مع دخول اليوم الثالث للمواجهات المشتعلة بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل، تكثفت الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة، والقصف والاشتباكات في الضفة الغربية، وقصف الطيران الإسرائيلي مسجدين في غزة خلال الساعات الماضية.

غزة قصف مسجدين بغزة 

فيما أعلنت القوات الجوية الإسرائيلية أنها استهدفت عدة مواقع للفصائل الفلسطينية، وأضافت عبر منصة إكس( تويتر سابقا)، أن من بين المواقع التي تم قصفها مركز لإدارة العمليات داخل مسجد في جباليا مشيرة إلى أنه تم تدميره بالكامل.

وكان الطيران الإسرائيلي شن غارات "عنيفة ومتواصلة" خلال الساعات الماضية على بيت حانون شمال قطاع غزة.

كما استهدفت المدفعية بقذائفها مناطق شرق وشمال مخيم البريج وشرق حي الزيتون والشجاعية في غزة.

فيما أفيد عن سقوط 18 قتيلا في قصف إسرائيلي على منازل برفح جنوب غزة، وفق ما نقلت وسائل إعلام فلسطينية اليوم.

إلى ذلك، اقتحمت القوات الإسرائيلية مخيم عقبة جبر جنوب أريحا بالضفة الغربية وبث التلفزيون الفلسطيني مقطع فيديو قال إنه لعملية الاقتحام، مشيراً إلى اندلاع اشتباكات مسلحة مع الإسرائيليين.

طوفان الأقصى.. قطاع التكنولوجيا في إسرائيل يدخل حالة طوارئ والمصير مجهول هبطوا بسلام.. المجر تعلن إجلاء مواطنيها من إسرائيل

واقتحمت القوات الإسرائيلية مدينة طوباس شمال الضفة من المدخل الشرقي وانتشرت في عدة أحياء، بينما أطلق الجيش الإسرائيلي "الرصاص الحي بشكل كثيف صوب المواطنين" خلال المواجهات، حسب ما أفادت وكالة الأنباء الفلسطينية.

فيما ارتفع عدد القتلى في الجانب الفلسطيني إلى 465، فضلا عن مئات الإصابات، جراء القصف الإسرائيلي.

أما حصيلة القتلى الإسرائيليين فبلغ أكثر من 700، وأكثر من 2200 جريح في أحدث إحصائية رسمية حتى الآن، جراء العملية المباغتة التي أطلقتها الفصائل الفلسطينية فجر السبت الماضي.

ونقلت القناة 12 العبرية عن الجيش الإسرائيلي، صباح اليوم الاثنين، تقديراته بأنه ما زال هناك ما بين 400 و500 مقاتل من المسلحين الفلسطينيين يقاتلون بشراسة في مناطق مختلفة في غلاف غزة.

وقالت إن هؤلاء المقاتلين ينتمون إلى فصائل كتائب عـ.ـز الدين القـ.ـسـ.ـام، الجناح العسكري لحـ.ـمـ.ـاس، والفصائل الأخرى.

وفي وقت سابق، الاثنين، قالت قناة كان العبرية إن ما بين 800 إلى 1000 من نخبة حـ.ـمـ.ـاس، شاركوا في التسلل إلى غلاف غزة تحت غطاء الصواريخ ووصلوا إلى 20 بلدة و11 معسكرا للجيش الإسرائيلي.

غارات إسرائيلية نزوح الآلاف داخل المدارس 

وعلى الصعيد ذاته، قال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي "الليلة تسلل حوالي 70 مسلحا إلى مستوطنة بئيري، وبعد تبادل إطلاق النار قتل معظمهم"، مضيفا أن بعضا منهم تحصنوا في منازل في المستوطنة.

وقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانييل هاغاري: "يتم التحقيق في احتمال وجود إرهابيين تسللوا إلى إسرائيل عبر الأنفاق في هذا الوقت هناك 6 مراكز قتال مفتوحة في قطاع غزة، الليلة تسلل حوالي 70 إرهابيًا إلى كيبوتس بئيري، بعد تبادل إطلاق النار قُتل معظمهم".

