الطلاب يشكون من عدم وضع النظام لمهاراتهم في عين الاعتبار

غياب العدالة بين المحافظات وتراجع الابتعاث يهددان تكافؤ الفرص

عدة دول لا تعتمد نتائج الدبلوم فقط كمعيار أساسي للقبول الجامعي

 

 

الرؤية- ريم الحامدية

 

أكد عدد من التربويين والمختصين في التوجيه المهني أن نظام القبول الموحد، ورغم ما يتمتع به من شفافية وإجراءات إلكترونية مُتقدِّمة، لا يزال بحاجة إلى مراجعة شاملة تُراعي الفروق الفردية بين الطلبة وتواكب متطلبات سوق العمل المُتغير.

وأشاروا- في تحقيق خاص لـ"الرؤية"- إلى أن الاعتماد الكُلي للنظام على نتائج الدبلوم العام، دون النظر إلى المهارات التطبيقية والقدرات الفردية، ساهم في تعزيز فجوة بين المخرجات التعليمية والواقع المهني، وأدى إلى تكدس الخريجين في تُخصُّصات لا تُلبي احتياجات السوق.

 

ويُؤكد خالد الحامدي أن كثيرًا من الدول لم تعد تعتمد على نسب الدبلوم العام كمعيار أساسي للقبول الجامعي؛ بل تبنت اختبارات تقيس القدرات والمهارات، معتبرًا أن تطبيق هذا النموذج في سلطنة عمان من شأنه إنهاء ما وصفه بـ"كابوس الدبلوم العام"، وهي السنة التي تعيش فيها أسر الطلبة حالة طوارئ نفسية واجتماعية، تكثر فيها مظاهر الإحباط والأمراض النفسية.


 

ويقول الحامدي إن "نظام القبول الموحد قد يكون عادلًا من الناحية التقنية، لكنه جامد في تعاطيه مع الطلبة، ويتعامل معهم كأرقام فقط، ولا يراعي رغباتهم في اختيار التخصصات إلا في حالات نادرة جدًا، لا تمثل حجم خريجي الدبلوم العام". ويضيف: "حتى البرامج والفرص الخاصة التي يُفترض أن يقدمها النظام تظل غير واضحة لغالبية الطلبة، ولا يحظى بها سوى قلة مطّلعة على تفاصيلها الدقيقة".

المواءمة مع سوق العمل

ويُشير الحامدي إلى أن محاولات المواءمة بين التخصصات الجامعية وسوق العمل لا تزال قاصرة؛ حيث لا تزال الفجوة واسعة، وواقع الخريجين خير شاهد؛ إذ إن بعضهم قضى سنوات طويلة في انتظار فرص التوظيف دون جدوى، مع محدودية البدائل المطروحة أمامهم.

وحول البعثات الخارجية، يصف قرار تقليصها بشكل كبير بنسبة تفوق النصف بـ "القشة التي قصمت ظهر الطلبة المجيدين"، مؤكدًا أن ذلك أجبرهم على القبول بتخصصات لا يرغبون بها، في جامعات لا تحتل مواقع مرموقة في التصنيفات العالمية. ويُشدد على أن مثل هذا القرار لا يستند على رؤية مستقبلية، ويبدو أن صانعه لم ينظر سوى إلى كلفة البعثات فقط، دون اعتبار لطموحات الطلبة أو جودة التعليم.

من جانبه، يقول حسن الحامدي، مشرف أول بالمديرية العامة للتربية والتعليم بمحافظة شمال الباطنة، إن نظام القبول الموحد، رغم اعتماده على معايير موحدة لجميع الطلبة، إلّا أنه لا يحقق العدالة الكافية بين مختلف البيئات التعليمية، موضحًا أن الإمكانيات المتوفرة في محافظة مسقط ليست متاحة في القرى البعيدة، مما يُحدث فجوة واضحة في جودة التعليم بين المناطق. وأشار إلى أن بعض الدول مثل ماليزيا تبنّت نظامًا يمنح نسب قبول مخصصة للمناطق الريفية، بهدف تقليص هذه الفجوة وتحقيق نوع من الإنصاف التعليمي.


