«جهاز الرقابة» مقياس التحقق وتفعيل المحاسبة
تاريخ النشر: 3rd, September 2023 GMT
ارتبط مفهوما الرقابة والمراقبة بكل مستوياتهما الخاصة والعامة بامتعاض وضيق سواء من المرسل المراقِب أو المُستقبِل المُراقَب المستهدف بالرقابة والمحاسبة، كيف لا وأصل كلمة رقابة أتى من تطويق الرقبة وإحكام وثاقها؟! لكن المفهوم الدلالي تجاوز المصطلح الأولي للمفردة في تطورها التاريخي وارتباطها المؤسسي ماليا وإداريا ليشمل متابعة ومحاسبة السياسات والإجراءات والوسائل التي يتم من خلالها التحقق من سلامة العمليات ذات الأثر المالي على الميزانية العامة، والقوائم المالية والحسابات الختامية، كما تشمل التأكد من كفاءة وفاعلية أنظمة الرقابة الداخلية، ومدى التزام المؤسسات -المشمولة بالرقابة- بالأنظمة واللوائح والأدلة والتعليمات والقرارات ذات الصلة وصولا لنتائج أفضل ومنجزات أكبر توافقا مع إنفاق مالي دون هدر واستنزاف، ومحاربة أي شبهة للفساد وسوء استغلال المال العام، لا يمكن للامتعاض والضيق حينها من الوقوف حاجزا دون بلوغ جدوى الرقابة وفاعليتها وقدرتها على التقييم والتقويم معا بما تملك من معايير، وما توظف من وسائل وآليات وصولا لأهداف وطنية كبرى لا يمكن بلوغها دون رقابة ولا يمكن تفعيلها دون محاسبة.
وإن كان للرؤى الاقتصادية الوطنية والخطط الاستراتيجية الحكومية من مؤشر يدل على فعاليتها وجدواها، أو مواتها وعدم صلاحيتها فذاك هو دور عمليات الرقابة الدورية في مراحل تنفيذ مرئياتها النظرية، وجس قدرتها على البقاء أو الفناء، واستبدالها بالأصلح والأجدى نفعا في حال ثبوت عدم جدواها أو عدم صلاحيتها لمتغيرات وتحديات الواقع والمستقبل معا.
نتلمّس في سياقنا هذا أهمية جهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة جهة حيوية فاعلةً تأكيدا على ما سبق تأسيسه من أهمية الرقابة الإدارية والمالية، وتعزيزا لخطاب حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق حفظه الله ورعاه «إننا عازمون على اتخاذ الإجراءات اللازمة لإعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة، وتحديث منظومة التشريعات والقوانين، وآليات وبرامج العمـل وإعلاء قيمه ومبادئه وتبني أحدث أساليبه وتبسيط الإجراءات وحوكمة الأداء والنزاهة والمساءلة والمحاسبة لضمان المواءمة الكاملة والانسجام التام مع متطلبات رؤيتنا وأهدافها» ولمَّا كان الفساد مُقوِّضا لأهداف التنمية الحضارية، مُهددا للأمن الاقتصادي والمجتمعي معا كان التركيز على مكافحته وتطويقه هدفا رئيسا من أهداف جهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة عبر تدابير مختلفة تعزيزا للنزاهة ومكافحة للفساد بالتعاون مع الجهات الحكومية المعنية بذات الهدف كالادعاء العام، والمركز الوطني للمعلومات المالية، وغيرها من دوائر الرقابة الداخلية، إضافة إلى استقراء وتشرّب التجارب الدولية في مجال مكافحة الفساد، كل تلك الشراكات التفاعلية أفضت إلى مشروع الخطة الوطنية لتعزيز النزاهة (2022-2030).
