عندما تجد نفسك أمام أزمة مرَّ عليها قرن من الزمان، وبعد قراءة تفاصيل تلك القضية وأبعادها وطريقة تناولها، تكتشف أننا ما زلنا هناك غرقى وأسرى لذات الدوامة، فتنتقل من الدهشة إلى الذهول، ثم ترتدى ثوب الخجل كلما رأيت الدوران فى فلك القبعة والطربوش لا يزال مستمراً.. وإليكم تفاصيل الأزمة من البداية.
فى 1925 أقر مجلس الأمة التركى «قانون القبعة»، وهو قانون يمنع الرجال من ارتداء الطربوش والعمامة، ويجبرهم على ارتداء «البرنيطة»، وكان السجن عقوبة المخالفين، ووصل الأمر لإعدام البعض بسبب إصرارهم على رفض ارتداء هذه القبعات.
انتقلت عدوى هذا القانون إلينا، وظهرت فى مصر أزمة كبيرة وصلت ذروتها عام 1926، وانقسم الناس حول مسألة خلع الطربوش واستبداله بالقبعة، ودخل الكتَّاب والمفكرون فى سجالات عنيفة، وأخذت القضية رغم بساطتها أبعاداً سياسية واجتماعية ودينية، ووصل المساس بالطربوش إلى المساس بالروح القومية لمصر وهويتها، ليرى البعض أن لبس القبعة فتنة وبدعة وخيانة وطنية!
وأصبحنا أمام أزمة ثلاثية بين العمامة والقبعة والطربوش، بعد النزعة القوية التى أظهرها طلبة «دار العلوم» باستبدال الجبة والقفطان والعمامة بالسترة والبنطلون والطربوش، وصرنا أمام شاشة عرض كبيرة يظهر فيها من يؤيد ومن يعارض، ومن ألبسه الخوف ثياب التردد، فيقذف الكرة بعيداً عنه، ومن يمسك العصا من المنتصف ويؤثر السلامة، ومن يقف مشاهداً ينتظر «تتر» النهاية ليتعامل معها أياً كانت والسلام!
ولكى تشعر بمدى أهمية هذه القضية حينها، خطب صاحب العزة الأستاذ هلباوى بك أمام جمعية «الرابطة الشرقية» كما وصفته جريدة «السياسة الأسبوعية»، يقول: «بالرغم مما عندى من المشاغل خصوصاً فى الوقت الذى تضاعفت فيه بالاشتراك فى المزاحمات الانتخابية، رأيت أن أتخلى وقتاً ما لأحدثكم عن رأيى فى مسألة الأزياء التى أوشكت أن تدخل فى عداد المسائل الاجتماعية الكبرى»، ثم شرح الأستاذ «هلباوى» بك فى هذا الخطاب الطويل رأيه وما يراه.
يقول الكاتب الكبير جمال بدوى فى كتابه «المصور شاهد عيان على الحياة المصرية»: «إن مجلة «الهلال» فطنت إلى أن الجدال بين أنصار الطربوش وأنصار القبعة هو فى الحقيقة جدال بين عقليتين تتنازعان أقطار الشرق العربى فى ذلك الوقت»، فقامت «الهلال» باستطلاع رأى اثنين من كبار الكتَّاب، أحدهما يدافع عن الطربوش وهو الأستاذ مصطفى صادق الرافعى، وكان رأيه أن الطربوش لم يضِق، وإنما ضاقت العقول أو ضاقت الأخلاق، وأن هذه الأمة منكوبة بالتقليد والمقلدين، أما الرأى الآخر الذى يناضل عن القبعة فكان للكاتب الدكتور محمود عزمى، وكان دفاعه فى إطار إيمانه الشديد بكل مظاهر الحياة الأوروبية، وكان أول من ارتدى القبعة بعد قرار جمعية الأطباء أن الطربوش لباس غير صحى.
بعد عرض وجهتى النظر المؤيدة والمعارضة، ننتقل إلى جمعية الرابطة الشرقية، وهى جمعية هدفها التنوير والتقارب بين الأمم الشرقية، وكان من المنتظر أن تصدر قراراً حاسماً فى هذا الجدل، لكنها آثرت التهرب من القرار حتى لا تتورط فى الانحياز إلى القبعة ضد العمة والطربوش، فتُتهم بالخروج عن الشريعة، فأحالت الموضوع إلى جمعية الأطباء..«يعنى رمت الكرة بعيداً عنها بطريقة شيك»!
