هل انتصرت إسرائيل في الحرب على غزة؟!
الإسرائيليون أكثر موضوعية في تقييم الحالة من المعجبين العرب، الذين نكَد عليهم مشهد النهاية، وهذا الحضور الدولي في مدينة شرم الشيخ لمباركة الاتفاق على وقف إطلاق النار، فاندفعوا يقرّون بانتصار باهر لإسرائيل، وإعلان الهزيمة الساحقة للمقاومة، وهم يعيدون ويزيدون في ترديد هذه النغمة حتى تستقر في الوجدان!
تطالع بعض القنوات التلفزيونية، وربما بعض الكتابات، فيدهشك أن من بني جلدتنا من يرهقون أنفسهم في إثبات الهزيمة الماحقة للمقاومة الفلسطينية، ويخبطون خبطا عشوائيا هنا وهناك، حتى لا يتسرب إلى النفوس كذب سرديتهم من البداية، وهم في اليوم الأول للحرب أقرّوا بالهزيمة، وانطلقوا من هذا الإقرار للهجوم على المقاومة وتسفيهها، هم إلى العدو يومئذٍ أقرب منهم للأمة، والله أعلم بما يكتمون!
الاعتراف بالفشل:
في إسرائيل، فإن الأمر يوشك أن يكون إجماعا على أن إسرائيل لم تنتصر، ولا ينظرون هناك إلى أن هذا التدمير الشامل لقطاع غزة، وهذا الحصار الخانق لسكانه، يُعد انتصارا لجيشهم، الذي تفيد استطلاعات الرأي أن 68 في المئة من الإسرائيليين فقدوا الثقة فيه.
وها هو ألون بن دافيد يكتب في "هآرتس": "هذه ليست حربا من أجل النصر، بل محاولة لإنقاذ ما تبقّى من الردع الإسرائيلي"، بينما يصف رئيس الشاباك السابق نداف أرغمان؛ طوفان الأقصى بأنه "يوم انهيار المفهوم الأمني الإسرائيلي بالكامل". ويقول قائد المنطقة الجنوبية السابق نوف ساميا إنها "أسوأ حرب منذ يوم الغفران"، في حين كتب المحلل العسكري في صحيفة "يديعوت" أليكس فيشمان: "نحن لم ننتصر، نحن نحاول منع الانهيار الكلي". وعبر القناة 12 العبرية قال روني دانييل: "ردع؟ لقد تحطّم. مع كل قنبلة تُسقط على غزة، نحن لا ننتصر، بل نحاول فقط استعادة شعور بالسيطرة". وكتب الأكاديمي والمحلل العسكري إيال زيسر: "لا يمكن الحديث عن نصر، لقد فقدنا الحق في استخدام هذا المصطلح"!
وعلى هذا المنوال يتحدث القوم في تل أبيب، من ساسة، وكتّاب، ومحللين إسرائيليين، ولم يقل أحد بانتصار إسرائيل، لكن انتصارها يُعلَن من استوديوهات قنوات عربية، وباستخدام لغة بدائية في تقييم الحروب، وحتى في مرحلة البدائية فإن الحروب بأهدافها، وليس بإحصاء القتلى من الجانبين، على قواعد مباريات كرة القدم، وقد نُسب للمعلق الرياضي كابتن لطيف رحمه الله قوله: "الكرة أجوال"!
إن خسارة أهل غزة بهذا التدمير الكبير فادحة، لكن في المقابل، فإن الجيش الإسرائيلي وهو يفعل هذا خسر سمعته كجيش "أخلاقي"، كما خسرت إسرائيل ما كانت تبنيه من سمعة منذ إنشائها وراقت للبعض في دنيا العرب، من "إنسانية" تحولت مع هذه الحرب إلى هشيم تذروه الرياح، أو كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف!
عقدة السادية:
وإذا كان نتنياهو قد عالج عقدة السادية لديه وهو يرى هروب المدنيين حفاة عراة من قصف جيشه، كما يرى آثار سياسة تجويعهم بادية على هياكلهم، فإنه دفع من لحم الحي الإسرائيلي ما بناه الأجداد من سمعة كرستها ماكينة الدعاية فائقة الجودة، ومن هنا شهدت الجامعات والميادين في كثير من العواصم الغربية مظاهرات تندد بإسرائيل، وهي خطوة مهمة للبناء عليها، وأمر غير مسبوق، فلم تعد إسرائيل في الذهنية الغربية "حديقة التحضر" محاطة بـ"الهمجية العربية"!
انظر إلى مشهد الأسرى في الجانبين، ومن خرجوا من سجون إسرائيل حطام بشر، ومن كانوا يخضعون لعناية خاصة لدى المقاومة من الأسرى الإسرائيليين، ستقف على من انتصر في معركة "الإنسانية"، ومن أثبت انتسابه إلى قيم التحضر، هم أم حماس؟ نتنياهو أم السنوار؟!
لقد فشلت إسرائيل في تحقيق أي من أهداف الحرب، ووجدت نفسها في الأخير مضطرة لتوقيع وثيقة توقع عليها حماس في الناحية المقابلة، بجانب توقيعات شهود عليها، وجاء ترامب من أقصى الدنيا يسعى لينسب هذا الشرف لنفسه وذلك لأهميته البالغة، وكانت وثيقة بوقف إطلاق النار، بهدف الإفراج عن الأسرى، بعد فشل نتنياهو في أن يفرج عنهم بالقوة كما وعد!
