نهاية العالم.. واللّون الأخضر ليس إلا الأسود الجديد!
تاريخ النشر: 8th, October 2023 GMT
نهاية العالم قريبة ليس لأن الله غاضب على البشر ولكن لأن البشر خربوا الطبيعة التي حبانا بها الله وقضوا على فرصهم في الحياة الآمنة. هذا كان فحوى تقرير استرالي أعده مركز أبحاث أكاديمي يسمى مركز الاختراق الوطني لاستعادة المناخ حيث حذّر من خطورة تغير المناخ وكيف أنه وصل الآن إلى نهاية اللعبة، حيث يتعين على البشرية الآن الاختيار بين اتخاذ إجراءات غير مسبوقة، أو قبول أنه "قد فات الأوان وتحمل العواقب".
إن تحرك الدول الصناعية الكبرى لم يعد رفاهية لأن مواجهة آثار التغير المناخي يتطلب إرادة حقيقية وتبنّي سياسات ناجعة وليس مجرد خطب في المؤتمرات وشعارات طنّانة. انتقدت بولا ميكليس الناشطة الفرنسية في مجال البيئة في مدونتها تحت عنوان "اللون الأخضر ليس إلا الأسود الجديد" شعار اللّون الأخضر الذي ترفعه الدول الصناعية؛ فهو مجرد دعاية للترويج لانتقال العالم إلى مرحلة جديدة من الحفاظ على البيئة. لعلّ نتائج ترتيب الدول في مؤشر أداء التكيف المناخي الذي تم الإعلان عنه في مؤتمر المناخ بشرم الشيخ العام الماضي (2030 CCPI) تؤكد أن الأسود - وليس الأخضر- أصبح اللون السائد في الكرة الأرضية.
المؤشر يوضح أن هناك ثلاث دول فقط من مجموعة العشرين لها أداء عالٍ في الحد من الانبعاثات. وحصلت اثنتا عشرة دولة على مستوى منخفض أو منخفض جدًا. وتتحمل مجموعة العشرين مسؤولية تاريخية في التخفيف من آثار تغير المناخ، حيث يصدرون نحو 80% من انبعاثات الغازات الدفيئة في العالم، لكن في المقابل مازالت "استجابتهم الجماعية تفتقر إلى الطموح والمصداقية". والعبارات الأخيرة ذكرها أمين عام الأمم المتحدة "غوتيريش" في قمة مجموعة العشرين الأخيرة بالهند، وهي عبارات رغم صدقها أقل من الحقيقة. ويظل العالم عالقا عند أنصاف التدابير التي لن تمنع الانهيار الكامل للمناخ.
لا أحد يدري إلى متى يستمر كبار المتسببين في الانبعاثات بدون إرادة حقيقية لبذل جهود إضافية لخفض الانبعاثات ودعم الاقتصادات الناشئة. سبق أن طالب "جوتيريش" زعماء مجموعة العشرين بتوفير حزمة تحفيز لتلك الاقتصادات بقيمة 500 مليار دولار على الأقل سنويا، كما دعا إلى وضع آلية فعالة لتسوية الديون وفترات إقراض أطول وأسعار فائدة أقل وبشروط أكثر عدالة للدول الفقيرة. وهذا ينطبق أيضا على المؤسسات المالية التي أصبحت سمعتها بين الشعوب الفقيرة كأداة لإفلاس الدول وليس إسعافها.
التقرير الأسترالي صادر من جهة علمية موثوق بها وهو أشبه بناقوس الخطر الذي يحذر صانعي السياسات في الدول الكبرى من فوضى عارمة ويدعوهم لتعبئة عالمية هائلة للموارد، الآن وليس غدا، لبناء نظام صناعي خالٍ من الانبعاثات. والمطلوب ألا تقل التعبئة عن الحرب العالمية الثانية. والنداء الأخير موجه الآن لـ "كوب 28" المقرر في الإمارات لعلّ قمتها المقبلة تنجح في إقناع الدول بالاستجابة لهذه الاستغاثة!
