اختبارات اليوم الدراسيّ.. رؤية واعدة تواجه تحديات التنفيذ
تاريخ النشر: 18th, June 2025 GMT
في خطوة نوعية تمثل تحوّلاً في فلسفة التعليم والتقويم، أعلنت وزارة التعليم إجراء الاختبارات النهائية ضمن اليوم الدراسي. هذا القرار يشكل سابقة هامة تعكس توجهًا نحو بيئة تعليمية أكثر توازنًا، وأقرب لاحتياجات الطلاب النفسية والتربوية. وعلى الرغم من طابع هذا القرار التنظيمي الظاهر، فإنه يحمل دلالات تربوية عميقة تستحق الوقوف عندها.
لقد ظل المجتمع التعليمي لعقود طويلة أسيرًا لنموذج أسبوع الاختبارات المنفصل، الذي غالبًا ما كان يسبب توترًا كبيرًا للطلاب. فقد كان هذا الأسبوع يُقصي الطالب عن حياته اليومية، ويعزز ثقافة الخوف من التقييم، ليصبح بذلك “أسبوع قلق مضاد”. في هذه الفترة، يرتفع ضغط الأسر في المنازل، وينقطع الإيقاع التعليمي الاعتيادي، ويتشكل تصور سلبي عن الاختبارات كمصدر للرعب، وليست أداة لقياس التعلم.
إن القرار الجديد يعيد تعريف العلاقة بين التعليم والتقويم؛ إذ إن دمج الاختبارات ضمن اليوم الدراسي في بيئة مألوفة، وتحت إشراف المعلمين الذين شاركوا الطلاب في التعلم، يخفِّف من حدِّة التوتر ويمنح الطالب فرصة للتعبير عن مستواه الحقيقي بعيدًا عن مشاعر التهديد أو العزلة النفسية. وتؤكد أبحاث علم النفس التربوي أن تقليل قلق التقييم يعد عاملًا رئيسًا لتحسين أداء الطلاب، خاصة أولئك الذين يعانون من رهبة الاختبارات.
من الناحية التربوية، يشكل هذا التوجه فرصة لإعادة النظر في أدوات التقويم نفسها. مع تقليص مساحة الاختبارات الموحدة، تزداد الحاجة لتقييمات أكثر صدقية تقيس الفهم والتفكير النقدي، بدلاً من الحفظ والاسترجاع فقط. كما يتحمل المعلم مسؤولية أكبر في تصميم مهام تقييمية عادلة وواقعية تتوافق مع الأوقات المحددة، وتخدم أهداف التعلم بدلاً من الاكتفاء بالتصنيف أو الترتيب.
علاوة على ذلك، يضمن دمج الاختبارات في اليوم الدراسي انتظام الحضور حتى نهاية العام، ويمنع تراجع الانضباط بعد انتهاء فترة الاختبارات؛ ما يعزز احترام الوقت المدرسي لدى الطلاب والمعلمين على حد سواء.
وعند النظر إلى جودة المخرجات التعليمية، يرتبط هذا القرار بمحاولة سد الفجوة القائمة بين نتائج الطلاب في الاختبارات التحصيلية المدرسية ونتائجهم في اختبارات القدرات والمنافسات الدولية، وكذلك نتائج اختبارات “نافس” الوطنية، ذلك بعدما أظهرت بعض الدراسات فجوة ملحوظة بين الأداء المرتفع داخل الصفوف الدراسية والأداء المتواضع في الاختبارات التي تتطلب مهارات التفكير التحليلي وحل المشكلات والتطبيق العملي.
وإذا تم استثمار هذا القرار ضمن اليوم الدراسي بشكل سليم، من خلال تصميم مهام تقييمية قصيرة تُنمّي مهارات التفكير النقدي والفهم العميق، فإن ذلك قد يسهم تدريجيًا في ردم هذه الفجوة بين ما يتعلمه الطالب فعليًا، وما يُطلب منه في تلك التقييمات ذات المعايير الدولية. بمعنى آخر، قد يتحول القرار من مجرد تنظيم إداري إلى فرصة حقيقية لإعادة ضبط بوصلة التقويم نحو المهارات التي تمكّن الطالب من النجاح محليًا وعالميًا.
