أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، تقريراً جديداً حول المدن الذكية سلط من خلاله الضوء على مفهوم هذه المدن، وخصائصها، ومنظومة الخدمات التي تقدمها، بالإضافة إلى استعراض أبرز المدن الذكية في مصر، وعلى رأسها العاصمة الإدارية الجديدة، ومدينة العلمين الجديدة، ومدينة المنصورة الجديدة، ومدينة الجلالة.

أشار المركز أنه مع تسارع الجهود الدولية للحد من الانبعاثات الكربونية، والتصدي لأزمة التغير المناخي، تكتسب المدن الذكية زخمًا إضافيًّا، لا سيما أنه بحسب التقديرات، تُمثل المدن ما بين 60-80% من الاستهلاك العالمي للطاقة، وتعتبر مسؤولة وحدها عن أكثر من 70% من الانبعاثات الكربونية سنويًّا.

وأوضح التقرير أن مصطلح المدن الذكية في جوهره يشير إلى "المدن المبتكرة التي تستخدم تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لتعزيز كفاءة العمليات والخدمات الحضرية، وتحسين نوعية حياة الأفراد، وتلبية مختلف احتياجات الأجيال، الحالية والمستقبلية، كما تعرف بأنها تجمع عمراني يرتكز على ثلاث ركائز أساسية هي: ركيزة تقنية، وركيزة اجتماعية، وركيزة بيئية، وبالتالي فهي تعد بمثابة ثلاثة مدن في واحدة وهي المدينة المعلوماتية، والمدينة المعرفية، والمدينة البيئية، ومن ثم تضم ثلاثة عناصر هي المعلومات والأفراد والبيئة.

كما تُعرف شركة البيانات الدولية للأبحاث "المدينة الذكية" بأنها كيان يتم بناؤه اعتماداً على بنية تحتية للاتصالات وتقنية المعلومات التي تمكن من إدارة المدينة بكفاءة وتعزز التنمية الاقتصادية المستدامة والابتكار. ووفقاً للاتحاد الدولي للاتصالات (ITU) فإن المدينة الذكية المستدامة هي مدينة مبتكرة تستخدم تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لتحسين نوعية الحياة وكفاءة العمليات والخدمات الحضرية والقدرة على المنافسة وتلبي في الوقت ذاته احتياجات الأجيال الحالية والقادمة فيما يتعلق بالجوانب الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والثقافية.

وعن خصائص المدن الذكية؛ فهي تتمثل فيما يلي:- تكامل البنية التحتية لتقنية المعلومات والاتصالات، حيث تشمل المدينة الذكية على التقنيات التكنولوجية التي تجعلها قادرة على استيعاب أي تطور في المجال التقني لتغطية الخدمات المستقبلية.

- النقل الذكي، وهي إدارة منظومة النقل والمواصلات والمرور من خلال مجموعة من التقنيات التي تعتمد على تكنولوجيا المعلومات، لدعم البنية الأساسية الذكية المستدامة، من خلال التحول نحو المدن الخضراء المستدامة.

- الحكومة الذكية؛ وتشمل تطوير منظومة العمل الحكومي باستخدام الوسائل الإلكترونية لتقديم الخدمات الحكومية وتتمثل أهم تطبيقات الحكومة الإلكترونية في: "تقديم المعلومات" أي إتاحة كافة العاليات والمعلومات المتعلقة بسكان المدينة، "والاتصالات" وتعنى القدرة على تبادل المعلومات والتواصل بين السكان والحكومة، "والتعاملات الإلكترونية" أي تأدية الخدمات إليكترونياً.

- توافر جهاز إداري مركزي للمدينة؛ ويضم منظومة تحكم إلكترونية بإشراف موارد بشرية مدربة، مع الالتزام بمعايير أداء صارمة لتحقيق الكفاءة في الأداء.

- الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة؛ حيث تتميز المدن الذكية بمحدودية استخدام مصادر الطاقة غير المتجددة إلى أدنى مستوى، لتعتمد بدلاً من ذلك على مصادر الطاقة المتجددة، كالطاقة الشمسية وطاقة الرياح وطاقة المياه.

- الاقتصاد الذكي؛ بمعني القدرة التنافسية الكلية للمدينة التي تعتمد على الأسلوب الابتكاري في الأعمال التجارية، وتعمل على تعزيز البحوث والتطوير لزيادة فرص العمل والإنتاجية، من خلال مرونة سوق العمل، وتفعيل الدور الاقتصادي للمدينة في السوق المحلية والعالمية.