ومن ناحية ثانية، زعم الجيش الإسرائيلي أنه تم تدمير 3 أنفاق لحماس في بيت حانون.

وأشار الجيش الإسرائيلي إلى أنه يشتبه بوجود نفق من غزة باتجاه مستوطنة بئيري وهذا ربما يفسر استمرار سيطرة مقاتلي حماس الكاملة على المستوطنة.

قالت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، اليوم الاثنين، إن ما يقرب من 74 ألف فلسطيني نزحوا إلى 64 مدرسة ومأوى تابع لها في قطاع غزة.

وأضافت الوكالة في بيان صدر عنها، أنه من المرجح أن تزداد الأعداد مع استمرار القصف العنيف والغارات الجوية بما في ذلك على المناطق المدنية.

وأشارت الوكالة في بيانها إلى أن مدرسة تابعة للأونروا تأوي عائلات نازحة في قطاع غزة تعرضت للقصف المباشر، ولحقت أضرارا جسيمة بالمدرسة، التي تأوي أكثر من 225 شخصا.

وأوضح أن فرق الأونروا تقوم بتزويد العائلات بالمأوى والمياه النظيفة، ويجري إعداد الإمدادات لتسليمها إلى الأسر، ويشمل ذلك المواد الغذائية ومستلزمات النظافة ومواد التنظيف.

وطالبت الأونروا بحماية المدنيين في جميع الأوقات، والتوصل إلى وقف فوري لإطلاق النار، مشددة على ضرورة تجنيب المدارس وغيرها من البنى التحتية المدنية، بما في ذلك تلك التي تأوي الأسر النازحة، للهجوم أبدا.

الفلسطينيين داخل المدارس 14 ألف برازيلي في إسرائيل

وتعتزم الحكومة البرازيلية إرسال ست طائرات على الأقل لإعادة مواطنيها الراغبين في مغادرة إسرائيل والأراضي الفلسطينية بعد الهجوم الذي بدأته حركة حماس، على ما أعلنت القوات الجوية البرازيلية.

وقال قائد القوات الجوية مارسيلو داماسينو للصحافة بعد اجتماع مسؤولي وزارتي الخارجية والدفاع في مقر الرئاسة في برازيليا "لدينا ست طائرات جاهزة" بسعة تصل إلى 230 راكبا.

وأضاف أن الهدف هو إجلاء "جميع البرازيليين الموجودين في المنطقة والراغبين" في المغادرة، ومن المقرر أن تنطلق أولى الرحلات الجوية بين الاثنين والثلاثاء.

وقال داماسينو إن عددا من المواطنين سبق لهم أن غادروا المنطقة على متن رحلات جوية تجارية.

وتقدر الحكومة أن ثمة 14 ألف برازيلي يقيمون في إسرائيل و6 آلاف في الأراضي الفلسطينية، وأن "الغالبية العظمى منهم" تضررت جراء الهجمات، حسب بيان صادر عن وزارة الخارجية.

وأمر الرئيس الأميركي جو بايدن بـ"دعم إضافي" لإسرائيل إثر هجمات حركة حماس الفلسطينية، وفق ما أعلن البيت الأبيض الأحد، مشيرًا إلى أن بايدن أبلغ رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو بأن مساعدة عسكرية أمريكية اضافية في طريقها إلى إسرائيل.

وقالت الرئاسة الأمريكية في بيان إن بايدن ونتانياهو "ناقشا أيضا الجهود القائمة لضمان ألا يعتقد أعداء إسرائيل أنهم يستطيعون أو أن عليهم استغلال الوضع الراهن".

وجاء في البيان أيضًا أن "الرئيس أمر بدعم إضافي لإسرائيل في مواجهة الهجوم الإرهابي غير المسبوق لحماس".

وقال وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن في بيان إن "حكومة الولايات المتحدة ستزود قوات الدفاع الإسرائيلية بسرعة بمعدات وموارد إضافية، بينها ذخائر".

