لجريدة عمان:
2025-08-08@19:10:30 GMT

الجناة يبحثون عن الحقيقة !

تاريخ النشر: 8th, August 2025 GMT

الجناة يبحثون عن الحقيقة !

سلطان بن حمود الحرملي - 

تُعدّ من عجائب الدنيا «الثامنة»، إذا ما سلّمنا أمرنا بأنها كانت سابقًا «سبع» عجائب، فهذه الزيادة ليست صرحًا تراثيًّا أو معلمًا سياحيًّا، وإنما سلوكًا إجراميًّا يختص به الإنسان، وهو أن يبحث الجناة بأنفسهم عن «الحقائق المخفية»!

قد تستغرب من ذلك، لكن في بعض القضايا الجنائية نجد أن الجناة يشاركون رجال التحقيق في البحث عن «الجاني»، مستفيدين من فرصة أنهم يقعون خارج نطاق الأشخاص المشتبه بارتكابهم للجُرم، فيجدون في عملية البحث عن «الجناة» فرصة للتمويه والتخفي، بل يحاولون تقديم المساعدة في القبض على شخص غير مرتكب للجريمة، بمعنى أدق كما قيل منذ زمن: «يقتل القتيل ويمشي في جنازته»!

وهذا ينطبق تمامًا على الأشخاص الذين يوشون بك عند الغير، يظهرون لك بأنهم متضامنون معك، مستغربون من الحيرة التي أنت فيها عندما تفتش عن الذين كانوا سببًا في إشعال فتيل النزاع!

في العُرف القانوني، الجاني ليس مقصودًا به كل من يقوم بعملية إجرامية معينة مثل «القتل»، بل يمكن أن يكون في صور أخرى مثل: الجاني في قضية السرقة أو النصب أو الاحتيال أو التعدي على الآخرين، إذًا الجناة أنواع متعددة.

ندرك أن بعض الجناة لديهم من البراعة ما يمكنهم من طمس الأدلة وتشويه الواقع، وارتداء ثوب البراءة «كبراءة الذئب من دم يوسف»، في الحياة أسرار كثيرة، وتفاصيل تحتاج إلى وقت طويل للكشف عنها، وبعض المواقف يمكن أن تصيبك بصدمة عصبية عندما يُزاح الستار عن شخص لا تتوقع منه ما صنعت يداه.

المحققون يعجزون في بعض المرات عن الوصول إلى الجاني الحقيقي في الجريمة المعروضة عليهم، وبعض الأحيان كل الشكوك تذهب نحو شخصية محددة، لكن المدهش أن هذا المتهم الذي تحوم حوله الشكوك ليس هو الجاني!

بعض الوقائع المحزنة تتجلى في صدور بعض الأحكام على بعض المتهمين، يدخلون فعليًا قفص الاتهام ويتم إدانتهم ويقبعون في السجون لفترات زمنية، ثم تظهر براءتهم من الجرم المنسوب إليهم بعد وقت طويل، وهذا ما حدث فعليًا في بلدان الغرب، على سبيل المثال لا الحصر: «براءة بعد سنوات من السجن ظلمًا».

الجريمة لا تتوقف في العالم -هذا أمر متفق عليه- وأساليب الجرائم متعددة جدًّا، فهناك سطو مسلح على بنك تجاري، أو هجوم على قطار يضم مسافرين، أو تفجير متعمد لدور العبادة، الأمثلة كثيرة على الجريمة التقليدية التي نعرفها جميعًا.

أما اليوم، فنحن نواجه جرائم يصعب تتبعها بسهولة، مثل «الجرائم الإلكترونية» ومنها الابتزاز، أو سرقة الأموال عبر الروابط المزيفة، أو الاتصال بالضحايا من الخارج بأرقام محلية، وغيرها الكثير من القضايا المطروحة.

إذًا، الجريمة تطورت من شكلها التقليدي إلى الشكل الحديث، وبات على الدول التصدّي لمثل هذه الهجمات السيبرانية.

المحزن في الأمر أن الشخص «الضحية» لا يعرف بأنه يعوم في عالم افتراضي مليء بالمخاطر، إلا عندما يفقد «مدخراته».

