جريدة الرؤية العمانية:
2025-06-30@22:40:02 GMT

إيران والغرب.. صراع العِلم والتقنية

تاريخ النشر: 30th, June 2025 GMT

إيران والغرب.. صراع العِلم والتقنية

 

أ. د. حيدر بن أحمد اللواتي **

 

لماذا تُصِر إيران على الوصول إلى نسب تخصيب مرتفعة من اليورانيوم، رغم إعلانها الدائم عن رغبتها في الاستخدامات السلمية للطاقة النووية؟ السؤال يحمل في طياته أكثر من مجرد وجهة نظر سياسية أو أمنية؛ فهو يكشف عمق الطموحات العلمية والتقنية التي تسعى إيران لتحقيقها، في سعيها لأن تصبح لاعبًا رئيسيًا في مجال الطاقة النووية.

الأمر يبدأ من الحاجة المُلحَّة لليورانيوم عالي التخصيب في المفاعلات البحثية؛ حيث تُنتَج النظائر المُشِعَّة التي تُستخدم في طيف واسع من التطبيقات الحيوية؛ فالنظائر المُشِعَّة ليست مجرد أدوات تشخيصية؛ بل أدوات علاجية مُتقدمة، خصوصًا في مقاومة أمراض السرطان التي ما تزال تشكل واحدًا من أكبر تحديات الطب الحديث؛ حيث إن هذه النظائر تسمح بتوجيه علاجات دقيقة تستهدف الخلايا السرطانية دون الإضرار بالأنسجة السليمة.

أما في المجال الزراعي، فتُستخدم النظائر المُشِعَّة لمكافحة الآفات بشكل فعَّال، دون اللجوء إلى المُبيدات الكيميائية التي تُلحق أضرارًا بالبيئة والصحة. ولا يتوقف الأمر عند هذه التطبيقات؛ بل تمتد إلى علوم الكيمياء والبيولوجيا وعلوم المواد؛ حيث تُساعِد مُفاعِلات البحث على تعريض المواد لظروف إشعاعية قاسية، بهدف دراسة تأثيرات الإشعاع عليها، وهو أمر حاسم لتطوير مواد جديدة تتحمل البيئات القاسية، مثل مفاعلات الطاقة النووية القادمة أو حتى في مجالات أخرى تتطلب مقاومة عالية للإشعاع.

إضافة إلى ذلك، هناك جانب استراتيجي لا يقل أهمية، وهو استخدام الطاقة النووية في الغواصات وحاملات الطائرات؛ فالطاقة النووية تمنح الغواصات قدرة فريدة على البقاء مغمورة لفترات طويلة دون الحاجة للتزوُّد بالوقود؛ ما يجعلها أداة قوة استراتيجية لا تُضاهى في الحروب البحرية، وكذلك، تُوَفِّر الطاقة النووية لحاملات الطائرات قُدرة هائلة على توليد الكهرباء لتشغيل أنظمتها المُعقَّدة؛ بما في ذلك أنظمة إطلاق الطائرات؛ مما يمنحها تفوقًا تكتيكيًا كبيرًا. والولايات المتحدة- على سبيل المثال- تعتمد على حاملات طائرات تعمل بمفاعلات نووية.

العالم الغربي، ومن ضمنه الولايات المتحدة، يعرف تمامًا أن السيطرة على المعرفة العلمية هي سِرّ تفوقه العسكري والتقني، ولذلك، يفرض قيودًا صارمة على مثل هذه الأمور، ليست فقط لمنع إيران من امتلاك السلاح النووي؛ بل أيضًا لمنعها من تطوير قدراتها العلمية والتقنية الذاتية. وإيران، رغم هذه الحواجز، استطاعت أن تُحقِّق قفزات نوعية في مجال البحث العلمي، حتى وصلت إلى نقطة لم يعد بإمكانها التقدم أكثر إلّا عبر بناء بنى تحتية بحثية متقدمة، ومنها مفاعل نووي عالي التخصيب.

