دول الخليج رائد مرتقب لإنتاج الهيدروجين في المستقبل.. كيف؟
تاريخ النشر: 8th, September 2023 GMT
وفرة الهيدروكربونات ومصادر الطاقة المتجددة في دول مجلس التعاون الخليجي، تجعلها في وضع جيد لتصبح رائدة على مستوى العالم في إنتاج الهيدروجين.
هكذا يتحدث تقرير "معهد الشرق الأوسط"، وترجمه "الخليج الجديد"، الذي ينقل عن البنك الدولي إشارته إلى "إمكانية أن تصبح المنطقة منتجا رائدا للهيدروجين الأخضر والأزرق".
يأتي ذلك في وقت تشير التوقعات أن تصل الإيرادات السنوية لدول مجلس التعاون الخليجي من الهيدروجين إلى 200 مليار دولار بحلول عام 2050.
وعلاوة على هذه المزايا الجيولوجية، فمن المتوقع أن الدول النفطية ستكون قادرة على الاستفادة من البنية التحتية الحالية للطاقة، والمعرفة التكنولوجية، والعلاقات التجارية الدولية أيضًا.
وتم وصف الهيدروجين كحل للطاقة في المستقبل وتقنية رائدة للتخفيف من آثار تغير المناخ.
فعلى سبيل المثال، تحدد وكالة الطاقة الدولية الهيدروجين الأخضر باعتباره أحد "الركائز الأساسية لإزالة الكربون من نظام الطاقة العالمي"، في حين وصفته منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية بأنه "وقود المستقبل".
اقرأ أيضاً
تسابق خليجي على إنتاج الهيدروجين الأخضر.. ماذا يعني؟
وبات ينظر إلى الهيدروجين، في دول الخليج، على أنه عنصر أساسي في استراتيجية تحول الطاقة ووسيلة للحفاظ على مكانة المنطقة المهيمنة في علاقات الطاقة العالمية.
وفي هذا السياق، لا يعد الهيدروجين مصدرًا أساسيًا للطاقة، بل هو وسيلة لتخزين الطاقة ونقلها.
وعلى هذا النحو، فإن ما إذا كان الهيدروجين "نظيفًا" يعتمد على مصدر الطاقة الذي دخل في إنتاجه.
ويتطلب إنتاج الهيدروجين باستخدام الطرق الحالية ما يقرب من 9 لترات من الماء النقي أو منزوع الأيونات لإنتاج كيلوغرام واحد من الهيدروجين.
وفي دول مجلس التعاون الخليجي، حيث تعتمد الدول بشكل كبير على تحلية المياه لتلبية احتياجاتها من المياه العذبة، قد يساهم إنتاج الهيدروجين في التأثيرات البيئية المرتبطة بتحلية المياه ومشتقاتها الثانوية من المياه المالحة.
وفي محاولة للاستحواذ على أسواق وأرباح الطاقة المحتملة في المستقبل، أصدرت دول مجلس التعاون الخليجي سلسلة من الإعلانات في السنوات الأخيرة فيما يتعلق باستراتيجياتها للهيدروجين الأزرق والأخضر.
اقرأ أيضاً
الهيدروجين الأخضر.. دول الخليج تبدأ الاستثمار في "وقود المستقبل"
وأطلقت هيئة كهرباء ومياه دبي، أول مشروع للهيدروجين الأخضر على نطاق صناعي في المنطقة عام 2021.
كما أوضحت الورقة البيضاء للكويت لعام 2021 بعنوان "نحو استراتيجية وطنية للهيدروجين"، كيف يمكن أن "تحتل مكانة تنافسية لنفسها في تحول الطاقة باستخدام الطاقة المنخفضة".
ومن المرجح كذلك أن يحدث هذا في المقام الأول من خلال الهيدروجين الأخضر، حيث أن الكويت حاليا مستورد صافي للغاز الطبيعي.
وفي عام 2022، أعلنت شركة قطر للطاقة عن خطط لبناء أكبر مصنع للأمونيا الزرقاء في العالم بتكلفة تزيد عن مليار دولار.