وأضاف أنه وجه حاملة الطائرات "يو إس إس جيرالد آر فورد" والسفن الحربية المرافقة لها إلى شرق البحر الأبيض المتوسط، وأن واشنطن تعمل على تعزيز أسراب الطائرات المقاتلة في المنطقة.

وتابع أن إرسال سفن أمريكية وطائرات ومساعدات لإسرائيل "يعكس الدعم الأمريكي القوي لقوات الدفاع الإسرائيلية والشعب الإسرائيلي".

البرازيل الأولوية هي انهاء العنف 

يأتي هذا الإعلان بعدما أكد مسؤول كبير في الإدارة الأمريكية السبت أن مناقشات رفيعة المستوى تجري بين المسؤولين الأمريكيين والإسرائيليين بشأن المساعدات العسكرية.

ومن جانب ذلك، دعت وزارة الخارجية الإماراتية في بيان لها إلى حماية المدنيين وشددت على أن الأولوية العاجلة هي إنهاء العنف وحماية المدنيين.

وشددت الخارجية الإماراتية على أن الهجمات التي تشنها حركة حماس ضد المدن والقرى الإسرائيلية القريبة من قطاع غزة، بما في ذلك إطلاق آلاف الصواريخ على التجمعات السكانية، تشكل تصعيدًا خطيرا وجسيما.

وشددت الوزارة على أن دولة الإمارات تواصل بشكل وثيق مع كافة الشركاء الإقليميين والدوليين لإعادة تهدئة الأوضاع وخفض التصعيد بأسرع وقت ممكن في إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة والعودة إلى المفاوضات للتوصل إلى تسوية نهائية وفقا لحل الدولتين للفلسطينيين والإسرائيليين الذين يستحقون العيش بسلام وكرامة.

أجرى رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد اتصالات هاتفية مع العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني والرئيس عبد الفتاح السيسي والرئيس السوري بشار الأسد والرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ ورئيس وزراء كندا جاستن ترودو تتعلق بتطورات الأوضاع التي تشهدها المنطقة.

وبحث الشيخ محمد بن زايد خلال الاتصالات ضرورة وقف التصعيد والتهدئة وممارسة أقصى درجات ضبط النفس لحماية جميع المدنيين والحفاظ على أرواحهم، إضافة لأهمية التحرك العاجل من قبل المجتمع الدولي لاحتواء التوتر ودفع الجهود المبذولة تجاه مسار السلام الشامل والعادل الذي يضمن عدم إدخال المنطقة في أزمات جديدة تهدد أمنها واستقرارها.

الشيخ محمد بن زايدالمشهد يزداد تعقيدا

وفي هذا الصدد، قال الدكتور حامد فارس، أستاذ العلاقات الدولية، إنه لا شك المشهد يزداد تعقيدا في ظل رغبة حكومة نتنياهو في ان تنتقم مما حدث من المقاومة الفلسطينية وهذه العملية النوعية التي شكلت مشهد جديد في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي نتيجة أن هذه العملية ولأول مرة تكون داخل عمق الأراضي المحتلة الفلسطينية.

وأوضح فارس ـ في تصريحات خاصة لـ "صدى البلد"، أن هذه العملية أدت الي سقوط الكثير من القتلى من الجانب الإسرائيلي بالإضافة الي قوة حماس على الأرض واظهارها بانها أصبحت لها انياب حقيقية تؤلم الجانب الإسرائيلي، وبالتالي كل هذه المعطيات دفعت الجانب الإسرائيلي للتحرك بشكل كبير باتجاه العمل على تنفيذ عملية انتقامية لحفظ ماء الوجه في الداخل الإسرائيلي على اعتبار ان حكومة نتنياهو تريد حتى قبل هذه الازمة لفترة تريد ان تستمر لأطول فترة ممكنة على حساب الدم الفلسطيني.

وتابع: وبالتالي من الممكن جدا ان تتسع دائرة الصراع كما شاهدنا إطلاق صواريخ من جنوب لبنان على مزارع شبعا المحتلة، وبالتالي أرى ان الأمور من الممكن ان تخرج عن السيطرة ولابد ان يكون هناك تغليب للغة العقل.

