هكذا يتصور نتنياهو نهاية الحرب
تاريخ النشر: 3rd, September 2025 GMT
رغم كل الاحتجاجات العالمية على استمرار حرب الإبادة ضد سكان قطاع غزة، فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي لا يبدو مكترثا بتفاعلات المجتمع الدولي مع مآسي المدنيين؛ سواء ما تعلق بالقتل الناتج عن سياسة التجويع المتعمد، أم بالاجتياح الكامل للقطاع، الذي يفضي في النهاية- وفق الخطة التي أقرها نتنياهو- إلى إعدام فرص البقاء والاستمرار في الحياة، وتحويل غزة إلى أرض محروقة بالكامل، وصولا إلى مرحلة "تهجير" السكان خارج القطاع.
هناك غموض إستراتيجي يلفّ نهاية الحرب على غزة. فبحسب مجلة الإيكونوميست، فإن إسرائيل غير قادرة على تحديد شكل واضح لهذه النهاية، وما يجري قد يكون حلقة من حلقات صراع طويل لا ينتهي بمجرد وقف إطلاق نار.
وتذهب صحيفة نيوزويك إلى أن حسم الحرب يمثل قرارا وجوديا لنتنياهو، فهو أمام خيار صعب: إما أن يقبل بوقف إطلاق النار لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من مسيرته السياسية، أو يواصل الحرب المدمرة.
الرئيس الأميركي دونالد ترامب من جهة، ونتنياهو من جهة أخرى، يواجهان ضغطا متصاعدا من المجتمع الدولي مع تزايد الدعوات لإنهاء الحرب.
فقد طالبت 28 دولة- بينها بريطانيا، وفرنسا، واليابان- بوقف العمليات فورا نظرا لما تحمله من أخطار إنسانية وقانونية دولية. وإزاء الموقف الحرج الذي تواجهه إسرائيل، والولايات المتحدة، عُقد اجتماع في البيت الأبيض يوم 27 أغسطس/آب، ووُصف رسميا بأنه "جلسة سياسة روتينية".
تشير المعلومات إلى أن الاجتماع ركز على عدة محاور حاسمة، أبرزها: الأزمة الإنسانية وتوزيع المساعدات الغذائية في غزة، قضية الرهائن المحتجزين وسبل إطلاق سراحهم، وخطة ما بعد الحرب (post-war plan) لإدارة القطاع.
وقد أكد المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف أن هناك خطة إنسانية شاملة قيد الإعداد، صُممت لتحقيق سلام طويل الأمد ضمن حل الدولتين، وأن اجتماعا كبيرا سيعقد في البيت الأبيض للتحضير لهذه الخطة.
إعلانإذن، تم تدارس خطة شاملة لتحقيق سلام طويل الأمد، ارتكزت على ثلاث أولويات: الحكم، المساعدات الإنسانية، والأمن. وتحدث ترامب عن بدائل لحكم حماس، وتوسيع توزيع المساعدات، والتعامل مع أزمة الرهائن، وضمان الأمن وإدارة مرحلة ما بعد الحرب. واعتبر ويتكوف أن الخطة "شاملة جدا" وتعكس "دوافع إنسانية" للرئيس ترامب.
أحد أبرز محاور الخطة هو البحث عن بديل لحماس في الحكم مع محاولة تجنب خيار الاحتلال الدائم. الاجتماع عُقد بإصرار أميركي لإنجاز الخطة قبل انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة، وفق ما ذكرته صحيفة وول ستريت جورنال، وذلك لتفادي التصويت المرتقب على الاعتراف بالدولة الفلسطينية.
غير أن نتنياهو، رغم تمسكه بخيار القضاء على حماس، وتهجير سكان القطاع، ينسق مع واشنطن لوضع ملامح إنهاء الحرب واليوم التالي لها، دون إشراك الجانب الفلسطيني في صياغة التفاصيل.