 

ويؤكد الحامدي أن الاعتماد الكامل على نتائج الثانوية العامة فقط كمعيار للقبول الجامعي يتجاهل وجود أنواع متعددة من الذكاء، ويؤدي إلى إقصاء الطلبة الذين يمتلكون مهارات تطبيقية أو قدرات إبداعية قد لا تُقاس من خلال الاختبارات الأكاديمية وحدها. ويرى أن هذا النموذج يسهم في تقليص فرص هؤلاء الطلبة في الحصول على مقاعد جامعية تتناسب مع ميولهم وقدراتهم الحقيقية.

التخصصات الأكاديمية

وفيما يتعلق بتوزيع المقاعد الجامعية، يُشير الحامدي إلى أن التوزيع الحالي لا يتناسب في كثير من الأحيان مع رغبات الطلبة أو كفاءتهم الأكاديمية، مما يؤدي إلى ارتفاع معدلات تغيير التخصص أو الانسحاب من الدراسة، إلى جانب تراجع الدافعية الأكاديمية لدى كثير من الطلبة وضعف شعورهم بالرضا عن التخصص الذي أُجبروا عليه.

وعن آليات الشفافية والطعون، يرى الحامدي أن مركز القبول الموحد يفتقر إلى آلية طعن واضحة ومفعّلة؛ حيث لا يتم توضيح نتائج التظلمات، كما لا توجد مخاطبات فردية مع المتظلمين، الأمر الذي يمثل إحباطًا للطلبة وأولياء أمورهم.

ويضيف الحامدي أن النظام ما زال يعمل بمنطق التخطيط الأكاديمي التقليدي، رغم محاولات القائمين عليه لإدخال بعض العناصر الاقتصادية. إلا أن الحل يكمن في اعتماد منطق التخطيط الاقتصادي القائم على تحليل احتياجات السوق؛ حيث إن ارتفاع عدد الخريجين من تخصصات مُشبَّعة، في مقابل وجود نقص حاد في تخصصات حيوية، هو نتيجة طبيعية لغياب التخطيط المرتبط مباشرة بسوق العمل.

وفي سبيل تطوير نظام القبول الموحد، يدعو الحامدي إلى تصميم اختبار وطني موحد للقدرات يُقيس مهارات الطلبة إلى جانب التحصيل الدراسي؛ بما يشبه النموذج المستخدم في المملكة العربية السعودية. كما يُشدد على أهمية اعتماد سياسة تمييز إيجابي للمناطق الأقل حظًا عبر تخصيص نسب قبول مرنة، إضافة إلى تعزيز التوجيه الأكاديمي المبكر باستخدام منصات تفاعلية ذكية تعتمد على تحليل شخصية الطالب ومهاراته. وأكد ضرورة مواءمة استراتيجية القبول مع توجهات رؤية "عُمان 2040" واحتياجات سوق العمل على المستويين المحلي والدولي.

وفيما يتعلق بتقليص أعداد المقاعد وتراجع الابتعاث الخارجي، يُعبّر الحامدي عن قلقه من غياب استراتيجية واضحة للبدائل، مثل تطوير مسارات التعليم التقني أو التعلّم الإلكتروني، مشيرًا إلى أن هذا الوضع قد يؤدي إلى حرمان شرائح مجيدة من الطلبة من فرصة مميزة، ويؤثر سلبًا على رأس المال البشري الوطني. ويلفت إلى أن بعض الدول الإسكندنافية، عند تقليصها للبعثات، بادرت بإنشاء بعثات داخلية تنافسية وتعليم مفتوح بجودة عالية، وهناك دول أخرى أنشأت صندوقًا وطنيًا للابتعاث الداخلي بالتعاون مع القطاع الخاص، وهو ما يمكن الاستفادة منه في التجربة العُمانية.

شفافية.. ولكن!

أما سليمان بن راشد الحامدي، معلم توجيه مهني، فيقول إن الآلية المتبعة في تسجيل الطلبة وتوزيع المقاعد ضمن نظام القبول الموحد تتسم بدرجة عالية من الشفافية، وتكفُل تكافؤ الفرص لجميع الطلاب، موضحًا أن الفرز يتم بطريقة آلية، ويُظهر النظام في صفحة الطالب أقل معدل تنافسي تم القبول عليه في كل تخصص، مما يعزز من وضوح الإجراءات وطمأنة الأسر.


