عبدالله رزق أبو سيمازه

فشلت الإنقاذ، خلال ثلاثة عقود، في ترجمة مشروع  الحل الاسلامي، الذي ظلت تبشر به الجماعات السياسية المغطاة بالدين، منذ ظهور الإخوان المسلمين في المسرح السياسي، على أرض الواقع بما يؤكد مصداقيته، كاختيار يحقق مصالح الناس وتطلعاتهم . غير أن الشعار لم ينجح في الاختبار العملي، ولم ينجح الإسلاميون، بدورهم ، وفق سعة إدراكهم ووعيهم، إلا في تجسيد الاستبداد الديني والسياسي، المظلة الواسعة للفساد  بكافة أشكاله، فيما أصبح التمييز الديني، الذي افرزه التطبيق، مهددا للوحدة الوطنية، محرضا  للتشظي الطائفي والاحتراب، ولم يكن اقتلاع البشير، رأس النظام، من قبل لجنته الأمنية سوى إقرار من داخل  النظام، بفشله، ضمن محاولة يائسة للحفاظ على ركائزه الأساسية .

إن سقوط الإنقاذ، لايقتصر مغزاه على السودان، وانما يتجاوزه إلى ما وراء الحدود، حيث يتوسل الإسلاميون بالدين الاستيلاء على السلطة، وتوظيفها لمصلحتهم الخاصة . لقد وفر الشعب السوداني على الشعوب الأخرى، معاناة تجربة الحل الاسلامي المزعوم  . إن سقوط البشير تحت ضغط الانتفاضة الشعبية، يثير  مرة اخرى  أهمية البحث  المشروع والملح، عن  طرح جديد للعلاقة بين الدين والدولة،  في إطار تحقيق أهداف الانتفاضة ، في الحرية والعدالة والسلام، وبما يصون الوحدة الوطنية،  ويحقق الديموقراطية، ويحترم حقوق الإنسان السوداني  كافة .

جذور العلمانية السودانية

عرف السودان المستقل، تجارب في السياسة والحكم، حافظ فيها الدين على مسافة من السياسة ومن الحكم والدولة، وهو  ما يعني أن العلمانية، أو فصل الدين عن السياسة، وبالتالي، عن الدولة ليست طارئة  على السياق السياسي السوداني أو غريبة عن الثقافة الوطنية  . كما تدعي التنظيمات السياسية، ذات الأغطية الدينية، الأمر الذي يسمح بافتراض وجود  ما يمكن وصفه بجينات علمانية سودانية ، تستند لرصيد من التجارب والخبرات العملية والتصور النظري، منذ الاستقلال على الاقل . ولا تتصادم هذه العلمانية الجنينية،  مع  حقائق الدين، وانما تلتقي مع جوهره، بما   أوضحه  د. محمد عمارة، بالاستناد للامام محمد عبده، بشان استقلال الدين عن السياسة، ونفي وجود دولة دينية في الاسلام . فعلى الرغم  من أن الحزبين الكبيرين، حزب الأمة والحزب الاتحادي الديمقراطي، يستندان إلى قواعد طائفية، والى رعاية من زعيمي طائفتي الأنصار و الختمية، على التوالي، منذ انفضاض مؤتمر الخريجين، ومن ثم تكوين الحزبين، الا أنه تمت مراعاة الفاصلة الضرورية  بين ما هو ديني، وما هو سياسي، في الممارسة وفي الهياكل التنظيمية والادارية . وقد استمر هذا الوضع طويلا، الى أن آلت رئاسة حزب الاتحاديين بالكامل الى السيد محمد عثمان المرغني، زعيم طائفة  الختمية، منتصف ثمانينات القرن الماضي  . وجمع الصادق المهدي، في التسعينات، رئاسة طائفة الأنصار إلى رئاسته لحزب الأمة، حين ابتدع آلية انتخاب الامام، وهو منصب ديني ، من قاعدة الطائفة، بينما  أخضع المرغني التنظيم السياسي لتقاليد الطائفة الدينية، ومن ثم شهدت العلاقة بين الدين والسياسة تطورا جديدا، مشحونا بالتوتر .