إن الكوارث الطبيعية هي أكثر الظواهر التي تذكرنا بهشاشتنا وضعفنا. كتبت الناشطة الفرنسية في مدونتها أن الإنسان يأكل ما يعادل حجم بطاقة ائتمان من البلاستيك كل أسبوع؛ هذا يعني المزيد من الأمراض المستعصية. والحقيقة هي أننا لا نعرف ما يخبئه المستقبل من كوارث وجوائح، ولا أحد يستطيع التنبؤ على وجه الدقة، ولكن ما نعرفه جيدا أننا إذا اعتمدنا أفضل أسلوب للحياة الآمنة بيئيا، يمكن تحقيق أقصى قدر من التغييرات وتحسين فرصنا في المستقبل.
منذ بداية السبعينات، حذّر مجموعة من العلماء من أنموذج العالم الغربي وكيف أنه محكوم عليه بالفشل وأصدروا تقرير "ميدوز" نسبة للعالم دينيس ميدوز، وفيه "نظريات الذروة" و"حدود النمو" التي تنبّه إلى أنه بمجرد الوصول إلى ذروة استهلاك المواد الخام، مثل النفط والفحم، لن ترتفع أسعارها فقط بل ستؤدي أيضًا إلى عواقب بيئية وخيمة، مثل العواصف والفيضانات والجفاف والمجاعات. وهذا ما حدث بالفعل حيث ازدادت الكوارث بعد تراجع الموارد البيئية، ثم تراجع الاقتصادات التي كانت من المتوقع أن تصل إلى ذروتها في عام 2020. ولحقت الأضرار نتيجة لذلك بكل من يعيش على هذه الأرض من بشر وحيوانات ونباتات وتربة وحشرات، بما في ذلك العوالق التي تعيش في قاع المحيطات وتزودنا بالأكسجين. ولم تتراجع الدول الصناعية الكبرى عن الإضرار بالنظم البيئية. بينما تكافح "أمنا الأرض" من أجل استعادة توازنها الطبيعي مرة أخرى. الغريب حقا أن الدول الغنية تتسابق لضخ استثمارات ضخمة للبحث عن احتمالية أن تكون كواكب أخرى بيئة صالحة لإيواء البشر على سطحها بينما تضنُّ بأموالها لإصلاح ما خربته في الأرض. والأكثر تضررا من هذا الخراب هم دائما السكان الموجودون في أسفل الهرم الاقتصادي ويبلغ مجموعهم أربعة مليارات شخص يعيشون في فقر مدقع.
فهل النهاية الكارثية الكئيبة هي مصيرنا المحتوم؟
الأمل يبقى موجودا، لكن لا يأتي من حقيقة أننا سنكون قادرين أم لا على الحفاظ على أنماط حياتنا الفخمة والمفرطة بأنواع الاستهلاك، بل من كوننا كائنات ذكية قادرة على مواجهة كوارث مثل تغير المناخ. إنه خيار الدول الغنية أن تبقي أعينها مغلقة وتعيش أنماط حياتها بأنانية أو أن تفتحها وتتحمل مسؤوليتها التاريخية في إصلاح ما أفسدته. قد يكون الأمر صعبا في البداية، لكنه الخطوة الأولى في رحلة الإرادة الواعية نحو بناء سياسات أفضل تليق بكوكب الأرض واتخاذ خيارات أفضل تليق بالكائنات الحية.
*صحفية متخصصة في الشؤون الدولية
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: نهاية العالم تغير المناخ
إقرأ أيضاً:
أكاذيب الكيان الصهيوني التي لا تنتهي
لم يعرف التاريخ الإنساني، وأعتقد لن يعرف حتى قيام الساعة، دولة تكذب وتتحرى الكذب في كل أقوالها وأفعالها مثل دولة الكيان الصهيوني الغاصب التي تكذب كما تتنفس، وتعيش على الكذب الذي قامت على أساسه وتحيا عليه.
الدولة التي قامت على كذبة في العام 1948، لا يمكن أن تستمر وتبقى سوى بمزيد من الأكاذيب التي تنتجها آلة الدعاية الصهيونية المدعومة بوسائل الإعلام العالمية، بشكل يومي لكي تستدر عطف العالم الغربي وتبرر احتلالها البغيض للأراضي الفلسطينية وعدوانها الدائم والهمجي على أصحاب الأرض، وعلى كل من يحاول الوقوف في وجهها وكل من يكشف أكاذيبها ويقاوم غطرستها، وجرائمها التي لا تتوقف ضد الإنسانية.
