مركز سلامة الدواء: مراجعة منتظمة للأسعار .. والجودة ترفع التكلفة
تاريخ النشر: 15th, June 2025 GMT
تعمل وزارة الصحة على تنظيم سوق الأدوية وضمان عدالة التسعير من خلال منظومة متكاملة تحقق التوازن بين ضمان جودة الدواء واستدامة توفره.
وتُحدد أسعار الأدوية عند تسجيلها بناء على قواعد التسعيرة المعتمدة والموحدة خليجيا، تراعي تكلفة التصنيع في بلد المنشأ والأسعار المرجعية المعتمدة وأسعار البدائل المتوفرة في السوق المحلي.
وقال إبراهيم بن ناصر الراشدي مدير عام مركز سلامة الدواء: إن وزارة الصحة تقوم بمراجعات دورية لأسعار المستحضرات المبتكرة لتتوافق مع متغيرات السوق وتوافر البدائل العلاجية؛ حيث يتم تخفيض المستحضر المبتكر مباشرة بنسبة 20% فور تسجيل أول مستحضر جنيس له، كما يتم توحيد أسعار المستحضرات المبتكرة بصفة دورية على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي، من خلال برنامج مجلس الصحة لتوحيد الأسعار؛ حيث يتم اعتماد أقل سعر تصدير للدواء في دول الخليج دون الإخلال بتوفر الدواء وضمان وجود البدائل المناسبة له، علما أنه خلال الثلاثة أعوام الماضية تم تطبيق أسعار الخليج الموحدة لـ125 مستحضرا دوائيا في سلطنة عمان بحيث نتج عنه تخفيض أسعارها جميعا بمتوسط 30%. وتراقب الوزارة مدى التزام الشركات والمستوردين بالأسعار المعتمدة، كما تطبق العقوبات عند المخالفة.
وتشجع الوزارة على تسجيل الأدوية الجنيسة ذات الفاعلية المكافئة بالسعر الأقل، وذلك لتعزيز التنافسية في السوق وتوفير خيارات اقتصادية للمرضى.
تحديد الأسعار
وعن الأسباب الرئيسة لارتفاع أسعار الأدوية في سلطنة عُمان، أوضح الراشدي أن هناك عدة عناصر تدخل في تحديد السعر النهائي للدواء من بينها تكلفة المادة الفعالة والمواد غير الفعالة، وتكاليف التصنيع، وأجور القوى العاملة، وتكاليف الشحن والتأمين، ورسوم التسجيل والتفتيش، وهوامش أرباح المصنع والمستورد والموزعين بالتجزئة. كل هذه العناصر تُضاف إلى بعضها لتحدد السعر الذي يصل إلى الصيدليات والمستهلكين.
وتابع: تحرص السلطات الرقابية في سلطنة عُمان على ضمان أعلى معايير الجودة والفاعلية والسلامة في الأدوية المتوفرة في السوق المحلي، إذ تشترط وجود شهادات التصنيع الجيد، وتقييم ملفات التسجيل بدقة، وفرض اختبارات مخبرية صارمة قبل السماح بتداولها. ورغم أن هذه المعايير تحمي المريض وتضمن توفر أدوية موثوقة، إلا أنها ترفع في الوقت ذاته من تكلفة اعتماد الدواء وتسويقه في سلطنة عمان، لاسيما للشركات الصغيرة أو المنتجات منخفضة السعر، ما ينعكس على السعر النهائي للمستهلك.
وفيما يتعلق بتأثير تقلبات أسعار الصرف العالمية، أوضح مدير مركز سلامة الدواء أن تقلبات أسعار الصرف العالمية تؤثر عامة في أسعار السلع المستوردة، إلا أن تكلفة استيراد الأدوية في سلطنة عُمان لا تتأثر مباشرة؛ لأنها تسعر بالدولار الأمريكي عند تسجيلها في سلطنة عمان، ما يضمن استقرار الأسعار بغض النظر عن التغيرات في سعر صرف الريال العُماني مقابل العملات الأخرى.