صراع القداسة والسياسة.. في التجربة السودانية

ويمكن التقرير بأن نشوء أحزاب جديدة، تستخدم الدين، مثل جماعة الإخوان المسلمين، وتصدر رجال الدين، في إيران، الثورة التي أطاحت بالشاه محمد رضا بهلوي، وتعميمها شعارات ماعرف بالصحوة الإسلامية، ثم تبني نظام نميري، في آخر خطوات انتقاله من أقصى اليسار الى اليمين المتطرف، عام ١٩٨٣، للشريعة الاسلامية، لفك عزلته بتوسيع قاعدته الجماهيرية،  بجانب ارهاب خصومه السياسيين، بسلاح التكفير، كان ذلك  وراء تهافت القوى السياسية، على الدين،  ولحرمان القوى المنافسة، احزابا أو حكومات، من احتكاره وتوظيفه لمصلحتها . غير أن الوعي بأهمية فصل الدين عن السياسة، لم يكن غائبا عن  الساحة السياسية . فقد قاومت قيادات وجماهير حزب الحركة الوطنية، الوطني الاتحادي، طويلا، تدخل المراغنة، الذين تسببوا في انقسام الحزب بعيد الاستقلال،  في السياسة، ورفعوا شعار : ” لا قداسة في السياسة. ”  ووجد الموقف من زج الدين في السياسة أو توظيفه في خدمة السياسة،من قبل، مكانا له في برامج الأحزاب اليسارية . غير أن توجهات نميري الدينية، دفعت إلى أن يتوحد معارضو مايو، وأبرزهم الحركة الشعبية لتحرير السودان، بقيادة الراحل جون غرانغ،  حوله، طارحين شعار العلمانية، وفصل الدين عن الدولة . واحتلت المطالبة بإلغاء قوانين سبتمبر ١٩٨٣، التي فرضها جعفر نميري، باسم الشريعة، بدعم من جماعة الإخوان المسلمين، مكانا متقدما في شعارات القوى المعارضة لنظام مايو، بما في ذلك حزب الأمة، بقيادة الصادق المهدي . لكن  الحزب، الذي صعد للحكم، نتيجة الانتخابات التي أجريت بعد سقوط نميري، مانع ، بتأييد من حليفه الاتحادي، وضغط من الاخوان، في إلغاء تلك القوانين، دون بديل اسلامي . وكان ذلك موقف الحكم الانتقالي، برئاسة المشير عبدالرحمن سوار الذهب . هكذا أصبحت قوانين سبتمبر ، التي عادت إلى صدارة المشهد السياسي، و احتل إلغاؤها مقدمة  شعارات المعارضة، عقدة في السياسة السودانية منذ ذلك الحين، و حاجزا أمام أي اتجاه نحو التوافق والإجماع الوطني . واكتفت الحكومات والأنظمة  المتعاقبة، بما فيها نظام الإنقاذ، بتجميد تطبيقها، خاصة، قانون الحدود، لتفادي المواجهة مع المجتمع الدولي  في ميدان حقوق الانسان . وتعليقا على الحرج الذي يجد النظام الاسلاموي نفسه فيه، كتبت مقترحا عليه ، إعلان خلو  السودان من الجرائم الحدية، خاصة : السرقة الحدية ، زنا المحصن، الحرابة، الردة، كتفسير أو تبرير للامتناع عن إنفاذ هذه العقوبات، مأزق التمسك بها دون تطبيقها . وقد اقترح المستشار حسن العشماوي، صاحب “الإسلام السياسي ” و ” أصول الشريعة “، وقف إنفاذ العقوبات الحدية، تأسيا،  بموقف الخليفة الراشد، عمر بن الخطاب، من حد الردة، في عام الرمادة . وعادت إشكالية الشريعة والعلمانية،   بعد انتفاضة ديسمبر، لتشكل عقبة أمام توافق الحكومة الانتقالية، بقيادة د.عبدالله حمدوك  مع الحركة الشعبية  لتحرير السودان – شمال، بقيادة عبدالعزيز الحلو .

