لجريدة عمان:
2025-08-01@15:50:05 GMT

الدين مادة بصرية استهلاكية!

تاريخ النشر: 8th, June 2025 GMT

نضعُ عينا على عدسة الكاميرا الصغيرة ونغلقُ العين الأخرى، نضغط علبة الكاميرا الملونة بين الإبهام والسبابة، فترصدُ العين المفتوحة صور شعائر الحج باللونين الأبيض والأسود. تبتهجُ قلوبنا الصغيرة بالصور المتوالية، كما نبتهجُ بالمكسرات القادمة من مكة والمدينة المنورة. أمّا سهرات توديع واستقبال الحجاج، والمسابيح الصغيرة المتدلية فـي الأيدي، والسجادات التي توزع على الأقرباء القادمين لإلقاء التحية، فتلك قصّة أخرى.

.

لكن ثمّة تحولات كثيرة طرأت على رحلة الحج المحفوفة بثراء التجربة الروحية، تجعلها على نحو ما مُراقبة ومرئية ومكشوفة من قبل الآخرين، تُغير جلدها من تجربة فردية تنشدُ التقشف والتواضع إلى مشاركة جماعية تُغمر‏ -على نحو مُبالغ فـيه- بنمط استهلاكي مخيف!

إظهار السرور بمن أدى شعائر الله أمر مُحبذ وقديم. فكانت البيوت تُزين ويُحتفى بالعودة الشاقة، وتعد الأطعمة وتجلب الهدايا الرمزية. ولكن ما يحدث الآن على وسائل التواصل الاجتماعي، يُحول الشعائر الدينية ‏من وظيفتها الواقعية إلى وظيفة افتراضية!

وإن بدا أنّ ذلك يربط الناس عميقا فـيما بينهم -من خلال الزيارات وتبادل الهدايا- إلا أنّه ينزعُ المعنى الروحي الشفـيف من الباطن الإيمانيّ إلى الظاهر الاستعراضي، فتنمو عشبة ضارة تسمى «المقارنة المميتة». فهذا الترويج للتفاصيل الصغيرة، وإن كان يعود بالخير والنفع المادي للمستثمر، يُغرقنا فـي ثُقل لا خلاص لنا منه!

لقد سمعنا عن أشخاص يتحرجون من العودة من الحج أو العمرة وليس فـي أيديهم ما يقدمونه، رغم أنّ هذا البذخ لا يُقيم فـي الذاكرة طويلا، إذ سرعان ما يُطوى كأي شيء!

ثمّة رعب من وصولنا إلى أن تصير علاقتنا بالعبادات، مجرد تأدية دور آلي أو محاولة رسم صورة اجتماعية، أكثر منه محاولة لمس جوهر هشاشتنا فـي علاقتنا بالخالق. لاسيما أمام موجة تصوير عاتية، تتيح لعب أدوار مُغايرة على رقعة الفضاء المفتوح، وكأننا نُعيد صياغة أنفسنا لنلائم لغة السوق!

بتنا فـي زمن، لا يتورعُ فـيه الواحد منا عن تصوير طوافه ودعائه ودموعه بصورة تدعو للتأمل حقا. فأين تكمنُ الحقيقة؟ وأين ينتهي التمثل؟ ففـي جزء من الثانية أو أكثر، ينشغلُ عقل المتعبد باللقطة وكيف يبدو فـي عين الرائي؟ فندخلُ بصفتنا «متلقين مفترضين» فـي حالة تشويش، فجسدُ المتعبد الذي يؤدي الشعائر، قد تخونه العين والفكر واليد فـي انفصال مؤقت. وقد لا ينتهي الأمر ها هنا، فثمة انشغال آخر -لا يقل عبثية- كامنٌ فـي ترقب شلال ردود الفعل. هكذا يتحول الفعل الديني إلى مادة بصرية، وفـي هذه اللقطة العشوائية التي يُنشئها البعض -لنوايا لا يعلمها إلا الله- يظهرُ أيضا من هم غير راغبين فـي الظهور، لكن الكاميرات المُسلطة تنتهكُ خصوصياتهم وتصطادها!

ناقش زيغمونت باومان فـي كتابه «الحداثة السائلة» التحولات الثقافـية والاجتماعية فـي عالمنا المعاصر بسبب تآكل المرجعيات، ولذا يمكن للجوانب الروحانية أن تصير منتجًا يُشترى ويُستهلك بصورة منعزلة عن السياق، فكل ما هو ثابت ومقدّس يتحول إلى سائل ومؤقت وقابل للبيع. ويشير جان بدوريار فـي كتابه «المجتمع الاستهلاكي» إلى الرأسمالية التي خلقت دينا جديدا هو دين الاستهلاك، «فالخطاب الاستهلاكي سرق وظيفة الخطاب الديني»!