- المجتمع الذكي؛ ويجسد استيعاب مجتمع المدينة لتطبيقات وتقنيات تكنولوجيا المعلومات، وإمكانية انتقاله من مجتمع عادي مستخدم للتكنولوجيا إلى مجتمع مبتكر قادر على الوصول إلى حلول ابتكارية لمعالجة المشكلات الحالية وتنمية المستقبل.

- المواطن الذكي؛ يُعد الأشخاص الأذكياء لبنة البناء الأساسية لنظام المدينة الذكية؛ حيث تعمل المدن الذكية على استقطاب رأس المال البشري.

وقد استعرض التقرير منظومة الخدمات التي تُقدمها المدن الذكية والتي تتمثل في: حركة مرور ذكية، ومنظومة إنارة ذكية، وشبكة طاقة ذكية، وبنية تحتية ذكية، وإدارة ذكية للنفايات، ومراقبة مناخية ذكية، وتوفير اتصالات لاسلكية رقمية ذكية، ونظام ذكي لمكافحة الكوارث، وإدارة ذكية للحياة اليومية.

وذكر التقرير أن أهمية المدن الذكية تتضح في ضوء التقديرات التي تشير إلى توقع ارتفاع نسبة سكان العالم الذين يعيشون في المدن من قرابة 55% حاليًّا إلى نحو 80% بحلول عام 2050، وهو ما سيؤدي إلى مضاعفة استهلاك المواد الخام (الموارد المادية) مثل: المعادن، والحديد، والأسمنت، والرمال،..... إلخ، من 41.1 مليار طن في عام 2010 إلى 88.8 مليار طن بحلول عام 2050، وقد يتسبب ذلك في ظهور العديد من المشكلات مثل: زيادة التلوث والانبعاثات الكربونية، وازدحام المرور، وتلوث المياه.

وفي هذا الصدد؛ باتت المدن الذكية المستدامة نقطة رئيسة في السياسة العامة للدول في مختلف أنحاء العالم، لاسيما أن تكنولوجيا المعلومات والاتصالات أضحت تلعب دوراً حاسماً في تعزيز الكفاءة البيئية والحفاظ على الموارد وتخفيض الانبعاثات الكربونية، وذلك عبر إتاحة الكثير من الابتكارات في مجالات عديدة، من قبيل: أنظمة النقل الذكية (its)، والإدارة "الذكية" للمياه، والطاقة، والمخلفات.

وبحسب مؤشر المدن الذكية لعام 2023 والذي يصدر عن المعهد الدولي للتنمية الإدارية في سويسرا بالتعاون مع جامعة سنغافورة للتكنولوجيا والتصميم؛ فقد بلغ عدد المدن الذكية حول العالم 141 مدينة ذكية عام 2023، وذلك مقارنة بــ 118 مدينة ذكية وفقاً لنفس التقرير لعام 2021.

وقد استعرض التقرير أفضل 10 مدن ذكية حول العالم وفقاً لمؤشر المدن الذكية لعام 2023: حيث تتصدر مدينة زيورخ في سويسرا المركز الأول، وتحل كل من أوسلو عاصمة النرويج، وكانبيرا عاصمة أستراليا المركزين الثاني والثالث على التوالي، ثم كوبنهاجن بالدانمارك في المرتبة الرابعة، ولوزان بسويسرا في المرتبة الخامسة، ولندن بالمملكة المتحدة في المرتبة الخامسة واحتلت مدينة ستوكهولم بالسويد المركز العاشر.

ومن المتوقع أن يتضاعف الإنفاق التكنولوجي على مبادرات المدن الذكية في جميع أنحاء العالم بين عامي 2018 و2023، ليرتفع من 81 مليار دولار أمريكي في عام 2018 إلى 189.5 مليار دولار أمريكي في عام 2023، وذلك بحسب شركة "ستاتيستا لبيانات السوق والمستهلكين".

كما بلغ حجم سوق المدن الذكية على مستوى العالم بحسب "التقرير الاستراتيجي العالمي للمدن الذكية 2023" (Global Smart Cities Strategic Report 2023) نحو 998.7 مليار دولار في عام 2022. ومن المتوقع أن يصل حجم سوق المدن الذكية على مستوى العالم إلى 5.2 تريليونات دولار بحلول عام 2030، ووفقاً للبحث الذي أجرته شركة "ماكنزي الأمريكية للاستشارات الإدارية"، والذي نشره موقع (TechRepublic) في يوليو 2018، فمن المتوقع أن تُسهم صناعة المدن الذكية بنحو 60% من إجمالي الناتج المحلي العالمي بحلول عام 2025.