ويسألونك عن العلمانية

يبدو  مصطلح العلمانية ، المثقل بالخبرات التاريخية، مثيرا للجدل، حال  تجريده من واقعه، الذي انبثق منه، وتجاهل محمولاته التاريخية، بحيث  يبدو صالحا لكل زمان ومكان، ويبدو – بالتالي –  بحاجة إلى إعادة تعريف، في ضوء ما يحتمله من تباينات، على مستوى التطبيق والتنظير، والتجارب العيانية ، ليوافق ما يتطلبه الوضع  المحدد من استجابات، تتناسب مع شروطه التاريخية  . اذ يشكل  المصطلح، بما يحتقبه من إرث تاريخي، يتصل بالصراعات الدينية التي شهدتها أوروبا، مادة للاختلاف .  فالعلمانية،  تحتمل مفاهيم متباينة، بدلالة السياق  التاريخي، الذي تكونت فيه، والخبرات والتجارب التي تختزلها  .  يشار في هذا الاطار، الى العلمانية التركية، التي فرضها كمال اتاتورك بعد إلغاء الخلافة الإسلامية، والفرنسية، المعروفة باللائكية، والسوفييتية، المرتبطة بموقف الماركسية – اللينينية من الدين، على سبيل المثال . لذلك تثير  العلمانية من الخلاف، في الساحة السياسية ، اكثر مما تثيره العلاقة الملتبسة بين الدين والسياسة، والدين والدولة، مما يحتم  تحقيق توافق حولها، ابتداء . ومن واقع التجربة السودانية، يمكن التقرير بأن الفترة السابقة للإنقاذ، (باستثناء حقبة نميري الاسلاموية )،  قد شهدت نمطا من الممارسة العلمانية، يتعين التوقف عنده وتحليله،  لاستخلاص معالم تلك العلمانية، وخصائصها، والتأسيس عليها . إذ ان طرح  العلمانية، في إطار برنامج سياسي، يستدعي التساؤل : اي علمانية،   واي مضمون تحتمله، والى أي مدي تحقق الاستجابة، التي يقتضيها الوضع المحدد . فمما استقر من  التجربة السودانية، في سؤال الدين والدولة، تبدى   في  ان الدولة، غير الدينية، ابتداء  ، تعترف  بالاديان وتعددها، لكنها تقف على مسافة واحدة من كل منها . وتقر بالإسلام، كدين للأغلبية، ومصدر من مصادر التشريع، لكن ليس المصدر الوحيد . وتقوم برعاية بعض الشؤون الدينية،  وتقر بالاحتكام للدين  في الاحوال الشخصية…الخ .

يمكن التقرير بان الخلاف، لا يتعلق بالموقف من الدين وموقعه من الحياة السياسية، بقدر ما يتعلق بالمصطلح، نفسه . وتكمن المسألة، اذن، في تحديد مضمون العلمانية المطلوبة، في ضوء ما قد ينطوي عليه من تباينات، واشكالات . قد تتطلب ابتداع صيغة ما، والاصطلاح  عليها  بما يعكس خصوصية التجربة، او تعيين ما هو مطلوب في شأن العلاقة بين الدين والدولة، والدين والسياسة، بعيدا عن الشعارات أو القوالب الفكرية  الجاهزة، وبالاستناد إلى متطلبات الواقع الملموس . فالنظرية رمادية، بينما  شجرة الحياة في اخضرار .

الوسومعبدالله رزق أبو سيمازه

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الدین والسیاسة الدین والدولة فی السیاسة بین الدین الدین عن

إقرأ أيضاً:

بين سلاح حماس وخطة ترامب| القاهرة تُمسك بخيوط السلام في غزة وتوازن بين السياسة والإنسانية

في لحظة تداخل فيها صوت المفاوضات مع أصداء الحرب، تعود غزة مجدداً إلى واجهة الحدث العالمي.

فبين أنقاض المنازل وصرخات الأطفال، وبين قاعات التفاوض المغلقة، يتبلور اتفاق جديد لوقف إطلاق النار، تحاول من خلاله واشنطن أن تعيد إحياء مسار السلام، فيما تواصل القاهرة حمل مسؤوليتها التاريخية كحائط صد إنساني وسياسي في آنٍ واحد.

وبينما لا تزال معضلة سلاح حركة حماس تثير الجدل داخل الغرف المغلقة، بدأت تتكشف ملامح الخطة الأمريكية التي تتضمن نشر قوة استقرار دولية في القطاع، بمشاركة عربية وإسلامية واسعة، في محاولة لتحقيق توازن دقيق بين الأمن والسيادة والمصالحة الوطنية الفلسطينية.

أسلحة حماس الثقيلة.. عُقدة المفاوضات الكبرى

لا يزال ملف تفكيك سلاح حماس الثقيل أحد أكثر القضايا حساسية في مفاوضات وقف إطلاق النار.