بدأت الأكاذيب الصهيونية في أواخر القرن التاسع عشر مع نشأة الحركة الصهيونية، بالترويج لأكذوبة أن «فلسطين هي أرض الميعاد التي وعد الله اليهود بالعودة لها بعد قرون من الشتات في الأرض». وكانت هذه الأكذوبة، التي تحولت إلى أسطورة لا دليل على صحتها تاريخيا، المبرر الأول الذي دفع القوى الاستعمارية القديمة، بريطانيا تحديدا، الى إصدار الوعد المشؤوم «وعد بلفور» قبل عام من نهاية الحرب العالمية الأولى بانشاء وطن لليهود في فلسطين. وكان هذا الوعد، كما يقول المؤرخون، الذي صدر عن وزير الخارجية البريطاني أرثر بلفور حجر الأساس لأكبر عملية سرقة في التاريخ، سرقة وطن كامل من أصحابه، ومنحه لمجموعة من العصابات اليهودية دون وجه حق. الوعد الذي لم يعره العالم انتباها وقت صدوره تحول إلى حق مطلق للصهاينة في السنوات التالية، ومن أكذوبة «أرض الميعاد» ووعد الوطن القومي أنتجت الصهيونية العالمية سلسلة لا تنتهي من الأكاذيب التي ما زالت مستمرة حتى اليوم، والمسؤولة، في تقديري، عما يعيشه الفلسطينيون الآن من جحيم تحت الاحتلال الصهيوني.
الكذبة الأولى الخاصة بأرض الميعاد، والتي صدقها العالم نتيجة تكرارها وبفعل التأثير التراكمي طويل المدى لوسائل الاعلام التي سيطر عليها اليهود طوال القرن العشرين، لم تكن سوى أكذوبة سياسية ذات غطاء ديني غير صحيح. إذ تم تفسير النص التوراتي بطريقة ملتوية لتخدم المشروع الصهيوني. ولم تُثبت الحفريات التي يقوم بها الصهاينة أسفل المسجد الأقصى وجود هيكل سليمان أو وجود مملكة داود وسليمان في فلسطين كما تزعم الرواية التوراتية المحرفة، بل أن بعض المؤرخين الإسرائيليين شككوا في وجود اليهود في فلسطين كأمة قبل إنشاء إسرائيل.
دعونا في هذا المقال نتتبع أبرز الأكاذيب الصهيونية التي روجت لها إسرائيل لاستمرار سياساتها العنصرية والتي لم تكن مجرد دعاية عابرة، بل جزءًا من استراتيجية تم وضعها وتهدف في النهاية الى تحقيق الحلم الصهيوني بدولة تمتد «من النيل إلى الفرات»، والترويج للسردية الصهيونية في الاعلام العالمي وحصار السردية الفلسطينية والعربية.
الأكذوبة الثانية التي تمثل امتدادا للأكذوبة الأولى والمرتبطة بها ارتباطا وثيقا، هي أن فلسطين كانت أرضا بلا شعب، وبالتالي يمكن الاستيلاء عليها واحتلالها وتهجير أهلها منها، وجعلها وطنا للشعب اليهودي الذي كان بلا أرض»، وبذلك يتم نفي الوجود العربي الفلسطيني فيها. وتم الترويج لهذه الأكذوبة في الغرب المسيحي المحافظ من خلال خطاب إعلامي يربط إقامة إسرائيل بقرب ظهور المسيح (عليه السلام). وقد نجح الإعلام الصهيوني والمتصهين في تصوير اليهود باعتبارهم عائدين إلى أرضهم، فيما تمت شيطنة الفلسطينيين والتعامل معهم باعتبارهم إرهابيين يعارضون الوعد الإلهي. وكانت هذه الأكذوبة من أخطر الأكاذيب الصهيونية لتبرير احتلال فلسطين بدعوى أنها خالية من السكان، في حين كان يعيش فيها قبل إعلان قيام إسرائيل نحو مليون وثلاثمائة ألف عربي فلسطيني من المسلمين والمسيحيين.
