في ظل تداخل الأزمات السياسية والمناخية في المنطقة، خاصة في القرن الأفريقي وحوض النيل، تزداد التحديات المرتبطة بإدارة الموارد المائية عاماً بعد عام. ولم تعد التحضيرات لموسم الخريف في السودان مجرد ترتيبات فنية لضبط مناسيب المياه أو التحكم في تدفقها، بل أصبحت تمسّ بشكل مباشر أمن البلاد واستقرارها، وهو ما يعكس تحوّل هذه القضية إلى شأن وطني يتجاوز حدود التقنية إلى أبعاد سياسية واستراتيجية أوسع.

من هذا المنطلق، تبرز الحاجة الماسة إلى تحقيق توازن دقيق بين الاستجابة السريعة لمخاطر الفيضانات المحتملة، والاستفادة من الفرص التي يتيحها موسم الأمطار عبر برامج مثل #حصاد_المياه، في وقت لا تزال فيه حالة الغموض قائمة بشأن إدارة وتشغيل سد النهضة، الأمر الذي يفرض تحديات إضافية على السودان ويعقّد خياراته في التعامل مع ملف المياه.

ووفقًا لمنصة “أخبار السودان”، أكد الخبير المصري الدكتور عباس شراقي أن تشغيل #سد_النهضة يشهد اضطرابًا غير مسبوق، إذ امتلأت البحيرة بنحو 55 مليار متر مكعب دون استخدام فعّال التوربينات، وهو ما وصفه بـ”فشل تقني” له تداعيات سياسية واقتصادية كبيرة. فبينما يُفترض أن يوفر السد الكهرباء لإثيوبيا وجيرانها، فإن الخلل في التشغيل يُنذر بتمرير موجات فيضان كاملة، كما هو متوقع مع نهاية يوليو، ما يشكل تهديدًا مباشرًا للسودان.

ورغم أن بعض الخبراء السودانيين، مثل الدكتور عثمان التوم، يرون أن هذه المخاوف “مبالغ فيها”، ويشيرون إلى وجود برنامج فني لتنسيق تشغيل السدود حتى عام 2026، سيُعرض على اللجنة الدائمة للمياه، ويُتوقع أن يسهم في تقليل المخاطر وتعزيز فرص التعاون بين السودان ومصر وإثيوبيا، فإن غياب الشفافية الإثيوبية في مشاركة بيانات التشغيل يثير شكوكًا فنية وسياسية جدية، لا سيما في ظل سوابق استخدام السد كورقة ضغط سياسي في علاقات متوترة بين الخرطوم وأديس أبابا والقاهرة.

في المقابل، صدر أمس تقرير “نظام التنبؤ المبكر بالفيضانات” في #حوض_النيل_الشرقي (EN-FFEWS) للفترة من يوليو إلى سبتمبر 2025، مشيرًا إلى استقرار الحالة المطرية والمائية في السودان ومصر وإثيوبيا وجنوب السودان. ولا يتوقع التقرير حدوث فيضانات خطيرة خلال هذه الفترة، رغم تسجيل معدلات أمطار أعلى من المعتاد في بعض المناطق مثل بحيرة تأنا. ويعتمد النظام على نماذج متقدمة مثل WRF وMIKEHYDRO لتقديم توقعات دقيقة تُحدَّث يوميًا، بما يساهم في الوقاية وحماية نحو 2.2 مليون شخص، ويغطي مناطق رئيسية معرضة للفيضانات، من أبرزها: بحيرة تأنا، وبارو-أكوبو-سوبات، والنيل الأزرق، وتكيزي- ستيت- اعالي عطبرة .

داخليًا، ورغم التحذيرات المناخية التي أصدرتها الهيئة العامة للأرصاد الجوية السودانية، متوقع ان يواجه السودان موسم خريف صعبًا في ظل هشاشة إدارية واضحة. وقد كشف اجتماع اللجنة العليا لطوارئ الخريف، برئاسة والي الخرطوم، عن حجم الفجوة بين المطلوب والممكن، خاصة بعد فقدان معظم أسطول الآليات نتيجة للتخريب والنهب الذي قامت به مليشيا الدعم السريع إبان اندلاع الحرب في أبريل 2023.

ورغم الجهود المبذولة من تجهيز المصارف إلى فتح القنوات، برغم أهميتها، لا تزال دون مستوى الطموح في ظل غياب التخطيط الاستباقي، واعتماد أساليب النفير الشعبي بدلًا من العمل المؤسسي المنظم. وهذا يضع الدولة أمام تحدٍّ كبير في احتواء الكوارث المحتملة، ويحوّل الأمطار والفيضانات من ظواهر طبيعية إلى أزمات سياسية وربما أمنية.

