الهروب من الحرب إلى المجهول.. آلاف اليمنيين يفرّون من جحيم الحوثي.. المليشيا تُشعل أكبر مأساة إنسانية في اليمن
تاريخ النشر: 13th, October 2025 GMT
رغم مرور أكثر من عقد على انقلاب ميليشيا الحوثيين، لا تزال اليمن تشهد موجات نزوح متواصلة، حيث يجد آلاف المدنيين، مع إشراقة كل صباح، أنفسهم أمام خيارٍ قاسٍ، إما البقاء تحت وطأة الصراع وانهيار الأوضاع الأمنية، أو الهروب نحو المجهول بحثًا عن بقعة أكثر أمنًا.
وتسعى الأسر اليمنية، في خضم هذا الواقع المأساوي، إلى تأمين حياة كريمة لأطفالها، وسط أوضاع متردية لا تبشّر بمستقبل آمن، ويغدو النزوح اليومي بالنسبة لكثير من اليمنيين، ليس مجرد تحرّك جسدي، بل رحلة مستمرة نحو النجاة، تنشد الحياة وتفرّ من الموت.
وبحسب تقرير حديث صادر عن صندوق الأمم المتحدة للسكان، فقد نزح أكثر من 200 ألف يمني مؤخرًا، بفعل النزاعات المسلحة أو الأزمات المناخية، في محاولة للفرار من واقعهم القاتم، وإنقاذ أرواحهم من المخاطر المحدقة.
ويرى مراقبون وحقوقيون يمنيون أن هذه الأرقام تكشف حجم الكارثة الإنسانية المتفاقمة، وتُحمّل ميليشيا الحوثي مسؤولية مباشرة، عبر سياساتها الممنهجة التي ساهمت في تدمير بنية الدولة والمجتمع، جاعلة من انقلابها نقطة تحوّل كارثية تتعمّق آثارها عامًا بعد عام.
وفي هذا السياق، قال أيمن عطا، المسؤول الإعلامي في الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين بمحافظة مأرب، في تصريح : "لا تزال موجات النزوح مستمرة حتى يومنا هذا، في مشهد إنساني يعكس عمق المأساة التي تعيشها البلاد، واستمرار التهديدات الأمنية والمعيشية التي تدفع آلاف الأسر لترك منازلها قسرًا بحثًا عن الأمان".
وأوضح عطا أن استمرار الانتهاكات التي تمارسها ميليشيا الحوثي ضد المدنيين، يدفع السكان إلى الفرار من مناطق سيطرتها، لا سيما في الشمال، نحو مناطق أكثر أمنًا في محافظة مأرب أو في المحافظات المحررة الأخرى.
وأضاف: "إلى جانب الأوضاع الأمنية المتردية، فإن الألغام المنتشرة، وانهيار الخدمات الأساسية، وتدهور سبل العيش، كلها عوامل تجعل من خيار البقاء شبه مستحيل لكثير من الأسر".
وأشار إلى أن مناطق النزوح، رغم التحديات، توفّر للنازحين نوعًا من الأمان النسبي، مقارنة بجحيم الانتهاكات الحوثية التي لا تفرّق بين رجل وامرأة، ولا بين طفل وشيخ.
وعن دور المنظمات الإنسانية، أقرّ عطا بأن الجهود الإغاثية المبذولة لا تزال دون المستوى المطلوب، قائلًا: "هناك فجوة كبيرة بين حجم الاحتياج على الأرض، وبين ما يتوفر من تمويل أو آليات حماية، ما يجعل الوضع الإنساني هشًا ومعرّضًا للانفجار في أي لحظة".
واختتم عطا حديثه داعيًا المجتمع الدولي إلى لعب دور أكثر فاعلية، لا يقتصر فقط على تقديم المساعدات الطارئة، بل يشمل أيضًا دعم حلول دائمة ومستدامة للنزوح، تضمن الحماية وتوفّر فرصًا للعيش الكريم.
وبحسب بيانات رسمية سابقة، يتجاوز عدد النازحين اليمنيين الثلاثة ملايين شخص، يتوزعون على أكثر من 650 مخيمًا وحوالي 900 تجمّع سكني في 13 محافظة تسيطر الحكومة اليمنية عليها بشكل كلي أو جزئي.
وتهتز المنازل تحت وطأة الصراع، وتنهار الممتلكات بفعل التغيرات المناخية، التي لا تملك اليمن – الدولة محدودة الموارد – الأدوات الكافية لمواجهتها، فكيف بالأسر والأفراد الذين يعيشون على هامش الأمان؟
من جانبه، سلّط الكاتب الصحفي والباحث الحقوقي همدان العليي الضوء على جانب آخر من النزوح الداخلي، لا يرتبط فقط بالحرب، بل أيضًا بالتغيرات المناخية التي بدأت تفرض واقعًا جديدًا في البيئة اليمنية.
وقال العليي في حديثه لـ"إرم نيوز" إن "النزوح في اليمن لا يقتصر على مناطق الصراع فحسب، بل هناك آلاف الأسر تُجبر على مغادرة قراها نتيجة الكوارث الطبيعية المتكررة".
وبيّن أن الأمطار الموسمية الغزيرة والمنخفضات الجوية باتت تتسبب سنويًا في سيول جارفة، تؤدي إلى خسائر مادية كبيرة في المنازل والمزارع، وتتسبب في نفوق المواشي وتضرر الممتلكات العامة والخاصة.