وتزعم الأكذوبة الصهيونية الثالثة أن الفلسطينيين غادروا أرضهم طواعية بعد هزيمة الجيوش العربية وإعلان قيام دولة إسرائيل في العام 1948. وتم استخدام هذه المزاعم للتغطية على مجازر التطهير العرقي الذي قامت به عصابات الصهاينة، وأبرزها مجازر دير ياسين، واللد، والرملة، لطرد الفلسطينيين من أراضيهم وبيوتهم.
لقد ثبت للعالم كله كذب إسرائيل في كل ما روجت له من مزاعم تخالف الحقيقة في الإعلام العالمي المتواطئ معها والمساند لها على الدوام. ومن هذه المزاعم القول بإنها «واحة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط» الذي لا يعرف الديمقراطية. ولم ينتبه العالم إلى أن الديمقراطية الإسرائيلية ترى بعين واحدة، ومخصصة لليهود فقط، ولا تشمل سكانها من الفلسطينيين الذين يعانون من تمييز وفصل عنصري في كل مجالات الحياة. وتستخدم هذه الديمقراطية الأسلحة المحرمة والإبادة الجماعية وسياسات الاغتيال والاعتقال والتعذيب كوسيلة للتعامل مع الفلسطينيين المحرومين من حقوقهم السياسية.
وشبيه بهذا الزعم القول إن «الجيش الإسرائيلي هو الجيش الأكثر أخلاقية في العالم». ومع الأسف ما زالت هذه المقولة تتردد على ألسنة العسكريين والسياسيين الصهاينة وفي بعض وسائل الاعلام الغربية، رغم الجرائم الموثقة من جانب منظمات حقوقية عالمية، والتي ارتكبها ويرتكبها هذا الجيش «عديم الأخلاق» في غزة والضفة الغربية ولبنان وسوريا وإيران، واستهدافه المدنيين من النساء والأطفال، والصحفيين والأطباء وغيرهم، واستخدامه لسلاح التجويع في غزة ومنع الإمدادات الإنسانية من الدخول الى القطاع وإتلافها عمدا، وقتل الجوعى.
ولا تتوقف آلة الكذب الصهيونية عند هذا الحد وتضيف لها الجديد من الأكاذيب كل يوم، مثل الأكذوبة المضحكة التي أصبحت مثار سخرية العالم، وهي إن «إسرائيل تواجه تهديدا وجوديا من جيرانها العرب» المحيطين بها، في الوقت الذي يعلم فيه القاصي والداني أن الكيان الغاصب هو الدولة الشرق أوسطية الوحيدة التي تمتلك ترسانة نووية قادرة على محو جميع الدول العربية، وتتمتع بتفوق عسكري يضمنه ويحافظ عليه ويعززه الشريك الأمريكي ودول غرب أوروبا، وتمنع بالقوة أي دولة في المنطقة من امتلاك الطاقة النووية حتى وإن كان للأغراض السلمية، كما فعلت مع العراق وايران. وينسي من يردد هذه الأكذوبة إن إسرائيل فرضت من خلال الولايات المتحدة التطبيع معها على العديد من الدول العربية، ليس فقط دول الجوار التي كان يمكن ان تهددها، وإنما على دول أخرى بعيدة جغرافيا عنها، وفي طريقها لفرضه على المزيد من الدول.
ويكفي أن نعلم أن غالبية الحروب التي دخلتها إسرائيل كانت حروبا استباقية، وكانت فيها المبادرة بالعدوان، وآخرها الحرب على إيران. والحقيقة أن حربها المستمرة منذ نحو عامين على غزة والتي تزعم أنها، أي الحرب، «دفاع عن النفس» ما هي إلا أكذوبة أخرى تأتي في إطار سعيها لتفريغ القطاع من سكانه وتهجيرهم خارجه بعد تدميره وحصاره المستمر منذ العام 2007 وحتى اليوم، وهو ما ينفي الأكذوبة الأكثر وقاحة التي ترددها الآن بأن «حركة حماس هي المسؤولة عن معاناة أهل غزة، وهي من تجوعهم»، مع أن العالم كله يشاهد كيف حولت القطاع إلى أطلال وإلى أكبر سجن مفتوح في العالم بشهادة الأمم المتحدة.