#بلا_مواربة
د. #هاشم_غرايبه
على مستوى أمتنا، وبعد مرور عشرين شهرا على معركة الطوفان المجيدة، باتت الأمور مكشوفة، فمن كان قلبه عليها، وغاية مراده انتصارها واستعادتها مجدها الغابر، ارتفعت روحه المعنوية لشحنة الأمل الهائلة التي زودته بها حركة المقاوكة الإسلامية، لتثبت أن الإيمان الصادق يصتع المعجزات، فيعوض التباين الهائل في القدرات العسكرية والتقنية.
أما من كان في قلوبهم مرض، فقد تلقوا ضربة قاسية، فسكتوا بداية فلم يجرؤوا على اظهار مشاعرهم الحقيقية، بل تظاهروا بتأييد المقاومين، مع محاولة انكار البعد الإسلامي الذي صنع هذه البسالة، مؤملين أنفسهم أن يتم القضاء عليهم سريعا، لكنهم مع مرور الأيام، ومع فشل العدوان على شراسته، بدت خيبة أملهم، فلم يتمكنوا من كتمان ما تكنه صدورهم من حقد على متبعي منهج الله، فبدت ألسنتهم تكشف ما في نفوسهم من البغضاء.
هذه الفئة التي كانت تمثل معسكر المنافقين التاريخي كانت متخفية وراء شعارات زاهية، فظل تمييزها عن المخلصين الحقيقيين للأمة صعبا على الكثيرين، كونها تدعي أنها وباتخاذها منهجا بديلا لمنهج الله، فإنها بذلك تسعى لمصلحة الأمة، وتهدف لتحقيق تقدمها بمنهج حداثي أكثر نفعا وجدوى.
لكنها بعد هذه المعركة الفاصلة، بات من السهل تحديدها، بل أصبح تمييز مكونات هذا المعسكر واضحا بيّناً.
الفئة الأولى الأهم هي أنظمة (سايكس بيكو) الحاكمة ورهطها وأدواتها الترويجية من مشايخ طاعة ولي الأمر، وهؤلاء هم الأسطع وضوحا منذ تأسيسها قبل قرن، إذ أنها ملتزمة على الدوام بإملاءات من أوجدها (المستعمر الغربي)، والتي مهما حاولت الادعاء بأن قراراتها استجابة للمصلحة الوطنية والقومية، فإنها كانت تفشل في اقناع المواطنين بأنها نابعة من قناعاتها وليست مفروضة عليها من أولى أمرها.
لقد كان لعملية الطوفان وقوعا مزلزلا على هذه الفئة، وربما لا تقل هولا عن الصدمة التي تلقاها المعسكر الصهيو- صليبي، فقد أسقطت كل مقولاتهم عن عدم قدرة الأمة على مواجهة العدو، وأنه لا مناص أمامها غير الاذعان لشروطه وتقبل هيمنته بالتطبيع، كما دحضت كل حججهم للبطش بالإسلاميين بادعاء أنهم يتاجرون بالدين.
أما الفئة الأخرى من المنافقين، فهم خليط متنوع من المسيسين الذين يتبعون منهجا فكريا منافسا للمعارضين الإسلاميين، وكانت حجتهم أن الاسلاميين عملاء للغرب، فكانت عملية الطوفان ورد الغرب العنيف عليها قاصمة لادعائهم ذاك، وكاشفة للسبب الحقيقي لعدائهم لهم، وهو أنهم لافتقارهم الى الشعبية في مجتمع يعادون منهجه الإسلامي، فهم يعتقدون أن فرصهم ستتعزز بالقضاء على الإخوان المسلمين أو بقمعهم على الأقل، لذلك فهم يفرحون بكل ما يصب في ذلك الاتجاه، ويكرهون أن ينسب فضل الى أية فئة تنتهج الاسلام.
يضاف الى هؤلاء المسيسين فئة غير مسيسة من الذين يستطيبون القعود ولا يحبون بذل الجهد ولا الجهاد، لذلك يكرهون أن يقوم نظام سياسي يتبع منهج الله ويطبق الاسلام.