في الجانب الآخر، تعمل وزارة الري والموارد المائية السودانية، عبر وحدة تنفيذ السدود، على تنفيذ خطتها ضمن البرنامج المحدث ” لحصاد المياه 2025–2030″، وتشمل الخطة استكمال تنفيذ 7500 مشروع، من سدود صغيرة وآبار وحفائر، تهدف إلى توفير مصادر مياه للمجتمعات الريفية. لكن هذا الطموح لا يزال ينتظر التفعيل، بدءًا بصيانة المشاريع القائمة ، ثم الانتقال إلى إنشاء الجديدة .

إلا أن هذه الجهود تصطدم بواقع هش على مستوى التمويل والبنية التحتية والظروف الأمنية. فعلى الرغم من انطلاق المرحلة الأولى من الخطة في عام 2016، لم يُنجز حتى الآن سوى 60% من أهدافها بسبب عدم الاستقرار الاداري ، بينما تعاني مناطق واسعة من البلاد من غياب أبسط تقنيات جمع المياه. ويُضاف إلى ذلك تحدٍ مجتمعي وثقافي يتعلق بضعف التوعية بأهمية إدارة هذه المشاريع، مما يحدّ من أثرها في تعزيز #الأمن_الغذائي أو التكيف مع التغيرات المناخية.

في المحصلة، يبدو أن الفيضانات المتوقعة هذا العام ناتجة عن تقاطع عاملين رئيسيين: فني/بيئي يرتبط بارتفاع معدلات الأمطار واختلال تشغيل سد النهضة. وسياسي/ إداري يتمثل في ضعف البنية التحتية للمؤسسات السودانية في التعامل مع المخاطر الطبيعية.

وبذلك، لا يواجه المواطن السوداني، لا سيما المزارع على ضفاف النيل الأزرق والأبيض والنيل الرئيسي، خطر الامطار والفيضانات وحده، بل يدفع ثمن القرارات غير المتوقعة من أديس أبابا، إلى جانب غياب التأهيل الكافي لشبكات الري الفعالة في الداخل.

لذلك فان المطلوب بحسب #وجه_الحقيقة ، لا يقتصر على التحوطات والإجراءات الموسمية، بل يتطلب إعادة تعريف إدارة الملف المائي السوداني كقضية سيادية واستراتيجية، تستوجب مواقف حازمة في التفاوض الإقليمي، وتخطيطًا بعيد المدى يربط التنمية الريفية بالبنى التحتية المستدامة، ويجعل من مشروعات حصاد المياه أولوية وطنية. أما الحديث عن “بشريات الموسم الزراعي” دون معالجة الجذور السياسية والاقتصادية للتحديات، فلن يكون سوى مُسكِّن مؤقت لجرح سيظل مفتوحًا.
إبراهيم شقلاوي
دمتم بخير وعافية
الخميس 3 يوليو 2025م Shglawi55@gmail.com

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: سد النهضة

إقرأ أيضاً:

شاهد بالصورة والفيديو.. شاب هندي يفاجئ المتابعين ويثير ضحكاتهم بتحدثه الدارجية السودانية بطلاقة (عندنا في السودان مافي رطوبة وأنا من العيلفون والمسيد)

نشر ناشط سوداني, مقطع فيديو حظي بتفاعل واسع بعد انتشاره على نطاق واسع عبر مواقع التواصل الاجتماعي والسوشيال ميديا السودانية.

وبحسب رصد ومتابعة محرر موقع النيلين, فقد استضاف الناشط السوداني, صديقه الهندي, الجنسية والذي فاجأ الجميع بتحدثه اللهجة العامية السودانية, ببراعة كبيرة.

وقال الهندي, ممازحاً صديقه السوداني: (عندنا في السودان مافي رطوبة), وعندما سأله صديقه أنت من وين في السودان؟ أجابه (أنا من العيلفون والمسيد).

محمد عثمان _ الخرطوم

النيلين

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • اتحاد العمال: أمن مصر المائي جزء لا يتجزأ من أمنها القومي
  • شاهد بالصورة والفيديو.. شاب هندي يفاجئ المتابعين ويثير ضحكاتهم بتحدثه الدارجية السودانية بطلاقة (عندنا في السودان مافي رطوبة وأنا من العيلفون والمسيد)
  • هل يهدد سد النهضة حصة مصر والسودان من المياه؟.. أستاذ موارد مائية يكشف لـ «الأسبوع»
  • الصحة السودانية تقدم معالجة سريرية الناجيات من العنف الجنسي في 25 مركزاً صحياً
  • بمشاركة السعودية والإمارات ومصر.. أمريكا تستضيف مؤتمراً وزارياً لبحث الأزمة السودانية
  • مجدي البدوي: الأمن المائي المصري خط أحمر لا يمكن المساس به
  • إثيوبيا تعلن اكتمال بناء سد النهضة وتستعد لتدشينه
  • إبراهيم شقلاوي يكتب: الخرطوم تعود بهدوء الحسم وذكاء الخطاب
  • قرار عاجل من الخارجية السودانية بشأن سفيرها في الجزائر