صدى البلد:
2025-12-13@16:21:20 GMT

د. هبة عيد تكتب: للعمر حسابات أخرى

تاريخ النشر: 6th, September 2025 GMT

العمر ليس أرقامًا تُسجَّل في شهادة الميلاد، ولا سنوات نُحصيها على تقويم الأيام. العمر الحقيقي هو ما يضيء القلب من لحظات صافية، وما يترك أثرًا عميقًا في الذاكرة والوجدان. 

قد تكون لحظة حب غمرت الروح بالدفء، أو ضحكة خرجت من القلب فكسرت ثِقل الحياة، أو لقاء غيّر مسار العمر وفتح أمامنا طريقًا لم نكن نراه.

الحياة تمضي، وما يبقى منها ليس الأيام المتشابهة، بل المشاهد القصيرة التي منحتها طعمًا خاصًا ومعنى مختلفًا. السعادة لا تأتي في صورة كبيرة ولا تُختزن في حدث استثنائي ننتظره، بل تكمن في تفاصيل صغيرة: في صباح مشرق هادئ، في يد تمتد لتطمئننا، في كلمة تقدير صادقة، أو نجاح مهما كان بسيطًا يؤكد أننا نسير بخطى ثابتة. إنها ليست وعدًا مؤجلاً، بل اختيار داخلي نمارسه كل يوم، وقدرة على أن نرى الجانب المضيء مهما ثقلت علينا الأعباء.

وفي زمن يزداد قسوته، يصبح أحق الناس بصناعة السعادة هم نحن لأنفسنا أولًا. فلا أحد قادر على أن يمنحنا فرحًا صادقًا إن لم نؤمن أننا نستحقه، ولا أحد يستطيع أن يرسم في قلوبنا سلامًا إن لم نُعِد ترتيب دواخلنا. ثم تأتي دائرة القرب: الأسرة التي هي الحضن الأول، والأصدقاء الحقيقيون الذين يزرعون البهجة بكلمة أو موقف، والشريك الذي يُشاطرنا الحلم والطريق. هؤلاء هم أحق الناس بأن يكونوا صانعي السعادة في حياتنا، لأن حضورهم يعيد إلينا معنى الطمأنينة ويجعل الطريق أكثر احتمالًا.

في رحلتنا، نلتقي بوجوه لا تُحصى. منهم من يمر سريعًا ويترك بصمة لا تزول، ومنهم من يبقى ليكون سندًا دائمًا، ومنهم من يجرح فيعلّمنا القوة، أو يداوي فيزرع فينا أملًا جديدًا. كل إنسان نصادفه يضيف إلى حكايتنا درسًا أو معنى، سواء كان حضوره قصيرًا أو ممتدًا.

الأشخاص الذين نحبهم يجعلون الطريق أجمل وألوانه أبهى، لكن السعادة في جوهرها تبقى مسؤوليتنا . فنحن من نقرر أن نفتح قلوبنا للفرح، بأن نرى الجمال في التفاصيل اليومية، ونصنع لأنفسنا حياة تستحق أن تُعاش بكل ما فيها من تحديات.

وحين نصل إلى آخر الطريق، لن نحسب أعمارنا بعدد السنوات التي مرّت، بل باللحظات التي جعلت لحياتنا معنى. سنستعيد في الذاكرة كيف أحببنا، وكيف ضحكنا، وكيف تركنا في قلوب الآخرين أثرًا طيبًا يذكّرهم بنا بعد الغياب. لذلك، فالعمر له حسابات أخرى؛ حسابات لا تُقاس بالزمن، بل بقدر السعادة التي عشناها، وبالأثر الطيب الذي زرعناه في قلوب من حولنا.

طباعة شارك العمر هبة عيد شهادة الميلاد العمر الحقيقي سنوات

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: العمر هبة عيد شهادة الميلاد العمر الحقيقي سنوات

إقرأ أيضاً:

فؤاد باشا سراج الدين .. الرجل الذى علم المصريين معنى الكرامة

منذ يومين مرت الذكرى الرابعة والعشرون لرحيل رجل من أعظم رجال مصر فى القرن العشرين؛ رجل لم يكن مجرد سياسي أو صاحب منصب، بل كان مدرسة كاملة فى الوطنية والعناد الشريف والإصرار على أن تبقى مصر واقفة مهما حاولت قوى الاحتلال أن تكسر إرادتها. 

أتحدث هنا عن فؤاد باشا سراج الدين، الرجل الذى ترك بصمة لا تمحى فى الوجدان المصرى، والذى رحل عن عالمنا فى التاسع من أغسطس عام 2000، لكنه لم يرحل يوما عن ذاكرة الوطن.

فى كل مرة تمر فيها ذكرى رحيله، أشعر أن مصر تعيد اكتشاف جزء من تاريخها؛ تاريخ لا يمكن فهمه دون الوقوف أمام شخصية بهذا الثقل وبهذه القدرة على الصمود. 

ولد فؤاد باشا سراج الدين سنة 1910 فى كفر الجرايدة بمحافظة كفر الشيخ، وبدأ مشواره شابا يحمل حلم الوطن فى قلبه قبل أن يحمله على كتفيه. 

تخرج فى كلية الحقوق، ودخل معترك الحياة العامة صغيرا فى السن، لكنه كبير فى العقل والبصيرة، وفى سن لم تكن تسمح لغيره سوى بأن يتدرب أو يتعلم، أصبح أصغر نائب فى تاريخ الحياة البرلمانية المصرية، ثم أصغر وزير فى حكوماتها المتعاقبة، فى زمن لم يكن الوصول فيه إلى المناصب بالأمر السهل ولا بالمجاملات.

