كابل- أعادت الاشتباكات الدامية الأخيرة بين الجيش الباكستاني والقوات الأفغانية ملف حركة "طالبان باكستان" إلى الواجهة مجددا، وهي التي تُعدّ من أكثر الملفات تعقيدا في العلاقات بين البلدين، ومصدرا دائما للتوتر على طول خط ديورند الحدودي، منذ أكثر من 15 عاما.

ولفهم طبيعة حركة "طالبان باكستان" وأهدافها وطريقة عملها، تعرض الجزيرة نت في التقرير التالي، إجابات حول أبرز الأسئلة المتعلقة بها وبنشأتها وعلاقاتها مع البلدين باكستان وأفغانستان.

زعيم حركة "طالبان باكستان" نور والي محسود (يسار) مع أحد قادة الحركة (راديو فري يوروب)متى وكيف نشأت حركة طالبان باكستان؟

تعود جذور الحركة إلى ديسمبر/كانون الأول 2007، حين أعلن مجموعة من القادة الميدانيين من قبائل البشتون تأسيس حركة طالبان باكستان في إقليم وزيرستان الجنوبي، ردا على العمليات العسكرية التي شنها الجيش الباكستاني، ودعم إسلام آباد للولايات المتحدة في "حربها على الإرهاب" بعد عام 2001.

تذكر العديد من التقارير الإعلامية، أن زعيم الحركة بيت الله محسود، قاد تأسيسها، وهو الذي سعى لتوحيد الفصائل المسلحة تحت راية واحدة.

ومنذ البداية، أعلنت الحركة هدفها المتمثل في "إقامة نظام إسلامي داخل باكستان، ومقاومة الوجود العسكري الحكومي في المناطق القبلية".

وبعد مقتل بيت الله محسود في غارة أميركية عام 2009، تولى قيادة الحركة حكيم الله محسود، ثم فضل الله محسود، وصولا إلى القيادة الحالية التي يتزعمها نور والي محسود.

وفي 9 أكتوبر/تشرين الأول الحالي، استهدفت طائرة باكستانية بدون طيار سيارة في منطقة "عبد الحق" وسط العاصمة كابل، يُعتقد أنها كانت تقل نور والي محسود، وفق قناة "طلوع نيوز" المستقلة، لكنه نجا من الهجوم الذي أسفر عن مقتل أحد مرافقيه، وهو ما أكده تسجيل صوتي نُسب إليه.

مقاتلون من "طالبان باكستان" في قبضة شرطة الحدود الأفغانية عام 2016 (رويترز)ما أهداف طالبان باكستان؟ وأين تنشط؟

تتبنى الحركة فكرا قريبا من طالبان الأفغانية، لكنها تختلف في تعريف طبيعة العدو وميدان القتال. ووفق تقرير مركز أبحاث السلام الدولي، فبينما تركز طالبان الأفغانية على الداخل الأفغاني، جعلت طالبان باكستان الجيش الباكستاني والمؤسسات الحكومية هدفها الرئيسي، بتهمة "العمالة لأميركا".

إعلان

أما عن نطاقها الجغرافي، فيُذكر وفق "مركز الدراسات الإستراتيجية في آسيا"، ومقره في العاصمة كابل، أن قواعد الحركة تنتشر في وزيرستان الشمالية والجنوبية وإقليم خيبر بختونخوا، وامتدت هجماتها إلى مدن كبرى مثل بيشاور وكويتا وإسلام آباد.

وخلال السنوات الأخيرة، استغل مقاتلوها الطبيعة الجبلية الوعرة على جانبي الحدود للتحرك بحرية، مما صعّب على الجيش الباكستاني القضاء عليها نهائيا.

واستفادت الحركة من الفراغ الأمني بعد انسحاب القوات الأجنبية من أفغانستان عام 2021، وفق مجلة "فورين بوليسي" الأميركية، إذ تمكن المئات من مقاتليها من العودة إلى مناطقهم، مستفيدين من الروابط القبلية والمذهبية المشتركة بين الجانبين.

