ابن الجزار.. أسس مدرسة طبية وجمع بين الطب والصيدلة
تاريخ النشر: 9th, October 2023 GMT
عبدالله صقر- مركز المعلومات
ابنُ الجزّار.. هو الطبيبُ أحمدُ بنُ إبراهيمَ بن أبي خالد، يُكنَّى بأبي جعفر، ويُلقَّب بابن الجزّار، وُلِد، ونشَأَ في مدينةِ القيروان لأسرة اشتهر أفرادها بالطب، وقضَى مُعظَم حياتِه فيها وتوفي فيها في سنة 369هـ.
ويُعدُّ ابن الجزار من أشهر أطباء وفلاسفة المسلمين في القرن الرابع الهجري، وكان صاحب مكانة علمية غير مسبوقة خاصة في بلاد المغرب الإسلامي.
كان من أهل الحفظ والتطلع والدراسة للطب وسائر العلوم، فامتلكَ ابنُ الجزّار مُعظمَ مُقوِّمات الطبيبِ البارعِ، والناجحِ؛ فقد كان ذكيّاً، وخلوقاً، وإنسانيّاً، يُحبُّ ما يعملُ، ويسعى دائماً، وباستمرارٍ إلى تحقيقِ الإنجازاتِ العلميّةِ، والطبّيةِ التي من شأنِها نَفعُ البشريّةِ، وتحقيقُ حياةٍ أفضلَ، كما تميّز بأنّه عالِمٌ شاملٌ، وموسوعيٌّ؛ فقد ألمّ بعلومِ الطبِّ، والتاريخِ، والصيدلةِ، وعلمِ النَّفْس
يصفه المؤرخون بأنه كان أبياً عزيز النفس، لا يتزلف لأحد من السلاطين والأمراء، ولا يمتنع عن خدمة أي مريض، غنياً كان أم فقيراً، بل إنه كان رفيقاً بالضعفاء، ويبذل المال للفقراء والمساكين ويوزع عليهم الأدوية مجاناً، إذ إنه كان من أسرة ثرية، وقيل: إنه خلّف بعد مماته أربعة وعشرين ألف دينار.
الطبيب والصيدلي
جمع ابن الجزار بين الطب والصيدلة، فقد تتلمذ ابن الجزار على يدي أبيه وعمه، وكانا طبيبين حاذقين، الأول في طب العيون والثاني في الجراحة.
كما تطوَّرت دراساتُه في الطبّ، والفلسفةِ بتأثُّرِه بالطبيبِ البغداديّ إسحاقَ بنِ عمرانَ، وقد تلقّى من هؤلاءِ الأطبّاءِ، والعلماءِ، وغيرهم قَدراً كبيراً من العلمِ، والمعرفةِ، وأرادَ أن يستزيدَ في معرفتِه؛ فقرأَ العديدَ من الترجماتِ اللاتينيّةِ في مجالِ الطبِّ، والأدويةِ المُركَّبةِ، والمُفردَة.
درس ابن الجزار الترجمات اللاتينية لكتب الطب والأدوية المفردة والمركبة، وقام بترجمتها مثل كتاب «المقالات الخمس» لبدانيوس ديوسقريدس، الذي عاش في القرن الأول الميلادي.
وكان كتابه ذا أثر كبير في الدراسات الصيدلانية والنباتية عند العرب وعند الأوروبيين في القرون الوسطي.
كما درس كتاب «المقالات الست في الأدوية المفردة» لقلاوديوس جالينوس الذي عاش في القرن الثاني الميلادي، وكان أشهر طبيب يوناني في تاريخ الطب العربي الإسلامي، وكتاب «إبدال الأدوية المفردة والأشجار والصموغ والطين» لفيثاغورث الذي عاش في القرن السادس قبل الميلاد، وكتاب «الأحجار» لأرسطوطاليس المقدوني، ومؤلفات لأبقراط.
وكذلك اطلع ابن الجزار على كتب العديد من علماء العرب والمسلمين في الطب والصيدلة وعلوم الحياة وغيرها، مثل تيادوق، وماسرجويه، ويوحنا بن ماسويه، وابن إسحاق الكندي.
نابليون بونابرت وزاد المسافر
اعتُمدَت علوم ابن الجزار في الشرق العربي، وأعجب بها كثير من ممارسي مهنة الطب حتى بلغت شهرته الأندلس والحوض الشمالي للبحر الأبيض المتوسط.