وهو ما وصفته صحيفة غارديان بأنه "ديناميات استعمارية مرفوضة سلفا". وقد شددت شخصيات فلسطينية على أن جهود الحكم وإعادة الإعمار يجب أن تكون بقيادة فلسطينية حقيقية، مدعومة من الدول العربية والدول الصديقة للقضية الفلسطينية.
القضية تزداد تعقيدا، لكن ما يحسب لحماس أنها تدير صراعا غير متكافئ عسكريا بذكاء وصبر، متسلحة بشعار "الصمود". ورغم ما كلفها ذلك من تدمير للقطاع وسقوط عشرات الآلاف من الضحايا بفعل الأسلحة الفتاكة وسياسة التجويع، فإنها رفضت الرضوخ لخيار التهجير.
ومع تنفيذها عمليات مفاجئة بين الحين والآخر، وضعت حماس نتنياهو في مآزق حرجة أدت إلى انقسامات داخلية إسرائيلية؛ مدنية وعسكرية، تضغط لوقف الحرب وقبول خطط إنهائها، رغم اعتراض اليمين المتطرف المطالب بـ"استعادة الردع"، وزيادة العمليات العسكرية ضد غزة. لكن مع ضغط الرأي العام الداخلي، وعدم رغبة واشنطن في إطالة أمد الحرب، يبدو أن نتنياهو سيجد نفسه مضطرا للاقتناع بوقفها.
إذن، نحن أمام مشهدين:
المشهد الأول؛ استمرار مؤقت للحرب، يكثف فيه الجيش عملياته للانتقام، في ظل غضب عوائل أسرى السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 الذين يطالبون نتنياهو بوقف القتال وإعادة أبنائهم.ويزيد الأمر تعقيدا لجوء إسرائيل إلى بروتوكول هانيبال، بما يعني قتل كل جندي يقع في الأسر. هذا إلى جانب ضغوط التظاهرات، والمعارضة التي ترى أن الحرب مكلفة وبلا نتائج واضحة، وانتقادات قيادات عسكرية- من بينهم متقاعدون- خطط نتنياهو ووصفها بالمتخبطة.
أما المشهد الثاني، فهو أطول زمنيا وقد يمتد إلى ثلاثة أشهر. ويفترض أن تضطر الحكومة الإسرائيلية إلى قبول وساطات مصر، وقطر، والولايات المتحدة.وأهم عناصر المطالب الإسرائيلية ستكون قضية الأسرى، وهي ورقة الضغط الأقوى لدى المقاومة، والتي انقسم حولها الشارع الإسرائيلي بين مؤيد لاستمرار الحرب ورافض لها. غير أن إطالة الحرب ستزيد الكلفة البشرية والاقتصادية لإسرائيل، وهو أمر لم يعد مقبولا لا داخليا ولا لدى الدول الداعمة لها، وفي مقدمتها الولايات المتحدة.
الرئيس الأميركي دونالد ترامب أعلن أنه يتوقع أن تصل الحرب في غزة إلى "نهاية حاسمة" خلال أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع بدءا من 26 أغسطس/آب 2025. وقال مبعوثه الشخصي ستيف ويتكوف إن إعادة إعمار غزة قد تستغرق ما بين 10 و15 عاما بالنظر إلى حجم الدمار الهائل.
إعلانفي المقابل، تطرح الخطة المصرية- التي أقرتها لجنة فنية مصرية فلسطينية- تصورا مختلفا: مرحلة تعافٍ أوّلي لمدة ستة أشهر لتوفير إسكان مؤقت لنحو 1.5 مليون نازح، تليها مرحلتان؛ الأولى تستمر عامين بتكلفة 20 مليار دولار، والثانية لمدة سنتين ونصف، بتكلفة 30 مليار دولار. ومع انتهاء نحو أربع سنوات، يُفترض أن تكتمل صورة الإدارة الفعلية للقطاع.