رقابة وتنسيق
وبين الراشدي حزمة من الإجراءات التنظيمية والرقابية لضمان شفافية وعدالة الأسعار وحماية المستهلك؛ حيث إن مركز سلامة الدواء يحدد أسعار الأدوية عند تسجيلها بناءً على معايير فنية معتمدة تشمل تكلفة الإنتاج والأسعار المرجعية.
كما تُجرى مراجعات دورية للأسعار لضمان توافقها مع مستجدات السوق وتوافر البدائل العلاجية.
وتنفذ حملات تفتيش دورية على المؤسسات الصيدلانية لضمان الالتزام بالأسعار، وتتابع الشكاوى الواردة من المستهلكين بشأن الأسعار أو جودة الأدوية.
كما يوجد تعاون فعّال مع الجهات المختصة كهيئة حماية المستهلك لمراقبة توفر الأدوية بالأسعار المعتمدة فقط ومنع التجاوزات واتخاذ الإجراءات القانونية حيال المخالفين.
وتعزز الرقابة في المنافذ الحدودية لمنع دخول أدوية غير معتمدة أو مغشوشة ما يُسهم في حماية صحة المستهلك وضمان توفر الأدوية الموثوقة بأسعار عادلة.
مكافحة الاحتكار
وأكد الراشدي أن وزارة الصحة تراقب عن كثب قطاع توزيع الأدوية؛ حيث يضع مركز سلامة الدواء ضوابط واضحة لترخيص مستودعات الأدوية وتنظيم آلية الاستيراد والتوزيع، كما تعزز القوانين واللوائح المنظمة لهذا القطاع مبدأ المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية التي قد تؤثر سلبا في توافر الأدوية أو أسعارها ويتم ذلك بتسهيل إجراءات تسجيل الأدوية الجنيسة وفتح السوق أمام بدائل علاجية متعددة.
ويُتابَع السوق باستمرار لرصد أي ممارسات قد تخل بمبدأ العدالة في التوزيع أو تؤثر في توفر الدواء للمستفيدين، وخُصص مسار خاص لطلبات الاستيراد لمواجهة حالات نقص بعض الأدوية.
التصنيع المحلي
وأشار الراشدي إلى أن هناك جهودا وطنية لتشجيع التصنيع المحلي للأدوية وتحقيق الاكتفاء الدوائي النسبي وتقليل الاعتماد على الاستيراد، من خلال دُعم وتشجيع إنتاج بعض البدائل المحلية للأدوية المستوردة. وتُعد هذه الخطوة جزءا من رؤية سلطنة عمان الرامية إلى تحقيق الأمن الدوائي والاستدامة الصحية، وتقليل الاعتماد على الواردات، لا سيما في ظل التحديات العالمية المتعلقة بسلاسل الإمداد. ويوجد اليوم 349 مستحضرا دوائيا محليا مسجلا مقابل أكثر من 4778 مستحضرا مستوردا.
وقال: رغم أن حجم التصنيع المحلي لا يزال محدودا مقارنة بالطلب العام، إلا أن هناك عددا من الشركات الوطنية التي بدأت بإنتاج مستحضرات دوائية فعّالة تُغطي بعض الأصناف الأساسية.
وتخضع الأدوية المنتجة محليا لنفس معايير الجودة والفاعلية والسلامة التي تُطبق على الأدوية المستوردة، وتخضع الأدوية المحلية لنفس معايير الفعالية والجودة في التحقق من تركيبتها وتكافؤها الحيوي مقارنة بالأدوية الأصلية قبل اعتمادها وتداولها في السوق. وتتميز هذه البدائل بتكلفتها الاقتصادية، ما يسهم في تحسين فرص الحصول على العلاج بتكلفة مناسبة دون الإخلال بمعايير الجودة.