ويؤكد إطار اقتصاد الكربون الدائري في السعودية على أهمية الهيدروجين كتقنية للتحول الأخضر، حيث يتوقع المشروع الرائد في البلاد "نيوم" إنتاج 1.2 مليون طن من الهيدروجين الأخضر عندما تدخل مرافق الإنتاج الخاصة به حيز التنفيذ في عام 2026.
وأخيرا، تهدف عمان إلى إنتاج ما يصل إلى 1.2 مليون طن من الهيدروجين الأخضر، وما لا يقل عن مليون طن من الهيدروجين الأخضر سنويًا بحلول عام 2030.
اقرأ أيضاً
على بساط الهيدروجين الأخضر.. اليابان والخليج "زواج في طور التكوين"
وفي يونيو/حزيران 2023، وقعت شركة الهيدروجين العمانية "هيدروم" 3 اتفاقيات لتطوير مشاريع الهيدروجين في السلطنة بقيمة 20 مليار دولار، ومن المتوقع أن تنتج نصف مليون طن سنويًا.
وأمام ذلك، يشير التقرير إلى أن دول مجلس التعاون الخليجي تتمتع بميزة نسبية في إنتاج الهيدروجين الأزرق والأخضر.
وفي حين يمكن للهيدروجين الأزرق أن يستفيد من قطاع الهيدروكربونات في المنطقة، فإن الهيدروجين الأخضر سيعتمد على تطوير صناعات الطاقة الخضراء في الخليج.
ويبدو أن الهدف من استراتيجيات الهيدروجين لدول الخليج هو الحفاظ على الهيمنة التقنية والسياسية للكتلة على أسواق الطاقة العالمية.
كما أن الهيدروجين جذاب للغاية ليس فقط بسبب مؤهلاته الخضراء، ولكن أيضًا بسبب قدرته على عكس أنماط تصدير الطاقة العالمية السابقة والحفاظ عليها.
وبعبارة أخرى، فإن جاذبية الهيدروجين لدول الخليج، تأتي من التشابه المادي والاجتماعي والاقتصادي مع الهيدروكربونات.
اقرأ أيضاً
الهيدروجين الأخضر.. ثورة الطاقة القادمة في الخليج
وعلى الرغم من أن الهيدروجين يميل إلى تعزيز الجغرافيا السياسية التاريخية للطاقة بدلاً من تحويلها، فإن هذا لا يعني أن دبلوماسية الهيدروجين والعلاقات الثنائية لن تنتج أشكالًا جديدة من الجغرافيا السياسية للطاقة في الخليج والعالم.
وفي الواقع، يبدو أن تشابها مع الهيدروكربونات يجعلها أكثر حساسية للضغوط والتحولات الجيوسياسية.
فعلى سبيل المثال، هناك دلائل تشير إلى أن أوروبا سوف تتجه إلى الهيدروجين في دول الخليج كبديل طويل الأجل للنفط والغاز الروسي.
وأجرى مؤخرا بين الاتحاد الأوروبي ودول الخليج، مناقشات رفيعة المستوى، حول إمكانية ربط استراتيجيات الهيدروجين لدول مجلس التعاون والصفقة الخضراء للاتحاد.
وفي الوقت نفسه، ناقشت دراسة جدوى مشتركة أجرتها شركة (RINA)، وهي شركة متعددة الجنسيات مقرها في جنوة، والشركة السويدية الفنلندية (AFRY)، إمكانية نقل الهيدروجين إلى أوروبا عبر خطوط الأنابيب، بدلا من الناقلات.
وحددت الدراسة "ممرًا مستقرًا محتملًا للجمع بين العرض والطلب" يربط الخليج وشرق البحر الأبيض المتوسط وأوروبا.
اقرأ أيضاً
خلال زيارة شولتس للخليج.. شركات ألمانية توقع عقود غاز وهيدروجين
وإذا كانت علاقات الهيدروجين بين دول مجلس الخليج وأوروبا قد حفزها الحرب الروسية الأوكرانية، فإن الهيدروجين في دول مجلس التعاون يُنظر إليه في شرق آسيا على أنه وقود قد يتدفق على طول، ويدعم الروابط الاقتصادية التي أنشأتها مبادرة الحزام والطريق.
فعلى سبيل المثال، خلال عام 2022، وقعت أرامكو السعودية مذكرة تفاهم مع شركة الصين للبترول والكيماويات (سينوبيك) التي التزمت بالتعاون في سلاسل توريد الهيدروجين المتكاملة.