كما أشار إلى أن الأمطار المتساقطة على المرتفعات الجبلية تؤدي إلى انهيارات أرضية وصخرية تهدد القرى الواقعة عند سفوح الجبال، ما يجعل سكانها عرضة لخطر دائم يُجبرهم على ترك مساكنهم والبحث عن مناطق أكثر أمانًا.
المصدر: مأرب برس
إقرأ أيضاً:
انطلاق مؤتمر الباحثين والخبراء اليمنيين في إسطنبول لصياغة حلول عملية ومستدامة للأزمة في اليمن
انطلقت اليوم في مدينة إسطنبول أعمال مؤتمر الباحثين والخبراء اليمنيين في نسخته الأولى، بمشاركة نخبة من الأكاديميين والعلماء والباحثين من داخل اليمن وخارجه، بهدف صياغة حلول عملية ومستدامة للتحديات التي تواجه اليمن، ودعم مسارات التنمية وإعادة الإعمار.
ويُنظَّم المؤتمر من قِبل مؤسسة توكل كرمان خلال الفترة من 11 إلى 12 أكتوبر الجاري، بمشاركة أكثر من 40 ورقة علمية وبحثية تغطي واقع اليمن ومستقبله، في مجالات الصحة والتنمية والتعليم والهوية والبيئة والأمن الغذائي والاقتصاد، وبحضور أكثر من 200 باحث وخبير وفاعل.
ويسعى المؤتمر إلى بلورة رؤى استراتيجية تعزّز التكامل والتواصل بين الجهود البحثية والأكاديمية، وخلق فضاء معرفي مستقل يحدّ من الاستقطاب، وتقديم مادة مرجعية موثوقة يستفيد منها صانعو القرار والمهتمون بالشأن اليمني.
وقالت الناشطة اليمنية الحائزة على جائزة نوبل للسلام توكل كرمان في كلمة الافتتاح، إن السياسة والحرب استأثرتا بالمشهد اليمني لعقدٍ كامل، فيما جرى تهميش ملفات الاقتصاد والتنمية والتعليم والصحة، مؤكدة أن “تأجيل هذه الملفات يبعد الدولة أكثر، فالدولة ليست كيانًا سياسيًا مجردًا، بل هي الخدمات”.
ودعت إلى إعادة بناء الدولة على أسس العدالة والشراكة، وإلى مصالحة حقيقية تبدأ من القرى والمدن، معتبرة أنه لا خلاص لليمن “من دون تعليم ينهض بالعقول، وصحة تحفظ كرامة الإنسان، واقتصاد منتج يكسر معادلة الجوع والولاء”.
وأكدت أن اليمن “ليس ضعيفًا ولا تابعًا لأحد”، بل يمتلك ثروات طبيعية وبشرية تؤهله ليكون من أعظم دول المنطقة، مشيرة إلى أن الإنسان اليمني هو الثروة الحقيقية التي لا تُقدَّر بثمن.
وأفادت مديرة مؤسسة توكل كرمان مسك الجنيد، أن المؤسسة مهتمة باحتياجات الإنسان وأولوياته، خاصة في مناطق الصراع والأزمات، وقالت إن خلق النموذج هو الطريقة المثلى لإيجاد حراك مجتمعي يتجاوز آثار الماضي.
ولفتت إلى أن مؤتمر الباحثين والخبراء اليمنيين نتاج عمل دؤوب من قبل فريقٍ بذل خلاصة وقته وجهده على مدار أشهر.
من جهته، قال الطبيب والكاتب مروان الغفوري، رئيس اللجنة التحضيرية للمؤتمر، إن اليمن يمر بأزمة معقّدة ووجودية بفعل التشظي الحاصل وغياب أي جهود حقيقية لوقف انهيار الدولة، في حين أن الشعب اليمني قادر على إيجاد حلول عملية وجديدة.
وأضاف أن هذا المؤتمر يذكّر اليمنيين بأن العلوم والمعارف قادرة على تقديم رؤية مغايرة عمّا يجري تداوله حاليًا حول اليمن، مشيرًا إلى تجارب دولية كثيرة كان فيها الباحثون والخبراء الأكاديميون فاعلين بشكلٍ مركزي في صناعة التغيير ببلدانهم التي عاشت ظروفًا مماثلة لليمن.
وتشمل جلسات اليوم الأول للمؤتمر محاور التعليم الأكاديمي والصحة والبنية التحتية الطبية وواقع ومستقبل الحياة السياسية، في حين تناقش جلسات اليوم الثاني المسألة الاقتصادية والطاقة والغذاء والهوية الوطنية وتحولاتها.
ويأتي المؤتمر امتدادًا لسلسلة من الفعاليات التي نظّمتها مؤسسة توكل كرمان خلال السنوات الماضية في اليمن وتركيا وأوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، من بينها: “مؤتمر أبعاد الأزمة الإنسانية وآمال السلام”، و“مؤتمر يمن ما بعد الحرب: رؤية استشرافية”، و“مؤتمر نحو سلام وديمقراطية مستدامين في اليمن”.
وتُعد مؤسسة توكل كرمان مؤسسة مجتمع مدني تأسست في 20 ديسمبر 2016، تؤمن بقيم الحرية والتضامن والسلام، وترى أن الديمقراطية وسيادة القانون والتنمية العادلة هي الوسيلة لتحقيق تغيير إيجابي ومستدام في حياة الأفراد والمجتمعات. وتتعاون المؤسسة مع شركائها المحليين والدوليين سعيًا لتحقيق هذه القيم التي تضمن حماية الحريات وحقوق الإنسان وكرامته، وإنهاء النزاعات المسلحة والتخفيف من عواقبها، وضمان السلام والاستقرار والظروف المعيشية المواتية.