اشتهر أشقاؤنا السودانيون بروح الأخوّة والجماعة والتعاطف بينهم إلى الدرجة، التي يصاب فيها المرء بالحيرة، عندما يحاول فهم هذه الحرب البغيضة بينهم داخل السودان. ولهذا يجد المرء مرارة في قراءة هذا الصراع بين السودانيين، خاصة الطريقة الغامضة، التي نشأت فيها وبرزت ميليشيا الدعم السريع، التي تضم مقاتلين من خارج السودان، بعضهم في سن المراهقة، وتتلقّى الدعم من قوى أجنبية لا تهمها مصلحة السودان.
من الصحفيين القلائل الذين حاولوا نقل الصورة البشعة لهذه الحرب وعواقبها الوخيمة على الشعب السوداني، الصحفي البريطاني أنتوني لويد، الذي تمكّن من الدخول إلى الخرطوم وأم درمان، وكشف عن جانب مظلم تستخدمه ميليشيا الدعم السريع؛ كسلاح في هذه الحرب.
يسرد الكاتب البريطاني هذه القصة بعد أن أجرى مقابلة مع والدة إحدى الفتيات التي تعرّضت للاغتصاب. اختارت الفتاة المراهقة أن تنام في غرفتها بدلاً من النوم مع أمها وبقية الأطفال في الرواق؛ حيث النسيم العليل القادم من النيل في أحد أحياء الخرطوم، الذي كانت تسكن فيه هذه الأسرة، والذي يخضع لاحتلال ميليشيا الدعم السريع. لم يدر بخلدها أنه في الهزيع الأخير من الليل سيدخل ثلاثة جنود يحملون السلاح من نافذة المنزل ذي الدور الواحد، ثم إلى غرفتها دون أن تلحظ ذلك الأم التي كانت تغط في نوم عميق. لم يكن والدها موجوداً في المنزل ذلك اليوم. كان هؤلاء يبحثون عن أي شيء يسرقونه، وإذا لم يجدوا شيئاً أمعنوا في إهانة أهل هذا الحي بارتكاب جرائم الاغتصاب التي يحجم الكثير من الضحايا عن التصريح بها؛ مخافة العار والفضيحة في مجتمع ديني محافظ. لم يجد هؤلاء الجنود الثلاثة أي ذهب أو مال أوهاتف محمول؛ فأقدموا تحت تهديد السلاح على ارتكاب هذه الجريمة، التي أصبحت- بحسب تقرير بعثة تقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة- “منتشرة” في هذه الحرب، رغم عدم وجود إحصاءات دقيقة لهذه الاعتداءات؛ بسبب صعوبة حصرها أثناء الحرب، وبسبب الخوف الذي يعتري الضحايا من التصريح بها. عندما وجدت الأم ابنتها ترتجف خوفاً بجانبها في الظلام، أدركت أنها أمام وقت عصيب. لم تجد الصرخات التي أطلقتها في الشارع، وأيقظت الجيران الذين ملأوا ساحة بيتها، ولم تنفعها الشكوى لدى نقطة التفتيش التابعة للدعم السريع في نفس الشارع. تكرر نفس السيناريو بعد ثلاثة أشهر عندما هجم ثلاثة أفراد من الميليشيا على المنزل وأخذوا الفتاة من يدها، لكن الجيران أنقذوا الموقف بعد سماع صيحات الأم. لم تخبر الأم والد الفتاة الغائب بما حلّ بابنته، ولا تدري كيف سيكون ردة فعله لو أخبرته بالأمر. غادرت الأسرة هذه المنطقة التي تسيطر عليها الميليشيا متوجهة إلى أم درمان دون التفكير في العودة للمنزل، الذي أصبح مكاناً للذكريات المؤلمة.
لم تنته قصة الأم المكلومة فأمامها الكثير من الجهد لتساعد ابنتها على تجاوز هذه المعضلة.
هذا جانب واحد فقط من الأعراض الجانبية للحرب. فما بالكم في الحرب نفسها؟
khaledalawadh @
المصدر: صحيفة البلاد
كلمات دلالية: هذه الحرب
إقرأ أيضاً:
الجيش السوداني يصد هجوما واسعا لقوات الدعم السريع على الفاشر
الفاشر- اندلعت اشتباكات عنيفة -ظهر أمس الأحد- في مدينة الفاشر (عاصمة ولاية شمال دارفور غربي السودان)، إثر هجوم واسع شنته قوات الدعم السريع على مواقع الجيش السوداني والقوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح، وذلك بعد أقل من 24 ساعة على دعوة أممية لهدنة إنسانية مؤقتة لتسهيل إيصال المساعدات للمدنيين المحاصرين.
ووفق مصادر عسكرية تحدثت للجزيرة نت، فقد بدأ الهجوم بقصف مدفعي مكثف استهدف الأحياء الشرقية والجنوبية الشرقية للمدينة، أعقبه توغل بري باستخدام آليات مدرعة وطائرات مسيّرة.
