربة من ذلك الذي وُلدت فيه، وعلى بعد عشرات الأمتار من مستوطنة "معاليه هزيتيم" التي أنشئت عام 1997.
في الذكرى الـ58 للنكسة، يقول الزوجان إن شيئا في القدس لم يبق على حاله، وأجمعا على أن ما عاشاه من ويلات هذه الحرب لا يُقارن بما يعيشه الغزّيون في حرب الإبادة الحالية.
قبل أن نودعهما، سار حسن وهيام معنا باتجاه فناء منزلهما الخارجي، وهناك سالت على لسانهما حكايات الطفولة، فتشير الزوجة بإصبعها نحو المقبرة اليهودية التي تقول إنهم كانوا يلهون في مكانها في طفولتهم، وأكمل حسن قائلا "كانت أشجار السرو تغطي الجبل".
هنا منزل ابنة خالي المسلوب، وهناك مخفر الجيش الأردني الذي تم الاستيلاء عليه بُعيد النكسة، وهناك في ذلك المنزل تركت الجزيرة نت كثيرا من الكلمات التي تحشرجت في حلق هذين المسنين عن حال بلاد توالت عليها الاحتلالات وظلّت رغم كل المآسي مهوى وبوصلة قلبيهما.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الحج حريات الجیش الأردنی الجزیرة نت قبل أن فی حرب
إقرأ أيضاً:
افتتاح المعرض الوثائقي ذاكرة وطن في أرض اللبان بصلالة
العُمانية/ افتُتح مساء اليوم بموقع عودة الماضي بولاية صلالة المعرض الوثائقي "ذاكرة وطن في أرض اللبان" الذي تنظمه هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية، ويستمر حتى 18 أغسطس القادم.
يضم المعرض أكثر من 4000 وثيقة /مطبوعة ورقمية/ حول الدور الحضاري والتاريخي لسلطنة عُمان، وإسهام العُمانيين الفاعل في الحضارة الإنسانية، إلى جانب التعريف بالدور التاريخي والحضاري لمحافظة ظفار عبر الحقب الزمنية المختلفة، وتسليط الضوء على العلاقات الدبلوماسية والتاريخية بين سلطنة عُمان والجمهورية الكينية.
وقال سعادة الدكتور حمد بن محمد الضوياني رئيس هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية: يركز المعرض على الوثائق التاريخية عن محافظة ظفار وعلاقات سلطنة عُمان الدولية مع مختلف دول العالم، إذ يتم خلال المعرض عرض مجموعة من الوثائق الكينية التي ترتكز على العلاقات التاريخية بين سلطنة عُمان وجمهورية كينيا وعلى عمق الوجود العُماني في سواحل شرق أفريقيا الذي يمتد إلى القرن الأول الميلادي، كما يمثل المعرض منصة للتعاون الوثائقي والعلمي والثقافي بين هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية ونظيراتها الكينية، بما يعزز التفاهم المتبادل ويخدم جهود التوثيق والدراسة المشتركة.
ويحتوي المعرض على أركان رئيسة هي، /عُمان عبر التاريخ، وظفار في ذاكرة التاريخ العُماني، وظفار في الصحف والمجلات، والعلاقات الدولية، والعلاقات العُمانية الكينية "ضيف شرف المعرض"، والمخطوطات، والمحتوى الرقمي/ إلى جانب عدد من الأركان تضمنت عرض عدد من العملات والطوابع البريدية والخرائط والمسارات البحرية المهمة والمناطق التي تمر عليها حركة التجارة العالمية قديمًا، بالإضافة إلى دور تجارة اللبان العُماني في حركة التجارة العالمية.
كما يشتمل المعرض على أنشطة تفاعلية باستخدام تقنية الواقع الافتراضي، تتيح للأطفال والناشئة محاكاة مشاهد تاريخية عُمانية بطريقة تعليمية مشوّقة، إضافة إلى مسابقات ثقافية، وحلقات لتعليم كيفية كتابة الوثائق بالأدوات القديمة.
رعى المناسبة سعادة الدكتور أحمد بن محسن الغساني رئيس بلدية ظفار.