 

ورغم إشادته بالشفافية، يُشير الحامدي إلى وجود فجوة واضحة في استيعاب الطلبة الذين يمتلكون مهارات ومواهب خارج نطاق التحصيل الدراسي، مؤكدًا أن هؤلاء لا يحظون بفرص كافية في المؤسسات التعليمية الصناعية أو المهنية، وهو ما يستدعي التوسّع في إنشاء وتطوير هذه المؤسسات لتكون رافدًا حقيقيًا لطيف واسع من القدرات.

وفيما يتعلق بتوزيع المقاعد، يوضح أن النظام يأخذ في الاعتبار رغبة الطالب وولي أمره عند تحديد التخصص، وهو ما يعكس توجهًا نحو تحقيق أهداف الطلبة المهنية، إلا أن الإشكالية- حسب رأيه- لا تكمن في الآلية، بل في نقص الوعي لدى بعض الطلبة وأسرهم بمتطلبات سوق العمل. ويؤكد الحامدي أن القصور في قراءة متطلبات السوق يعود في كثير من الأحيان إلى غياب التوجيه الوظيفي المُبكِّر، موضحًا أن العديد من الطلاب وذويهم لا يمتلكون معرفة دقيقة بالاحتياجات الفعلية لسوق العمل، مما يؤثر على اختياراتهم ويؤدي إلى تكدس في تخصصات لا تتوافق مع الواقع المهني.

وحول الابتعاث الخارجي، يُعرب الحامدي عن أمله في أن تتم زيادة المقاعد الدراسية للبعثات، لتلبية رغبات الطلبة وأولياء أمورهم، خاصة في ظل تقلص عدد المقاعد المتاحة في السنوات الأخيرة، وهو ما يحد من تنوّع الفرص التعليمية أمام الطلبة المجيدين والطموحين.

ويختم الحامدي حديثه بالتأكيد على أن الفرص المتاحة اليوم متوفرة لجميع الطلاب، وتُقدَّم بشفافية، لكن المطلوب في المرحلة القادمة هو تنويع المسارات التعليمية، وتوسيع دائرة الخيارات بما يشمل المهارات التطبيقية والمجالات التقنية والفنية، إلى جانب تعزيز الإرشاد المهني وربطه بشكل مباشر بسوق العمل المحلي والعالمي.

مقابلات شخصية

ويوضح سيف بن بشير العيسائي، أخصائي توجيه مهني، أن من الضروري إجراء مقابلات شخصية لجميع المتقدمين للبرامج التعليمية؛ وذلك بهدف معرفة مدى رغبة الطالب الفعلية في البرنامج الذي سيلتحق به، ومدى المعلومات المتوفرة لديه عن هذا البرنامج، مؤكدًا أن هذه الخطوة ستعزز من جودة الاختيار، وتحد من حالات الالتحاق غير الواعي بالتخصصات.


 

ويضيف العيسائي أن التنسيق بين وزارة التعليم العالي ووزارة العمل يُعد من الضرورات الأساسية لتحديد عدد المقاعد في كل برنامج دراسي، بحيث يتماشى العرض الأكاديمي مع احتياجات سوق العمل الفعلية، مشيرًا إلى أن النظام الحالي يتمتع بدرجة عالية من الشفافية، لكن هذا لا يعني بالضرورة خلوه من الإشكاليات المرتبطة بواقع المخرجات.

ويؤكد العيسائي وجود فجوة حقيقية في النظام، تتمثل في تكدس خريجي بعض البرامج التعليمية دون الحصول على فرص عمل، ما يُبرز الحاجة إلى مراجعة دقيقة ودورية للخطط الدراسية وعدد المقاعد المطروحة لكل تخصص. ويقترح في هذا السياق دراسة عدد الوافدين في مختلف الوظائف، ومن ثم توزيع المقاعد التعليمية لسد النقص القائم في هذه المجالات؛ مما يضمن توطين الوظائف وبناء رأس مال بشري فعّال.