أشار التقرير إلى سعي الحكومة المصرية لبناء المدن الذكية، وذلك ضمن جهود الدولة المتواصلة للتحول إلى المجتمع الرقمي، والاستفادة من التطورات التكنولوجية المتقدمة لتسهيل تقديم الخدمات للمواطنين، ولا تكمن أهمية المدن الذكية فقط في التطوير والابتكار والنقلة النوعية في نمط حياة المواطن، بل إنها تسهم في إيجاد الحلول اللازمة للتعامل مع التحديات المختلفة مثل تزايد الضغط على الموارد.

وقد استعرض التقرير أبرز المدن الذكية في مصر ومنها:

1- العاصمة الإدارية الجديدة، حيث تسعى الدولة المصرية من خلال مشروع العاصمة الإدارية الجديدة للخروج من الوادي، والحفاظ على الموارد الطبيعية الحالية، وتوسيع الرقعة المعمورة على حساب المناطق الصحراوية غير المأهولة، مما يضمن خفض متوسط الكثافة السكانية الحالية والمستقبلية، وزيادة نصيب المواطن من الأراضي والخدمات، وقد تم اختيار موقع العاصمة الإدارية ليكون قريباً من مناطق التنمية الجديدة الواعدة، ويشمل مخطط بناء العاصمة الإدارية الجديدة 7 أهداف رئيسة وهي: بناء مدينة خضراء، بناء مدينة استدامة، وبناء مدينة للمشاه، وبناء مدينة للسكن والحياة، وبناء مدينة متصلة، وبناء مدينة ذكية، وبناء مدينة الأعمال.

2- مدينة العلمين الجديدة: حيث تم اختيار موقع المدينة على ساحل البحر المتوسط شرق مطار العلمين، ووفقاً للمخطط الاستراتيجي لمدينة العلمين على موقع وزارة الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية من المخطط أن يتم بناء المدينة على مساحة تبلغ حوالي 48917 ألف فدان، وتهدف المدينة إلى تعزيز عملية الانتشار السكاني والأنشطة الاقتصادية المتنوعة في منطقة الساحل الشمالي، كما تبرز أهميتها في دعم العلاقات المكانية والاتصالية بين قطاع برج العرب وقطاعي مرسى مطروح وسيدي براني، لتيسير انتقال السكان والعمالة، وتحقيق الانتشار السكاني. وتجدر الإشارة إلى أن المخطط الاستراتيجي للمدينة من المقرر أن يبلغ عدد سكانها 3 ملايين نسمة، يشمل بالأساس: 20 ألف غرفة فندقية تقع على مساحة 7770 فدانًا، و5 آلاف فدان مناطق صناعية، و14 حياً سكنياً متعدد المستويات، و3 آلاف فدان مناطق لوجستية، وألف فدان مراكز بحثية وجامعية، و5 آلاف فدان مناطق تجارية وخدمية.

3- مدينة المنصورة الجديدة: تطل المدينة على ساحل البحر المتوسط بطول 15 كم، وبمساحة 5913 فداناً، ويتماشى مخطط إنشاء المدينة مع الاستراتيجية الوطنية لتعير المناخ 2050، من حيث تحقيق النمو المستدام والعدالة الاجتماعية لجميع السكان، وتوفير ما يحتاجونه من أنشطة حيوية، هذا إلى جانب خفض الانبعاثات، والتكيف مع التغير المناخي، وتحسين كفاءة استخدام الطاقة، فضلاً عن اتخاذ الخطوات اللازمة لتحقيق التحول الرقمي، فضلاً عن دعمها للنقل الجماعي المستدام، هذا إلى جانب ما توفره المدينة من شواطئ مفتوحة لكل الأسر المصرية، فضلاً عما تحتويه من مساحات خضراء، وهي تضم محطة تحلية مياه جوفية بسعة ألف متر مكعب/يوم، ومحطة تحليه مياه بحر بطاقة 1600 متر مكعب/يوم، ومحطة معالجة ثلاثية لدعم إعادة استخدام المياه، كما تضم مجمع للجامعات، ومركز طبي ومدرسة دولية ومحطة محولات.