وفي الوقت نفسه، أجرى وزير الطاقة السعودي الأمير عبدالعزيز بن سلمان، محادثات رفيعة المستوى مع نظيره الصيني حول إمدادات الطاقة والتعاون، بما في ذلك الهيدروجين النظيف.
وبالتالي، يبدو من المرجح أن الوجهات الرئيسية للنفط السعودي والإماراتي، هي اليابان والصين وكوريا الجنوبية، ستصبح مستوردًا رئيسيًا للهيدروجين.
وتأتي جاذبية الهيدروجين بالنسبة لمنتجي الهيدروكربونات الحاليين من ميله إلى تعزيز الجغرافيا السياسية التاريخية للطاقة بدلاً من إعادة ترتيبها.
وحددت دول مجلس التعاون الهيدروجين باعتباره ناقلًا للوقود يسمح لها بالحفاظ على مكانتها المهيمنة في مشهد الطاقة العالمي.
اقرأ أيضاً
تقرير: الهيدروجين الأخضر قد يدر 200 مليار دولار عائدات للخليج في 2050
ومع ذلك، فإن هذا لا يعني أن الهيدروجين سيؤدي بالضرورة إلى أمن الطاقة العالمي، فعندما يتعلق الأمر بالطاقة، فإن الاستمرارية ليست استقرارًا.
وفي الواقع، يبدو أن تشابهها مع الهيدروكربونات، وافتقارها إلى القيود التكنولوجية والجيولوجية والجغرافية، قد يجعلها أكثر حساسية للضغوط والتحولات الجيوسياسية، سواء كان ذلك العدوان الروسي في أوروبا أو رؤية الصين لعالم متعدد الأقطاب.
ويعلق التقرير على ذلك بالقول إن "الطريقة التي تختار بها دول مجلس التعاون التعامل مع مثل هذه الديناميكيات الجيوسياسية وتقاطعاتها مع سياسات الطاقة ستلعب دورًا لا يستهان به فيما إذا كان الهيدروجين سيصبح حل الوقود العالمي الذي وعد به المدافعون عنه منذ فترة طويلة".
ويضيف: "هناك دلائل تشير إلى أن الإرادة السياسية موجودة الآن لزيادة إنتاج الهيدروجين ولعب دور مركزي في أجندة التخفيف من آثار تغير المناخ في دول مجلس التعاون الخليجي والعالم".
يشار إلى أن الإمارات وضعت مضاعفة إنتاج الهيدروجين بحلول عام 2030 على رأس جدول أعمالها عندما تستضيف مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ (كوب-28) في وقت لاحق من هذا العام.
ويختتم التقرير: "مع ذلك، فإن تحقيق الهيدروجين بشكل كامل كتكنولوجيا مخففة يتطلب سياسات بيئية تربطه بشكل حاسم بالتكنولوجيات الخضراء - طاقة الرياح، والطاقة الشمسية، وطاقة المد والجزر، واحتجاز وتخزين الكربون".
اقرأ أيضاً
الهيدروجين الأخضر.. آفاق وتحديات أمام دول الخليج في عصر تحول الطاقة
المصدر | الخليج الجديدالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: الخليج دول الخليج الهيدروجين الأخضر طاقة نظيفة دول مجلس التعاون الخلیجی فی دول مجلس التعاون الهیدروجین الأخضر إنتاج الهیدروجین الطاقة العالمی الهیدروجین فی من الهیدروجین ملیار دولار دول الخلیج اقرأ أیضا ملیون طن إلى أن
إقرأ أيضاً:
الاقتصادات العربية من التكيّف إلى صناعة المستقبل
يمرّ الاقتصاد العربي في طور دقيق من التغير تتداخل فيها الأزمات العالمية مع التحديات الإقليمية. أسواق الطاقة غير المستقرة، وحركة التجارة العالمية التي تعاني من توترات متواصلة، والمراكز الصناعية الجديدة في آسيا التي تزداد تأثيراً في الأسواق العالمية، كلها مجتمعة أصبحت تغيّر موازين الاقتصاد الدولي. في هذا المشهد المتقلب، تحتاج المنطقة العربية إلى نموذج اقتصادي قادر على الصمود والتطور، يقوم على مبادئ التنويع والإنتاج والمعرفة.