أما إسرائيل، التي تعلن مرارا رفضها الاحتلال الدائم للقطاع، فهي تشترط في الوقت نفسه ألا يكون لحماس أي دور في الحكم، وتفرض على السلطة الفلسطينية شروطا صارمة لتسليمها هذه المهمة، ما يخلق فراغا سياسيا يعرقل إنهاء الحرب فعليا، وفق موقع أكسيوس.
ومع استمرار إسرائيل في سياسة القتل والتجويع والمطالبة بالنزوح الجماعي من شمال القطاع إلى جنوبه، تقابلها عمليات نوعية متفرقة لكتائب القسام ضد الجيش الإسرائيلي.
وفي ظل هذه المعادلة، يبدو أن كل الأطراف المعنية بهذه الحرب الإبادية تسعى- كلٌّ وفق مصالحه- إلى إنهائها والانتقال إلى مرحلة إعادة الإعمار خلال الفترة المقبلة.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحنمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطبيان إمكانية الوصولخريطة الموقعتواصل معناتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتناشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتناقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
باحثة: نتنياهو مغرم بدور البلطجي وأدخل إسرائيل بمزيد من جولات الحروب
نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" مقالا للصحفية ميراف زونسزين قالت فيه، إن مسؤولا إسرائيليا لم يكشف عن هويته صرح لموقع "أكسيوس" في أعقاب الهجوم الإسرائيلي على قادة حماس في الدوحة، قطر، في 9 أيلول/ سبتمبر، بأن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو قد "أغرم بدور البلطجي الإقليمي لدرجة أنه لا يمكن لأحد توقع خطوته التالية".
وترى الكاتبة، أن إسرائيل برهنت على مدار العامين الماضيين على قدرتها الاستخباراتية الفائقة واستعدادها لضرب أي مكان في المنطقة - بما في ذلك في حالة قطر -، دولة ليست معادية، تعمل كوسيط، وهي أيضا حليفة لأكبر رعاتها، بل والأكثر من ذلك، أنها كانت مستعدة للقيام بذلك في خضم مفاوضات تهدف إلى إنهاء الحرب في غزة وإعادة الأسرى الإسرائيليين إلى ديارهم.
وتشير زونسزين، منذ هجمات حماس في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، ركزت "إسرائيل ظاهريا على إعادة إرساء أمنها في المنطقة، سواء بإعادة بناء قدرتها على ردع الخصوم وتفكيك قدراتهم العسكرية، أو بالاستعداد لخوض حرب دائمة، وهو وضع غيّر المجتمع الإسرائيلي وديناميكيات القوة في الشرق الأوسط، لقد كانت إسرائيل جريئة، لا يمكن التنبؤ بتصرفاتها، وحتى وقف إطلاق النار المقترح مؤخرا، لا يمكن إيقافها تقريبا، ففي معظم الساحات، استمرت في استخدام القوة دون الانخراط في أي دبلوماسية فعالة".
وتوضح، أن أبرز مثال على ذلك، بالطبع، هو "تدمير إسرائيل لغزة، ما جعل القطاع غير صالح للعيش إلى حد كبير، كما قصد بعض أعضاء الحكومة علنا، وتضيف، أن اقتراح دونالد ترامب الشهر الماضي لإنهاء الحرب، وهو في جوهره ليس خطة سلام، بل إنذار نهائي لحماس - لديه القدرة على وضع حد لإراقة الدماء وتدمير غزة، وإطلاق سراح الأسرى، ومنح الجميع على الأرض فرصة لبدء التعافي، لكن نجاحها يعتمد على مشاركة سياسية مطولة وضغط أمريكي مستمر على كل من إسرائيل وحماس".
"وقد تبنى نتنياهو خطة ترامب واعتبرها فوزا، ومع ذلك، فإن المكاسب الأمنية التي حققها هشة أو قابلة للنقاش، وقد تتعمق عزلتها الدولية، إن تغيير الطابع الحربي لإسرائيل ليس بالضرورة جزءا من المعادلة".