ومع تركيز المنظمات العالمية الساعية لمكافحة الفساد على ضرورة استقلالية أجهزة الرقابة المالية والإدارية عالميا إلا أن معيار الاستقلالية وحده لا يمكن له تحقيق أهداف الرقابة في مكافحة الفساد وآثاره المدمرة على استقرار الأمم وتنمية الدول، ولعلّ من الضرورة بمكان التعرض لمعيار الشفافية في مستويات عديدة، بداية بالرصد الدقيق للميزانيات والخطط الموضوعة، ثم متابعة التنفيذ والمساءلة والمحاسبة، كل تلك المستويات من الشفافية تعكس الرغبة الصادقة لدى الأجهزة القائمة على الرقابة في تشارك المسؤولية تماما كمشاركة النتيجة، إضافة إلى ما تقدمه تجليات الشفافية من وعي قانوني ووعي اجتماعي وثقافة مالية إدارية عامة.
لا ينبغي لأهداف جهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة أن تكون عملا منفصلا ينهض به الجهاز وحده دون دعم مؤسساتي حكومي أو وعي مجتمعي شعبي، بل ينبغي تآزر جهود الجميع أفرادا ومؤسسات سعيا لبلوغ أهداف مشروع الخطة الوطنية لتعزيز النزاهة، ولن يتأتى ذلك دون تفعيل واقعي لكل وسائل التحول الرقمي التي حرص الجهاز على تطوير آلياتها ووسائلها، كما لن يتأتى دون توافق إعلامي توعوي معزز لثقافة النزاهة، محارب لفكرة الفساد وممارساته المُقوِّضَة كلَّ مقدّرات التنمية، المستنزِفة مواردَ الوطن و طاقات مواطنيه ومقيميه على حد سواء، لا بد من اعتبار هذه المهمة مسؤولية أخلاقية عامة ينهض بها الجميع وفق إطار قانوني عام بإشراف جهاز حيوي يبتغي مصلحة الوطن عبر حياد تام دون نفعيات فردية أو محسوبيات استثنائية خاصة.
ختاما؛ نتحرّى جميعا أدوارنا المستقبلية في ممارساتنا سلوكا فرديا أو عملا وظيفيا مكافحة للفساد بكافة أشكاله، حرصا على حقوق الإنسان على هذه الأرض الطيبة، نتحرّى أمنا مجتمعيا مأمولا ونحن نرقب تقرير جهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة إجراءً تعودنّاه نتاجَ عملٍ سنويٍّ للجهاز، و مشاركةً تعكس شفافيةً نُحبها، آملين تعزيز وتوسيع صلاحيات جهاز الرقابة المالية والإدارية مستقبلا لتجاوز الدور العلاجي إلى أدوار وقائية رقابية تسعى لتفادي المخالفة ومكافحة الفساد قبل رصد مراحله النهائية، وتهدف إلى تحجيمه وتطويقه حتى قبل وقوعه، نأمل ذلك في فضاء محددات وأطر تنظيمية قانونية عامة تصلنا بأحلامنا مجتمعا واعيا ومؤسسات تكاملية فاعلة.
حصة البادية أكاديمية وشاعرة عمانية
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: لا یمکن
إقرأ أيضاً:
الرقابة المالية تُصدر حزمة تنظيمات لضبط نشاط تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر
أصدر مجلس إدارة الهيئة العامة للرقابة المالية، برئاسة الدكتور محمد فريد، 4 قرارات تنظيمية جديدة بهدف تعزيز الإطار الرقابي والتنظيمي لنشاط تمويل المشروعات متناهية الصغر وتمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة، ضمن استراتيجية الهيئة الهادفة إلى تطوير القطاع المالي غير المصرفي من كافة النواحي المختلفة بما يعود بالإيجاب على المتعاملين في الأسواق المالية غير المصرفية.
القرارات رقم 243 و244 لسنة 2025، استهدفت الجهات العاملة في نشاط التمويل متناهي الصغر (شركات – جمعيات ومؤسسات أهلية)، إذ أخضعتها لضوابط قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، بجانب إلزامها بإصدار تقارير رقابية دورية متعددة.