لكن ما يجعل الرجل يستحق التوقف أمامه ليس كثرة المناصب، بل طريقة أدائه فيها، فقد كان نموذجا للمسؤول الذى يعرف معنى الدولة، ويؤمن بأن خدمة الناس شرف لا يباع ولا يشترى. 

ومن يعيش تفاصيل تاريخه يدرك أنه لم يكن مجرد جزء من الحياة السياسية، بل كان جزءا من الوعى العام للمصريين، وصوتا قويا فى مواجهة الاحتلال، وسندا لحركة الفدائيين فى القناة، وواحدا من الذين كتبوا بدموعهم وعرقهم تاريخ كفاح هذا الوطن.

ويكفى أن نذكر موقفه الأسطورى يوم 25 يناير 1952، حينما كان وزيرا للداخلية، ورفض الإنذار البريطانى الداعى لاستسلام رجال الشرطة فى الإسماعيلية. 

وقتها لم يتردد لحظة، واختار الكرامة على السلامة، والوطن على الحسابات السياسية، ذلك اليوم لم يصنع فقط ملحمة بطولية، لكنه صنع وجدانا كاملا لأجيال من المصريين، وأصبح عيدا رسميا للشرطة تخليدا لشجاعة رجال رفضوا أن ينحنوا أمام الاحتلال، وهذه الروح لم تكن لتظهر لولا وزير آمن برجاله وبمصر أكثر مما آمن بنفسه.

كما لا يمكن نسيان دوره الحاسم فى إلغاء معاهدة 1936، ودعمه لحركة الكفاح المسلح ضد الإنجليز، ولا تمويله للفدائيين بالمال والسلاح، كان يعلم أن المستقبل لا يهدى، وإنما ينتزع انتزاعا، وأن السيادة لا تستعاد بالكلام، وإنما بالمواقف.

وفى الداخل، قدم سلسلة من القوانين التى شكلت تحولا اجتماعيا حقيقيا؛ فهو صاحب قانون الكسب غير المشروع، وصاحب قوانين تنظيم هيئات الشرطة، والنقابات العمالية، والضمان الاجتماعى، وعقد العمل الفردى، وقانون إنصاف الموظفين. 

وهى تشريعات سبقت عصرها، وأثبتت أن الرجل يمتلك رؤية اجتماعية واقتصادية عميقة، وميلا دائما للعدل والمساواة، وفهما راقيا لطبيعة المجتمع المصرى.

ولم يكن خائفا من الاقتراب من الملفات الثقيلة؛ ففرض الضرائب التصاعدية على كبار ملاك الأراضى الزراعية حين كان وزيرا للمالية، وأمم البنك الأهلى الإنجليزى ليصبح بنكا مركزيا وطنيا، ونقل أرصدة الذهب إلى مصر للحفاظ على الأمن الاقتصادى للدولة، وكلها خطوات لا يقدم عليها إلا رجل يعرف معنى السيادة الحقيقية ويضع مصالح الوطن فوق كل اعتبار.

ورغم الصدامات المتتالية التى تعرض لها، والاعتقالات التى مر بها فى عهود متعددة، لم يتراجع ولم يساوم، ظل ثابتا فى المبدأ، مؤمنا بالوفد وبالحياة الحزبية، حتى أعاد إحياء حزب الوفد الجديد عام 1978، ليبقى رئيسا له حتى آخر يوم فى حياته، وقد كان ذلك الإحياء بمثابة إعادة الروح لمدرسة سياسية كاملة ترتبط بتاريخ النضال الوطنى الحديث.

إن استعادة ذكرى فؤاد باشا سراج الدين ليست مجرد استدعاء لصفحات من التاريخ، بل هى تذكير بأن مصر لم تبن بالكلام، وإنما صنعت رجالا مثل هذا الرجل، آمنوا أن الحرية حق، وأن الوطنية فعل، وأن الكرامة لا تقبل المساومة. 

وفى زمن تكثر فيه الضوضاء وتختلط فيه الأصوات، يبقى صوت أمثال فؤاد باشا أكثر وضوحا، وأكثر قوة، لأنه صوت نابع من قلب مصر، من تربتها وأهلها ووجدانها.

رحل جسد الرجل، لكن أثره باق، وتاريخه شامخ، وسيرته تذكرنا دائما بأن الوطن لا ينسى أبناءه المخلصين وأن مصر، رغم كل ما تمر به، قادرة دائما على إنجاب رجال بحجم فؤاد باشا سراج الدين.

مقالات مشابهة

  • إلهام أبو الفتح تكتب: المناظرة الكبري
  • «لِنَتَسِعْ بَعْضُنَا بَعْضًا… ونُعَلِّم قلوبنا فنّ احترام الرأي الآخر»
  • د. هبة عيد تكتب: نعيب زماننا والعيب فينا
  • حسنة ملقاة على الطريق تدخلك الجنة.. لا تستهين بها أو تضيعها
  • اللهمَّ أَعِنَّا على الصيام والصلاة.. أدعية استقبال شهر رمضان 2026
  • فؤاد باشا سراج الدين .. الرجل الذى علم المصريين معنى الكرامة
  • ما الدول التي يفضل «ترامب» استقبال المهاجرين منها؟
  • هند صبري تكشف سبب غيابها عن الساحة الفنية لمدة عامين مع "صاحبة السعادة"
  • اللهم اغسل قلوبنا بماء رحمتك.. دعاء نزول المطر | ردده الآن
  • هند صبري في ضيافة «صاحبة السعادة» بهذا الموعد