وعلى صعيد التجارب الدولية، يدعم القرار ما اتبعته دول رائدة في إصلاح التعليم. ففي فنلندا، تُدمج التقييمات القصيرة في اليوم الدراسي، ما يخفف الضغط النفسي ويركز على التعلم العميق. أما في مقاطعة أونتاريو الكندية، فيُنظر إلى التقويم كأداة لتحفيز التفكير النقدي وتحسين الأداء، لا أداة للفرز فقط. كما خفّضت سنغافورة من مركزية الاختبارات الموحدة، ودمجت التقييمات المرحلية لتعزيز الصحة النفسية ودعم المهارات التطبيقية. كما تعتمد نيوزيلندا تقويمًا بنائيًا مستمرًا يتيح للطالب التقدم وفق قدراته ضمن بيئة تعلم طبيعية، وهذه التجارب تؤكد أن تحويل الاختبار من محطة قلق إلى أداة نمو، يتطلب إعادة تصميم فلسفة وآليات التقييم، وهو ما بدأت الوزارة تسير نحوه، لكن نجاحه مرهون بجودة التنفيذ ووضوح الأهداف والتفاعل الإيجابي مع الميدان التربوي وأولياء الأمور والمجتمع.
هذا، ورغم المبررات التربوية القوية التي تدعم هذا التحول، فإنه يواجه تحديات حقيقية تستوجب تهيئة شاملة للميدان التربوي قبل البدء في تطبيقه، بهدف تفادي أي آثار سلبية محتملة. فالتنفيذ المفاجئ دون إعادة تعريف واضحة لطبيعة اليوم الدراسي، قد يؤدي إلى إرباك المعلمين والطلاب وأولياء الأمور، بدلًا من تحقيق التنظيم المنشود .
كما إن التهيئة المدروسة لهذا القرار، قادرة على إزالة العديد من التساؤلات، والقلق المنتشر حاليًا حول آليات التنفيذ. ومن بين هذه التساؤلات التي تحتاج إلى إجابات واضحة: ما جدوى استمرار اليوم الدراسي بعد انتهاء المقررات؟ وكيف سيتم تنظيم محتوى الحصص المرافقة للاختبارات؟ وكيف يستطيع المعلم التوفيق بين أجواء التقويم وضمان الانضباط والتركيز؟ وهل تم تجهيز الإدارات والمدارس والمعلمين بشكل كافٍ لضمان تحقيق أهداف القرار بنجاح؟
وفي الختام، إن إجراء الاختبارات ضمن سياق اليوم الدراسي ليس مجرد تعديل شكلي، بل هو ترجمة عملية لرؤية تعليمية جديدة تراعي الطالب كشريك في التعلم لا موضوعًا للتقييم فقط. وإذا ما تم التعامل مع هذا القرار بوعي مؤسسي شامل، فقد يكون بداية حقيقية لإصلاح ثقافة التقييم في مدارسنا، وتعزيز بيئة تعليمية صحية ومتوازنة.
المصدر: صحيفة البلاد
كلمات دلالية: الیوم الدراسی هذا القرار
إقرأ أيضاً:
«أبطال المستقبل».. مخيم صيفي يجمع بين الاستكشاف والمعرفة
لكبيرة التونسي (أبوظبي)
ضمن أجواء تفاعلية، يُقدم «مخيم أبطال المستقبل الصيفي» المُقام في «متحف المستقبل» بدبي، ورشاً علمية وتعليمية وإبداعية، وتتواصل فعالياته إلى 7 أغسطس الجاري، بهدف تعزيز مهارات التفكير النقدي، وتنمية روح الفضول العلمي، كما يسلط الضوء على قضايا معاصرة عدة، منها التغير المناخي والفضاء والتكنولوجيا.