الدواء من الخارج
وحذر الراشدي من شراء الأدوية من خارج سلطنة عمان بسبب فرق الأسعار، وقال: قد يلجأ بعض الأفراد في سلطنة عُمان إلى شراء الأدوية من خارج البلاد، سواء في أثناء السفر أو عبر وسائل الشحن، مدفوعين بفرق الأسعار الذي قد يُلاحظ في بعض الأصناف الدوائية، خصوصا تلك غير المشمولة بالتأمين أو التي تُستخدم لمدة طويلة. رغم أن دافع التوفير المالي مفهوم، إلا أن هذا التوجه يحمل عدة مخاطر، من أبرزها هو أن تشترى مستحضرات دون المستوى أو مغشوشة خاصة عند شرائها من مصادر غير موثوقة أو عبر الإنترنت، ما قد يعرض صحة المريض للخطر. وقد يؤدي شراء الأدوية من الخارج إلى صعوبة التحقق من فاعليتها مقارنة بالأدوية المعتمدة محليا، فضلا عن غياب المتابعة العلاجية في حال استخدام الأدوية غير المسجلة. بناءً على ذلك، يُنصح دائما بالالتزام بشراء الأدوية من المصادر المعتمدة داخل سلطنة عمان لضمان الأمان والجودة.
وذكر الراشدي أنه رغم عدم تقديم دعم مالي مباشر في السوق الخاص، إلا أن وزارة الصحة تولي الأدوية المزمنة والأمراض النادرة والمستعصية أولوية قصوى من حيث التسجيل والاستيراد ووضع السياسات التنظيمية لضمان توافرها واستمرارية وصولها إلى المرضى.
كما يُسمح باستيراد بعض الأدوية غير المسجلة استثناء في حال عدم توفر بدائل علاجية، وذلك وفق ضوابط تضمن سلامة هذه الأدوية وجودتها ويُعد هذا النهج أحد سُبل دعم توفير الأدوية المهمة، بما يحقق التوازن بين الوصول إلى العلاج وضمان مأمونية المنتجات الدوائية المتداولة في سلطنة عمان وجودتها.
كما يُقدَّم العلاج مجانا للمواطنين في المؤسسات الصحية الحكومية، ما يشكل أحد أشكال الدعم المباشر الذي يعزز العدالة في الوصول إلى الرعاية الصحية.
الأدوية الجنيسة
وفي حديثه شدد الراشدي على أن الأدوية الجنيسة تمثل خيارا استراتيجيا فعّالا لتقليل مشكلة ارتفاع أسعار الأدوية؛ إذ توفر بدائل ذات جودة وفاعلية مماثلة للأدوية الأصلية بتكلفة إنتاج أقل، ويسهم هذا في تعزيز المنافسة في السوق، ما يؤدي إلى خفض الأسعار وتخفيف العبء المالي على المرضى وأنظمة الرعاية الصحية، ولا تقتصر أهمية الأدوية الجنيسة على السعر فحسب، بل يجب أن تكون هذه الأدوية من مصادر معتمدة، مع ثبوت علمي لفاعليتها وأمانها، وأن تخضع مصانعها لرقابة دورية من الجهات المختصة لضمان التزامها بأعلى معايير الجودة والسلامة.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: معاییر الجودة أسعار الأدویة فی سلطنة عمان وزارة الصحة الأدویة من فی السوق إلا أن
إقرأ أيضاً:
تحلية مياه البحر .. حل باهظ التكلفة
صباح كل يوم يتطلع كريستوس بابابيترو إلى السماء، يقول بابابيترو رئيس اتحاد المزارعين في قبرص: "كلنا نفعل ذلك أملا في مجيء السحب وهطول المطر"، لكن مع دخول جزيرتهم سنة جفافها الثالثة على التوالي ليس هنالك ما يبشر بأيٍّ منهما.
هذا الصيف ولأول مرة في التاريخ القريب ستضطر قبرص إلى استيراد الطماطم والبطيخ والمنتجات الزراعية الأخرى؛ لأن المزارعين لا يمكنهم ريَّها. فقد قلصت الحكومة مخصصات المياه لأغراض الزراعة إلى النصف. وهذا ما قضى على المحاصيل الموسمية تماما. يقول بابابيترو: "قبلنا بذلك. لكن دعونا لا نتظاهر بأن هذه مشكلة المزارعين فقط. فهي تؤثر على البلد بأكمله. الأسعار سترتفع بشدة."