وتقول زونسزين أيضا، إنه ينبغي أن يثير كل هذا قلق الإسرائيليين، فحتى لو انتهت الحرب، ستكون هناك حاجة إلى لحظة من محاسبة الذات حول مسؤولية المجتمع الجماعي عن سنوات القتل الجماعي والتهجير، فالفلسطينيون بحاجة ماسة إلى إنهاء هذه الحرب، وأصبحت مسؤوليات عقيدة الأمن الإسرائيلية واضحة بشكل متزايد، ففي النهاية، كان الهجوم الفاشل في الدوحة - الذي ضرب قلب الخليج، حيث استفادت إسرائيل من استمرار حماية اتفاقيات إبراهيم، هو الذي جاء بنتائج عكسية، ما دفع إلى ضغوط متضافرة على نتنياهو لتلبية مطلب ترامب بإنهاء الحرب.
ولم يقتصر الهجوم الأخير لائتلاف نتنياهو على مدينة غزة على خلاف إرادة البعض في الجيش الإسرائيلي ومعظم الإسرائيليين فحسب، بل ساعد أيضا في تأجيج إجماع عالمي متزايد على أن حملة إسرائيل في غزة ترقى إلى مستوى الإبادة الجماعية.
وترى الكاتبة، أن العزلة الدبلوماسية لـ"إسرائيل"- التي ظهرت بوضوح في الأمم المتحدة الشهر الماضي - عندما اعترفت الدول الغربية الكبرى بدولة فلسطين، وخاطب نتنياهو قاعة مليئة بالمقاعد الفارغة إلى حد كبير، جعلت البلاد تبدو أكثر فأكثر وكأنها جهة فاعلة غير عقلانية وهدّامة للذات أكثر من كونها القوة المهيمنة الإقليمية التي تطمح إليها.
وتضيف، "لقد أسفرت استراتيجية إسرائيل عن بعض الانتصارات التكتيكية في غزة، أضعفت إسرائيل القوة العسكرية لحماس، ووجهت عملياتها في لبنان ضربة حاسمة لحزب الله، وساهمت عن غير قصد تقريبا، في سقوط خصم آخر، الرئيس السوري بشار الأسد".
وترى، أنه "في حين أن حرب إسرائيل التي استمرت 12 يوما في إيران لم تحقق أهداف نتنياهو في القضاء على البرنامج النووي الإيراني وإضعاف النظام بشكل كبير، فإنها قوضت قدرات إيران الهجومية والدفاعية، وربما قبل كل شيء، أظهرت أن إسرائيل والولايات المتحدة لا تخشيان الضرب في عمق البلاد، لكن في كل حالة، بدلا من البناء على مكاسبها والتوجه نحو السلام كحل عملي، ضاعفت إسرائيل جهودها في مسار الحرب - حتى عندما كان ذلك يتعارض مع مصالحها".
وكما أشار المبعوث الأمريكي توم باراك مؤخرا، فإن حزب الله ليس لديه أي حافز للتخلي عن ترسانته المتبقية عندما "تهاجم إسرائيل الجميع"، عندما دخل وقف إطلاق النار الذي تفاوضت عليه الولايات المتحدة في غزة حيز التنفيذ في بداية العام، كان بإمكان إسرائيل اغتنام الفرصة لاستعادة الرهائن وتحقيق أهدافها المتمثلة في تحسين المشهد الأمني الإقليمي، ولكن بدلا من ذلك، انتهكت وقف إطلاق النار وشرعت في التسبب في مجاعة واسعة النطاق بين الفلسطينيين في غزة.
وفي سوريا، بعد الإطاحة بالأسد، شنت إسرائيل ضربات لتعطيل القدرات العسكرية للبلاد وتدمير مواقع الأسلحة الكيميائية المشتبه بها. اتخذ الجنود الإسرائيليون مواقع داخل البلاد، ومنع الجيش الإسرائيلي الحكومة الجديدة من فرض سيطرتها على المناطق الدرزية. حتى لو كانت هذه إجراءات مؤقتة لخدمة أمن إسرائيل، فإنها لا تُفسر لماذا، وسط تقارير تفيد بأن إسرائيل وسوريا كانتا على وشك التوصل إلى اتفاق أمني، قرر وزير الدفاع إسرائيل كاتس، على ما يبدو، السخرية من خصومه بنشر صورة له إلى جانب جنود إسرائيليين في منطقة غزتها إسرائيل واحتلتها، وكتب عليها: "لن نخرج من جبل الشيخ".
