لمواجهة النفوذ الصيني.. مساع أميركية لزيادة قدرات البنك الدولي على الإقراض
تاريخ النشر: 9th, September 2023 GMT
يسعى الرئيس الأميركي، جو بايدن، لتأمين الدعم الدولي لتوسيع قدرة الإقراض للبنك الدولي، حيث تتعرض واشنطن لضغوط شديدة لتمويل مكافحة تغير المناخ وتقديم بديل قابل للتطبيق لمواجهة النفوذ الاقتصادي للصين، بحسب تقرير لصحيفة "فاينانشال تايمز" اللندنية.
وقد وضع الرئيس الأميركي وكبار المسؤولين في إدارته، الجهود الرامية إلى تعزيز القوة المالية للمقرض متعدد الأطراف، على رأس جدول أعمال قمة قادة مجموعة العشرين التي بدأت أعمالها في نيودلهي.
وقال مسؤولون في البيت الأبيض، إن "الخطة الأميركية ستزيد من قدرة البنك الدولي على الإقراض للدول متوسطة ومنخفضة الدخل، بمقدار 25 مليار دولار".
ويمكن أن يرتفع هذا الرقم بشكل حاد، إلى أكثر من 100 مليار دولار، "إذا قدمت دول أخرى تعهدات مماثلة"، إذ قال مستشار الأمن القومي الأميركي، جيك سوليفان، للصحفيين هذا الأسبوع: "إننا نعمل على التأكد من أن الشركاء الآخرين يحذون حذونا".
وفي حين أن دعم الدول الأخرى – والكونغرس الأميركي – ليس مضمونًا على الإطلاق، فإن حاجة إدارة بايدن لمواجهة جهود بكين لتوسيع تحالفاتها الاقتصادية حول العالم، أصبحت أكثر إلحاحًا.
وأدت قمة البريكس الأخيرة في جنوب أفريقيا، فضلاً عن وجود تصورات في بعض البلدان بأن "أميركا تساعد أوكرانيا بشكل غير متناسب على حساب الدول المحتاجة الأخرى"، إلى وضوع مسألة تمويل التنمية في البلدان النامية، في "مرتبة أعلى" على جدول أعمال الولايات المتحدة، وفق الصحيفة.
وفي هذا الوقت، تكافح الاقتصادات الناشئة للتعامل مع ارتفاع أسعار الفائدة، وارتفاع أسعار الطاقة، والتكاليف المتزايدة المرتبطة بتغير المناخ، مما جعلهم يطالبون بالتمويل بشروط أفضل.
وأوضحت وزيرة الخزانة الأميركية، جانيت يلين، الجمعة، في نيودلهي: "أن الأمر لا يتعلق فقط بالرد على الصين. إنها مسألة معالجة التحديات العالمية طويلة الأمد".
وأضافت: "نأمل أن تنضم إلينا دول أخرى، اعتمادًا على قدرتها المالية، ويمكننا توسيع نطاق ذلك".
وأصر سوليفان على أن "خطة رفد خزائن البنك الدولي بالمزيد من الأموال ليست موجهة ضد الصين"، لكنه أكد أنه من "المهم" أن يكون لدى الدول النامية بدائل لمبادرة "الحزام والطريق" التي أطلقتها بكين، والتي قدمت قروضًا للعديد من الأقطار "بشروط غامضة".
وقال البيت الأبيض إن دولا مثل كولومبيا وبيرو والأردن والهند وإندونيسيا والمغرب ونيجيريا وكينيا وفيتنام، قد تستفيد جميعها من المزيد من الإقراض من البنك الدولي.
وقد تبنت الرئاسة الهندية لمجموعة العشرين هذه الخطة، وفي هذا الصدد قال كبير المستشارين الاقتصاديين لرئيس الوزراء الهندي، أنانثا ناجيسواران: "ما فعلته الهند هو جلب اهتمامات وأولويات الجنوب العالمي إلى طاولة الاجتماعات، ومحاولة نقلها إلى ما هو أبعد من الأساليب النمطية في معالجة القضايا الحقيقية".
وشرح أن "جزءا من مهمة الهند في مفاوضات المسار المالي، هو تعزيز بنوك التنمية متعددة الجنسيات، من خلال مواجهة القضايا الأساسية، وليس التملص منها".
ومن المقرر أن تنعكس الخطة في البيان الختامي، وفقا لمسودة اطلعت عليها صحيفة فايننشال تايمز.
وتنص الوثيقة، المقرر صدورها الأحد، على أن المجموعة "تعمل على تقديم بنوك تنمية متعددة الأطراف بشكل أفضل وأكثر فعالية مع زيادة القدرة على الإقراض".
لكن ليس من المؤكد عدد التعهدات المحددة، إن وجدت، التي ستؤمنها إدارة بايدن إلى جانب تعهداتها، سواء في مجموعة العشرين أو في الاجتماعات السنوية المقبلة للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي في المغرب الشهر المقبل.