وأكد أن على الرغم من أن هذه العملية كانت صدمة ورعب للجانب الإسرائيلي الا أن ليس امام حكومة نتنياهو خيارات كثيرة في التعامل مع قطاع غزة، إذا أراد ان يكون هناك عملية بريه لاقتحام هذا القطاع فانه يتسبب خسائر كثيرة للجانب الإسرائيلي.

ورقه ضغط حقيقية

وأضاف أن هناك ورقه ضغط حقيقية تملكها الأن المقاومة الفلسطينية لان وجود هذا العدد الاسرى الإسرائيليين في يد المقاومة يجعل حكومة نتنياهو مغلولة في التعامل مع المقاومة الفلسطينية.

ولفت: بالإضافة ان هناك تهديدات بان تتحول هذه المنطقة الي صراع إقليمي مشتعل لذلك تحركت الدولة المصرية وقيادتها السياسية من خلال نظرة استباقية للأحداث، واتجهت الدولة المصرية للدول الفاعلة في المشهد الدولي والمشهد الدولي والقوى الدولية تعول كثيرا على الدولة المصرية، لأنها الدولة الوحيدة القادرة التي تقوم بدور الوساطة بشكل كبير باعتبارها وسيط مقبول لكلا الطرفين.

إيلون ماسك يربط عملية "طوفان الأقصى" بالعلاقات الإيرانية الإسرائيلية حقيقة إضاءة برج القاهرة بعلم فلسطين بالتزامن مع طوفان الأقصى

واستطرد: الدولة المصرية تسعى الي وجود تفاهمات بالتنسيق والتشاور سواء مع القوى الدولية والشركاء الدوليين او حتى على مستوى القوى العربية، فكان هناك اتصال هاتفي بين فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي والرئيس الفرنسي ماكرون ورئيس اتحاد الأوروبي شارل ميشيل والتنسيق بين وزير الخارجية المصري سامح شكري ونظرائه في السعودية والأردن وأيضا اتصالات مكثفة مع كل دول العالم للعمل بشكل كبير على إيجاد ضغط حقيقي على الأطراف الفاعلة ليتوقف هذا المشهد الذي يزداد تعقيدا يوما بعد يوم.

الدكتور حامد فارس 

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: إسرائيل الفصائل الفلسطينية غزة قطاع غزة غارات اسرائيلية الرئيس الأميركي نتنياهو الجیش الإسرائیلی الدولة المصریة حکومة نتنیاهو طوفان الأقصى هذه العملیة فی إسرائیل قطاع غزة إلى أن

إقرأ أيضاً:

أسطرة المقاومة في مواجهة عوالم الموت الإسرائيلية

يعتمد الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، كحال سائر المستعمرين والمحتلين، على أشكال متطورة ومتجددة من العنف بهدف إخضاع الشعب الفلسطيني الواقع تحت سيطرته وتشكيل وعي متواطئ معه، يقبل بالخضوع، بحسب خلاصة مستمدة من أعمال خبراء ومختصين في دراسات "ما بعد الاستعمار".

وترصد العديد من هذه الدراسات، مثل أعمال الطبيب الفرنسي فرانز فانون، والفيلسوف الكاميروني أشيل مبيمبي، وأستاذة الأدب في جامعة هارفارد "إيلين سكاري"، أشكال العنف الاستعماري وأهدافه، وإمكانات الشعوب المقهورة في التعامل معه، وما يسمى بتقنيات إدارة الألم فرديا وجماعيا.

وبحسب هذه الأعمال، فإن نجاح شعب ما في التحرر مرهون بقدرته على الانعتاق من القيود الفكرية التي يفرضها الاستعمار والصبر على الألم وتحويله إلى دافع لتشكيل هوية مناضلة وفعل مقاوم طويل الأمد.

نجاح أي شعب في التحرر مرهون بقدرته على الانعتاق من القيود الفكرية التي يفرضها الاستعمار والصبر على الألم (الفرنسية) الصدمة والترويع

ويسعى الاحتلال من خلال "الصدمة والترويع" إلى خلق قدر من الألم الهائل والمفاجئ على شكل موجات تهدف إلى تجاوز قدرة الشعب على التحمل، وتوجيه أثر هذا العنف إلى داخله، تفككا وتآكلا للثقة وهو ما يجعله جاهزا للخضوع ونبذ المقاومة.