مصادر أميركية نقلت لموقع "أكسيوس" أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يأمل أن يؤدي الاتفاق الجاري بشأن غزة إلى استئناف عملية السلام في الشرق الأوسط، مشيرةً إلى أن المرحلة المقبلة ستشهد خطوات عملية لتطبيق "خطة أمنية جديدة" تبدأ بنشر قوة استقرار دولية قبل أي حديث عن تفكيك السلاح.

ووفقاً للتفاصيل التي كشفتها تلك المصادر، فإن تفكيك أسلحة حماس الثقيلة لن يتم فوراً، بل سيكون المرحلة الأخيرة بعد استكمال انتشار القوة الدولية التي ستضم عناصر من الولايات المتحدة ودول عربية وإسلامية.

قوة المراقبة.. أميركية عربية تركية

تتضمن الخطة تشكيل لجنة لمراقبة وقف إطلاق النار، قوامها ضباط من الولايات المتحدة ومصر وقطر وتركيا والإمارات العربية المتحدة، لضمان التنفيذ الفعلي لبنود الاتفاق.

وذكرت المصادر، أن حوالي 200 جندي وضابط أمريكي سيشاركون ضمن قوة المهام الدولية، وإن كانوا لن ينتشروا ميدانياً داخل غزة نفسها، وإنما سيعملون من مراكز مراقبة قريبة من الحدود.

والتقى أمس الجمعة كل من ستيف ويتكوف، المبعوث الأميركي الخاص للشرق الأوسط، وجاريد كوشنر، مستشار الرئيس ترامب، مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وكبار المسؤولين العسكريين الإسرائيليين، وناقشوا آلية مراقبة وقف النار وخطط انتشار القوة الدولية داخل القطاع.

نقل القوات وانسحاب تدريجي

تشير الخطة الأمريكية ، إلى أن الجيش الإسرائيلي سينسحب تدريجياً من المناطق التي يحتلها في غزة، ليحل مكانه عناصر من الدول العربية والإسلامية المشاركة في القوة الجديدة.

العملية قد تستغرق عدة أشهر، وستتبعها مراحل متتالية تشمل تفكيك المنشآت العسكرية التابعة لحماس، ثم إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين والإفراج عن السجناء الفلسطينيين، بما يضمن توازناً رمزياً وإنسانياً بين الجانبين.

ويؤكد مسؤولون أمريكيون أن هذه المراحل ستكون مترابطة زمنياً وسياسياً، بمعنى أن أي تأخير أو خرق في بند من البنود قد يؤدي إلى تجميد الاتفاق بأكمله.
وهو ما يجعل الدور المصري محورياً في ضمان استمرارية التفاهمات، لما تملكه القاهرة من ثقة متبادلة مع كل الأطراف المعنية.

حماس.. السلاح شرعي ومحل تفاوض داخلي

على الجانب الفلسطيني، لا يبدو أن ملف سلاح حماس سيمر بسهولة.

فقد أعلن المتحدث باسم الحركة حازم قاسم ، أن سلاح المقاومة سيُناقش داخل الإطار الوطني الفلسطيني وليس على طاولة المفاوضات الدولية، مؤكداً أن "سلاح حماس شرعي للدفاع عن الشعب الفلسطيني"، وأن الحركة تتحمل "مسؤولية وطنية لإيجاد صيغة توافقية تحافظ على حق الدفاع وتضمن وحدة القرار الفلسطيني".

هذا التصريح يعكس رغبة حماس في تحييد ملف السلاح عن الضغوط الخارجية، وربطه بالحوارات الداخلية التي ستجري قريباً في القاهرة، في إطار ما يُتوقع أن يكون أوسع حوار وطني فلسطيني منذ سنوات.

القاهرة على موعد جديد مع التاريخحوار وطني شامل في العاصمة المصرية

من المقرر أن تستضيف القاهرة خلال الأيام المقبلة مؤتمراً وطنياً فلسطينياً شاملاً، لبحث مستقبل قطاع غزة بعد توقيع اتفاق وقف النار.

المؤتمر الذي ستدعو إليه مصر، بدعم من الولايات المتحدة وقطر وتركيا، سيبحث عدة ملفات حساسة، في مقدمتها آليات إعادة الإعمار، وخطة الانسحاب الإسرائيلي، وملف سلاح الفصائل الفلسطينية.