وعادة، قد يفهم النصر على أنه نقطة نهاية، أو على الأقل نتيجة حاسمة لا تتطلب مزيدا من العمل. أما في إسرائيل، فقد بدا أن الفوز لا يسفر إلا عن المزيد من جولات الحرب، إسرائيل ليست منتصرة، بل مقاتلة دائمة.
وأشارت زونسزين، إلى أنه في الشهر الماضي، ألقى نتنياهو ما عرف بخطابه "السوبر إسبرطة". بمقارنته البلاد بمدينتي أثينا وإسبرطة القديمتين، أقر نتنياهو بأن إسرائيل تزداد عزلة، وأن اقتصادها وجيشها سيحتاجان إلى أن يصبحا أكثر اعتمادا على الذات. لم تكن هذه زلة لسان: فكما درّب الإسرائيليين على الحرب الدائمة، كان يعمل أيضا على تطبيع عزلة البلاد.
وتضيف، لقد أصبح من المسلمات السياسية في إسرائيل أن استراتيجية نتنياهو الوحيدة هي البقاء السياسي، وأنه سيفعل أي شيء للبقاء في السلطة؛ وأن حرب إسرائيل الدائمة كانت شكلا من أشكال جنون العظمة. لكن هذه ليست القصة كاملة.
صحيح أن غالبية الجمهور والجيش الإسرائيليين دعوا، منذ شهور، إلى اتفاق لإنهاء الحرب، لكن أيا من الإجراءات التي اتخذتها إسرائيل على مدار العامين الماضيين ما كان ممكنا لولا وجود جيش ووسائل إعلام ومجتمع راغب، بما في ذلك عشرات الآلاف من جنود الاحتياط الذين ينفذون الأوامر. ليس الأمر فقط أن العديد من الإسرائيليين لا يعارضون فكرة طرد الفلسطينيين من غزة، أو يعارضون حق تقرير المصير الفلسطيني وحل الدولتين. في جوهر الأمر، بدا أن العديد من الإسرائيليين - سواء بدافع القناعة أو الخوف أو الإذعان لأصحاب السلطة - يعتقدون أن الطريق إلى الأمن يكمن في الحفاظ على الهيمنة وسحق كل من يعترض طريقهم، لكن ترامب، على الرغم من كل ثرثرته ومصالحه الذاتية، حاول تغيير هذه المعادلة.
وحتى الإعلان عن محادثات السلام الجديدة، التي دفعت الجيش الإسرائيلي إلى القول إنه ينتقل إلى موقف دفاعي في غزة رغم استمرار الغارات الجوية، لم يؤثر أيٌّ من الضغوط الدبلوماسية أو الاقتصادية أو الثقافية المتزايدة على السياسة الإسرائيلية، ولم يُحدث تأثيرا يُذكر على الحياة اليومية للناس.
في الوقت نفسه، من المرجح أن يُخفف وقف إطلاق النار، وإن طال انتظاره، من الضغوط الدولية المتزايدة على إسرائيل لتغيير سياساتها، ليس فقط في غزة، بل تجاه الفلسطينيين عموما. وحتى الآن، حتى لو تم التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة، ستظل إسرائيل تحتل أراضي في غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية، وستحافظ على وجود عسكري في لبنان وسوريا، بالإضافة إلى مرتفعات الجولان المحتلة والتي ضمتها بالفعل، لن يعرف الإسرائيليون الأمن الحقيقي إلا عندما يشعر به الجميع من حولهم، وليس دولة واحدة فقط.