وردا على ذلك، تسعى أي حركة تحرر إلى استيعاب عنف المستعمر من خلال إستراتيجيات، منها "أسطرة البطولة" وجعلها مدخلا لتجنيد الشعب في أعمال المقاومة، وتحقيق الإنجازات التي تقنع الشعب بجدوى المقاومة.

ويضاف لذلك توثيق جرائم الاحتلال وجعلها أساسا لنزع شرعيته الدولية، والسعي لإيقاع أكبر قدر من الألم المادي والمعنوي في الاحتلال، مع تركيز الأنظار إلى حجم ألم العدو.

مسعفون فلسطينيون يقومون بإجلاء الجرحى من موقع غارة جوية إسرائيلية في مدينة غزة (رويترز) طبيعة الاستعمار

قدم الطبيب الفرنسي فانز فانون نظرية واسعة التأثير بشأن طبيعة الاستعمار وطرق مواجهته، وذلك من وحي معايشته لاستعمار بلاده للجزائر، حيث كان يعالج جرحى الفرنسيين والجزائريين ويتفكر في دلالات مشاهداته، ولاحقا ألهمت أفكاره العديد من حركات التحرر حول العالم، وحفزت أعمالا موافقة لها وأخرى معارضة.

إعلان

ويرى فانون في كتابه "معذبو الأرض" أن الاستعمار نظام عنيف يعيد تشكيل الإنسان المستعمَر ليصبح "شيئا" وليس إنسانا طبيعيا، إذ يصور ضحاياه كمصدر للشر، يجب تدميره أو تهذيبه.

وبناء عدواني بهذه الدرجة لا يمكن تفكيكه بلغة الإصلاح، بل يتطلب -وفقا لفانون- تحطيما جذريا باستخدام القوة. مؤكدا أن "اللقاء الأول بين المستعمِر والمستعمَر كان عنيفا، واستمرار العلاقة بينهما قائم على اللغة نفسها، إلا أن أحد أخطر آثار الاستعمار هو "التواطؤ النفسي"، حيث يبدأ المضطهَد في تبني نظرة المستعمِر إليه.

وفي مواجهة عنف الاحتلال تكون نقطة التحول هي احتضان الألم والمعاناة، والتوقف عن الهرب ومواجهة الاحتلال وجها لوجه، وحينها فإن "الشيء الذي تم استعماره يعود إنسانا في العملية نفسها التي يتحرر فيها"، وذلك عند مواجهة عنف الاحتلال بالعنف الذي يستحقه ويستدعيه.

وبحسب فانون، فـ"العنف قوة تطهير.. تحرر المستعمَر من عقدة النقص والخمول"، وتعيد له احترامه لذاته، وتمنحه شعورا بالسيادة والسيطرة بعد طول إخضاع واستضعاف.

وفي هذه العملية لا يمكن للفرد أن يتحرر وحده، بل وحدة الجماعة الثورية أمر أساسي، والقاعدة هي "نجاة الجميع أو لا أحد".

سياسات الموت

وذهب الفيلسوف الكاميروني، أشيل مبيمبي، أبعد من ذلك في وصف السلوك الاستعماري، مبتكرا مصطلح "سياسات الموت" الذي جعله عنوانا لكتابه بهذا الشأن، والذي يلحظ أن الاستعمار يفرض سيادة يكمن التعبير النهائي عنها في "تحديد من يجوز له أن يعيش ومن يجب عليه أن يموت".

ويلاحظ مبيمبي أن انتزاع الجسد والحياة في ظل الاستعمار لا يحصل "باعتبارهما مجرد أشياء تُحكم، بل بوصفهما ساحة لظهور سلطة السيد الحاكم".

وتشير "سياسات الموت" إلى الطرق المتعددة التي تستخدم فيها الأسلحة في عالمنا المعاصر، من أجل أقصى قدر من التدمير البشري، وبذلك فإن الحصار والحدود والمخيمات والسجون وساحات القتال تقوم بإنتاج "عوالم موت"، تكون فيها حياة الشعب المستعمر على حافة الموت بشكل مستمر.