ويُشدد العيسائي على أهمية أن يكون الابتعاث الخارجي مبنيًا على تنسيق واضح ومسبق بين وزارة التعليم العالي ووزارة العمل، بحيث يتم ابتعاث الطالب إلى الخارج من أجل التهيئة لوظيفة محددة مسبقًا، وذلك بالنظر إلى أن الدولة تصرف مبالغ ضخمة على هؤلاء الطلبة، ويجب أن يكون العائد من هذه البعثات مرتبطًا بشكل مباشر بخطط التوظيف الوطنية.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

المزارع العماني في "النجد" مُجبر على دفن المحصول.. وهيمنة التجّار الأجانب تقضي على أحلام أبناء الوطن

 

 

 

الرؤية- سارة العبرية

يُطالب عددٌ من المواطنين والمزارعين في منطقة النجد بولاية ثمريت في محافظة ظفار، الجهات المسؤولة بوضع خطط متكاملة لتحسين أوضاع المزارع والمزارعين، مشيرين إلى أن جهودهم الذاتية في استصلاح الأراضي وزراعة المحاصيل في ظل الظروف المناخية القاسية لا تجد المقابل المادي المناسب عند بيع المحاصيل، وهو ما يُؤثر على جهود تعزيز الأمن الغذائي في سلطنة عُمان.

وقال خالد بن عامر فاضل مزارع في منطقة النجد بمحافظة ظفار، إن أبرز مشكلة يعاني منها المزارع والمستثمر الزراعي في سلطنة عُمان هي تسويق المنتجات الزراعية، مشيرا إلى أن سوق الخضار المحلي يخضع لسيطرة شبه تامة من قِبل التجار الأجانب، مضيفاً: "للأسف، التجار المسيطرون على استقبال الخضار في السلطنة هم من غير العمانيين، وهم من يحددون الأسعار، بينما تقف الجهات المعنية موقف المتفرج، والأسواق المركزية الكبرى مثل اللولو ونستو لا يستقبلون المنتجات إلا من هؤلاء التجار، وإذا نزلنا منتجاتنا إلى السوق فنُجبر على بيعها بالسعر الذي يفرضونه".

وأوضح فاضل أن هذا الوضع يخلق خسائر كبيرة للمزارعين، إذ إنه في بعض الأحيان يصل المحصول إلى 10 أطنان من البطيخ أو الطماطم على سبيل المثال، ليتفاجأ جميع المزارعين بأنَّ السعر المعروض لا يتجاوز 100 بيسة للكيلو، مبينا: "لا توجد لدينا أماكن تخزين مناسبة حاليًا في محافظة ظفار، ما يضطرنا إلى بيع المحصول بالخسارة أو التخلص منه".

وبيّن: "في بعض مواسم الطماطم، أحفر حُفرة وأدفن المحصول؛ لأنَّ بيعه في السوق يكون أقل من تكلفة الإنتاج، فسعر الكرتون الذي يحتوي على أكثر من 10 كيلوجرامات طماطم أحيانًا لا يتجاوز 300 بيسة، بينما التكلفة الفعلية للنقل والإنتاج أعلى من ذلك بكثير".

وانتقد فاضل غياب الإشراف والدعم الحكومي للمزارعين قائلاً: "لا يوجد خبير أو جهة حكومية نلجأ لها لحل مشاكل التسويق أو التسعير، ولا نشعر بأي دعم فعلي من وزارة الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه، باستثناء دعم محدود للقمح فقط"، لافتاً إلى أنَّ المزارعين يعانون من ارتفاع تكاليف مدخلات الإنتاج مثل الكهرباء والأسمدة، دون وجود جهة تتابع هذه القضايا بجدية.

وفي حديثه عن تجربة مزارعي منطقة النجد، قال فاضل: "مزارع نجد قامت بجهود شباب عمانيين عملوا في ظروف قاسية، وسط صحراء تتجاوز درجات الحرارة فيها 50 درجة مئوية، ومع ذلك حققوا نجاحات نفتخر بها، وهؤلاء الشباب يستحقون التكريم والدعم، لأنهم أثبتوا أن لديهم القدرة على توفير مُعظم احتياجات السلطنة الزراعية؛ بل ويمكنهم التصدير إلى دول الخليج".