وكان طلاب الأندلس يتوافدون إلى القيروان لتحصيل الطب من عنده. ترجم له كل من صاعد الأندلسي وابن أبي أصيبعة،
أسس ابن الجزار مدرسة طبية، وتتلمذ عليه كثير من الأطباء؛ منهم الطبيب الأندلسي عمر بن حفص بن بريق الـذي عاد إلى الأندلـس حاملاً معه نسخة من كتاب ابن الجزار الشهير (زاد المسافر وقوت الحاضر).
ألَّف ابن الجزار العديد من الكتب التي شملت علوماً مختلفة، ولكنها اتجهت في المقام الأول إلى العلوم الطبية،
على أن أشهر كتب ابن الجزار كتاب (زاد المسافر وقوت الحاضر) الذي بقي هذا الكتاب من المراجع المهمَّة للباحثين وطلاب العلوم الطبية طيلة عقود من الزمن.
ففي القرن العاشر الميلادي وصلت إنجازاته الطبية الكبيرة إلى أوروبا، وكان نابليون بونابرت يحمـل معه دائماً كتاب ابن الجزار (زاد المسافر وقوت الحاضر). كما نقلت أعماله إلى جامعات ساليرنو ومونبيليه.
يتكون كتاب زاد المسافر من مجلدين؛ يحتويان على سبع مقالات، تختصُّ في معالجة أمراض الكبد، والكُلَى، وأمراض الجلد، وأعضاء التناسل، والحميات، وأذى السموم،
كما أنه تعمق في علم صناعة الأدوية؛ وتحدَّث عن تركيب عدد من الأدوية وعن كيفية استعمالها.
وقد ترجم كتاب “زاد المسافر” إلى اللاتينية واليونانية والإيطالية، ومن هذه الترجمات مخطوطات أقدمها في مكتبة الفاتيكان. وتوجد منه نسخ في مكتبة الشعب بباريس، ودرسدن بألمانيا، ورنبور بالهند، وهافانا بهولندا، وفي المغرب: وخزانة الرباط
ويعد الكتاب ذات قيمة طبية هامة؛ إذ ما تزال بعض الكليات والجامعات تستفيد منه إلى اليوم، ولقد ألَّفه ليكون ابن الجزار دليلاً طبياً للمسافر إلى البلدان البعيدة التي لا يوجد فيها طبيب.
يعكس كتاب زاد المسافر- وإن كان مجهوداً علمياً بحتاً- الجانب الإنساني لابن الجزار؛ حيث يبدو فيها واضحًا وعميقًا
فالتفكير في تصنيف كتاب يكون دليلاً للمسافر لا يخلو من مسحة أخلاقية، قدَّرَت حاجة المسافر المُلِحّة إذا مرض لدليل علاجي سريع إذا أصابه، أو أصاب أحدًا من المسافرين مرض أو جرح، أو ما يستدعي علاجًا ريثما يصلون إلى أقرب منزل أو يعثرون على طبيب أو مستشفى.
مُؤلَّفات ابن الجزّار
وضعَ ابنُ الجزّار قبلَ وفاتِه العديدَ من المُصنَّفاتِ في الطبِّ، والجغرافيا، والأدبِ، والتاريخِ، ومن أهمِّها” كتابُ زاد المُسافِر،
وكتابُ البُغيَة، وكتابُ العدّة لطول المدّة، وكتابُ قوت المُقيم،
وكتابُ التعريف بصحيح التاريخ، ورسالةٌ في الزكام، وأسبابه، وعلاجه، ورسالةٌ في أبدال الأدوية، ومُجرَّباتٌ في الطب،
وكتابُ البلغة في حفظ الصحة، ورسالةٌ في المعدة، وأوجاعها.
ومقالةٌ في الحمامات.
المصدر: صحيفة البلاد
كلمات دلالية: الحضارة الإسلامية
إقرأ أيضاً:
هل يصمد قرار ترامب بكبح أسعار الأدوية في أميركا؟
واشنطن – في ظل مؤشرات على تراجع شعبيته وتزايد الانتقادات لأدائه الاقتصادي خلال الـ100 يوم الأولى من ولايته الثانية، عاد الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى طرح ملف يلامس معاناة الأميركيين اليومية: تكاليف الأدوية والرعاية الصحية.
ورغم أن المحاولة السابقة خلال ولايته الأولى تعثّرت بسبب تحديات قانونية وأُلغيت لاحقًا، وقّع ترامب يوم الاثنين أمرًا تنفيذيًا يقضي بتحديد أسعار الأدوية في الولايات المتحدة استنادًا إلى أسعارها في الدول الأخرى. وقال في مؤتمر صحفي "الأميركيون يدفعون أحيانًا ما بين 5 إلى 10 أضعاف ما تدفعه دول أخرى لنفس الأدوية، المصنعة في نفس المصانع"، متعهدًا بتصحيح هذا الوضع الذي وصفه بـ"غير المقبول".