لهذا، سعت الدول إلى إنشاء وحدات متخصصة تستقبل مثل هذه الجرائم، وتحاول مساعدة الناس في إيجاد الحلول لمشكلاتهم، ولكن ليس في كل مرة يمكن أن تعود المياه إلى مجاريها، بمعنى أن بعض المحاولات تفشل في استرداد الحقوق إلى أصحابها؛ لأن من يقوم بهذه العمليات هم عصابات دولية منظمة، لديها من الإمكانيات، والأجهزة المتطورة، والأشخاص المدربين على هذه النوعية من الاختراقات وارتكاب الجرائم الإلكترونية.

لذا، تنصح الوحدات المتخصصة بالجرائم الإلكترونية الجمهور بعدم التجاوب مع الدخلاء، أو الانجراف في أودية الثراء السهل، والطمع في الحصول على الأموال دون جهد أو عمل، أو الاكتفاء بالإعلانات المنمقة والخصومات الذهبية التي تقدمها الصفحات الإلكترونية في المنصات ومواقع التواصل الاجتماعي.

إذا أردنا العودة ثانية إلى الجريمة بجانبها التقليدي، فإن جهات التحقيق لديها من الإمكانيات ما يساعدها على كشف الألغاز وحلّ العقد. فكل جريمة تستغرق وقتًا زمنيًّا في فك خيوطها المتشابكة من أجل الوصول إلى الشخص المطلوب بدقة.

بعض القضايا يتم إغلاقها نهائيًّا وتُسجّل ضد مجهول لعدم الوصول إلى الجاني. هذا ليس معناه تقصيرًا من المحققين أو المتخصصين في عالم الجريمة، وإنما الظروف والخطط المدروسة التي يستخدمها الجناة في تنفيذ مخططاتهم المشبوهة تنجح في محو آثارهم التي كانت في المكان وقت وقوع الجريمة.

دائمًا يُقال: «لا توجد جريمة كاملة»، ونحن نؤكد أن الجاني، وإن حاول أحيانًا التخلص من بقايا جريمته، فهناك خيط ما يتركه وراءه، ليس غباء، ولكن غفلة منه أو سوء تقدير. فكم من جناة تم التوصل إليهم من خلال خيط دقيق تركوه في مسرح الجريمة بدون وعي، بل ظنًّا منهم أنهم خارج نطاق المساءلة القانونية.

أحيانًا، تكون الجريمة يُشترك في تنفيذها والتخطيط لها عدة أشخاص، وعندما يقع أحدهم يدل على البقية المشتركين. لكن عندما يكون الجاني شخصًا واحدًا، وكل الدلائل والقرائن لا تُدينه أو تدل عليه بأنه الفاعل، وربما يكون أكثر الموجودين تأثرًا بما حدث، وكل علامات الحزن والألم والمشاهد التراجيدية متوفرة فيه، لكن المفاجأة تكون بالإعلان أنه الجاني!

هذا بالطبع ليس سيناريو لفيلم قديم، لكنه فعليًّا يحدث، لذا دائرة الاشتباه أحيانًا تتسع وتضم أشخاصًا يمكن أن نراهم غير مذنبين أو بعيدين عن الشبهات، لكن المفاجآت هي من تُخبرنا بأن الجاني يحاول دائمًا دفع الشبهة عن نفسه وإلقاءها على الغير.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: یمکن أن عندما ی

إقرأ أيضاً:

يحتفظون بدليل الجريمة.. أطفال غزة في متاهة الحرب فاقدين القدرة على الحياة

قدم وثائقيات قطاع القنوات الإخبارية بالشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، فيلما تسجيليا بعنوان: "يحتفظون بدليل الجريمة.. أطفال غزة في متاهة الحرب فاقدين القدرة على الحياة"، تضمّن مشاهد واقعية مؤلمة لأطفال من غزة تأثروا بالحرب، وقد تكون بعض اللقطات صادمة نفسيًا للمشاهدين.

وفاة 4 حالات جديدة بسبب المجاعة وسوء التغذية في قطاع غزة63 ألف طن مساعدات مصرية إلى غزة منذ بدء الأزمة.. والهلال الأحمر يقود الجهود

"أتمنى أن تتحقق هدنة، ونعود إلى بيوتنا.. " بهذه الكلمات بدأ أحد الأطفال حديثه، بينما تبرز خلفه مشاهد الدمار والخراب، طفل آخر يتأمل سقفًا متشققًا، كما لو كان يحاول قراءة خريطة سرية، لا يحمل في يده لعبة، بل قطعة حديد صغيرة التقطها من مكان الانفجار، يحتفظ بها كما يحتفظ الكبار بتميمة، أو كدليل على جريمة لا يريد نسيانها.