ودعا فاضل إلى وجود توجه حقيقي من الحكومة لدعم الزراعة، قائلاً: "إذا لم يكن هناك توجه جاد من وزارة الثروة الزراعية ومجلس الوزراء، فستظل المعاناة قائمة في نهاية كل موسم". مشددا على أهمية تطبيق نظام التعاقدات الزراعية، لتوفير كميات محددة بأسعار معلومة، مما يضمن استقرار الإنتاج".

ووجّه فاضل رسالة إلى المؤسسات الحكومية والعسكرية في السلطنة، قائلاً: "لماذا تعتمدون على المستورد؟ نحن كمزارعين مستعدون لتوفير كل احتياجاتكم من المنتجات المحلية وبالأسعار نفسها، وكل ما نحتاجه هو دعم فعلي واهتمام جاد؛ لأنَّ مزارع نجد هي مستقبل الأمن الغذائي الوطني، وكما يُقال: "من لا يملك غذاءه لا يملك قراره".

من جهته، قال أحمد بن محمد الكثيري رئيس تحرير صحيفة عرب ميديا الإلكترونية، إن قضية مزارع النجد والمزارعين في تلك المنطقة ليست جديدة؛ بل تعود إلى السبعينيات والثمانينيات، حيث أُحيل الملف حينها إلى الجهات المعنية بغية الوصول إلى حل بشأن تمليك الأراضي الزراعية، موضحا أن كثيراً من الأراضي في النجد تعود ملكيتها للمواطنين منذ عقود طويلة، وبعضها ورثها الأهالي جيلاً بعد جيل، باعتبارها أراضي قبلية ضمن نسيج المجتمع المحلي.

ويتابع قائلا: "المزارعون شرعوا في استثمار هذه الأراضي، وضخّوا أموالهم الخاصة دون أي دعم حكومي يُذكر، خصوصًا في ما يتعلق بحفر الآبار وتكاليف التشغيل، وتمكنوا مع الوقت من تحقيق إنتاج زراعي ناجح، حيث وصلت محاصيلهم -مثل البطيخ والشمّام والقمح- إلى أسواق خارجية، منها الخليجية، كما أن 70% من المزارع في نجد يديرها مواطنون لا يمتلكون صكوك تملك رسمية، ويخوضون حاليًا حوارًا مع الحكومة من أجل الاعتراف بملكيتهم، لكن بدلًا من تمليكهم الأراضي، تم طرح نظام جديد يعتمد على الانتفاع أو الاستثمار، حيث يُفرض على الفدان الواحد رسوم سنوية تصل إلى 150 ريالًا، أي ما يعادل 5000 ريال في السنة للمزارع التي يزرع 100 فدان، وهو ما يعتبره البعض عبئًا ماليًا إضافيًا على المزارعين الذين يعانون أصلًا من ارتفاع تكاليف التشغيل.

وانتقد الكثيري ارتفاع فواتير الكهرباء على المزارعين، مشيرًا إلى أن المبالغ الشهرية التي تُدفع تعادل تقريبًا صافي الربح المفترض، متسائلا: "منذ توقيع عقد الانتفاع، أين الربح؟ كيف يستطيع المزارع الاستمرار في ظل هذه التكاليف الباهظة؟". كما أكد أن الزراعة بخاصة في المناطق الموسمية، عُرضة للخسارة بسبب عوامل مناخية بسيطة مثل الرياح أو حرارة الشمس، ما يجعل الإنتاج غير مضمون، في حين أن المصاريف ثابتة وعالية.

وأوضح الكثيري أن المزارعين حالياً يعيشون فترة "مُهلة" تمتد لثلاث سنوات ما بين توقيع العقد وبدء سداد الرسوم، لكن مع مرور العامين القادمين، فكثيرين منهم سيضطرون للتوقف لأنهم غير قادرين على مواكبة الأعباء المالية.

وقال: "اليوم المزارع لا يُعامل كمالك وإنما كمستثمر، رغم أنه يزرع ليؤمن قوته اليومي ويشغّل أبناءه في مراحل الإنتاج والحصاد والتوزيع"، مضيفا: "الغالبية يبيعون إنتاجهم داخل ولاياتهم ومحافظاتهم، ولا تصل منتجاتهم إلى أسواق مثل مسقط بسبب غياب الدعم في مجالات النقل واللوجستيات، وعلى سبيل المثال هناك مزارع واجه خسارة كبيرة مؤخرًا في محصول البصل، إذ باع محصوله بسعر يقل عن تكلفة النقل، واضطر إلى توزيع المحصول مجانًا في الشارع بعدما عجز عن تسويقه في السوق المحلي".