3 محاور
يتضمن المخيم الذي ينظّم على مدى 3 أسابيع، أنشطة متنوعة موجهة للأطفال من (6 إلى 13 عاماً)، ضمن 3 محاور، حيث يركّز على مختلف المجالات المستقبلية وهي الاستدامة، استكشاف الفضاء، وريادة الأعمال، ويقدم تجربة تعليمية ترفيهية تركز على قضايا واقعية مثل التغير المناخي، والابتكار التكنولوجي، ويشجع على الإبداع واتخاذ المبادرة ضمن بيئة تفاعلية داخل «متحف المستقبل».
تجارب عملية
يجمع المخيم ضمن فعالياته بين التعلم، اللعب، والابتكار، تحت إشراف خبراء ومتخصصين لضمان تجربة تعليمية واستكشافية آمنة وممتعة، وحول ذلك قالت خولة أهلي، تنفيذي أول بقسم التصميم والبحث، والمسؤولة عن البرنامج الصيفي في «متحف المستقبل»: إن المتحف يقدم الكثير من الورش التعليمية والعلمية والإبداعية، تتوافق في مجملها مع رؤية «متحف المستقبل» كمحطة تعليمية تفاعلية تسعى إلى إلهام الجيل الجديد، وتمكينه من الاستعداد لمتغيرات وتحديات المستقبل، حيث إنه، ومن خلال الورش، تتحول المعرفة من مفاهيم نظرية إلى تجارب عملية، تتيح للأطفال التعلم بالممارسة وتفعيل طاقاتهم الإبداعية، وتساعد البيئة التقنية المتطورة في المتحف على جعل التجربة أكثر فائدة، حيث توفر مكاناً مشوّقاً ومُلهماً يجعل من التعلم تجربة ممتعة ومليئة بالاكتشاف.
أهداف
وعن أهداف مخيم «أبطال المستقبل»، أشارت خولة إلى أنه يهدف إلى تمكين العقول الناشئة عبر التعلم التطبيقي والإبداعي، وتعزيز مهارات التفكير النقدي وتنمية روح الفضول العلمي لدى الأطفال، وتنمية قدرات العمل ضمن فريق، وتشجيع أساليب حل المشكلات بشكل عملي، وتوفير تجربة تعليمية ممتعة تُسلّط الضوء على قضايا معاصرة مثل تغير المناخ، الفضاء، والتكنولوجيا، بالإضافة إلى دعم الإبداع والمبادرة الفردية من خلال أنشطة تفاعلية ومحفّزة.
3 أسابيع
وأوضحت خولة أن المخيم ينظّم على مدى 3 أسابيع، ويركّز في كل أسبوع على موضوع مختلف من المجالات المستقبلية، منها: «الاستدامة»، بحيث يتعلم الأطفال كيف يمكنهم المساهمة في حماية البيئة بطرق تفاعلية، و«استكشاف الفضاء»، ويشارك من خلاله الأطفال في أنشطة متعلقة بالكواكب والروبوتات الفضائية، والمحاكاة العلمية، و«ريادة الأعمال» ويُعد هذا المحور من المحاور الجديدة التي تمت إضافتها إلى فعاليات المخيم هذا العام، وفيه يتعرف الأطفال على مفاهيم الابتكار والتفكير التجاري، ويُطلب منهم تطوير أفكار لمشاريع ناشئة، إلى جانب لقاءات مع شخصيات إماراتية ملهمة واستثنائية.
محطة فضاء
لفتت خولة أهلي إلى أن المخيم يتيح للمشاركين عبر محور «اطبع محطة الفضاء الخاصة بك»، فرصة التعرف على مبادئ تصميم النماذج ثلاثية الأبعاد باستخدام أدوات رقمية سهلة وممتعة، ويعلم الأطفال ابتكار تصور لمأوى فضائي من تصميمهم الخاص، مع التفكير في طرق تطويره وتحسين وظائفه، بحيث يتعرفون بشكل مبسّط على آلية عمل الطابعات ثلاثية الأبعاد، بما يربط بين الإبداع الرقمي والتطبيق العملي الملموس.