ويقول الدكتور أحمد رفيق عوض، رئيس مركز القدس للدراسات، إن مؤتمر القاهرة سيشكل اختباراً حقيقياً لقدرة الفلسطينيين على صياغة رؤية موحدة لمستقبل غزة، مؤكداً أن نجاحه مرتبط بمدى استعداد الفصائل للتنازل المتبادل و"ترسيخ مبدأ الدولة الفلسطينية الجامعة بدلاً من سلطة الفصائل".

شرم الشيخ.. بوابة الاتفاق الأميركي إلى غزة

قبل هذا المؤتمر المنتظر، كانت مدينة شرم الشيخ قد شهدت على مدار الأيام الماضية مفاوضات مكثفة وغير مباشرة بين إسرائيل وحماس، برعاية مصرية قطرية أميركية، وبمشاركة تركية، أسفرت عن الإعلان مساء الأربعاء الماضي عن المرحلة الأولى من الخطة الأميركية لوقف الحرب.

ويقول مراقبون إن نجاح المفاوضات في شرم الشيخ لم يكن وليد المصادفة، بل نتيجة تحرك دبلوماسي مصري منسّق مع واشنطن وتل أبيب والعواصم العربية، هدفه الأول وقف نزيف الدم في غزة وتهيئة المناخ لمحادثات سياسية أوسع.

القاهرة تُوازن بين الأمن والسياسة والإنسانقوافل المساعدات.. عنوان الدبلوماسية الإنسانية

في الوقت الذي كانت فيه القاعات تغص بالمفاوضين، كانت شاحنات المساعدات المصرية تشق طريقها نحو غزة.

فقد تحركت قافلة المساعدات الإنسانية رقم 48، حاملة آلاف الأطنان من المواد الغذائية والإغاثية والطبية، في مشهد يعكس تصميم مصر على ألا تنفصل السياسة عن الإنسان.

وأكدت قناة "القاهرة الإخبارية" أن هذه القوافل المتكررة أصبحت رمزاً لنهج مصري متواصل يرى في دعم غزة واجباً قومياً وإنسانياً لا ينفصل عن الأمن القومي ذاته.

الأمم المتحدة.. ننتظر الضوء الأخضر

وفي السياق ذاته، أكدت الأمم المتحدة أنها تملك نحو 170 ألف طن متري من المساعدات الإنسانية الجاهزة للدخول إلى غزة، لكنها تنتظر الضوء الأخضر من إسرائيل للسماح بإدخالها.
وقال توم فليتشر، وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية، إن ما تم إدخاله خلال الأشهر الماضية لم يتجاوز 20% من الاحتياجات الفعلية، محذراً من كارثة إنسانية إذا لم تتسارع الإجراءات.

إسرائيل توافق على إطار اتفاق.. ومصر تضمن التنفيذ

أعلنت الحكومة الإسرائيلية موافقتها على إطار اتفاق يشمل وقف العمليات العسكرية وإطلاق سراح جميع الرهائن المحتجزين في غزة، سواء أحياء أو موتى، تمهيداً لبدء تنفيذ وقف إطلاق النار الكامل.
ونقلت القناة الإسرائيلية "12" أن الاتفاق لقي ترحيباً من الأمم المتحدة وعدد من القوى الإقليمية، وعلى رأسها مصر التي لعبت الدور الحاسم في صياغة التفاهمات وضمان تطبيقها.

اللواء محمد حمد: مصر صنعت التوازن بين الأمن والإنسانية

في تعليقه على الاتفاق والتحركات الجارية، قال الخبير الاستراتيجي اللواء محمد حمد إن مصر أثبتت مجدداً أنها الضامن الحقيقي للاستقرار في الشرق الأوسط، مشيراً إلى أن القاهرة نجحت في الجمع بين الضغط السياسي والتدخل الإنساني في آنٍ واحد.

وأوضح اللواء حمد أن وقف إطلاق النار ليس مجرد نتيجة تفاوضية، بل هو ثمرة لعمل دبلوماسي مصري دؤوب بدأ منذ اليوم الأول للأزمة، لافتاً إلى أن "القاهرة تحركت في ثلاثة اتجاهات متوازية: أولها الوساطة السياسية، وثانيها التحرك الإنساني عبر القوافل المتواصلة، وثالثها التنسيق الأمني لمنع امتداد الصراع".