إعلان

وفي الحرب الجارية في قطاع غزة يمكن ملاحظة تبني الاحتلال الإسرائيلي لإستراتيجية "عوالم الموت"، بدءا من حصار القطاع على مدار 17 عاما قبل الحرب، مرورا بتكثيف الموت والإصابة بين الفلسطينيين.

كما حوّل الاحتلال كل مناحي حياة الفلسطينيين إلى معاناة، كالحصول على المياه والغذاء والعلاج، وتدمير المساجد وتعطيل عملها في تعزيز الروح المعنوية، وإنهاك المجتمع من خلال إدخاله في متواليات من الأمل ثم اليأس، إذ تتناوب عليه أنباء الانفراج القريب التي يتلوها التصعيد والتهجير الداخلي، ويتم تحويل مراكز المساعدات إلى محطات للقتل كما حصل في العديد من المجازر على مدار الحرب.

حول الاحتلال الإسرائيلي كافة مناحي حياة الفلسطينيين إلى معاناة (أسوشييتد برس) إستراتيجيات إدارة الألم

درست أستاذة الأدب في جامعة هارفارد، إيلين سكاري، توظيف الألم كأداة سياسية في كتابها "الجسد المتألم.. صنع العالم وتفكيكه"، مشيرة إلى أن "النشاط المركزي في الحرب هو الإيذاء الجسدي، والهدف الأساسي منها هو التفوق في إلحاق الأذى بالطرف الآخر".

وذلك رغم أن "واقع الإيذاء الجسدي غالبا ما يكون غائبا عن الأوصاف الإستراتيجية والسياسية للحرب"، كما يظهر لدى مراجعة كتابات كلاوزفيتز وليدل هارت وتشرشل وسوكولوفسكي وغيرهم من منظري الحرب.

ففي الحرب "تحاول كل جهة أن تُحدث تفككا في الجهة الأخرى بجعل واقع الإيذاء نفسه هو القضية التي يُخاض النزاع حولها. ولا يكون النصر بالضرورة إلى جانب الطرف الذي يُلحق بخصمه أكبر قدر من الأذى من حيث الكمية المطلقة، بل إلى الطرف الذي ينجح في تفكيك عزيمة الطرف الآخر، سواء عزيمته على مواصلة الإيذاء أو على مواصلة تحمّله".

وتسلط سكاري الضوء على خاصية أساسية في الألم الجسدي، وهي الصعوبة البالغة للتعبير عنه ونقل الشعور به إلى الآخرين لتعظيم أثره النفسي، مما يستدعي البحث عن وسائل "تكسبه الصوت" بهدف التخفيف منه.

في الحالة الفلسطينية كان للأبعاد الدينية والروحية دور أساسي في استيعاب الألم والصدمات (وكالة الأناضول) التخفيف من الألم

وتتابع المدرسة في جامعة هارفارد أنه "كما أن التعذيب يتكوّن من أفعال تُضخم الطريقة التي يدمر بها الألم عالم الشخص وذاته وصوته، فإن الأفعال الأخرى التي تُعيد الصوت لا تكون مجرد إدانة للألم، بل تُصبح أيضا شكلا من التخفيف من الألم، بل انقلابا جزئيا على عملية التعذيب نفسها".

إعلان

وتقول "إن الاعتراف بالألم، ومحاولة التعبير عنه، تُعدّ شكلا من الامتداد الذاتي في العالم، بحيث يُمنح المتألم إمكانية استعادة صوته، ومن ثم استعادة إنسانيته".

ومن هذه الوسائل ضرورة الاعتراف بالألم، والتعبير عنه، وبناء شبكات التعاطف الاجتماعي مع المتألمين، إذ "إن التعاطف، حين يمنح الألم مكانا في العالم عبر اللغة، يقلل من قوة الألم ويقاوم قدرة الجسد -حين يتألم- على ابتلاع الشخص بالكامل".