فيما ألزمت القرارات رقم 245 و246 لسنة 2025، الكيانات (شركات - جمعيات ومؤسسات أهلية) التي تمول المشروعات المتوسطة والصغيرة بإصدار تقارير رقابية دورية منها الشهرية والربع سنوية والسنوية.
من جانبه أكد الدكتور محمد فريد، رئيس الهيئة العامة للرقابة المالية، أن إخضاع الجهات العاملة في مجال التمويل متناهي الصغر والمتوسط والصغير لقانون مكافحة غسل الأموال سيساهم في الحد من مخاطر غسل الأموال، بما يدعم الشفافية ويضمن حماية حقوق المتعاملين ويرسخ استقرار ونمو هذا القطاع الحيوي.
وأضاف: "الهيئة لن تتوانى عن مراقبة كافة الأسواق المالية غير المصرفية لكون ذلك أحد السبل التي ستسهل تحقيق أهداف الدولة بشأن تحسن ونمو الاقتصاد الوطني.. إن تحسن ترتيب مصر في المؤشرات الدولية وعلى رأسها المؤشرات الاقتصادية والتصنيفات المالية السيادية والائتمانية ضرورة لا غنى عنها".
وأوضح رئيس الهيئة، أن التقارير الجديدة ستمنح الهيئة صورة أكثر عمقًا عن جودة المحافظ التمويلية وانتشار الخدمات، مما يعزز قدرتها على تقييم المخاطر النظامية واتخاذ الإجراءات الوقائية التي تحمي السوق.
وألزمت الهيئة كافة جهات التمويل سواء المشروعات متناهية الصغر أو المتوسطة والصغيرة، بإصدار عدة تقارير شهرية وهي تقرير الأداء الشهري، وتقرير الإصدارات الشهرية، وتقرير إحداثيات الموقع الجغرافي للمشروعات الممولة، وتقرير إحداثيات مقر الشركة الرئيسي والفروع، وتقرير معايير الملاءة المالية وتقرير معاملات الدفع الإلكتروني وتقرير عدد العاملين حسب الفئة العمرية، وبيان أعضاء مجلس الإدارة والوظائف الرئيسية وتقرير الحدود الائتمانية الممنوحة خلال الفترة، وتقرير معاملات خدمات التأمين الإجباري.
كما اشترطت الهيئة في قراراتها الـ 4 بإصدار تقارير ربع سنوية تتضمن تقرير الأداء الربع سنوي، وتقرير قاعدة بيانات التوزيع الجغرافي للعملاء، وتقرير مساهمة الشركات في مبادرة حياة كريمة، بجانب تقرير المتابعة السنوي، وآخر نصف سنوي يتضمن سجل شكاوى العملاء.
كانت الهيئة العامة للرقابة المالية قد ألغت تراخيص نحو 518 جمعية ومؤسسة أهلية من الفئة (ج) بعد ثبوت مخالفتها للضوابط القانونية والرقابية المنظمة للنشاط عقب عمليات الفحص المستمرة التي تُجريها الهيئة العامة للرقابة المالية على الجهات الخاضعة لإشرافها ضمن استراتيجيتها لرفع كفاءة الأسواق.
وأظهرت عمليات الفحص قيام تلك الجمعيات والمؤسسات الأهلية بالتقاعس التام عن ممارسة النشاط وعدم تقديمها لأي خدمات تمويلية للفئات المستهدفة، بالإضافة إلى الامتناع المستمر عن تقديم التقارير الدورية والقوائم المالية، وهو ما حال دون قدرة الهيئة على تقييم المراكز المالية ومتابعة الأداء.
وأقرت الهيئة هذه التعديلات في ضوء التحول الرقمي الذي طرأ على القطاع المالي غير المصرفي وكافة الكيانات العاملة فيه، بالإضافة إلى أن هذا التطوير التنظيمي يتسق مع رؤية مصر 2030 التي تستهدف توسيع قاعدة المستفيدين من الخدمات المالية وتحسين جودة البيانات الداعمة لاتخاذ القرار.