وأضاف أن مصر "لم تتعامل مع القضية من منظور إغاثي فقط، بل من زاوية استراتيجية، تهدف إلى إعادة بناء الثقة بين الأطراف المتصارعة وتهيئة المناخ لاستئناف العملية السياسية الشاملة".

رسالة القاهرة: السلام لا يُفرض بالقوة

وشدد اللواء محمد حمد على أن موقف مصر كان واضحاً منذ البداية: لا يمكن لأي تسوية أن تنجح طالما تُركت غزة تحت الحصار والجوع.
وقال إن القاهرة كانت الطرف الوحيد القادر على التحدث إلى الجميع دون استثناء، بفضل علاقاتها المتوازنة مع واشنطن وتل أبيب والفصائل الفلسطينية.

وأضاف أن "التحرك المصري منح الاتفاق الجديد مصداقية حقيقية"، مشيراً إلى أن مصر لا تسعى إلى أضواء سياسية، بل إلى استعادة روح العدالة التي افتقدها الشرق الأوسط منذ عقود.

أبعاد إنسانية وأمنية للاتفاق

يرى اللواء محمد حمد أن نجاح وقف إطلاق النار، إذا التزم به الطرفان، سيفتح الباب أمام مرحلة جديدة من إعادة الإعمار، ويمهّد لعودة التنسيق الأمني الإقليمي في مواجهة الإرهاب والتطرف.
وقال إن مصر تدرك أن التهدئة الدائمة في غزة ليست هدفاً بحد ذاتها، بل وسيلة لتحقيق استقرار أوسع يشمل الحدود المصرية والفلسطينية والإسرائيلية، مما يجعل الاتفاق خطوة في طريق طويل نحو الأمن الشامل.

تحرك مصري يتجاوز حدود السياسة

يؤكد الخبير الاستراتيجي أن ما تقوم به مصر ليس مجرد وساطة، بل قيادة ميدانية حقيقية في العمل الإنساني، وأن القاهرة باتت الجهة الأكثر ثقة لدى الأمم المتحدة والمنظمات الدولية في تنسيق مرور المساعدات عبر معبر رفح.
كما لفت إلى أن تكرار إرسال القوافل المصرية يؤكد أن الدولة المصرية تنظر إلى معاناة غزة كـ"أزمة إنسانية تخص الأمة كلها"، وليست شأناً إقليمياً محدوداً.

الأمل يعود إلى غزة ببوابة مصر

من بين هدير الشاحنات المصرية التي تشق طريقها إلى غزة، وداخل غرف المفاوضات التي تتشابك فيها مصالح العالم، تبرز مصر كصوت العقل في زمن الانقسام، وكجسر يعبر فوق النيران نحو سلامٍ طال انتظاره.
فالهدنة الحالية ليست نهاية الحرب، لكنها بداية الأمل، ورسالة تؤكد أن السلام لا يُفرض بالقوة، بل يُصنع بالثقة، وبأيدٍ تعرف أن للإنسان قيمة تتجاوز كل الحسابات السياسية.

طباعة شارك حماس النار غزة ترامب الولايات المتحدة

مقالات مشابهة

  • عماد الدين حسين: الهندسة السياسية لا تزال تشكل عقبة أمام الديمقراطية الكاملة
  • رغم الحرب والمعاناة.. مصممة ازياء سودانية تعرض ثوب من 90 فص ألماس بقيمة 22 مليون جنيه بالقاهرة
  • الاستعانة بمعلمي الحصة لسد عجز مادة التربية الدينية
  • ثمن الفوضى.. عندما تصبح السياسة الخارجية رهينة المزاج
  • دريان: لنُعِد البناء بالإيمان والوحدة والأمل بالله والدولة
  • انا والسياسة الاقتصادية والكورنة
  • بجوائز تصل لـ 2500 جنيه.. التعليم تنظم المسابقة الثقافية الدينية الكبرى
  • لجنة إغاثية سودانية: مقتل عشرات المدنيين بقصف مركز إيواء في الفاشر
  • بين سلاح حماس وخطة ترامب| القاهرة تُمسك بخيوط السلام في غزة وتوازن بين السياسة والإنسانية
  • شرعية مرسومة بالأسطورة.. إسرائيل بين الدين والسياسة والإجرام