فبالإضافة إلى ذلك، ستحتاج الولايات المتحدة إلى موافقة الكونغرس على حصتها الخاصة من التمويل الإضافي للبنك الدولي، وهو ما قد يكون من الصعب حصوله في ظل سيطرة الجمهوريين على الكونغرس.
وبالإضافة إلى الضغط من أجل المزيد من قروض البنك الدولي، طلب بايدن أيضًا من الكونغرس تعزيز "الصندوق التفضيلي" لصندوق النقد الدولي لمساعدة البلدان منخفضة الدخل، حتى يتمكن من توسيع إقراضه بمقدار 21 مليار دولار.
ومن المتوقع أيضًا أن يطلب بايدن من دول مجموعة العشرين تقديم "تخفيف حقيقي لأعباء الديون" للاقتصادات المتعثرة من الآن وحتى اجتماعات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، لكن ذلك يتطلب تعاون الصين، التي تعتبر الدولة الدائنة الثنائية الأكبر، للعديد من الدول المتعثرة.
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: البنک الدولی
إقرأ أيضاً:
قصة النفوذ اليهودي في بنما
بنما سيتي- تقع عين أي زائر إلى العاصمة بنما سيتي على اسم "جادة- شارع إسرائيل" كأحد أهم شوارع المدينة في إشارة واضحة لعلاقة الارتباط العميقة التي تجمع بين بنما وإسرائيل.
وعلى عكس أغلب دول أميركا الوسطى والجنوبية، لم تعترف الجمهورية البنمية بدولة فلسطين، ولم تشهد جامعاتها مظاهرات أو احتجاجات منددة بالعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
ورغم تقارب أعداد مسلمي ويهود بنما عند 20 ألف شخص لكل منهما، يتمتع يهود بنما بنفوذ سياسي طاغ، في حين يحظى عربها بنفوذ تجاري واقتصادي ملموس.
ودفع نفوذ يهود بنما لجعلها أحد أول دول العالم اعترافا بإسرائيل بعد احتلالها فلسطين عقب نكبة 1948.
مع إسرائيل
وفي نوفمبر/تشرين ثاني 2012، كانت بنما واحدة من 9 دول عارضت قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن قبول السلطة الفلسطينية في الأمم المتحدة كدولة مراقب غير عضو، ومؤخرا، امتنعت بنما ورفضت إدانة إسرائيل في تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة بالقرارات المتعلقة بعدوانها المستمر على غزة.
بعد اعترافها المبكر بإسرائيل، وخلال الحرب العربية الإسرائيلية الأولى عام 1948، قدَّمت بنما سفينة أسلحة لإسرائيل، وهو ما عكس علاقات خاصة بين الدولتين استمرت حتى اليوم.
ومنذ عام 1963، عرفت علاقات الدولتين تفاهمات واسعة عبر تبادل المعلومات العلمية والإنتاج الفني والمدرسين، وشكَّل التعليم حجر الزاوية بينهما، حيث درس مئات الطلاب البنميون مناهج برامج زراعية وتكنولوجية إسرائيلية.
كما تقوم إسرائيل بتدريب قوات الأمن البنمية، وعزَّزت قدراتها في مجالات تأمين قناة بنما وأمن الحدود، وأفاد ذلك التعاون الطرفين، حيث اكتسبت بنما خبرات جديدة، وثبتت إسرائيل وجودها بالمنطقة.
وتعود جذور يهود بنما إلى يهود إسبانيا والبرتغال ممن عانوا ويلات محاكم التفتيش والعنصرية ضدهم في القرون الوسطى، مما دفع بعضهم إلى الهجرة للعالم الجديد في دول الأميركيتين.
إعلانوكان الكثير من اليهود بين المستوطنين الأوروبيين الذين نزلوا بالسواحل البنمية خلال القرنين الـ17 والـ18، وأصبحوا جزءا أصيلا من نسيج المجتمع الجديد.
واتجه كثيرون منهم مبكرا للتجارة والأعمال وهو ما نما على مدار العقود الماضية، إلا أن النسبة الأكبر من يهود بنما أتت من سوريا ولبنان أوائل القرن الـ20، ثم يهود من دول أوروبا الشرقية إبان الحرب العالمية الثانية.
وجذب نمو قناة بنما والفرص التجارية الناتجة عنها العديد من رجال الأعمال اليهود، فأنشأت الجالية اليهودية مدارس ومعابد ومنظمات مدنية مما عزَّز وجودها ونفوذها في الحياة البنمية.
ويُرجع المسؤول التنفيذي بإحدى الشركات البنمية، روبين فاري، قوة النفوذ اليهودي لعلاقات بنما القوية بالولايات المتحدة تجاريا وماليا.
ويقول للجزيرة نت "رأس المال الأميركي هو عماد الحياة الاقتصادية والتجارية والبنكية في بنما، وبما أن يهود نيويورك يلعبون دورا كبيرا في وول ستريت، فمن الطبيعي أن تكون لعلاقاتهم بيهود بنما تأثير إيجابي على أوضاع هذه الجالية المؤثرة والنافذة داخل بنما".