ما الفرق بين طالبان باكستان وطالبان أفغانستان؟

رغم التشابه في الاسم والمرجعية الفكرية، تختلف الحركتان في الأهداف والتنظيم والعلاقة مع الدولة، فطالبان أفغانستان تأسست عام 1994 بقيادة الملا محمد عمر في قندهار، وتمكنت من السيطرة على كابل عام 1996، وأعلنت قيام "الإمارة الإسلامية في أفغانستان"، وحكمت البلاد حتى الغزو الأميركي عام 2001، ثم عادت إلى السلطة مجددا في 15 أغسطس/آب 2021 بعد انسحاب القوات الأميركية.

أما "طالبان باكستان"، فقد تأسست عام 2007، وتعتبر الدولة الباكستانية خصما وهدفا مشروعا، وتعتمد تنظيما قبليا متعدد الولاءات، ما يجعل ضبط قراراتها صعبا، مقارنة بالهيكل الإداري المركزي لطالبان الأفغانية.

ما مشكلة باكستان مع هذه الحركة؟

منذ تأسيسها، شكّلت حركة "طالبان باكستان" صداعا مزمنا للجيش الباكستاني؛ إذ نفّذت مئات الهجمات ضد المراكز الأمنية، والقوافل العسكرية، والمدارس والمساجد، وفق وزارة الدفاع الباكستانية. وتتهم إسلام آباد الحركة بمحاولة إقامة نظام موازٍ في المناطق القبلية وتهديد الأمن الداخلي للدولة، خاصة في إقليم خيبر بختونخوا.

ورغم الحملات العسكرية المتكررة مثل عمليات "ضرب عضب" عام 2014، و"رد الفساد" عام 2017، لم تُقتلع جذور الحركة بالكامل.

ويعتبر الترابط القبلي والديني بين عناصر الحركة وسكان المناطق الحدودية، أحد أسباب عجز الجيش الباكستاني عن القضاء عليها، إضافة إلى ضعف التنمية وغياب الخدمات، مما يجعل تلك المناطق حاضنة طبيعية للتمرد.

أزمة الحدود بين أفغانستان وباكستان مستمرة (الجزيرة)كيف أسهمت أزمة "خط ديورند" في تعقيد الموقف؟

يُعتبر خط ديورند، الذي رسمته بريطانيا في القرن التاسع عشر، أحد أكثر خطوط الحدود إثارة للجدل، فالحكومة الأفغانية لم تعترف به رسميا، فيما تعتبره باكستان حدودا دولية ثابتة.

يمتد الخط على نحو 2600 كيلومتر، ويفصل قبائل البشتون بين الدولتين، ما جعله منطقة رخوة يصعب السيطرة عليها بالكامل، واستغل مقاتلو طالبان باكستان هذا الواقع للتحرك بحرية بين الجانبين، إذ توجد قرى تنقسم بين أفغانستان وباكستان، وتربط سكانها صلات قرابة ومصالح تجارية مشتركة.

هل تشكّل "طالبان باكستان" شرارة صراع طويل بين كابل وإسلام آباد؟

امتدت الاشتباكات الأخيرة بين البلدين إلى مناطق مثل قندهار وخوست وننغرهار، وبلغت حدّ قصف العاصمة الأفغانية كابل، وفق "طلوع نيوز"، واتهم المتحدث باسم الحكومة الأفغانية ذبيح الله مجاهد باكستان بـ"إيواء قادة تنظيم الدولة بخراسان داخل أراضيها"، و"غضّ الطرف عن نشاطهم".

إعلان

وقال المحلل السياسي الأفغاني أحمد سعيدي للجزيرة نت، إن "الهدنة الحالية التي جاءت بوساطة قطر والسعودية ليست نهاية الحرب، بل توقفا مؤقتا لإعادة التموضع"، مشيرا إلى أن "الأسباب العميقة للأزمة -المتعلقة بوجود "طالبان باكستان" والخلاف حول خط ديورند والتنافس الإقليمي- لا تزال قائمة".