المهم.. أن الجمعية الطبية اجتمعت بعد هذه الإحالة، وقالت إن الطربوش لباس غير صالح، ويجب أن يحل محله لباس آخر يقى البصر من أشعة الشمس ويقى مؤخر الرأس ضربتها، ثم واصلت وصف هذا الغطاء وكيف يكون، دون أن تشير صراحة إلى القبعة، واللافت للانتباه هنا أن جمعية الأطباء أصدرت هذا القرار وأعضاؤها يرتدون الطربوش!.. «مبدأ امسك العصاية من النص وخليك حويط».
الغريب أنه وسط قضايا كبرى مثل معركة الاستقلال ومحاربة الإنجليز فى تلك الفترة، تأخذ مسألة القبعة والطربوش هذه الأبعاد والأحجام والخلافات والاختلافات والتناحر وتبادل الاتهامات بالخيانة، والأغرب أننا بعد مرور مائة عام نفعل الشىء ذاته، فنجد أنفسنا وسط قضايا مصيرية وأحداث كبرى، نتجادل ونتناحر فى قضايا فرعية ودون الهامشية، ثم نعطيها أبعاداً وأحجاماً لا تليق بها أو بنا.
فى النهاية.. إذا أردنا الخروج من الدائرة السابقة، فعلينا أن نعرف أولاً من نحن، وأين نقف الآن، وماذا نريد، والأهم كيف نفعل ذلك كله؟!
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: القضية مجلس الأمة التركي
إقرأ أيضاً:
مناقشة سُبل تفعيل دور جمعية الزهرة التعاونية متعددة الأغراض بالحديدة
الثورة نت / أحمد كنفاني
ناقش لقاء بمديرية الزهرة في محافظة الحديدة اليوم، المواضيع المتصلة بسُبل تفعيل دور جمعية الزهرة التعاونية متعددة الاغراض لخدمة المزارعين والمجتمع المحلي.
واستعرض اللقاء، الذي ضم قائد المحور الشمالي – مسؤول التعبئة بالمربع اللواء فاضل الضياني، وقيادة المديرية، واعضاء الجمعية الزراعية، ومدراء المكاتب التنفيذية، الاحتياجات الضرورية للجمعية، والمشكلات والمعوقات التي تواجه المزارعين بالمديرية.
وفي اللقاء أكد قائد المحور الشمالي، ضرورة وضع ضوابط لتنظيم العمل بجمعية الزهرة التعاونية، لضمان تقديم الدعم للمزارعين وتعظيم الإنتاجية الزراعية بالمديرية، وتفعيل دورها في توفير الأمن الغذائي عن طريق إمداد المزارع بمستلزمات الزراعة الآمنة والمعتمدة، ومتابعته في كافة مراحل الإنتاج.
وأشار إلى أهمية التعاون والتنسيق بين كافة الجهات ذات العلاقة لجعل الجمعية نموذج تنموي فاعل على مستوى المحافظة، مؤكدًا أهمية رصد وتوثيق المتطلبات الضرورية ورفعها إلى الجهات المختصة لتوفيرها في الوقت المناسب.
معتبرا الجمعيات الزراعية قاطرة التنمية الزراعية بتهامة، والداعم للتنمية المستدامة التي تسعى الدولة للحفاظ على وتيرتها خلال السنوات المقبلة.
فيما أكد مدير المديرية عبدالرحمن الرفاعي، أن الجميع معني في ظل ما يشهده الوطن من حرب اقتصادية ممنهجة، بالعمل الجاد والتحرك لدعم مشاريع الجمعيات.
وأشار إلى أن اللقاء يأتي في سياق حرص قيادتي المحافظة والمحور الشمالي على دعم التنمية الزراعية، مشيدًا بالتفاعل المسؤول من قيادة الجمعية والمكاتب التنفيذية.
وأكد استعداد السلطة المحلية تقديم التسهيلات اللازمة لخدمة المزارعين وتحسين مستوى الأداء الخدمي والتنموي بالمديرية.
وأكد المشاركون في اللقاء، ضرورة تعزيز التنسيق والتعاون والإسهام في ترجمة أهداف وبرامج الجمعيات بما يجسد الرؤى التنموية تنفيذا لتوجيهات القيادة الثورية والمجلس السياسي الأعلى.
ولفتوا إلى ما تزخر به مديرية الزهرة من فرص ومقومات زراعية يمكن استغلالها لتحقيق نهضة تنموية شاملة.