اتفاقية التجارة الحرة الأفريقية.. ولادة متأخرة ونمو بطيء
تاريخ النشر: 14th, August 2025 GMT
رغم انطلاق الدول الأفريقية فعليا في تحرير التبادل التجاري بينها منذ عام 2012، فإن التوصل إلى اتفاقية رسمية بهذا الشأن لم يتحقق إلا مطلع عام 2019، لتبدأ بعدها عملية انضمام الدول المعنية، وهي مسار طويل لم يكتمل إلا أخيرا، وجزئيا، إذ لم تصدق إريتريا بعد على الاتفاقية.
وقد بدأ تنفيذ بنود اتفاقية منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية مطلع عام 2021، عقب انتخاب وامكيلي ميني أول أمين عام للمنطقة في 20 فبراير/شباط 2020، واختيار مدينة أكرا، عاصمة غانا، مقرا للأمانة العامة.
تطمح الدول الأفريقية من هذه الاتفاقية إلى إنشاء سوق موحدة تضم 55 دولة، يبلغ عدد سكانها نحو 1.3 مليار نسمة، ويُقدّر ناتجها المحلي الإجمالي بنحو 3.4 تريليونات دولار أميركي.
طموحات كبيرة وتحديات واقعية
في تعليقها على الاتفاقية، وصفت صحيفة "إيكونوميست" البريطانية المشروع بأنه من أبرز مبادرات الاتحاد الأفريقي، ورأت فيه خطوة نحو تحويل القارة إلى قوة اقتصادية عالمية خلال العقود المقبلة.
لكن الصحيفة أشارت إلى أن الاستفادة من الاتفاقية لن تكون متساوية بين الدول، إذ يفتقر بعضها إلى شبكات النقل الأساسية، بينما تعاني أخرى من آثار العنف والنزاعات، ما يستدعي تعاونًا سياسيًا واسعًا، لأن التغيير لن يحدث بين عشية وضحاها.
من جهته، توقع البنك الدولي أن تسهم الاتفاقية في رفع الناتج المحلي الإجمالي للقارة بنسبة 7%، أي ما يقارب 450 مليار دولار بحلول عام 2035، بفضل خفض الرسوم الجمركية وإزالة الحواجز غير الجمركية. كما رجّح أن تساعد في انتشال نحو 30 مليون شخص من الفقر المدقع، و68 مليونًا من الفقر المتوسط.
وتشمل بنود الاتفاقية إزالة الحواجز التجارية، وتعزيز التجارة البينية، وتطوير المنتجات ذات القيمة المضافة في قطاعات الخدمات، إلى جانب إرساء سلاسل قيمة إقليمية، بما يتيح فرصًا أكبر للاستثمار وخلق الوظائف.
بعد سنوات من العمل التنظيمي والمؤسسي، صار مشروعا التساؤل عن أسباب تأخر ولادة هذا المشروع، وعن مستوى نموه، وما تحقق فعليا على الأرض، والسبل الكفيلة بدفعه نحو آفاق أرحب.
يعزو الأكاديمي الكيني الأميركي ديفيد موندا هذا التأخر إلى البيروقراطية السائدة في العديد من الدول الأفريقية، والتي تتجلى في تحفظ الحكومات تجاه الملفات السياسية الحساسة، وعلى رأسها التجارة.
ويضيف في حديثه للجزيرة نت، أن بعض الأنظمة تخشى فقدان السيطرة على الأنشطة التجارية، ما تعتبره تهديدا لبقائها في الحكم.
كما أن كثرة التكتلات الإقليمية داخل القارة، والانقسام التقليدي على أساس اللغات السائدة (الإنجليزية، الفرنسية، البرتغالية…)، كلها عوامل ساهمت في تأخير التوصل إلى الاتفاقية. ويُضاف إلى ذلك تباين التصورات بين الدول، إذ تشعر الاقتصادات الضعيفة بالقلق من المنافسة غير المتكافئة مع الدول ذات الاقتصادات الأكبر، ما يبطئ خطواتها نحو التكامل.