4- مدينة الجلالة: يهدف مشروع المدينة إلى خلق مجتمع حضاري تنموي جديد يوفر الخدمات اللزمة، لاسيما المتعلقة بالإسكان والسياحة والتعليم والتجارة، فضلاً عن تعزيز قوة الاقتصاد المصري، خاصة أن المشروعات التي تضمها المدينة بها: عمارات سكنية وكورنيش عام، ومنتجع سياحي ومشفى للاستشفاء والنقاهة، ومحطات معالجة مياه الصرف الصحي واستخدامها في مجال الزراعة، تلفريك الجلالة والذي يمتد مساره إلى 4500 متر وعلى ارتفاع 665 متراً فوق سطح البحر، مما يجعله أكبر تلفريك في الشرق الأوسط، وجامعة الجلالة والتي تشمل العديد من التخصصات مثل القانون والتحكيم الدولي، وإدارة الكوارث والأزمات، والنانو تكنولوجي، ومجال الطاقة المتجددة والذرية، وعلوم البحار، كما يوجد بها أيضاً المنطقة الصناعية الجديدة والتي تشمل إنشاء مصنع كبير للأسمدة الفوسفاتية ومشتقاتها، وقد تم تصميم المصنع باستخدام تقنيات حديثة تقلل من استهلاك الغاز، كما تم التنسيق مع وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة للعمل على توفير الطاقة اللازمة للمشروع من خلال تطوير محطة كهرباء "عتاقة".

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: مجلس الوزراء المدن الذكية مصر التغير المناخي العاصمة الإداریة الجدیدة المعلومات والاتصالات الانبعاثات الکربونیة تکنولوجیا المعلومات الطاقة المتجددة المدن الذکیة فی المدینة الذکیة الذکیة على بناء مدینة بحلول عام من خلال التی ت عام 2023 فی عام

إقرأ أيضاً:

«معلومات الوزراء» يستعرض مستقبل النحاس في ظل التحول الرقمي والثورة الخضراء

أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، تقريرًا حول مستقبل النحاس تناول من خلاله حجم الإنتاج والاستهلاك العالميين للنحاس، مع التركيز على الدول الكبرى المنتجة واحتياطاتها، وتحليل الطلب المتنامي في ظل التحول التكنولوجي والبيئي، بالإضافة إلى استعراض أبرز التحديات الاقتصادية والسياسية والرؤى المستقبلية لتلبية الطلب العالمي المتزايد.

وأشار المركز إلى أن العالم يشهد حالياً تحولات عميقة في الاقتصاد والتكنولوجيا، تقودها الثورة الخضراء والتحول الرقمي، مما يرفع الطلب على المعادن الأساسية، وعلى رأسها النحاس، الذي يُعرف بـ"الذهب الأحمر"، لدوره الحيوي في دعم بنى الطاقة النظيفة، والاقتصاد الرقمي، والتقنيات الحديثة كالذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء.

وأوضح تقرير المركز أن الإنتاج العالمي للنحاس ينقسم إلى قسمين رئيسين: إنتاج المناجم والإنتاج المكرر (الإنتاج المكرر للنحاس)، ويمثل إنتاج المناجم المرحلة الأولية في سلسلة القيمة، حيث يتم استخراج خام النحاس من باطن الأرض، أما الإنتاج المكرر فيشير إلى معالجة هذا الخام وتحويله إلى نحاس نقي قابل للاستخدام في مختلف الصناعات، مضيفاً أن إنتاج النحاس من المناجم شهد زيادة ملحوظة على مدار الفترة الممتدة من عام 1990 حتى عام 2023، حيث ارتفع من 9.23 ملايين طن متري إلى 22.36 مليون طن متري، بما يعادل نسبة زيادة تقارب 142%.

وبالمثل، ارتفع الإنتاج المكرر من 10.81 ملايين طن متري في بداية التسعينيات إلى 26.50 مليون طن متري بحلول عام 2023، محققًا زيادة قدرها نحو 145%، ويعكس هذا النمو المستدام، التطور الكبير في قدرات التعدين والمعالجة خلال هذه السنوات، مما يؤكد الأهمية الاقتصادية المتزايدة لقطاع النحاس.

أما فيما يتعلق بإنتاج المناجم في المراحل الأولية، فتؤدي الدول النامية دورًا محوريًّا في قطاع التعدين عالميًّا، حيث تصدرت دولة تشيلي قائمة الدول المنتجة للنحاس في عام 2024، بحصة بلغت 23% من إجمالي الإنتاج العالمي، (أي ما يعادل 5.3 ملايين طن متري)، تلتها جمهورية الكونغو الديمقراطية بحصة 14% (3.3 ملايين طن متري)، ثم بيرو بنسبة 11% (2.6 مليون طن متري). وتشير هذه الأرقام إلى أن الدول الثلاث مجتمعة تمثل قرابة نصف الإنتاج العالمي من النحاس.