المشهد الدولي المتغيّر
من الواضح بأن الاقتصاد العالمي يشهد انتقالاً تدريجياً في مراكز النفوذ الاقتصادي. فالصين والهند أصبحتا من أبرز القوى المحركة للإنتاج والتكنولوجيا والاستثمار، بينما توسّع تكتلات مثل "بريكس" ومنظمة "شنغهاي" مجالات التعاون بين الاقتصادات الصاعدة. هذا التحول يُغيّر خريطة النمو العالمي، ويمنح الدول خيارات أوسع لبناء شراكات جديدة خارج النفوذ الغربي التقليدي.
وتقع الاقتصادات العربية في دائرة التأثر المباشر بهذه التحولات. اعتماد العديد من دول المنطقة على صادرات النفط والغاز يجعل موازناتها مرتبطة بأسعار الطاقة العالمية. أكثر من ثلثي الإيرادات الحكومية في بعض الدول الخليجية ما زالت تأتي من قطاع الطاقة، مما يجعل أي تراجع في الطلب أو تشدد في سياسات خفض الانبعاثات عاملاً مؤثرًا في الاستقرار المالي.
وتزيد الاضطرابات الجيوسياسية في مناطق العبور البحري - مثل البحر الأسود وبحر الصين الجنوبي - من كلفة النقل والتأمين، وهو ما ينعكس على حركة التجارة العالمية، خصوصًا في الدول التي تعتمد على استيراد المواد الأساسية وتصدير الطاقة عبر هذه الممرات.
ورغم هذه التحديات، يحمل التحول العالمي في مجالات عدة فرص مهمة أمام المنطقة العربية. فالتوسع على سبيل المثال في الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر يمكن أن يشكّل أساسًا لمرحلة جديدة من النمو، ويمنح الاقتصادات العربية موقع متقدم في منظومة الطاقة المستقبلية، خاصة إذا ارتبط هذا التوجه بسياسات واضحة للبحث العلمي والتصنيع المحلي.
الأوضاع الإقليمية وضعف التكامل
البيئة الاقتصادية العربية ما زالت تواجه أزمات سياسية وأمنية في عدد من الدول، مثل اليمن وسوريا وليبيا والسودان، وهي نزاعات تستنزف الموارد وتضعف ثقة المستثمرين. كما أن محدودية التعاون بين الدول العربية تقلل من فرص بناء سوق إقليمية متكاملة. فالتجارة البينية لا تشكّل سوى نحو 10% من إجمالي التجارة العربية، وهي نسبة منخفضة جداً مقارنة بالمستويات التي حققها الاتحاد الأوروبي، حيث تتجاوز التبادلات الداخلية بين دوله 60% من حجم تجارته. هذا التفاوت يوضح حجم الفجوة في التكامل الاقتصادي، ومدى ما يمكن أن يحققه التعاون العربي إذا توفرت الإرادة السياسية والإطار المؤسسي الفاعل.
في الوقت نفسه، يزداد الضغط على الأمن الغذائي والمائي. ندرة المياه، والجفاف، وتراجع المساحات الزراعية، تفرض تحديات وجودية على بعض الدول. الاعتماد الكبير على استيراد الغذاء يجعل المنطقة عرضة لتقلبات الأسعار العالمية. لذلك، فإن التعاون في مجالات الزراعة الحديثة وإدارة المياه يصبح شرطًا أساسيًا لاستمرار التنمية واستقرارها.
عناصر القوة وفرص المنافسة
رغم هذه التحديات، تمتلك المنطقة العربية مقومات قوية يمكن أن تشكل أساساً للنهوض الاقتصادي. فهي تملك أكبر احتياطي من النفط في العالم ونسبة عالية من الغاز الطبيعي، إضافة إلى موقع جغرافي يربط آسيا بأوروبا وإفريقيا ويمر عبره جزء كبير من تجارة الطاقة العالمية.
