على مر الأجيال.. كيف ساهمت الدراما العربية في تشكيل صورة المعلم؟
تاريخ النشر: 5th, October 2023 GMT
انطلاقاً من "ضمير أبلة حكمت"، وصولاً لـ "مبروك أبو العلمين"، تنوعت السينما والدراما العربية في معالجة دور المعلم وتشكيل صورته الذهنية في ذهن المشاهد، فمنها من قدّمه بالشخصية البدينة رثة الثياب، ومنها ما استعرض المعلم بدور القدوة الحسنة ومربي الأجيال.
الثياب الرثة والبدانة.. المعلم الشرقي في المخيلة العربيةيرى الناقد الفني أحمد سعد أن شكل المعلم في السينما والدراما مرّبعدة مراحل، الأولى منها، في الأفلام القديمة، والتي مجّدت المعلم، وأظهرته بصورة بهية، "بدءاً من اللباس الذي يتمثل في بدلة وطربوش، وصولاً إلى الأسلوب والقيم النبيلة المنقولة إلى المشاهد".
وواحدة من الأعمال التي رسخت دور المعلم النبيل في تقديم أخلاقيات مهنته مسلسل "ضمير أبلة حكمت"، الذي لعبته الفنانة فاتن حمامة بدور حكمت ناظرة مدرسة للبنات تحاول تحقيق حلمها بتطبيق تجربتها التربوية، على كافة مدارس الإسكندرية ولكن تقف في وجهها عقبات كثيرة داخل المدرسة وخارجها.
ويتحدث سعد لـ 24 قائلاً: "في نهاية الستينيات وبداية السبعينيات، حصل تغيّر كبير جداً في الشكل العام لشخصية المعلم على الشاشة، من خلال المسرحيات والأفلام التي تسخر من شكل ودور المعلم".
هل نقلت الدراما ثغراتها إلى أرض الواقع؟ويعبّر سعد بأسف معلقاً: "هذه المشاهد ساعدت في وجود أنماط التعامل السيئة التي نراها من قبل الطلبة مع معلميهم اليوم".
وبالإشارة إلى واحدة من أهم الأعمال المسرحية الكوميدية التي قدمت المعلم بطريقة ساخرة "مدرسة المشاغبين"، التي تتلخص أحداثها في خمسة من الطلبة المشاغبين، يجمعهم فصل واحد داخل مدرسة لا يستطيع مديرها السيطرة على شغبهم، حيث يظهرون تفوقهم عليه في عدة مواقف.
لا ينتقص سعد من "مدرسة المشاغبين"، بل يتحدث والسعادة غمرت ملامحه عن هذا العمل الذي عاش في ذهن المُشاهد، لكنه يتساءل: "هل حقاً دور عبدالله فرغلي، ساعد في ترسيخ احترام الناس للمعلم، أو السخرية منه؟"، ويجيب "بالطبع دوره أثار السخرية من المعلم".
والسبب حسبما يوضحه الناقد الفني أن "الشعوب غير المتعلمة بالكامل، عند رؤيتها مشهداً كوميدياً يمكن أن تضحك عليه فعلاً، لكنها لا تأخذ العبرة منه كنموذج".
ويضيف "رغم أنها مسرحية جماهيرية لكنها سخرت بشكل كبير من المعلم، وجرّأت الطلبة أن يتكلموا بشكل غير محترم مع المعلم، فأخذت من هيبته وانتقصت منه".
ويستعرض التجربة السينمائية لفيلم "رمضان مبروك أبو العلمين حمودة"، الذي يدور حول رمضان مبروك أبو العلمين حمودة وهو مدرس في بلد ريفي تسمى ميت بدر حلاوة، ويخشاه الجميع لأنه مثال للحزم والانضباط، رمضان تضطره الظروف لأن يعمل مدرساً في مدرسة خاصة بها أبناء كبار المسؤولين ويعلم أن جميع الطلبة في المدرسة الخاصة متعلقين بحب مطربة شهيرة، فيقرر أن يبعدهم عنها ليقع هو في حبها.