مع تأثير التغير المناخي الذي جعل هطول الأمطار أقل انتظاما وأدى إلى تراجع مناسيب المياه الجوفية تسعى الحكومات حول العالم إلى الحفاظ على إمدادات المياه. وهذا ما يشكل "نعمة" لصناعة تحلية مياه البحر التي تنمو بوتيرة سريعة دفعت خبراء السوق إلى الاعتقاد بأنها ستتجاوز 20 بليون دولار في عام 2027. وكانت في عام 2024 تقدر بأقل من 15 بليون دولار.
في قبرص أوشك النظام المائي على الانهيار ويعود ذلك إلى سنوات من عدم كفاية الاستثمار في تطويره وتجزئة عملية صنع السياسات والاعتماد على هطول الأمطار. في أوائل يونيو بلغت نسبة كمية المياه في خزانات قبرص الرئيسية وعددها 18 خزانا 21.7% فقط من سعتها التخزينية. وقبل خمسة سنوات كانت تلك النسبة 97%.
تعزيز تحلية المياه وهي صناعة كثيفة الطاقة تعتبر الآن خيارًا مجديًا. لدى قبرص أربع محطات كبيرة لتحلية المياه يتم تشغيلها في فترة شح الماء. وجعلت ماريا بانايوتو وزيرة الزراعة القبرصية تحلية المياه "واسطة عقد" خطة طوارئ مائية من 28 بندا تهدف إلى الوفاء بكل احتياجات قبرص من مياه الشرب عبر التحلية وذلك خلال سنتين إلى ثلاث سنوات بتشغيل المحطات دون انقطاع.
إجهاد مائي
هذه الدولة التي تقع في جنوب أوروبا بلدٌ واحد فقط من بين بلدان عديدة في نطاق جغرافي يزداد اتساعا ويعاني من الإجهاد المائي. يحيط هذا النطاق بالعالم دون انتظام من الهند وإلى أمريكا الشمالية مع تأثر أجزاء من المحيط الهادي وإفريقيا الجنوبية أيضا. (الإجهاد المائي مصطلح يعني عدم كفاية أو عدم صلاحية المياه المتوافرة لمقابلة الطلب عليها- المترجم) ويُقدَّر أن شخصا واحدا من بين كل 10 أشخاص يعيش في بلدٍ تصنفه وكالات الأمم المتحدة ضمن البلدان التي تواجه إجهادا مائيا مرتفعا وحرجا"
مع نمو السكان والاقتصادات تزداد باطراد حاجة المجتمعات إلى الماء، بحسب كافح مدني مدير معهد جامعة الأمم المتحدة للمياه والبيئة والصحة. يقول مدني "لدينا إمدادات محدودة من المياه المتجددة وهي الآن أقل من السابق بسبب التغير المناخي."
تحسنت عملية التحلية بشكل كبير في العقود القليلة الماضية. فقد تخلصت أخيرا من الطريقة العتيقة التي تنطوي على تسخين مياه البحر واستبدلتها بتقنية "التناضح العكسي" الأكثر تقدما. تستخدم هذه التقنية مسامات دقيقة في أغشية خاصة لفصل الملح عن الماء.
ويقدر الأستاذ نضال هلال مدير مركز أبحاث المياه بجامعة نيويورك في أبو ظبي معدلَ التوسع في سعة تحلية المياه عالميا بما بين 6% الى 12% سنويا. لكن كلا التقنيتين الحرارية القديمة والجديدة لديهما نفس المشاكل. فهما تحتاجان إلى كميات كبيرة من الطاقة لتشغيل محطات التحلية. كما تنتج عملية التحلية في كلا الحالين تلوثا في شكل مياه فائقة الملوحة.
الآن مع ازدياد الطلب تضخ الشركات والحكومات من الشرق الأوسط وما وراءه البلايين لتطوير البنية التحتية المطلوبة لتحلية المياه في أجزاء من العالم هي الأشد حرارة والأكثر جفافا والتعامل في الأثناء مع الآثار الجانبية غير المستساغة لهذه التقنية. يقول مدني عن التحلية: إنها "تنتج كميات كبيرة من المحلول الملحي الذي يؤثر بقدر كبير على النظام البيئي".