تقدم محدود في ظل تحديات مزمنةبعد نحو خمس سنوات من توقيع الاتفاقية، يرى موندا، أستاذ الاقتصاد السياسي بجامعة نيويورك سيتي، أن الأهداف المرجوة لم تتحقق بعد، إذ لا تزال الدول الأفريقية تمثل أقل من 3% من حجم التجارة العالمية، بينما تبقى التجارة البينية داخل القارة الأضعف مقارنة بالتكتلات الدولية الأخرى.
ويؤكد أن الأزمات السياسية تمثل عائقًا كبيرا أمام قيام سوق أفريقية حرة، إذ تعاني بعض الدول من ضعف السيطرة على الحدود، وتواجه أخرى تداعيات الحروب والإرهاب وتغير المناخ، فضلا عن هشاشة الهياكل الإدارية.
ورغم ذلك، يشير التقرير الاقتصادي لأفريقيا 2025 إلى "تقدم ملحوظ" في تطبيق الاتفاقية، تمثل في إطلاق مبادرة التجارة الموجهة في أكتوبر/تشرين الأول 2022، وتشمل حاليا 30 دولة، منها نيجيريا وجنوب أفريقيا، وتتبادل بينها مجموعة مختارة من المنتجات.
وانطلاقا من هذه التجربة، شدد تقرير الأمم المتحدة على ضرورة وجود أطر مؤسسية واضحة، ودعا الحكومات إلى إنشاء هياكل وطنية لدعم تنفيذ الاتفاقية.
كما لاحظ التقرير وجود ارتباك لدى بعض الشركات، التي اعتقدت أن الاتفاقية تعني إلغاءً فوريًا للرسوم الجمركية، ما يستدعي زيادة الوعي بقواعد التجارة.
توصيات لتعزيز التكامللتحقيق أهداف الاتفاقية، دعا التقرير إلى معالجة تحديات البنية التحتية، إذ إن سوء حالة الطرق، وعدم موثوقية إمدادات الطاقة، وضعف كفاءة الموانئ، كلها عوامل تعيق انسيابية التجارة.
وقد أقر الأمين العام للمنطقة، وامكيلي ميني، في مناسبات عدة، بأن إنشاء سوق أفريقية مشتركة يتطلب وقتا طويلا، مشيرا إلى أن العجز في البنية التحتية يُقدّر بنحو 100 مليار دولار.
كما أوصى التقرير بضرورة معالجة اختلال اللوائح التنظيمية والسياسات التجارية بين الدول، والتغلب على محدودية التجارة الرقمية، التي لا تزال غير مستغلة بالكيفية الأمثل في المعاملات البينية.
من جانبه، شدد موندا على أهمية تعزيز الآليات الاقتصادية الإقليمية في كل منطقة جغرافية، قبل الانتقال إلى خطط كبرى على المستوى القاري.
كما دعا إلى توفر الإرادة السياسية لدى القادة، ومعالجة الحواجز غير الجمركية، وتقليل البيروقراطية، وزيادة التنوع والإنتاج ذي القيمة المضافة داخل القارة، بدلًا من الاعتماد المفرط على تصدير المواد الخام.
ويرى أن هذا التنوع من شأنه أن يعزز التجارة البينية، ويوفر منتجات أكثر يمكن تداولها داخل القارة، ما يفضي في نهاية المطاف إلى تحقيق تكامل اقتصادي أعمق.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات دراسات الدول الأفریقیة داخل القارة
إقرأ أيضاً:
سلطنة عُمان تشارك في المؤتمر العالمي للمناطق الحرة بالصين
العُمانية: شاركت الهيئة العامة للمناطق الاقتصادية الخاصة والمناطق الحرة في المؤتمر العالمي الحادي عشر للمنظمة العالمية للمناطق الحرة تحت شعار "المناطق: بوابات للازدهار العالمي، والتجارة، والابتكار المستدام"، الذي عُقد في هايكو - مقاطعة هاينان بجمهورية الصين الشعبية.
وناقش المشاركون في المؤتمر مستقبل المناطق الاقتصادية والمناطق الحرة ودورها في تعزيز التجارة العالمية وتحقيق التنمية المستدامة، في ظروف استثنائية يمر بها العالم من تقلبات وتحديات في سياسات التبادل التجاري والمناخ والتحولات السريعة في تقنيات الذكاء الاصطناعي والطاقة المتجددة.