في رأسه، لا تدور مشاهد الكرتون بل سيناريو معقّد: شارع جانبي، عدو يمرّ، ويد تضغط زر التفجير، لا يعرف قوانين نيوتن، لكنه فهم قانون الترقّب: كيف يصمت كل شيء قبل أن يسقط الصاروخ.

خياله ليس مشهدًا من فيلم، بل متاهة هندسية بُنيت فوق الركام، يحاول فيها إعادة ترتيب مفهوم الأمان، الأطفال في أماكن أخرى يتخيلون أنفسهم أبطالًا خارقين، لكن في غزة.. البطل لا يطير، البطل فقط.. لا يموت.

تشير تقارير نفسية إلى أن الطفل الفلسطيني يفقد الإحساس بالزمن؛ لا فرق بين ليل ونهار حين يسقط السقف على رأس شقيقته، ولا فارق بين حلم ويقظة حين يرى والده يدفن الجار ثم يعود ليكمل واجب الرياضيات.

في هذه البقعة من العالم، لا يستخدم الطفل خياله للهروب، بل لفهم معادلات مستحيلة.

كيف تعيش حين ترى الموت كل يوم؟ كيف تضحك وأنت تعلم أن الغد قد لا يأتي؟ في هذا الوثائقي، لن نطارد آثار الدماء على الجدران، بل سننقب في الشفرة التي حفرتها الحرب في دماغ الطفل: شفرة غير مرئية، لكنها تتحكم في نومه، في صمته، وفي رسوماته البسيطة.

غرفة اللعب لم تعد ملعبًا، بل مختبرًا للترميز الداخلي، كل دمية تحمل أثر صدمة، وكل رسمة على الجدار.. خريطة لتشريح وعي محطّم، لن نقرأها بالحبر، بل سنفككها بالخوف المتكرر، بالصمت الصارخ، وبالرماد الذي يستقرّ تحت أظافر الطفولة.

الطفولة في غزة.. لم تعد كما نعرفها، منذ اندلاع الحرب في أكتوبر 2023، والأرض لا تهدأ، والسماء لا ترحم، ووفقًا لتقرير أممي صدر في يوليو 2025، تجاوز عدد الأطفال الذين قُتلوا في غزة 18,000 طفل، بينما بلغ عدد من قُتلوا أو جُرحوا أكثر من 50,000، لكن هذا الرقم لا يحصي سوى الأجساد، ما يعنينا هنا.. ما لا يُرى.

تلك الشروخ الدقيقة التي حفرتها الحرب في عقل الطفل، وفي خياله، وفي رؤيته لنفسه والعالم، الخيال، هذا الملاذ الأخير، تحوّل في غزة من مساحة للعب، إلى سلاح نفسي للبقاء.

"أتمنى أن تتوقف الحرب، ونعود إلى بيوتنا، نرجع إلى المدرسة ونتعلّم القراءة من جديد.." أحد الأطفال يقول هذه الكلمات، كما يضيف آخر  وهو يرتجف: "ضربوها هنا، لم أكن أصدق ما جرى"، وقال آخر: "الآن، لا أستطيع الوقوف، ولا أستطيع فعل أي شيء".

الطفل لا يتخيّل مغامرات في الغابة أو ركوب السحب، بل يرسم في ذهنه سيناريوهات نجاة: صاروخ يسقط.. جدار ينهار.. ملجأ يُغلق.

تقارير "أنقذوا الأطفال" (Save the Children) تشير إلى أن 82.8% من أطفال غزة يُعيدون تمثيل مشاهد العنف في ألعابهم اليومية ورسوماتهم، يُعرف هذا في علم النفس بـ"التمثيل الدفاعي"، وهي آلية لا واعية يُعيد فيها الطفل ترتيب المأساة في صورة يتحكّم بها ولو ظاهريًا.

اللعب هنا.. ليس لعبًا، بل محاولة لا واعية للسيطرة على الألم وترويض الفاجعة، أما الزمن.. مفكك كالبناء الطفل الذي نشأ على أصوات القصف لم يعد يفرّق بين يوم وليلة، بين الأمس واليوم.

تقرير منظمة " A War Child" وثّق شهادات لأطفال يعتقدون أن القصف لم يتوقف منذ شهور، رغم فترات الهدوء. هذه الظاهرة تُعرف بـ"اضطراب التسلسل الزمني"، حيث يُصبح الحاضر مشوَّشًا، والماضي مستمرًا، والمستقبل مغلقًا.