ولم يكن هذا الحشد الدولي الذي جاء إلى مدينة شرم الشيخ من كل فج عميق ليشهد التوقيع على وثيقة إذعان وإعلان هزيمة، ولكن ليعترف ضمنيا بأن إسرائيل لم تنتصر، وأن المقاومة لم تُهزم، وأن ما تم توقيعه هو الأمر الكاشف لذلك وليس المُنشئ له.
إعلان فشل:
إسرائيل لم تقل إنها انتصرت، والعالم شهد إعلان نتنياهو أنه سينهي حركة حماس من الوجود، وسيعيد الأسرى بقوة السلاح، وسيقوم باحتلال غزة، بيد أن شيئا من هذا لم يحدث، وعليه فلم تدفعه الوقاحة -والحال كذلك- لإعلان الانتصار ولو من طرف واحد، لكنه انتصر في خطاب بعض العرب، الذين يصرخون عبر الشاشات، لعل بصراخهم يثبتون الانتصار!
فمن جانبنا يسأل أحدهم مستنكرا: وهل تم تحرير فلسطين بهذا الثمن المدفوع؟ وهل تم الإعلان عن أن من أهداف عملية طوفان الأقصى تحرير كامل التراب الفلسطيني؟ وهل التحرير يحدث من طلعة واحدة؟ ولماذا لم يُوَجَّه هذا السؤال لحركة فتح عندما كان الإقرار العربي بأنها "المتحدث الرسمي والوحيد باسم الشعب الفلسطيني"، والتي لم تحرر أرضا بالمقاومة أو باتفاقيات أوسلو؟ وهل حررت الانتفاضة الأولى الأرض، ولم تشارك فيها حركة المقاومة الآن؟!
إن حركات التحرير عمل دؤوب لا يحقق أهدافه بالغمر ولكن بالنقاط، لا بجولة واحدة ولكن بجولات، وإلا كان التحرير في تاريخ الشعوب "نزهة برية في ليلة مقمرة".
"لا يضركم كيدهم شيئا، إن الله بما يعملون محيط"!
x.com/selimazouz1
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه إسرائيل الحرب غزة المقاومة إسرائيل مقاومة غزة حرب مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة اقتصاد صحافة سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
خبيرة: نتنياهو يتجاهل خطة السلام .. وجود قوة دولية يردع انتهاكات إسرائيل
أكدت الدكتورة إيمان رجب، الخبيرة في الأمن الإقليمي والاستراتيجي ورئيس وحدة الدراسات الأمنية والعسكرية في مركز الأهرام، على ضرورة وجود قوة على الأرض لردع القوات الإسرائيلية في قطاع غزة ووقف الانتهاكات المستمرة منذ توقيع اتفاق وقف إطلاق النار، مشيرة إلى أن الفترة الماضية شهدت تحذيرات متكررة من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ضد الحكومة الإسرائيلية دون أي تحركات فعلية في الميدان.
انسحاب القوات الإسرائيليةوأوضحت إيمان رجب، خلال لقاءها مع الإعلامية كريمة عوض في برنامج حديث القاهرة، على شاشة "القاهرة والناس"، أن ترامب يواجه مشكلة حقيقية مع إسرائيل التي تسعى لإضعاف خطته للسلام، وأضافت أن الأوروبيين لم يعلنوا مشاركتهم في القوة الدولية "قوة السلام" بقطاع غزة، موضحة أن أي قيادة للقوة الدولية تتطلب انسحاب القوات الإسرائيلية من نقاط قطاع غزة أولًا.
وأشارت إيمان رجب، إلى أن ترامب لن يدفع دولارًا واحدًا لصالح منطقة الشرق الأوسط، معتبرة أن اغتيال القيادي رائد سعد في كتائب القسام كان متوقعًا، نظرًا لأن مبادرة ترامب للسلام تشمل تصفية الجناح العسكري لحركة حماس وإضعاف قدراتها العسكرية، متوقعة استمرار سلسلة اغتيالات لقادة حماس العسكريين خلال الفترة المقبلة، مع وجود ضغوط من الوسطاء على الجانب الفلسطيني لمنع التصعيد.
الهدف الاستراتيجي لترامبوأوضحت إيمان رجب، أن الهدف الاستراتيجي لترامب في 2026 هو تحقيق السلام في مناطق الحرب وعلى رأسها غزة، وأن الإدارة الأمريكية تسعى لتحويل الشرق الأوسط إلى منطقة استثمارية، مضيفة أن نتنياهو والاحتلال لا يلتزمان بخطة السلام الخاصة بقطاع غزة، وأن إسرائيل تحاول القيام بحملة سلبية ضد مصر رغم عدم الالتزام بالاتفاق، معتبرة أن القيادة الإسرائيلية ترى السماء المفتوحة أحد المكاسب التي حققتها من عملية 7 أكتوبر.
وتابعت: "محللون إسرائيليون يرون أن حرب 7 أكتوبر منحت إسرائيل سيطرة استراتيجية على عدد من المناطق في سوريا ولبنان، مع استمرار الهجمات ضد إيران، ما يعكس تحولات كبرى في الحسابات الاستراتيجية الإقليمية في المنطقة".