وأضاف أن استمرار هذا التوتر قد يفتح الباب أمام "تدخلات استخباراتية" من دول أخرى مثل الهند وإيران، ويخلق فراغا أمنيا على جانبي الحدود يهدد أمن المنطقة بأكملها.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: غوث حريات دراسات الجیش الباکستانی طالبان باکستان الله محسود

إقرأ أيضاً:

ما الذي حدث بين باكستان وأفغانستان؟ وما علاقة الهند؟

اندلعت السبت اشتباكات حدودية بين القوات الأفغانية والباكستانية سقط فيها العشرات بين قتيل وجريح، ردا على غارات جوية باكستانية في أفغانستان وسط اتهامات من إسلام آباد لكابل بدعم جماعات مسلحة، وذلك قبل أن تعلن وزارة الدفاع الأفغانية في وقت لاحق من مساء أمس السبت انتهاء العمليات العسكرية.

ونحاول في هذا التقرير توضيح ما الذي حصل.

ماذا حدث في القتال الحدودي بين أفغانستان وباكستان؟

اندلعت اشتباكات عنيفة بين القوات الأفغانية والباكستانية على طول خط دوراند الحدودي، شملت 7 ولايات أفغانية حدودية، وقالت وزارة الدفاع الأفغانية إن ذلك جاء ردا على غارات جوية باكستانية في أفغانستان الأسبوع الماضي، وأشارت باكستان إلى أنها ردت بنيران الأسلحة والمدفعية.

وأوقعت الاشتباكات خسائر في الأرواح والمعدات من الجانبين، وقال مسؤولون باكستانيون إن بلادهم أغلقت المعابر الحدودية مع أفغانستان اليوم الأحد.

وتأتي هذه الاشتباكات الأخيرة في ظل سياق تاريخي طويل من التوترات الحدودية، تفاقمت بعد عودة حركة طالبان إلى الحكم في كابل عام 2021. وخط دوراند نفسه لا تعترف به الحكومة الأفغانية كحدود رسمية، مما يضيف تعقيدا قانونيا وسياسيا للنزاع.

ما أسباب القتال؟

القتال جاء كرد فعل أفغاني على غارات جوية باكستانية استهدفت العاصمة كابل وولايات خوست وننغرهار، وذلك وسط اتهامات من إسلام آباد لكابل بدعم مسلحي حركة طالبان باكستان وتوفير ملاذ آمن لهم في أفغانستان للتدريب والتخطيط وتنفيذ هجمات ضد باكستان، وهو ما تنفيه حكومة كابل وتؤكد أنها لن تسمح لأحد باستخدام أراضي أفغانستان لاستهداف دول أخرى.

وكانت حركة طالبان باكستان أعلنت الجمعة مسؤوليتها عن هجمات متزامنة استهدفت قوات الأمن الباكستانية في إقليم خيبر بختونخوا الحدودي مع أفغانستان، وأسفرت عن مقتل 23 شخصا، بينهم 20 عنصرا أمنيا و3 مدنيين.

منظر عام يظهر خط دوراند، وهو خط حدودي بين أفغانستان وباكستان في منطقة شورابك (الفرنسية)هل هناك خسائر؟

صرح المتحدث باسم الحكومة الأفغانية ذبيح الله مجاهد اليوم الأحد بأن قوات أفغانية سيطرت في عمليات حدودية الليلة الماضية على 25 موقعا تابعا للجيش الباكستاني وقتلت 58 جنديا وأصابت 30 آخرين، لافتا أيضا إلى "مقتل 9 من قوات طالبان".

إعلان

كما ذكرت أفغانستان أن 20 جنديا أفغانيا سقطوا بين قتيل وجريح.

ولم يصدر تعليق بعد من باكستان، لكن مسؤولين أمنيين باكستانيين قالوا إنهم أوقعوا خسائر في صفوف القوات الأفغانية دون ذكر عدد محدد.

وأعلنت كلتا الدولتين تدميرهما عددا من المراكز الحدودية للطرف الآخر. ونشر مسؤولون أمنيون باكستانيون لقطات فيديو قالوا إنها تظهر قصف مواقع أفغانية.

من الأطراف المتورطة في القتال؟

أما الأطراف المتورطة في هذا القتال فتشمل القوات المسلحة الباكستانية التابعة للحكومة التي تديرها حركة طالبان، والجيش الباكستاني، وحركة باكستان طالبان، إلى جانب اتهامات باكستانية مباشرة للهند بتوفير التمويل والدعم لحركة طالبان باكستان.