دراسة لليونيسيف عام 2025 تشير إلى أن 43% من الأطفال يفضّلون الصمت، حتى خلال جلسات الدعم النفسيKL لكن الرسم بات وسيلة مقاومة داخلية؛ 67% من الأطفال يرسمون منازل مدمّرة، و58% يستخدمون اللون الأحمر كلون أساسي.

أما بيانات "مركز غزة للصحة النفسية" فتؤكد أن أكثر من 70% من الأطفال يُظهرون أعراض الانسحاب النفسي ونوبات الفزع، الرسم لم يعد نشاطًا فنيًا، بل لغة عصبية بديلة، يسكب فيها الطفل فوضاه العاطفية.

دراسة منشورة في Frontiers in Psychology عام 2019، تُظهر أن الأطفال الذين يعيشون تحت وطأة الصدمة المستمرة يُظهرون تغيرات بيولوجية عميقة في بنية الدماغ.

تقرير منظمة الصحة العالمية لعام 2025 يؤكد أن معظم أطفال غزة يعيشون في حالة تأهّب عصبي دائم، حتى حين يصمت كل شيء، فإن الجهاز العصبي لديهم لا يعرف معنى الأمان.

"كل ما حول الطفل يُفسَّر كتهديد" إن ما تفعله الحرب لا يتوقف عند السلوك أو الشعور، بل يصل إلى لُبّ الدماغ، والنتيجة: جهاز عصبي يعيش في حالة حرب حتى بعد توقف القصف، وهنا، نصل إلى لبّ الحقيقة: الحرب لا تنتهي حين يصمت السلاح، بل تظلّ تعيد نفسها في العقول الصغيرة، في نوم الطفل، وفي صمته، وفي خياله المشوَّه.

لكن الحديث عن الأثر دون تسمية الفاعل.. خيانة للحقيقة، الاحتلال الإسرائيلي هو السبب الجذري لهذا النزيف المستمر، من خلال سياسات الحصار، واستهداف المنازل والمدارس، وصناعة واقع بلا أفق.

ما يحدث ليس مجرد صدمة حرب، بل استراتيجية ممنهجة لضرب البنية النفسية والمعرفية لجيلٍ كامل.

الدراسات طويلة المدى تشير إلى أن الأطفال الذين ينشؤون في بيئات حرب مزمنة أكثر عُرضة للإصابة باضطراب ما بعد الصدمة، والاكتئاب المزمن، واضطرابات الشخصية، وصعوبات التعلّم، والتفاعل الاجتماعي.

تقرير منظمة الصحة العالمية يحذّر من أن هذه التأثيرات قد لا تظهر فورًا، بل تمتد لعقود، وقد تؤثر لاحقًا في قدرة هؤلاء الأطفال على الحب، واتخاذ القرار، وبناء مستقبل متوازن.

إعادة الإعمار الحقيقية لا تبدأ من الإسمنت، بل من الداخل من طفولة لم تُمنح فرصة أن تكون بريئة، ومن خيال لم يُخلق ليُحاكي القصف، بل ليبني الحلم.
 

طباعة شارك غزة أطفال غزة الحرب إسرائيل الاحتلال

مقالات مشابهة

  • هل وقعت مصر اتفاقية غاز جديدة مع إسرائيل؟.. البترول توضح الحقيقة (فيديو)
  • الأمن العراقي يطيح بقاتل اللواء المتقاعد وزوجته بعد 24 ساعة من الجريمة
  • الحقيقة خلف الكواليس.. ما لا يُروى عن إصلاح المصارف العراقية
  • جهاز دعم الاستقرار: لا علاقة لعناصرنا بـ«الجريمة» المرتكبة أمس ونحذّر من ترويج الإشاعات
  • أحد الضحايا هو الجاني .. مفاجأة بشأن المتسبب في انفجار الغواصة تيتان
  • يحتفظون بدليل الجريمة.. أطفال غزة في متاهة الحرب فاقدين القدرة على الحياة
  • جريمة عبثية تهز سفاجا.. شجار تافه ينتهي بمقـ.تل شاب وإحالة الجاني إلى الجنايات
  • التقرير الطبي للمغدور محمد القاسم: الجاني استهدف منطقة مميتة
  • ثاني أقل دولة سكاناً في العالم مهددة بالغرق.. وأهلها يبحثون عن تأشيرة للهروب