هنا يكمُن جوهر الصراع الحقيقي: ليست مسألة امتلاك إيران للسلاح النووي فقط؛ بل التحدي الأكبر هو طموحها العلمي والتقني الذي لا يكلّ، والذي يُهدد احتكار الغرب للمعرفة والتكنولوجيا المتقدمة، فبينما يسمح الغرب لإيران بنقل تقنيات محدودة، فإنه يضع خطوطًا حمراء صارمة أمام تطوير قدرات ذاتية تمكنها من مجاراة أو حتى منافسة التقدم العلمي الغربي.

هذا الصراع يعكس فَهْم إيران العميق بأن التقدم العلمي هو العمود الفقري لأي نهضة حقيقية، وأن الاعتماد على نقل التكنولوجيا فقط لن يحقق طموحاتها، وإيران تريد أن تبني نفسها كقوة علمية حقيقية، قادرة على الابتكار والبحث المستقل.

إنَّ إصرار إيران على المضي قدمًا في تخصيب اليورانيوم بنسب عالية، تعبيرٌ صريحٌ عن رغبتها في التحرُّر من قيود الغرب العلمية والتقنية، وهو سعي لجعل نفسها لاعبًا فاعلًا في الساحة الدولية، ليست فقط كمستهلك للتقنية؛ بل كمُنتِج ومُبتكِر، وهذا الطموح العلمي يُثير قلق الغرب، لكنه أيضًا يُشكِّل شهادة على تصميم إيران على تجاوز كل العقبات في سبيل بناء مستقبلها العلمي والتقني؛ لأن النفوس الكبيرة لا تكفيها مجرد رغبات؛ بل تحتاج إلى أفعال تبني أسسها وتشق طريقها وسط التحديات.

** كلية العلوم، جامعة السلطان قابوس

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

هل إيران على مشارف صناعة القنبلة النووية؟!

 

 

 

 

د. محمد بن عوض المشيخي **

 

صناعة الحروب واسبابها ومبرراتها نهج اعتادت عليه الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وذلك من خلال المسؤولين الذين تعتمد قراراتهم وإفادتهم على التضليل والغموض والتي يفترض أن تكون محايدة وعلمية بعيدة عن النفوذ السياسي الغربي وخاصة الولايات المتحدة الامريكية، وقبيل اندلاع الحرب الأخيرة التي قامت بها إسرائيل وحليفتها أمريكا بهدف تدمير المنشآت النووية الإيرانية وعلى وجه الخصوص "فوردو واصفهان ونطنز" والتي تشكل درة التاج للبرنامج النووي الإيراني، عبَّر الارجنتيني رافائيل غروسي مدير الوكالة، عن قلقه من مخالفة ايران وعدم التزامها بشروط المراقبة النووية.

في المقابل اتهمته ايران بالتجسس لصالح الكيان الصهيوني والتمهيد للضربات الجوية التي استهدفت الأراضي الإيرانية لمدة 12 يومًا متتالية. وهناك اعتقاد على نطاق واسع بأن الموظفين التابعين لوكالة الدولية للطاقة الذرية يقومون بأعمال ازدواجية تتمثل في مراقبة المحطات النووية ثم نقل تلك المعلومات إلى كل من الدول الغربية الكبرى وإسرائيل. هذا السلوك المريب ليس بالجديد؛ حيث زعمت أمريكا قبل احتلال العراق أن بغداد تطور برنامج نووي عسكري، لكن بعد سقوط العراق في براثن الاحتلال الأمريكي الغادر، أكد جورج بوش الابن عدم وجود تلك المزاعم التي مهدت للغزو الإمبريالي الغاشم. ومن المفارقات العجيبة أن نعرف بأن من أهم أهداف الوكالة الدولية للطاقة الذرية هو الحد من التسلح النووي والعمل على تحقيق عالم خالٍ من أسلحة الدمار الشامل، لكن الوكالة تنظر بعين واحدة وتُطبِّق سياسة الكيل بمكيالين؛ إذ يُدرك الجميع أن غض الطرف عن الترسانة النووية الإسرائيلية في مفاعل ديمونا في فلسطين المحتلة (وتحديدًا صحراء النقب) دون مراقبة ورفض إسرائيل الانضمام إلى عضوية المنظمة، أمر مشين ومخالف لتلك الأهداف، بينما تصطف أوروبا وأمريكا لحرمان الدول العربية والإسلامية من هذا السلاح الرادع والقوي، والذي يُشكِّل توازنًا مع المُعادين للأمن الوطني للعرب والمسلمين؛ بل تقوم بتدمير واستهداف تلك المنشآت بلا مبرر، باستثناء جمهورية باكستان الإسلامية التي حققت بامتياز ما يُعرَف بالردع النووي مع الأعداء؛ وذلك بفضل من الله والإرادة والشجاعة التي تملكها القيادة الباكستانية التي نجحت بالفعل في الحصول على السلاح النووي الذي يمثل القنبلة النووية الإسلامية. ولعلنا نستشهد هنا بتصريح الزعيم الباكستاني الراحل ذو الفقار علي بوتو، الذي قال: "إذا بَنَتِ الهند القنبلة فإننا سنقتات الأعشاب والأوراق، بل حتى نعاني آلام الجوع، ولكننا سنحصل على قنبلةٍ من صنع أيدينا.. ليس لدينا بديل"، وبالفعل دخلت باكستان وقبلها الهند وإسرائيل ثم كوريا الشمالية النادي النووي من أوسع أبوابه إلى جانب الدول الخمس الدائمة العضوية، وقد احتلت باكستان الترتيب السادس بامتلاكها 140 رأسًا نووية، متفوقةً بذلك على جارتها الهند وإسرائيل.