مع ذلك بالنسبة لبعض البلدان تحلية المياه هي الإجابة الراهنة الوحيدة. يقول مدني " نحن الآن نفكر في تحلية ونقل الماء مثلا حتى لمسافة 800 كيلومتر. يبدو هذا جنونا. لكنه يصور مدى شدة حاجة الناس".
جهود خليجية
القوة المحركة لتحديث تقنية التحلية هي المجتمعات الخليجية والتي تعتمد حياتها على هذه العملية. فالكويت التي لا توجد بها أنهار دائمة الجريان اضطرت مرة إلى نقل المياه العذبة من العراق المجاور. وكانت الرائدة لهذه التقنية في الشرق الأوسط بتشييد أول محطة لها لتحلية المياه في عام 1951.
حذا جيرانها حذوها. فاليوم تشكل سعة تحلية المياه في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا حوالي 70% من الإجمالي العالمي، حسب مرصد الاقتصاد الأزرق بالاتحاد الأوروبي. وحاليا يمكن لمحطات التحلية في المنطقة إنتاج مياه تكفي لإمداد ما يزيد عن مليون نسمة.
تحت السطح المتموج لبحر العرب تنساب آلاف الأمتار المكعبة من المياه في أنابيب ضخمة بارتفاع يكفي لوقوف شخص في جوفها وتمتد لما يزيد عن كيلومتر نحو أكبر محطات تحلية المياه العمانية (بركا – المرحلة الرابعة) والتي تستخدم تقنية التناضح العكسي.
ضخ ماء البحر للمحطة عملية صعبة. فهي تنطوي على سحبه بلطف تجنبا للكائنات البحرية مع تصاعد فقاقيع الماء مشكلة جدارا عند فتحات الأنابيب لإبعاد اسماك قنديل البحر.
تصطبغ المياه المالحة التي تتدفق في الخزانات باللون الأخضر لاختلاطها بالطحالب التي يلزم دفعها إلى السطح باستخدام فقاقيع الهواء وتتشكل من ذلك طبقة لزجة يمكن التخلص منها قبل التنقية. ظاهرة ازدهار الطحالب في بحر العرب تهدد عند تكرارها تحلية المياه. فعدة هجمات منها تستطيع وقف عمل المحطة.
يلزم إكمال عملية "ما قبل المعالجة" هذه قبل دفع الماء تحت ضغط عال عبر الأغشية الرقيقة لفصله عن الملح. بعد ذلك تضاف المواد المعدنية إلى الماء الصافي. أما المحلول الشديد الملوحة والمتبقي بعد التحلية فيعاد إلى البحر مرة أخرى.
تحلية مياه البحر في الخليج العربي هي الأصعب بحسب الأستاذ نضال هلال مدير مركز أبحاث المياه بجامعة نيويورك في أبو ظبي. فمياه الخليج شبه المغلق باليابسة أكثر ملوحة من مياه البحار المفتوحة كالمحيط الأطلسي. يقول هلال: " كلما زاد تركيز الملح في الماء احتاجت تحليته الى المزيد من الطاقة." ويضيف: الوضع يزداد سوءا بالتعكر أو الكدر الشديد للماء بسبب حركة السفن ووجود مياه الصرف.
التناضح العكسي
حاولت صناعة تحلية المياه خفض استهلاك الكهرباء بالتحول إلى تقنية التناضح العكسي كما في محطة بركاء المرحلة الرابعة. وهي تقنية أقل استهلاكا للطاقة إلى حد بعيد. يشرح هلال ذلك بقوله: إنها تستهلك "حوالي ربع أو حتى خُمس الطاقة اللازمة لتقنية التحلية الحرارية (تقنية تسخين الماء)". ويضيف قائلا عن تقنية الأغشية في التناضح العكسي: إنها تطورت كثيرا. ويعتقد إننا لا نزال في بداية تعاملنا معها.