ومعهم فئة أخرى من المواطنين غير المسلمين، فهؤلاء لا يريدون أن تقوم للاسلام دولة، حسدا من عند انفسهم، أو تخوفا منهم أنها ستغمطهم حقوقهم.
لوجاهة ما سبق ذكره، يلزم الوعي لأساليبهم الخبيثة، التي تصب بلا شك في القضاء على الروح الجهادية التي أحيتها عملية الطوفان، وإشاعة الانهزامية في الأمة وتقبلها التطبيع مع العدو، وبث الإحباط في نفوس المقاومين وقاعدتهم الشعبية الحاضنة في القطاع لكسر شوكتهم والقضاء على فكرة المقاومة.
في هذه الحالة يحسن بنا الاستنارة بالتجربة الأفغانية.
كثيرون منا انساقوا وراء الإعلام الغربي المضلل وأذنابه بيننا، فتكونت لديهم فكرة مزورة، وهي أن طالبان تتكون من أشخاص متشددين جاهلين رافضين للعلم والتحضر، ويمنعون تعلم الفتيات.
والحقيقة عكس ذلك تماما، فالحركة تأسست أصلا بين طلاب الجامعات، وليس بين الأميين كما يزعم معادو الاسلام، لذلك فقياداتهم يحملون الشهادات العلمية، وليست تخصصاتهم مقتصرة على العلوم الدينية بل على العلوم التقنية والتطبيقية أيضا.
بعد احتلال بلادهم حاول الغرب تحويلها الى العلمانية على يد عملائهم من الأنظمة العميلة، ففشلوا بسبب صمود المقاومة الإسلامية (طالبان)، وبعد زمن يئس المستعمر وانسحب، فزال الزبد، وهرب أذنابه المحليون في ساعة واحدة، وتسلم المقاومون السلطة بلا قتال، وبدؤوا في العمل لنهضة بلادهم.
الخلاصة أنه لا يحيي العزائم غير الإيمان، ولا يتحقق الصمود إلا بالتلاحم بين القاعدة الشعبية والمقاومة. مقالات ذات صلة تقسيم فلسطين بين الأمم “فانتازيا تاريخية” 2025/06/10
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: بلا مواربة هاشم غرايبه
إقرأ أيضاً:
سبايكر: الجريمة التي فضحت ثوار العشائر
12 يونيو، 2025
بغداد/المسلة: ناجي الغزي
لم تكن مجزرة سبايكر، التي راح ضحيتها أكثر من 1700 طالب في القوة الجوية العراقية في يونيو 2014، ليست جريمة عابرة، بل لحظة كاشفة لسقوط الأقنعة. ولم تكن مجرد عملية قتل جماعي نفذتها أيادي غادرة، بل كانت نتيجة مباشرة لتحالفٍ شرير بين فلول البعث، وثوار العشائر و تنظيم داعش الإرهابي، والحواضن الاجتماعية السنية التي وفرت لهم غطاء الصمت والموافقة. وبدعمٍ مالي وإعلامي خارجي، وبمباركة قوى داخلية نافذة رفعت قبل ذلك بأشهر شعارات طائفية في ساحات الاعتصام.
إن جريمة سبايكر لم تكن لحظة معزولة عن سياق الانهيار الأمني والسياسي، الذي خطط له مجموعة معروفة بحضورها في ساحات الاعتصامات, بل كانت نتيجة منطقية لحملة منظمة بدأت عام 2012 في الأنبار، حيث تم استخدام الاعتصامات كساحة لتجميع عناصر “النقمة السنية”، ومنصة للتهديد والوعيد، قبل أن تتطور لاحقاً إلى ظاهرة تسمى “ثوار العشائر”، ومنها إلى مشروع “دولة الخلافة”.