إذ يعمّق سعد الفجوة ويرى أن "المشكلة في الكوميديا العربية، أنها قائمة على السخرية، فعند تناولها شخصية ما كوميدية، تسخر منها بشكل كبير، بغض النظر عن الدور".
ويلاحظ أنه في الفترة الحالية تضاعفت أزمة احترام المعلم في الأعمال الدرامية وانعكاس هذه الأعمال الدرامية على الحياة الواقعية بات واضحاً، وبرأي الناقد الفني سعد "أصبح المعلم لا يستطيع السيطرة على الطالب، وهذا واضح في كل مكان".
ويضيف "ننطلق من السينما وصولاً للمسرح والتلفزيون، جميعهم يدفعون بعدم الاحترام، أو كسر هيبة المعلم"، ويرى أننا في الوطن العربي "نحتاج نظرة أخرى لتمجيد المعلم وإعادة هيكلة دوره في العملية الدرامية حتى يبقى لنا قدوة في المجتمع".
خاتمة:
مهما اختلفت آراء الاختصاصيين الاجتماعيين حول دور الدراما العربية في تعميق الهوة بين المعلم والطالب، إلا أنه يبقى لكل قاعدة شواذ.. فهناك الكثير من الطلاب الذين يحترمون معلميهم، وهناك دول كالإمارات مثلاً فرضت قوانين صارمة تحض على احترام المعلم وعدم الاعتداء عليه، وتلبية كافة حقوقه.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: زلزال المغرب انتخابات المجلس الوطني الاتحادي التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان سلطان النيادي مانشستر سيتي الحرب الأوكرانية عام الاستدامة
إقرأ أيضاً:
وصلة .. مدّ جسور الحوار بين الأجيال المسرحية
يواصل المهرجان القومي للمسرح المصري برئاسة الفنان محمد رياض فعالياته الثقافية والفكرية ضمن محور "وصلة"، الذي يهدف إلى مدّ جسور الحوار بين الأجيال المسرحية المختلفة، حيث استضاف الفنان عبد المنعم رياض والفنان ميدو عبد القادر في جلسة حوارية ثرية أدارها المخرج أحمد فؤاد، وامتلأت بكثير من الشهادات والتأملات في معنى المسرح، وملامح الرحلة الفنية لكل منهما.
في مستهل اللقاء، عبّر المخرج أحمد فؤاد عن سعادته بهذا المحور المهم الذي يمنح فرصة للاحتفاء بالتجارب المسرحية، قائلاً:وأشكر إدارة المهرجان على هذا المحور الذي يتيح لنا التعرف عن قرب على تجارب أثبتت جدارتها على خشبة المسرح، ومنها تجربتا عبد المنعم رياض وميدو عبد القادر، اللذان حققا فارقًا واضحًا من خلال الإصرار والشغف بالفن المسرحي."
عبد المنعم رياض: كل ليلة عرض هي إعادة اكتشاف للنفس
من جانبه، أعرب الفنان عبد المنعم رياض عن امتنانه للمهرجان وإدارته، مؤكدًا أن فكرة التواصل بين الأجيال المسرحية تمنح فرصًا ثمينة لتبادل الخبرات والتجارب.
وقال: المسرح هو بيتنا الحقيقي، وهو أبو الفنون، وتأثيره لا يتوقف عند حدود العرض، بل يمتد لسنوات، لأن كل ليلة عرض تمنح الفنان فرصة لإعادة اكتشاف نفسه."
واستعاد رياض بداياته الفنية قائلًا:
"بدأت ككل فنان حقيقي من المسرح المدرسي، وتدرجت حتى المسرح الجامعي، الذي اعتبره المرحلة المفصلية في رحلتي، ثم جاءت تجربة العمل مع الفنان محمد صبحي في استوديو الممثل، وهي تجربة ساهمت في تكويني المهني."