خفض استهلاك الطاقة جعل إنتاج المياه المحلاة أقل تلويثا في جانب إطلاق انبعاثات الاحتباس الحراري. كما قلل التكلفة أيضا.
في إسرائيل يُسعَّر الماء الذي ينتج في محطة "سوريك - بـ" بحوالي 40 سنت لكل متر مكعب وهو ما يكفي للاستحمام 25 مرة حسب شركة " تايمز وواتر" البريطانية. وستحصل هيئة كهرباء ومياه دبي على سعر يبلغ 37 سنت للمتر المكعب من محطة "حصيان" لتحلية المياه. ومن المقرر أن يبدأ تشغيل المحطة التي تملكها الهيئة في العام القادم.
تقول استيل براشليانوف الرئيسة التنفيذية لشركة الكهرباء والمياه فيوليا: "لقد قلصنا التكلفة إلى 20% في فترة ال 12 عاما الماضية".
شركة "فيوليا" الفرنسية وقيمتها 22.4 بليون يورو هي إحدى شركات المرافق العامة والهندسة المستفيدة من الأوضاع المائية التي تزداد هشاشة حول العالم. وتقول الشركة: إن 18% من طاقة التحلية العالمية قائمة على تقنيتها.
يركز الباحثون الأكاديميون على تحسين أغشية الفصل بالبحث عن المواد والأساليب التي تحول دون انسدادها بالبقايا المتخلفة عن التحلية والتي تقلل من فترة استخدامها.
هنالك آمال بإمكانية جعل تقنية التحلية بالتناضح العكسي أكثر كفاءة في استخدام الطاقة. في الولايات المتحدة يجري تجريب ما يسمى تحلية المياه في أعماق البحار باستخدام ضغط المحيط نفسه لدفع ماء البحر عبر أغشية التحلية.
تكلفة عالية
منافع التحلية الأرخص لا يتمتع بها الجميع. قبرص تستخدم التناضح العكسي لكنها تستورد الوقود الأحفوري لتزويده بالطاقة. وهو ما يعني أن كل متر مكعب من الماء يكلف 1.50 يورو لإنتاجه. وهذا يساوي تقريبا خمسة أضعاف تكلفته في محطة حصيان الجديدة في دبي. وتخطط الحكومة لتزويد محطات الضخ بألواح الطاقة الشمسية. لكن المساحة المتوافرة لذلك في جزيرة قبرص محدودة وتفتقر شبكة الكهرباء إلى السعة التخزينية الكافية لدعم امدادٍ منتظم. تقول باناجيوتا هادجيجورجيو الرئيسة السابقة لإدارة تطوير المياه: "تحلية المياه لا يمكن أن تتم بصورة متقطعة. فهي تحتاج الى إمداد منتظم من الطاقة."
لايزال الخليج معتمدا على التقنية القديمة والتي لديها عمر افتراضي أطول. تحصل دبي وهي ثاني أكبر مدينة خليجية من حيث عدد السكان بعد الرياض على 86% من المياه المحلاة عن طريق التقطير الحراري.
تقول الشركات في المنطقة: إنها تريد تغيير ذلك. وتهدف شركة أبو ظبي الوطنية للطاقة "طاقة" التي تزود المدينة بمياه محلاة الى رفع سعة التحلية بواسطة تقنية التناضح العكسي الى 66% من 40% بحلول عام 2030. كما أضافت أيضا 70 ميجاواط من الطاقة الشمسية لمحطتها الضخمة "الطويلة" والتي تستخدم التناضح العكسي لتقليل استخدام الوقود الأحفوري.
يقول جاسم حسين ثابت الرئيس التنفيذي لشركة طاقة: "أولويتنا هي أن نكون أكثر كفاءة." لذلك تتوسع الشركة في استخدام التناضح العكسي وتتطلع الى تنفيذ مبادرات أخرى بما في ذلك إعادة استخدام المياه المستعملة والحد من الفقد من خلال تسريب الأنابيب، كما يقول ثابت، مؤكدا على أهمية استغلال أية "قطرة ماء."