وقالت كابل اليوم الأحد إنها أوقفت الهجمات بناء على طلب قطر والسعودية. وأصدرت الدولتان بيانين عبرتا فيهما عن قلقهما إزاء الاشتباكات.

قوات أفغانية تراقب الحدود مع باكستان (الفرنسية)هل للهند علاقة بما جرى؟

الهند ليست طرفا مباشرا في القتال، لكنها متهمة من قبل باكستان بتمويل ودعم المسلحين الذين ينفذون هجمات داخل أراضيها، وهي اتهامات نفتها الهند.

كما أن الهند تستغل توتر العلاقات بين كابل وإسلام آباد لتعزيز علاقاتها مع الحكومة الأفغانية، وقد رفعت مستوى تمثيلها الدبلوماسي في كابل. وتعكس زيارة وزير الخارجية الأفغاني إلى الهند مؤخرا ورفع مستوى التمثيل الدبلوماسي بين البلدين تقاربا إستراتيجيا واضحا بين البلدين.

ويرى المحلّل الهندي برافين دونتي من مجموعة الأزمات الدولية أن "نيودلهي تعكف على توسيع نفوذها إلى كابل كي لا تبقى متخلّفة عن ركب خصميها الصين وباكستان"، كما "ترغب في الحصول على ضمانات أفغانية في مجال مكافحة الإرهاب، فضلا عن تعاون إقليمي في مجال الأمن".

كيف تبدو العلاقة بين الحكومتين الباكستانية والأفغانية؟

رغم إعلان توقف المعارك بين الجانبين فإن مسؤولين محليين باكستانيين أفادوا بأن المعبرين الحدوديين الرئيسيين لباكستان مع أفغانستان، في طورخم وتشامان، أُغلقا اليوم الأحد، كما تم إغلاق 3 معابر صغيرة على الأقل في خارلاتشي وأنجور أدا وغلام خان.

ولا تزال العلاقة بين البلدين اللتين تمتلكان حدودا مشتركة طولها 2600 كيلومترا، متوترة للغاية وتتسم بالاتهامات المتبادلة والدعم المزعوم للجماعات المسلحة.

ويعكس التصعيد العسكري الأخير هشاشة العلاقة بينهما رغم دعوات دولية لضبط النفس، كما يعكس فشل الطرفين في بناء آلية أمنية مشتركة لضبط الحدود.

وقد يؤدي استمرار التصعيد إلى زعزعة استقرار المنطقة الحدودية خاصة في خيبر بختونخوا وبلوشستان، مما قد يدفع الجماعات المسلكة إلى استغلال الفوضى لتوسيع عملياتها.

كما قد يفتح التوتر بين كابل وإسلام آباد المجال لتدخلات إقليمية من الهند والصين وروسيا، وهو أمر لا تطمح باكستان إلى حصوله.

مقالات مشابهة

  • أفغانستان تتهم مجاميع في باكستان بزعزعة العلاقة بين البلدين.. ما علاقة قيادة تنظيم الدولة؟
  • كابل تتهم مجموعات في باكستان بتقويض العلاقة بين البلدين
  • تصعيد غير مسبوق على الحدود.. هل تقترب كابل وإسلام آباد من مواجهة مفتوحة؟
  • عشرات القتلى باشتباكات بين باكستان وأفغانستان وإسلام آباد تتوعد بـرد قوي
  • اشتباكات دامية بين باكستان وأفغانستان.. تضارب في حصيلة القتلى وإسلام آباد تتوعد بـ رد قوي
  • ما الذي حدث بين باكستان وأفغانستان؟ وما علاقة الهند؟
  • توتر متصاعد.. أفغانستان تعلن مقتـ.ل 58 جنديا باكستانيا وإسلام آباد تتوعد برد قوي
  • طالبان: قواتنا أجهزت على 58 جنديا باكستانيًا.. وإسلام آباد تتوعد بردٍ قوي
  • كابل تعلن انتهاء العمليات العسكرية على حدود باكستان