وبيّن الكثيري أن استمرار هذا الوضع لا يشجع على الاستثمار الزراعي؛ بل يؤدي إلى الإحباط، حيث إن ما يقارب 50% من المزارعين في المنطقة توقفوا بالفعل بسبب ضعف الجدوى الاقتصادية.

وشدد الكثيري على ضرورة معالجة ثلاث قضايا محورية: التوزيع، والتصدير، والتصنيع، مشيرًا إلى أن "مثلث النجاح" يتمثل في التمليك، والدعم، والتسويق، كما أن تحقيق الأمن الغذائي المحلي مسؤولية دولة في المقام الأول، وليس المواطن فقط، ولذلك يجب تدخل الجهات المعنية وعلى رأسها وزارة الثروة الزراعية لضمان استدامة القطاع الزراعي، ودعم المزارع المحلي بما يمكّنه من الإسهام الفعّال في هذا الملف الحيوي.

وفي السياق، قال المحلل السياسي علي بن مسعود المعشني، إنه لا يمكن النهوض بقطاع الزراعة في سلطنة عُمان وتحقيق مستوى معقول من الأمن الغذائي دون اتخاذ خطوات جادة تبدأ بإنشاء شركة أو هيئة مختصة بتسويق المنتجات الزراعية، تضمن وصولها إلى الأسواق بكفاءة وعدالة، مؤكدا ضرورة حماية المنتجات الزراعية العُمانية من المنافسة الخارجية، لا سيما في مواسمها، بما يتيح لها فرصة عادلة للنمو والبقاء في السوق.

وأضاف أن المنتجات العُمانية ذات الجودة العالية والإنتاج المستدام يجب أن تحظى بحماية دائمة، مع إمكانية السماح بدخول مثيلاتها من الخارج لكن مع فرض رسوم أعلى، تشجع المستهلك على تفضيل المنتج الوطني وتدعم المزارعين المحليين، لافتا إلى أهمية استحداث معاهد زراعية متخصصة على غرار معاهد التدريب المهني، تتولى تأهيل مخرجات الدبلوم العام للعمل في مجالات الزراعة والثروة الحيوانية والدواجن، عبر برامج عملية متطورة، مع منح الخريجين قروضاً ميسرة لتمكينهم من بدء مشاريعهم بعد التخرج.

وبيّن المعشني: "من الضروري أيضًا ربط هذه الشهادات بمؤسسات أكاديمية جامعية، بحيث تتيح للراغبين استكمال دراستهم للحصول على مؤهلات جامعية عليا في تخصصات الزراعة والثروة الحيوانية، للاسهام في بناء كوادر وطنية متخصصة وقادرة على النهوض بالقطاع الزراعي بصورة شاملة".

مقالات مشابهة

  • أحلام تشيلسي تصطدم بطموحات لوس أنجليس في مونديال الأندية
  • المزارع العماني في "النجد" مُجبر على دفن المحصول.. وهيمنة التجّار الأجانب تقضي على أحلام أبناء الوطن
  • طيار : الطائرة الهندية لم تصطدم بشيء والانفجار حدث بعد سقوطها ..فيديو
  • خطبتا الجمعة بالحرمين: من علامات القبول الاستمرار في عمل الصالحات.. وبالرحمة تطيب الحياة وتصلح المجتمعات
  • 60 لاعبا يشاركون في مركز إعداد ناشئي رياضة الرجبي
  • ردة فعل زوج أحلام على مكالمة ابنته أثناء التصوير مع صديق له.. فيديو
  • أحمد العوضي: حماة الوطن سينافس على جميع المقاعد في انتخابات الشيوخ
  • أحزاب تكشف عن حجم مرشحيها على المقاعد الفردية.. ويؤكدون: العدد قابل للزيادة الفترة القادمة
  • بدء التقديم في المدارس الرياضية 2026 السبت .. اعرف الشروط والضوابط