وأضافت المصادر أن الجيش السوداني والقوات المشتركة تصدت للهجوم مستخدمة المدفعية والأسلحة المتوسطة، وتمكنت من تدمير عدد من الآليات والاستيلاء على عتاد وذخائر.
وأشارت إلى أن المهاجمين تكبدوا خسائر فادحة في الأرواح والمعدات، وانتهى الهجوم بـ"فرار مرتبك من المحاور المستهدفة".
وقال شهود عيان إن القصف شمل مناطق مأهولة، أبرزها حي أبو شوك ومخيم النازحين المجاور، مما أثار حالة من الذعر بين السكان وتسبب في دمار واسع بالمنازل والمرافق الخدمية.
بالتزامن مع المواجهات، تشهد المدينة أوضاعا إنسانية مأساوية، مع انعدام شبه كامل للمواد الغذائية والأدوية وشح المياه والوقود، وسط استمرار القصف العشوائي على المناطق السكنية.
وقال الناشط الإغاثي محمد آدم -للجزيرة نت- إن قذائف مدفعية سقطت على مخيم أبو شوك للنازحين والأحياء الغربية للمدينة، مؤكدا أن الوضع "كارثي"، مع صعوبة الوصول إلى الضحايا وغياب أي ممرات إنسانية آمنة.
وفي تصريح خاص للجزيرة نت، قال المتحدث باسم القوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح، العقيد أحمد حسين مصطفى، إن "قواتنا تقاتل جنبا إلى جنب الجيش لصد الهجوم الغادر الذي نفذته قوات الدعم السريع فجرا".
وأوضح مصطفى أن الهجوم كان يستهدف اختراق دفاعات المدينة من المحور الشرقي، بيد أن وحدات الاستطلاع والمدفعية أحبطت المخطط، مضيفا "رصدنا فرارا مذعورا للمهاجمين بعد تكبدهم خسائر ثقيلة. نحن نتمسك بالدفاع عن الفاشر، ولن نسمح بسقوطها".
هدنة معلقةوكان مجلس السيادة الانتقالي قد أعلن -أول امس السبت- أن رئيسه الفريق أول عبد الفتاح البرهان تلقى اتصالا من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، دعا فيه إلى هدنة إنسانية مؤقتة في الفاشر لتسهيل إيصال المساعدات وتخفيف معاناة المدنيين.
إعلانورحب البرهان بالمبادرة، وأكد التزامه بتشكيل حكومة من المستقلين، بينما عبّر غوتيريش عن دعمه لتكليف كامل إدريس برئاسة الوزراء، معتبرا أن الخطوة مشجعة لاستئناف المسار الانتقالي.
ولكن الهجوم، الذي شنته قوات الدعم السريع بعد ساعات من المبادرة الأممية، ترافَق مع تصريحات من بعض مستشاريها أعلنوا فيها رفضهم الصريح للهدنة، واعتبروها محاولة لإمداد الجيش المحاصر بالسلاح والذخيرة.
وقال المستشار في قوات الدعم السريع الباشا طبيق -في منشور على مواقع التواصل الاجتماعي- إن "الحديث عن هدنة إنسانية هو غطاء لتمرير إمدادات عسكرية"، مؤكدا رفض أي مبادرة لا تخدم ما وصفه بـ"العمل الإنساني الحقيقي".
ويرى مراقبون أن هذا الموقف، إلى جانب التصعيد الميداني، يعكس رفضا واضحا للمبادرة الأممية، ويضعف فرص التوصل إلى تهدئة في ظل استمرار القتال وتدهور الأوضاع الإنسانية داخل المدينة المحاصرة.
وفي تعليقه للجزيرة نت، قال عبد الناصر سلم حامد، كبير الباحثين ومدير برنامج شرق أفريقيا والسودان في مركز فوكس- السويد، والمتخصص في إدارة الأزمات ومكافحة الإرهاب، إن "رفض قوات الدعم السريع لأي هدنة إنسانية في الفاشر يكشف بوضوح كيف تتعامل هذه القوات مع المبادرات الدولية كأدوات للمراوغة وليس كفرص لحماية المدنيين".
وأضاف: "الحقيقة أن قوات الدعم السريع تعتمد على الحرب الشاملة والحصار المميت كسلاح لإخضاع المدن وفرض واقع عسكري جديد قبل أي تسوية. وبالنسبة إليهم، فإن وقف القتال -ولو مؤقتا- يعني خسارة زخم الهجوم وإعطاء الجيش فرصة لإعادة ترتيب دفاعاته أو إدخال مساعدات قد تُنقذ آلاف المحاصرين، وهو أمر يتناقض تماما مع إستراتيجية الضغط القصوى التي يتبعونها".
وأشار حامد إلى أن "تصريحات مستشاري الدعم السريع نفسها تكشف بوضوح رفضهم لأي تحرك إنساني لا يتماشى مع خططهم الميدانية، إذ يرون المدنيين أداة ضغط لإضعاف الجيش، وليسوا أولوية بحد ذاتها، رغم الكارثة الإنسانية التي يعيشها عشرات الآلاف في الفاشر".