وقد تباينت ردود الأفعال بين من رحّب بهذه الخطوة، باعتبارها استجابة طال انتظارها للحد من "جشع" شركات الأدوية، وبين من رأى فيها توجّهًا تنفيذيًا يفتقر إلى أدوات قانونية فاعلة. كما أعربت منظمات وشركات أدوية عن قلقها من أن تؤدي هذه الإجراءات إلى اضطراب السوق أو التأثير سلبًا على مساحة البحث والابتكار في الصناعات الدوائية.
آمال المرضىينفق الأميركيون سنويًا على الأدوية الموصوفة أكثر من أي شعب آخر في العالم. إذ يتجاوز متوسط إنفاق الفرد في الولايات المتحدة 1564 دولارًا سنويًا، وفق بيانات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وهو المعدل الأعلى بين جميع دول المنظمة.
وتأمل "ليلى"، وهي مواطنة أميركية من ذوي الدخل المحدود، أن ينعكس القرار فعليًا على فواتير الأدوية لعائلتها، خاصة وأنها تعتمد على تغطية "ميديكيد" الصحية الحكومية. وقالت لموقع الجزيرة نت "أسمع عن الأوامر التنفيذية والوعود الانتخابية، لكن ما يشغلني هو أن أستطيع صرف أي دواء لي أو لابني دون التفكير مرتين. أنا بحاجة لأن أشعر بالتغيير في الصيدلية، لا على شاشة الأخبار".
إعلانأما "سوزان"، وهي متقاعدة أميركية تعيش في ضواحي واشنطن، فترى أن القرار "لا يعني لها شيئًا". فهي تتناول دواءً باهظ الثمن منذ سنوات، لكنها تدفع 5 دولارات فقط شهريًا بفضل تغطيتها الصحية. وتضيف "أنا لا أثق بترامب أبدًا. هو لا يهتم فعليًا بالرعاية الصحية، بل يحاول تلميع صورته وكسب أصوات كعادته. الإصلاح يتطلب تغييرًا جذريًا في علاقة الدولة بلوبي الأدوية".
سياسات الاستيراديعيد القرار التنفيذي الجديد إحياء محاولة سابقة من عهد ترامب لتطبيق سياسة "الدولة الأكثر تفضيلًا"، تربط أسعار الأدوية في الولايات المتحدة بأدنى الأسعار المعتمدة في دول متقدمة. وقد طُرحت هذه السياسة لأول مرة عام 2020 كقاعدة تنظيمية، إلا أن المحاكم الفدرالية جمّدتها في أواخر ذلك العام لأسباب إجرائية، قبل أن تسحبها إدارة بايدن رسميًا في عام 2021.
وأعربت وزارة الصحة والخدمات الإنسانية عن دعمها لجهود خفض الأسعار، مشيرة إلى أنها ستطور آليات تنفيذ تشمل التفاوض مع الشركات وتوسيع التوزيع المباشر. كما أعلنت إدارة الغذاء والدواء استعدادها لتسريع الموافقات على الأدوية الجنيسة.
ولمّح القرار إلى إحياء سياسات استيراد الأدوية من الخارج لتوفير بدائل أرخص للمستهلك الأميركي. لكن خبراء يرون أن هذه الآلية قد تواجه عوائق تنظيمية، لا سيما أن دولًا مثل كندا أعربت سابقًا عن رفضها أن تُستخدم كمصدر رئيس للسوق الأميركية بسبب محدودية إمداداتها الداخلية. وبغياب اتفاقات واضحة مع الدول المصدّرة، يبقى خيار الاستيراد محدود الأثر وقد لا يكون قابلًا للتنفيذ الواسع في المدى القريب.