وعكس انصهار يهود بنما في نسيجها الوطني وصول يهودييْن بنمييْن لمنصب الرئاسة في ستينيات وثمانينيات القرن الماضي، وهما ماكس ديلفالي، وابن أخيه إريك أرتورو ديلفالي.
وتحدث دبلوماسي شرق أوسطي يخدم في بنما سيتي للجزيرة نت قائلا إن "يهود بنما جزء من المجتمع، ولا يعانون أي تفرقة أو تمييز، ولا ينظر إليهم كغرباء أو مهاجرين جدد، وعكس ذلك هي الصورة النمطية المرتبطة بمسلمي بنما، فبالرغم من نجاح عرب ومسلمي بنما اقتصاديا وماليا وتجاريا، فمن الصعب اعتبارهم جزءا متسقا مع بقية أطياف المجتمع البنمي".
ويتمتع الإسلام بحضور غني وقديم في بنما، ويعود أقدم وجود مسجد للمسلمين في بنما إلى 1552 عندما وصلت مجموعة من رجال قبائل الماندينكا، الذين جاؤوا من مناطق أفريقيا، إلى ساحل المحيط الأطلسي، وأُحضروا كعبيد للعمل في مناجم الذهب.
وحديثا، جرت الموجة الأولى من هجرة المسلمين لبنما من شبه القارة الهندية، تليها جالية مسلمة عربية كبيرة في مدينة كولون، معظمها من أصل لبناني، وانضم إليها لاحقا فلسطينيون وسوريون، وبدؤوا بتشكيل مجتمع إسلامي أوائل تسعينيات القرن الماضي.
واستلزم نمو عدد السكان المسلمين إنشاء مساجد، وفي 1981 تم إنشاء المركز الثقافي الإسلامي في كولون، والذي كان بمثابة نقطة محورية للمسلمين في بنما.
وساهم الكثير من عرب بنما بنجاحها التجاري، وبرزوا في مجالات البيع بالتجزئة والجملة والتجارة، وساهمت روح المبادرة لديهم في نمو منطقة التجارة الحرة في كولون.
ويمتد تأثير المجتمع العربي والمسلم إلى الثقافة الرياضية في بنما، لا سيما في كرة القدم، ففي عام 1994، أسست مجموعة من أبناء المهاجرين العرب نادي "أرابي يونيدو" (Árabe Unido) وتعني "عربي متحد" أو (ديبورتيفو رابي يونيدو) في مدينة كولون، وأصبح النادي أحد أنجح فرق كرة القدم في بنما، وفاز ببطولات عديدة.
وتحتضن كولون عند المدخل والمخرج الشرقي لقناة بنما على المحيط الأطلسي أكبر سوق حرة بين دول أميركا الوسطى والجنوبية، ويقول سائق سيارة أجرة محلي بالمدينة للجزيرة نت إن "اليهود والمسلمين يسيطرون على هذه السوق، ولغة المال بينهما جعلتهما يشاركان الجهود للضغط على مجلس المدينة للحفاظ على مكاسب المحال التجارية والشركات التي تستفيد من وجودها في المناطق المحيطة بقناة بنما".
إعلانورغم الفقر والإهمال المنتشر بالمدينة التجارية والعاصمة الثانية لبنما، لا يمكن تجاهل الوجود الإسلامي واليهودي القوي في كولون، الذي يظهر في عدد من المساجد الإسلامية والمعابد اليهودية المنتشرة، وتمكنت الجماعتان الدينيتان من عزل نفسيهما عن الصراعات في الشرق الأوسط.
وتعد الاستثمارات المشتركة بين رجال الأعمال العرب واليهود في بنما شائعة، مما يعكس التزاما مشتركا بالازدهار الاقتصادي والتعايش السلمي وتحييد القضايا السياسة المرتبطة بهوياتهم الدينية والوطنية.
وبالرغم من الصراع المستمر منذ عقود بين إسرائيل وفلسطين، يبدو أن العلاقات الإسلامية اليهودية في بنما محصَّنة ضد سياسات الشرق الأوسط.
ويعد المسلمون واليهود أنجح مجموعتين عرقيتين تجاريتين في بنما، تتقاطع أنشطتهما التجارية بكثير من الحالات، واستقر رجال الأعمال العرب في المنطقة الحرة في كولون أواخر الستينيات لإدارة معاملاتهم التجارية.
وقال تاجر مسلم -لم يكشف هويته- للجزيرة نت "بصفتنا رجال أعمال مهتمين بالتجارة، هذه الانقسامات الطائفية بين مسلم ومسيحي ويهودي، لا تعنينا في شيء.. كلنا هنا بنميون، نعمل جميعا على نجاحنا الاقتصادي، ومن أجل الصالح العام للجمهورية البنمية".