اعتصامات 2012.. الولادة السياسية للمجزرة
تحت ذريعة “المظلومية السنية”، تحوّلت ساحات الاعتصام في الأنبار وصلاح الدين ونينوى عام 2012–2013 إلى مراكز تجييش طائفي، رفعت فيها لافتات: “قادمون يا بغداد” و”الشيعة أبناء المتعة” و “سندخل إلى بغداد ونقطع الرؤوس” في هذه الساحات، ظهر الوجه الحقيقي للمشروع الذي كان يُحضّر، وهو إعادة إنتاج البعث تحت غطاء عشائري- ديني-جهادي، وبقيادة وتخطيط من شخصيات أمثال والهاشمي، والنجيفي، والخنجر، والعاني، والعلواني، والدليمي، والعيساوي، وخميس الخنجر، الذي لعب دوراً محورياً في تمويل الإعلام الموجه، وشراء الولاءات العشائرية، وتوفير الدعم اللوجستي والسياسي للحراك، بدعم مباشر من قنوات ومخابرات دول خليجية.
كان الهدف واضحاً: تقويض سلطة الدولة العراقية، وإسقاط حكومة نوري المالكي، التي كانت آنذاك تسعى إلى تثبيت الاستقرار، ومحاربة الفساد الاداري والمالي، واستعادة الامن في البلاد، بعد ان فتكت السيارات المفخخة والانتحاريين أسواق المدن الشيعية، والتجمهات ودور العبادة وغيرها.
ثوار العشائر- خدعة قاتلة وخيانة مفضوحة
في يونيو 2014، ومع سقوط مدينة الموصل، تقدمت مجموعات تحت مسمى “ثوار العشائر” إلى مدينة تكريت. لم يكن هؤلاء الثوار سوى بقايا ضباط الحرس الجمهوري والامن والمخابرات البعثية، وأبناء عمومة صدام حسين وأقاربه، وابناء وطبان وبرزان، وفلول عبد حمود، الذين استغلوا فوضى المرحلة وغياب التنسيق، لإيهام الجنود العراقيين بأنهم قوة عشائرية وطنية هدفها حقن الدماء.
وقد ثبت لاحقاً من شهادات أهالي الضحايا، أن الجنود في قاعدة سبايكر سلّموا أنفسهم لهؤلاء بعد أن قالوا لهم: “نحن ثوار العشائر وسنقوم بإعادتكم إلى أهلكم سالمين.”
لكن الحقيقة كانت أشد مرارة. فقد اقتيد الجنود إلى مجمع القصور الرئاسية لصدام، وتمت تصفيتهم بدمٍ بارد، وأُعدمت أجيال من خيرة شباب العراق على أيدي قتلة مجرمون يحملون رايات العشائر، وأرواحهم ملوثة بالكراهية والحقد الطائفي، وبصمتهم واضحة تمثل البعث الدموي.
الحواضن العشائرية – ومبايعة البغدادي
ليس سراً أن العديد من العشائر في محافظات الأنبار وصلاح الدين ونينوى، بايعت “أبو بكر البغدادي” بعد إعلانه الخلافة، وبعضها زُينت منازل شيوخها برايات داعش السوداء. لقد وفروا الملاذ الآمن، وأمدوا التنظيم بالمقاتلين والدعم المالي والمعنوي، وسكتوا على المجازر التي ارتُكبت بحق الأبرياء، بحجّة “الثأر” من حكومة المالكي.
وهذه مسؤولية أخلاقية تقع أيضاً على المجتمع العشائري الذي لم يعلن براءته صراحة من الجريمة، بل التبس عليه موقفه بين من يعتبر ما جرى “رد فعل على الظلم”، وبين من يستمر بالترويج لفكرة أن سبايكر “عملية تمت بتواطؤ من الداخل”.