والسؤال المطروح الآن: أين إيران الآن من صناعة القنبلة النووية؟ هناك ضبابية في حقيقة الضربات الأمريكية والقوة التدميرية التي لحقت بتلك المفاعلات، وخاصة أجهزة الطرد المركزي في منشأة نطنز واليورانيوم المخصب الذي يتجاوز 400 كيلوجرام في محطة "فوردو" المحصنة في أعماق الجبال. وهل بالفعل قامت ايران بتأمين اليورانيوم المخصب وأجهزة الطرد قبل استهداف المواقع بساعات قليلة؟

يبدو لي أن إيران تملك مقومات صناعة السلاح النووي؛ حيث علماء الذرة الذين يقدرون بالآلاف، وكذلك العناصر الأخرى التي ذكرنها من قبل، والأهم من ذلك كله تأكيد القيادة الإيرانية بأنها سوف تُغيِّر عقيدتها نحو الحصول على القنبلة النووية في حالة تعرضها للعدوان الصهيوني والأمريكي الذي عاث فسادًا وعربد في مختلف المدن الإيرانية طوال الأسابيع الماضية؛ حيث سعى إلى تطبيق سياسة "الأرض المحروقة"، وهذه التطورات ربما تدفع إيران للحصول على الردع النووي لتحقق القنبلة الإسلامية الثانية بعد جارتها باكستان.

وفي الختام.. في حالة إخفاق الضربات الامريكية في تحقيق أهدافها في مفاعل "فوردو" حسب بعض التسريبات، فإن ولادة قنبلة نووية إيرانية ربما تكون قاب قوسين أو أدنى، على الرغم من زعم كل من ترامب ونتنياهو أن الضربات أخَّرت البرنامج النووي الإيراني سنوات عديدة وأعادته إلى الوراء. وفي كل الأحوال، المستقبل سوف يكشف لنا ما يدور خلف الكواليس حول قدرة ايران على تحقيق الردع النووي لمواجهة إسرائيل.

أكاديمي وباحث مختص في الرأي العام والاتصال الجماهيري

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • إيران قوة للعرب
  • ترامب: لا محادثات مع إيران منذ تدمير منشآتهم النووية
  • إيران بعد صمت القنابل والصواريخ
  • هل إيران على مشارف صناعة القنبلة النووية؟!
  • الأمير تركي الفيصل يفضح نفاق الغرب: ديمونا تستحق القصف قبل إيران
  • إيران تصعّد والغرب يحذر بعد اعتماد قرار وقف التفتيش الدولي للمحطات النووية
  • تركي الفيصل: على أمريكا أن تقصف ديمونا بدلاً من منشآت إيران النووية
  • الكشف عن الخسائر المادية التي تكبدتها إسرائيل في الحرب مع إيران
  • الأمير تركي الفيصل: في عالم يسوده العدل كنا شهدنا قصفا أمريكيا على ديمونا بدلا من إيران