وأضاف: المسرح ليس مجرد مهنة بل نمط حياة، ولا يمكن لأي فنان أن يهجره، فهو الاختبار اليومي الصادق للفنان، وكل شخصية قدمتها تورطت معها نفسيًا، ومن أصعب الشخصيات التي جسدتها كانت شخصية سرحان في (أفراح القبة) وشخصية كيوبيد، إذ عشت مع كل منهما صراعًا داخليًا غنيًا ومؤثرًا."
ميدو عبد القادر: المسرح تجربة مقدسة والفنان عبد المنعم رياض متصالح مع ذاته
أما الفنان ميدو عبد القادر، فتحدث عن رحلته مع المسرح بداية من مدينة الإسماعيلية، حيث صعد أول مرة على خشبة المسرح في الصف الخامس الابتدائي بدور "الحارس"، ثم في الإذاعة المدرسية، قبل أن تتبلور تجربته بشكل احترافي خلال دراسته الجامعية.
وقال: في الجامعة كانت الانطلاقة الحقيقية، ثم التحقت بعدة ورش مسرحية، وعملت مع الثقافة الجماهيرية، وشاركت في العديد من العروض في نوادي المسرح والفرقة القومية، ثم التحقت بالمعهد العالي للفنون المسرحية، وتعلمت الإخراج والتمثيل."
وأشار عبد القادر إلى عمق العلاقة الفنية التي جمعته بالفنان عبد المنعم رياض، قائلًا:
"عملنا معًا في عروض كثيرة مثل (الزير سالم) التي حصلت فيها على جائزة أفضل ممثل أول، و(طقوس الإشارات والتحولات)، و(أفراح القبة)، وهو فنان متصالح مع ذاته، ومحب لكل من حوله، وقد تعلمت منه الكثير. المقولة الشهيرة "عدوك ابن كارك" لا تنطبق على علاقتي بعبد المنعم، فهي علاقة ود وصداقة حقيقية."
عن قدسية المسرح وهمومه
وفي وصفه لسحر المسرح، قال عبد القادر: المسرح هو الفن الحي، المكان الوحيد الذي يكشف لك حقيقتك كفنان، ويمنحك تقييمًا حيًا لحضورك وتأثيرك. لا يمكن لأي فنان أن يعرف موضعه إلا من خلال تفاعل الجمهور المباشر معه، فهو مرآة صادقة، وفرصة متكررة لإعادة تشكيل الشخصية وتطوير الأداء."
وعن التحديات التي تواجه المسرحيين، أوضح أن من أبرز المشكلات التي تعاني منها الحركة المسرحية هي إهدار الوقت في البروفات التي قد تمتد لعام أو أكثر، قائلًا:زمننا اليوم يتسم بالسرعة، ويجب إيجاد حلول عملية لتوفير الوقت خلال إعداد العرض، إضافة إلى التقدير المادي الضعيف الذي يتقاضاه الممثل المسرحي مقارنة بالسينما والتلفزيون، رغم ما يبذله من جهد مضاعف، فهذه إشكاليات تتطلب إعادة النظر فيها بشكل جاد."
المسرح يربط الأجيال.. ويعيد اكتشاف الإنسان
وقدّم اللقاء صورة مُضيئة من صور الحوار الخلاق بين الأجيال الفنية المختلفة، حيث بدا واضحًا أن المسرح لا يشيخ، بل هو مساحة دائمة لتجديد الذات، وصناعة الوعي، وإعادة تشكيل الإنسان.
في هذا الإطار، بدا الفنان عبد المنعم رياض أكثر قربًا من مفردة "البيت" حين وصف المسرح، بينما قال ميدو عبد القادر إن المسرح تجربة "مقدسة"، لا يمكن لأي ممثل أن يدّعي اكتمال أدواته من دون خوضها، وهكذا، غادر الجمهور اللقاء محمّلًا بدروس وتفاصيل من داخل الكواليس، بين فنانين جمعتهما خشبة المسرح، وفرقتهما سنوات، ولكن وحّدهما عشق أبدي لفن لا يموت.