وفي الحالة الفلسطينية، كان للأبعاد الدينية والروحية دور أساسي في استيعاب الألم والصدمات التي خلقها الاحتلال الإسرائيلي، إذ وفرت البنية العقائدية للمقاومة قدرا عاليا من الصلابة، ومكنتها من الاستمرار في العمل العسكري بدرجات متفاوتة على مدار 18 شهرا، رغم تقدير الاحتلال أنه قد قتل ما يزيد على 10 آلاف مقاتل، إضافة إلى الأعداد الهائلة من الشهداء والجرحى الذين يتركزون في أهالي المقاتلين ومحيطهم الاجتماعي.

ووفرت مفاهيم مثل الشهادة والصبر والاحتساب، وآيات القرآن من قبيل "إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون" أساسا للتعبئة الشعبية، وهي نتاج ثقافة تعززت بشكل خاص مع صعود دور المقاومة الإسلامية وإدارتها قطاع غزة منذ العام 2006.

التمحور حول الألم

ويتضح مما سبق أن مقدار الألم في الحرب ليس محددا للهزيمة أو النصر بحد ذاته، بل كيفية التعامل معه هي الأمر الحاسم بهذا الشأن، فإذا ترافق الشعور بالألم بالمعنى وبالتضامن فمن الممكن أن يكون معزّزا للإرادة في وجه الاحتلال، أما حينما يسود خطاب "عبثية الألم" مترافقا مع التفكك الاجتماعي والسياسي فيكون الألم دافعا إلى الانهيار.

ويمكن لمركزية الألم في سياق الاستعمار أن تتخذ منحى إيجابيا أو سلبيا، وفقا لما تظهره الأعمال النظرية السابقة والتجارب العملية بهذا الشأن، إذ يمكن أن يكون الألم حافزا وأداة للتحرر حينما يحوّل إلى طاقة حشد وتعبئة، ويدار بروح جماعية صلبة، من خلال التضامن الاجتماعي والخطاب المقاوم، وحينما يعرّي العدو أخلاقيا ويقوض سرديته التي يقدم نفسه فيها مركزا للخير والحضارة.

إعلان

وبالمقابل، يعمل الاستعمار على إيصال الألم إلى مستوى لا يقدر المجتمع المستعمَر على تحمله بهدف تفكيك التضامن والروح المعنوية، ولتعزيز الشقاق الداخلي، مع الحرص على عدم إعطاء تنازلات يراها الواقعون تحت الاحتلال إنجازات تعزز صمودهم وثباتهم.

وهكذا، فإن مآل الحرب لا ينفك عن صراع الإرادة بين صنع الألم وإدارته لدى طرفي الصراع، بما يتطلب وضع الألم دائما في سياقه، وتوجيه رد الفعل عليه نحو الاحتلال، مع السعي الدائم إلى تقليل مقداره في سياق إدامة مقاومة الاحتلال وليس الاستسلام لإرادته.

مقالات مشابهة

  • أمن المقاومة الفلسطينية يكشف تورط مخابرات عربية في تمويل وتوجيه “مرتزقة العدو”
  • مهم.. رئيس هيئة الأركان اليمني يوجه رسالة مهمة إلى المقاومة الفلسطينية الباسلة
  • مسير وتطبيق لخريجي دورات “طوفان الأقصى” في مديرية جهران بذمار
  • العدو الإسرائيلي يفرج عن 12 أسيراً فلسطينياً من غزة
  • الدويري: المقاومة بغزة تقود حرب استنزاف تختلف عن تلك التي قادتها الجيوش العربية
  • رهائن الحقول في إسرائيل: لماذا كان التايلانديون في صدارة أسرى حماس في طوفان الأقصى؟
  • “الأحرار” الفلسطينية تنعي أمين عام حركة المجاهدين الفلسطينية
  • فصائل المقاومة الفلسطينية تنعى الأمين العام لحركة المجاهدين
  • عمليات نوعية لمجاهدي المقاومة في غزة والضفة تؤلم جيش العدو الصهيوني
  • أسطرة المقاومة في مواجهة عوالم الموت الإسرائيلية