ورغم كل محاولات التشويه، فإن حكومة المالكي كانت الطرف الوحيد الذي وقف في وجه تمدد داعش قبل سقوط الموصل، وحذرت مراراً من خطر الحواضن، والتنسيق بين عناصر البعث والمجاميع المتطرفة. وقد سعى المالكي، خلال ولايتيه، إلى دعم القوات الأمنية، وإعادة بناء المؤسسات العسكرية، رغم معرقلات داخلية من البيت الشيعي والسني وخارجية شرسة من قبل الجوار الاقليمي.
بل إن أكثر ما يثير الغضب هو أن المالكي أُدين في بعض الخطابات الغربية والإعلام العربي بسبب “عدم استيعابه للعشائر”، بينما كان هو نفسه قد حذّر من استخدامها كحصان طروادة لبعث مشروع إقليمي يهدد وحدة العراق.
التمويل الخارجي والتحريض الإعلامي
جميع الدلائل تشير إلى دور خارجي منظم قاد عملية تشويه الحكومة الشرعية وتقديم “ثوار العشائر” كبديل، وهي عملية تبنّتها قنوات مثل الجزيرة والعربية، ومراكز بحث خليجية، ونشطاء مرتبطين بمشاريع خارجية.
المال الخليجي تدفّق عبر شخصيات مثل خميس الخنجر وغيره، لشراء الزعامات العشائرية، وتمويل “المجالس العسكرية” التي قاتلت الدولة العراقية، قبل أن تتماهي مع داعش لاحقاً. لم يكن ما جرى ثورة محلية، بل انقلاب إقليمي بالوكالة، نفذته أدوات محلية مغمّسة بثقافة الانتقام البعثي.
من يتحمل المسؤولية؟
الحكومة في بغداد آنذاك -برئاسة نوري المالكي- وُضعت في قفص الاتهام الشعبي، لكن من الناحية المؤسساتية، كانت القيادة المركزية تعتمد على تقارير ميدانية من ضباط وقادة المناطق، وهؤلاء إما انسحبوا دون قتال، أو تواطؤوا، أو سقطوا في أول صدمة، أو فقدوا السيطرة على الأرض. وبالتالي، فإن المسؤولية الميدانية تقع على القيادات العسكرية في صلاح الدين وتكريت، ممن تركوا الجنود وحدهم في مواجهة المجهول، بلا قيادة، بلا حماية، وبلا خط انسحاب آمن.
ولا يمكن فهم مجزرة سبايكر دون قراءة أعمق لطبيعة الاصطفاف السياسي والطائفي حينها. فقد استهدفت الجريمة في جانبها الخفي “هوية” الجنود القتلى، الذين تم تصنيفهم مسبقاً على أنهم “جنود شيعة”، يمثلون “جيش المالكي”، ولذلك جرى تصفيتهم بروح انتقامية، ومن خلال خطاب تكفيري وتحريضي يُجرّم الانتماء الطائفي. وما زاد من عمق المأساة هو تواطؤ صمت كثير من القوى السنية في وقتها، سواء بدافع الخوف أو التماهي مع السردية المعادية للدولة.
سبايكر جرح لم يُغلق
إن ما جرى في سبايكر ليس مجرد كارثة إنسانية، بل وصمة عار على جبين كل من دعم، موّل، أو برّر ثوار العشائر، أو تواطأ مع داعش ولو بالصمت.
إنصاف الضحايا لا يكون بتذكرهم في الذكرى السنوية، بل بكشف الحقيقة كاملة، وملاحقة جميع المتورطين سياسياً وعشائرياً وإعلامياً.
إن العدالة لضحايا سبايكر لا تتحقق فقط بمحاكمات لاحقة، بل بمراجعة جذرية للعقيدة العسكرية، وببناء ذاكرة وطنية شجاعة لا تخشى تسمية الأشياء بأسمائها، ولا تخفي القتلة خلف أقنعة “الثورة” أو “العشيرة” أو “الدين”. لقد كشفت سبايكر سقوط مشروع “الثورة العشائرية”، الذي لم يكن سوى فخ دموي لتمزيق العراق وإعادة إنتاج القتلة بوجوه جديدة.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
About Post AuthorSee author's posts