العنصر البشري يمثل ثروة أخرى مهمة، فمعظم سكان المنطقة من فئة الشباب. هذه الطاقة البشرية قادرة على دفع التنمية إذا تم الاستثمار فيها من خلال التعليم الموجه نحو المهارات والتقنيات وريادة الأعمال. بعض الدول العربية بدأت بالفعل في هذا الاتجاه، مثل الإمارات والسعودية والمغرب، التي توسعت في مجالات التكنولوجيا والطاقة النظيفة والسياحة والصناعة الحديثة، بينما لا زالت بقية الدول العربية في طور ترجمة الخطط التنموية إلى برامج إنتاج حقيقية قابلة للتنفيذ.
التحديات العميقة
معدلات البطالة في المنطقة العربية ما زالت مرتفعة، وتتجاوز في بعض الدول 30%. الفقر ينتشر في عدد من الدول، والإنفاق على البحث العلمي لا يصل إلى واحد في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. هذه الأرقام تعكس ضعف القدرة على بناء اقتصاد معرفي متنوع.
كما أن الطابع الريعي للاقتصادات العربية ما زال يقيّد النمو المستدام. الاعتماد على الموارد الطبيعية دون تطوير الصناعة والخدمات ذات القيمة المضافة يجعل الاقتصادات أكثر عرضة لتقلبات الأسعار العالمية. كما أن البيروقراطية وكثرة الإجراءات الحكومية وضعف الشفافية تعيق الاستثمار المحلي والأجنبي، وتحدّ من قدرة القطاع الخاص على التوسع والابتكار.
خطوات التحول الاقتصادي
التغيير المطلوب لا يمكن أن يتحقق بالمعالجات السطحية، بل بخطط شاملة تعيد تنظيم العلاقة بين التعليم والإنتاج، وتفتح المجال أمام الابتكار والتكامل الإقليمي. البدء بتقليل الاعتماد على النفط ضرورة أساسية من خلال تطوير الصناعات التحويلية والزراعة الحديثة والسياحة المستدامة. إدماج التكنولوجيا في إدارة المؤسسات العامة والخاصة يسهم في تقليل التكاليف وتحسين الأداء. كما أن التعاون العربي في مجالات الطاقة والغذاء والمياه والبيانات يمكن أن يخلق شبكة اقتصادية واسعة قادرة على مواجهة الأزمات الخارجية.
تنويع الشراكات مع آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية يمكن أن يمنح الاقتصادات العربية مرونة أكبر، ويتيح فرصاً جديدة في مجالات البنية التحتية والتقنيات الخضراء. أما الاستثمار في التنمية البشرية، فيبقى الأساس لأي تحول حقيقي. الخطوة الأولى تبدأ من منظومة التعليم التي ينبغي أن تتحول إلى أداة لبناء المهارات والإبداع، عبر برامج تطبيقية ترتبط مباشرة بسوق العمل ومشاريع ريادة الأعمال.
الرؤية المستقبلية
الاقتصاد العربي يواجه تحديات صعبة، لكنه يمتلك في الوقت نفسه فرصة نادرة لإعادة بناء نفسه على أسس جديدة. المرحلة المقبلة تتطلب سياسات أكثر وضوحاً واستقراراً، ومؤسسات تملك صلاحيات حقيقية لإدارة التنمية ومراقبة تنفيذها. الشفافية في إدارة الموارد والالتزام بالحوكمة هما الطريق إلى استعادة الثقة وبناء قاعدة اقتصادية قوية.
المنطقة العربية تمتلك كل ما تحتاجه لتكون شريكاً فاعلاً في الاقتصاد العالمي إذا استطاعت تحويل مواردها الطبيعية والبشرية إلى طاقة إنتاجية حقيقية. لكن ما يجب إدراكه هو أن الاقتصادات الوطنية العربية لن تتقدم بمواردها فقط، وإنما بقدرة مجتمعاتها على توجيهها بوعي وكفاءة. العالم يعيش تغيرًا سريع الإيقاع، ومن يتباطأ أو لا يواكب هذا التغيير بوعي يفقد موقعه في حركة التاريخ.
أمام الدول العربية فرصة للانتقال من مرحلة التكيّف مع الأزمات إلى مرحلة صنع السياسات التي تحدد مستقبلها. المرحلة القادمة تحتاج إلى مشروع تنموي يجعل من المعرفة والإنتاج أساس القوة الاقتصادية الجديدة في المنطقة.