ترأس وفد الهيئة المشارك في المؤتمر معالي الشيخ الدكتور علي بن مسعود السنيدي رئيس الهيئة العامة للمناطق الاقتصادية الخاصة والمناطق الحرة، وبحضور عدد من المسؤولين من المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم والمنطقة الحرة بصحار.
وألقى معالي الشيخ الدكتور، رئيس الهيئة العامة للمناطق الاقتصادية الخاصة والمناطق الحرة، كلمة ضمن اللقاء الوزاري الاستراتيجي المصاحب للمؤتمر، أكد فيها على التحول الرقمي والتكامل الاقتصادي بين المناطق الحرة عالميًا، مشيرًا إلى أهمية توظيف التقنيات الحديثة والطاقة المتجددة في دعم نمو الصناعات النظيفة، وتعزيز سلاسل الإمداد، وسبل تسهيل انتقال المصانع ومدخلات الإنتاج بين المناطق والمدن الصناعية.
واستعرض معاليه تجربة سلطنة عُمان في تطوير المناطق الاقتصادية الخاصة والمناطق الحرة، وما تشهده من نمو في قطاعات الطاقة المتجددة والصناعات الخضراء واللوجستيات، مؤكدًا أنّ التكامل بين الموانئ والمناطق الاقتصادية يشكّل ركيزة رئيسة لتحقيق تنمية اقتصادية مستدامة، مشيرًا إلى حجم الاستثمار البالغ 54 مليار دولار أمريكي مع نهاية عام 2024م موزعًا على 15 منطقة اقتصادية وحرة ومدينة صناعية في سلطنة عُمان.
وشارك معاليه في الجلسة الحوارية الرئيسة بعنوان "مسارات الازدهار: المناطق الحرة ومستقبل التجارة"، التي ناقشت التحولات في سلاسل التوريد العالمية ودور المناطق الحرة في تعزيز الانفتاح الاقتصادي والتكامل الإقليمي، إلى جانب الجلسات المخصصة لموضوعات التحول الأخضر وتطبيق معايير الحياد الكربوني.
والتقى الوفد العُماني خلال الزيارة بعدد من ممثلي المناطق الاقتصادية والحرة في مختلف دول العالم المشاركة، بهدف تبادل الخبرات وسبل تعزيز التكامل والتعاون نحو تنشيط حركة توسع الاستثمارات والتبادل التجاري.
وعقد الوفد عدة اجتماعات مع مجموعة من الشركات المهتمة في توسيع استثماراتها في قطاع الصناعات الطبية والدوائية، والصناعات المرتبطة بالتجمعات الصناعية للطاقة الخضراء؛ إذ توفر المناطق الاقتصادية الخاصة والمناطق الحرة حوافز ومزايا جاذبة للمستثمرين.
وتخلل برنامج المشاركة زيارات ميدانية لكل من المكتب الإقليمي للتنمية الاقتصادية الدولية بمقاطعة هاينان ومنطقة جاندونج الحرة، بهدف الاطلاع على تجربة المقاطعة في المناطق الاقتصادية والتوجه العام لتحويل كافة المقاطعة إلى منطقة حرة في ديسمبر المقبل.
وشهد المؤتمر تنفيذ برنامج القيادة التنفيذية للمناطق الحرة، ركّز على مفاهيم الابتكار والقدرة التنافسية والاستدامة، إلى جانب إعادة هيكلة التجارة من خلال الحلول الرقمية وسبل تمكين التحول الذكي في إدارة المناطق الاقتصادية.
وتأتي مشاركة الهيئة العامة للمناطق الاقتصادية الخاصة والمناطق الحرة في هذا المؤتمر العالمي بعد انضمامها إلى عضوية المنظمة العالمية للمناطق الحرة، تأكيدًا على التزام سلطنة عُمان بتعزيز حضورها الدولي في المحافل الاقتصادية والاستثمارية، وتبادل الخبرات مع كبرى الهيئات والمنظمات الدولية في مجال تطوير المناطق الحرة والمستدامة، بما يسهم في جذب الاستثمارات النوعية وتنويع الاقتصاد الوطني.