ولسنا هنا لرجم الحسابات التجارية التي تسترزق من هذه المناسبات، ولكنها محاولة لنفـي البهرجة الزائدة، التي تُقيم الرحلة الروحية من مظاهرها لا من مضامينها. فالإبهار التي تقدمه وسائل التواصل الاجتماعي يُضاعف من حدة الأشياء، الصور والتنسيقات وطرق العرض، تفتحُ شهية الاقتناء!

ربما من المفـيد إعادة التوازن لحياتنا الدينية، وعزل الروحي قدر استطاعتنا عن سياقات الرأسمالية المتوحشة، من المهم أيضا مغادرة اللهاث المريض وراء منتجات متحولة ومتغيرة فـي سبيل العودة إلى جوهر الأشياء ومعدنها الأصيل.

هدى حمد كاتبة عُمانية ومديرة تحرير «نزوى»

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: التی ت

إقرأ أيضاً:

109 دولة.. أكثر من 1.2 مليون معتمر يؤدون المناسك خلال 45 يومًا

شهدت المملكة العربية السعودية توافدًا متزايدًا للمعتمرين منذ منتصف شهر ذي الحجة وحتى نهاية شهر محرم.
وبلغ عدد المعتمرين القادمين من خارج المملكة أكثر من 1.2 مليون معتمر من 109 دول حول العالم، في مؤشر على الانتعاش المتواصل لموسم العمرة وتعافي حركة السفر الديني بعد موسم الحج.عدد المعتمرينوأكدت وزارة الحج والعمرة أن هذه الأرقام تعكس الجهود التنظيمية والتنسيقية التي تبذلها المملكة لتيسير أداء المناسك، وتعزيز التجربة الدينية للزوار والمعتمرين.
أخبار متعلقة بالأرقام.. كبار السن الفئة الأكثر أداءً للعمرة الواحدة خلال 12 شهرًاخلال 3 أشهر.. أكثر من 32 مليون رحلة عبر تطبيقات نقل الركاب49877 ساعة عمل تطوعية للهلال الأحمر في الشرقية خلال 6 أشهروشهد الموسم زيادة بنسبة 30% في عدد المعتمرين القادمين بتأشيرة عمرة مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي، إلى جانب زيادة بنسبة 27% في عدد التأشيرات الصادرة.
.article-img-ratio{ display:block;padding-bottom: 67%;position:relative; overflow: hidden;height:0px; } .article-img-ratio img{ object-fit: contain; object-position: center; position: absolute; height: 100% !important;padding:0px; margin: auto; width: 100%; } 109 دولة.. أكثر من 1.2 مليون معتمر يؤدون المناسك خلال 45 يومًا - وزارة الحج والعمرة
كما تجاوز عدد التعاقدات بين شركاء العمرة والوكلاء الخارجيين حاجز 4200 تعاقد، مما يُظهر مدى التنوع في خدمات العمرة وتوسع شبكة الشراكات العالمية.خدمات ضيوف الرحمنوتأتي هذه الأرقام امتدادًا للجهود التي تبذلها المملكة ضمن مستهدفات رؤية 2030 لرفع جودة الخدمات المقدمة لضيوف الرحمن، وتيسير وصولهم إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة، وسط منظومة تقنية وتنظيمية متكاملة يقودها التحول الرقمي في القطاع.
وتواصل وزارة الحج والعمرة تعزيز جهودها بالتكامل مع مختلف الجهات الحكومية والخاصة، لضمان موسم عمرة استثنائي يشهد انسيابية في الإجراءات وسهولة في التنقلات، ويجسد كفاءة التنظيم السعودي في خدمة الإسلام والمسلمين.

مقالات مشابهة

  • دراسات تحذر من مادة مسرطنة في ماكينات القهوة المنزلية
  • سقوط مروجي مخدرات بجازان وجدة في قبضة رجال المكافحة.. فيديو
  • 6 فرسان يمثلون المملكة في بطولة العالم للخيل الصغيرة بفرنسا
  • 109 دولة.. أكثر من 1.2 مليون معتمر يؤدون المناسك خلال 45 يومًا
  • عسير.. إحباط تهريب 10 كيلوجرامات من مادة الحشيش المخدر
  • حرس الحدود بعسير يحبط تهريب 10 كيلوجرامات من الحشيش
  • رسميًا.. اعتماد جداول امتحانات الدبلومات الفنية الدور الثاني 2025
  • «المركز الوطني للامتحانات» يعلن منح الدرجات التعويضية ويفتح باب تقديم الطعون
  • المتحدث باسم وزارة الداخلية نور الدين البابا: مزاعم الحصار دعاية أطلقتها المجموعات الخارجة عن القانون لتسويق فتح معابرغير نظامية مع محيط السويداء داخل الجمهورية، وخارجها، لإنعاش تجارة السلاح والكبتاغون التي تشكل مصدر تمويل أساسي لهذه المجموعات
  • توقعات الأبراج وحظك اليوم برج الحمل: لا تتجاهل الإشارات الصغيرة