غموض آليات التنفيذعبّرت منظمة "مرضى من أجل أدوية بأسعار معقولة"، وهي منظمة غير ربحية معنية بخفض الأسعار، عن ترحيبها بالقرار باعتباره اعترافًا من الإدارة بضرورة معالجة ارتفاع الأسعار الذي أثقل كاهل الأميركيين. إلا أن المنظمة، وفي مراسلة خاصة للجزيرة نت، أبدت عدة تحفظات تتعلق بصعوبة تنفيذ القرار، من أبرزها:
إعلان غياب تعريف واضح لما يُعد "تدابير صارمة" في حال عدم امتثال شركات الأدوية. غموض بشأن آليات تنفيذ فعلية من قبل وزارة الصحة. عدم توضيح كيفية دمج نموذج التوزيع المباشر مع أنظمة التأمين الحالية. عراقيل محتملة أمام استيراد الأدوية من الخارج. غموض التداخل مع برنامج "ميديكير" الحكومي لتفاوض الأسعار. ضعف موارد لجنة التجارة الفدرالية لممارسة رقابة فعالة. فجوات قانونيةوفي أول رد فعل رسمي، أصدرت رابطة شركات الأدوية الأميركية "فارما" بيانًا وصفت فيه سياسة "السعر الأكثر تفضيلًا" بأنها "إجراء خطير وغير مسؤول"، محذرة من أنه "يستورد أنظمة تسعير حكومية أجنبية ويعرّض المرضى الأميركيين لخطر فقدان الوصول إلى أدويتهم".
وأضاف البيان أن هذه السياسة "ستقوض الابتكار الطبي وتثني الشركات عن الاستثمار في الأبحاث والعلاجات الجديدة، دون ضمان خفض فعلي في الأسعار".
ويرى محللون في اقتصاد الصحة أن هذا النوع من السياسات قد يفرض أعباءً إضافية على برامج التأمين الفدرالية مثل "ميديكير" و"ميديكيد"، ما لم تُعدَّل بنية سلاسل الإمداد. كما يشيرون إلى أن الأثر الفعلي للقرار قد يبقى محدودًا ما لم يتم توفير شبكة دعم قانونية وتشريعية، تشمل تدخل الكونغرس لمنح وزارة الصحة صلاحيات موسعة أو لتعديل بعض بنود التمويل.
وتحذر جولييت كوبانسكي، نائبة مدير برنامج سياسة "ميديكير" في "مؤسسة كايزر للأسرة"، من أن القرار رغم شعبيته لدى الرأي العام، يثير تساؤلات قانونية لم يجَب عنها بعد، من أبرزها: بأي سلطة يمكن للإدارة فرض هذه الأسعار؟ وما الدول المرجعية التي ستُعتمد؟ إذ تختلف أنظمة التسعير جذريًا بين دول مثل كندا وألمانيا -حيث تتدخل الدولة مباشرة- والولايات المتحدة التي تعتمد على السوق الحرة وهوامش الربح.
إعلانوترى كوبانسكي، في تحليل خاص أطلعت عليه "الجزيرة نت"، أن بعض بنود القرار قد تواجه رفضًا داخل الحزب الجمهوري نفسه، الذي يتحفظ تقليديًا على أي تدخل حكومي مباشر في تسعير الأدوية. وتضيف أن ربط الأسعار بأسواق أجنبية قد يدفع الشركات لتعويض خسائرها عبر رفع الأسعار في الخارج، مما قد يؤدي في النهاية إلى غياب أثر فعلي على المستهلك الأميركي.
عقدة براءات الاختراعفي صلب أزمة الأسعار المرتفعة، تبرز إشكالية براءات الاختراع، إذ تلجأ شركات الأدوية إلى ما يُعرف بـ"التحسينات الثانوية" لإطالة أمد احتكار الدواء دون تقديم ابتكار فعلي، وهو ما ينعكس سلبًا على ميزانية الصحة العامة. فكل سنة تأخير في دخول الأدوية الجنيسة إلى السوق قد تكلف الحكومة مليارات الدولارات.
وبحسب دراسة صادرة عن منظمة "آي ماك" المعنية بإصلاح نظام البراءات الدوائية عالميًا، فإن الأدوية الأربعة الأعلى مبيعًا في الولايات المتحدة تحمل ما بين 68 و108 براءات، بمعدل احتكار فعلي يصل إلى 19 عامًا، منها 6 سنوات إضافية بفضل "التحسينات الإضافية".
ورغم تركيز القرار الرئاسي على خفض الأسعار من خلال المقارنة الدولية، فإنه لا يتطرق إلى إصلاح بنية نظام البراءات أو الحد من "تكديس" البراءات، الذي يمثل أحد أبرز أدوات حماية الأسعار المرتفعة. ويرى خبراء أن غياب هذا البعد التشريعي، وغموض آليات التنفيذ، قد يسمح للشركات بمواصلة إضافة براءات ثانوية تتيح لها الحفاظ على أسعارها المرتفعة، حتى لو نجحت الحكومة في فرض سقوف جديدة مؤقتًا.