صوفي بيرتراند نائبة مديرة التنسيق التجاري بشركة "سويس انترناشونال" والتي تقدم خدمات المياه ومعالجة مياه الصرف تحاجج بأن استخدام الطاقة المتجددة يقلل أيضا الأثر البيئي للتناضح العكسي.
وتقول "معظم العطاءات تشترط (التناضح العكسي) وسيتم إحلال محطات التقطير القديمة... في السنوات القادمة".
مشكلة التخلص من الملح
وفيما تنخفض الانبعاثات التي تنتج عن تحلية المياه هنالك مشكلة المحلول الملحي العويصة. وهي المادة الفائقة الملوحة التي تتخلف بعد استخلاص الماء النقي.
تنتج تحلية المياه على نطاق العالم 150 مليون متر مكعب من المحلول الملحي يوميا، حسب الأبحاث العلمية. هذا السائل الغليظ القوام والحليبي اللون يتم التخلص منه عموما بإعادته الى البحر.
لقد ربطت إحدى الدراسات المحلول الملحي الناتج عن تحلية مياه البحر بظاهرة ابيضاض الشعب المرجانية في خليج العقبة. ووجدت دراسات أخرى آثارا على الحياة البحرية في قاع البحر حول منافذ التخلص من البقايا الملحية للتحلية.
قبرص قلقة على وجه الخصوص من أثر السائل الملحي في البحر الأبيض المتوسط. تقول هادجيجورجيو: "مقابل كل متر مكعب من الماء العذب هنالك نصف متر مكعب من المحلول الملحي يتم التخلص منه".
تستخدم الجزيرة خطوط أنابيب وموزِّعات في البحر لنشر السائل الملحي على مسافة تصل حتى إلى كيلومترين من الساحل وبعيدا عن الأنظمة الأيكولوجية الحساسة. وتقول هادجيجورجيو: "ليس هنالك ما يدل على حدوث ضرر حتى الآن. لكن يجب أن نظل متيقظين".
في الخليج العربي الصغير والضحل والذي يغذي أكثر من 800 محطة تحلية مياه أثار إلقاء المحلول الملحي مخاوف من ارتفاع التركيز الملحي وأثر ذلك على الكائنات الحساسة. من جانبه يقر الرئيس التنفيذي لشركة طاقة بوجود تحديات تتعلق بالتخلص من المحلول الملحي. ويضيف قائلا: "ذلك لا يقتصر علينا. فهو مشكلة على نطاق صناعة تحلية المياه برمَّتها ويحتاج إلى عمل جماعي".
يحاول الأكاديميون في السعودية وهي أكبر منتج للمياه المحلاَّة في العالم معالجة هذه المشكلة. تشيبينغ لاي أستاذ هندسة الكيمياء بجامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية "يُعدِّن" المحلول الملحي لاستخلاص مواد قيمة كالليثيوم والبوتاسيوم والتي لها استخدامات تجارية. ونشر فريقه في دورية "ساينس" العلمية بحثا عن طريقة جديدة لاستخراج الليثيوم الذي يُستخدَم في البطاريات. كما أسس شركة ناشئة في محاولة للاستفادة منها تجاريا. يقول "نظريا يمكننا استخلاص الليثيوم من المحلول ويمكن أن يعزز ذلك الجدوى الاقتصادية لحل هذه المشكلة." وعلى الرغم من أن الليثيوم وُجِد بتركُّزات متدنية جدا في المحلول لكن الأستاذ لاي يقول: "المملكة على استعداد لبذل المزيد من الجهود لحل هذه المشكلة".
مشاريع التحلية
مع منح مثل هذه الأولوية القصوى لتحلية المياه في الخليج، تقول براشليانوف رئيسة شركة فيوليا: الحكومات هناك وجدت نماذج ناجحة للتعاقد على المشاريع وتمويلها. وتضيف أنها في العادة شراكات بين القطاعين الحكومي والخاص بتمويل محدد وعقود شراء تنص على استلام العميل للمنتج أو الدفع في حالة عدم استلامه.
وأشارت إلى الإمارات التي منحت ثلاث مشاريع لشركة فيوليا في السنوات الأخيرة وكلها عبر نماذج شراكة القطاعين العام والخاص. وتقول الشركة: إن سوق الشرق الأوسط كانت أسرع أسواقها نموها لمختلف خدماتها. وتقنيات المياه إحدى أسرع خدماتها نموا على نطاق العالم مع مبيعات تقارب 5 بليون يورو في العام الماضي.
وتقول براشليانوف: الشرق الأوسط كان يدرك دائما أن الماء بالغ الأهمية للصناعة. لذلك "لدينا محطات تحلية لخدمة المصافي في الشرق الأوسط وليس فقط السكان أو الصناعات." وتضيف قائلة أوروبا متأخرة في إدراك الحاجة الى الماء في كل شيء.
تنافس فيوليا الكثير من الشركات متعددة الجنسية. فشركة اكسيونا الاسبانية التي بلغت إيرادات قسمها الخاص بالمياه 1.2 بليون دولار في عام 2024 لديها تعاقدات تشغيل محطات تحلية من بيرث في استراليا وإلى قطر ورسملة سوقية بحوالي 9.3 بليون دولار. وشركة دوسان انربيليتي الكورية الجنوبية تتولى أيضا تشغيل منشآت تحلية في الخليج.
كما تتطلع شركات تشييد البنية التحتية الشرق أوسطية الى تصدير خبرتها في مجال تحلية المياه. فشركة "اكوا باور" المدرجة في الرياض، وهي أكبر مطور للطاقة الكهربائية والمياه في المنطقة، تقول: إنها تشرف على أكثر من ربع المياه المحلاة في السعودية والإمارات وسلطنة عمان والبحرين.
يقول ماركو ارتشيلي الرئيس التنفيذي للشركة: "نحن نتطلع الآن الى خارج الخليج. نحن نأمل في التوقيع قريبا على اتفاقيات في أذربيجان والسنغال. نحن نتطلع إلى مشاريع في الصين وفي ماليزيا والفلبين. بلدان كثيرة تتصل بنا. حتى بلدي إيطاليا أو بلدان جنوب أوروبا تسعى الى الاستفادة من خبرتنا في حل المشاكل في المستقبل".
تحلية المياه مربحة للشركات. لكن يحذر الخبراء من أنها أبعد من أن تكون الحل الوحيد لمشكلة النقص في إمدادات المياه. فالبلدان تستثمر أيضا في تحسين البنية التحتية. بنك الاستثمار الأوروبي على سبيل المثال أقرض 400 مليون يورو لمشاريع مياه في أسبانيا العام الماضي لتمويل ترميم أو تركيب أنابيب بطول ألفي كيلومتر. وفي الفترة بين عامي 2023 و2024 أنفقت ولاية كاليفورنيا الأمريكية والتي تأثرت بالجفاف حوالي 63 مليون دولار على مشروعات تدوير وتجميع وتخزين المياه. وقبل أيام أعلنت الحكومة اليونانية عن مشاريع مياه عاجلة لمعالجة تراجع مناسيب الماء في الخزانات بما في ذلك تنظيم حملة توعية وخطط لدمج المئات من الجهات المحلية المقدمة لإمدادات المياه لتحسين الإشراف والمرونة.
يقول كافح مدني المسئول بالأمم المتحدة: "لدينا النظام التجاري ولدينا الحكومات التي هي في أمَسِّ الحاجةِ على الجانب الآخر. لذلك زيادة الإمداد المائي أيسر كثيرا من خفض الاستهلاك.
يشير مدني أيضا إلى الأهمية البالغة لتقليل استخدام الماء والاستفادة من مياه الصرف. يقول "يمكن أن تلعب تحلية المياه دورا رئيسيا. وستلعب ذلك الدور... لكنها ليست الحل. ذلك يعني أن تشييد المحطة الأكبر لتحلية المياه في بلدك ليس بالضرورة شيئا يستوجب الاحتفاء به".