كما تبرز جمهورية الكونغو الديمقراطية كقوة صاعدة في هذا القطاع، وذلك بفضل امتلاكها احتياطيات ذات جودة عالية، إذ تصل نسبة تركيز النحاس في بعض مناجمها إلى أكثر من 3% مقارنةً بالمتوسط العالمي الذي يتراوح بين 0.6% و0.8% فقط. وقد أدى ذلك إلى تضاعف إنتاجها من المناجم بنحو ثلاث مرات بين عامي 2016 و2024، في حين سجلت تشيلي خلال الفترة ذاتها تراجعًا بنسبة 5% في إنتاجها.

وفي إطار زيادة إنتاج النحاس المكرر خلال العقود الثلاثة الماضية، -إذ ارتفع من 10.8 ملايين طن متري في عام 1990 إلى 26.5 مليون طن متري في عام 2023 ويشمل هذا الرقم نحو 4.5 ملايين طن متري من النحاس المعاد تدويره من الخردة (التكرير الثانوي)- أشار المركز إلى أن الصين تقود هذا التوسع العالمي في التكرير، إذ أصبحت الدولة الأولى عالميًّا في هذا المجال، بمساهمة تصل إلى 45% من إجمالي الإنتاج العالمي. ويبلغ إنتاجها السنوي أكثر من 12 مليون طن متري، ما يجعلها تمتلك أكبر طاقة تكريرية للنحاس في العالم، وهو ما أسهم في بروز قارة آسيا كمركز رئيسي لتكرير النحاس عالميًّا.

أما على المستوى الإقليمي، فقد شهدت حصة أفريقيا من التكرير العالمي نموًّا طفيفًا، من 7% في عام 1990 إلى 9% في 2023، مدفوعة بتوسعات في جمهورية الكونغو الديمقراطية وزامبيا، وفي المقابل، تراجعت حصة الأمريكتين من 39% إلى 15%، كما انخفضت حصة أوروبا من 32% إلى 14%، وأوقيانوسيا من 3% إلى 2%.

وتناول التقرير ما أشارت إليه بيانات توزيع احتياطيات النحاس العالمية بين الدول الكبرى أن أكثر من نحو 50% من تلك الاحتياطيات يتركز في خمس دول فقط، تتصدرها تشيلي بنسبة 20%، يليها كل من أستراليا وبيرو بنسبة 10% لكل منهما، ثم جمهورية الكونغو الديمقراطية والاتحاد الروسي بنسبة 8% لكل منهما، في حين تتوزع النسبة المتبقية (44%) على دول أخرى.

ويمنح هذا التركز الجغرافي الدول الخمس ميزة استراتيجية في التحكم بالعرض العالمي للنحاس، ويعزز من قدرتها على جذب الاستثمارات في قطاع التعدين، خاصة مع تزايد الطلب العالمي على النحاس كمادة أساسية في التحول نحو الاقتصاد الأخضر والتكنولوجيا المتقدمة.

وتمثل جمهورية الكونغو الديمقراطية حالة خاصة، لما تمتلكه من احتياطيات غير مستغلة من النحاس عالي الجودة، مما يمنحها فرصًا كبيرة للنمو الاقتصادي في حال توفرت بيئة استثمارية مستقرة.

وأوضح المركز إنه من المتوقع أن ينمو الطلب العالمي على النحاس بأكثر من 40% خلال الفترة من 2023 إلى 2040، مدفوعًا بشكل أساسي بالتحول نحو الطاقة النظيفة والتوسع السريع في الاقتصاد الرقمي، وتشير بعض التقديرات إلى أن الطلب على النحاس في تقنيات الطاقة النظيفة وحدها قد يتضاعف ثلاث مرات بحلول عام 2040، ولتلبية هذا الطلب، ستكون هناك حاجة إلى أكثر من 10 ملايين طن إضافي من النحاس، أي ما يعادل تقريبًا نصف إجمالي المعروض العالمي في عام 2023.

ويُبرز هذا الطلب المتزايد الحاجة الملحة إلى استثمارات كبيرة في مشروعات تعدين نحاس جديدة، خاصة مع تراجع جودة الخام في المناجم القائمة، وزيادة القيود على جانب العرض. ومن أجل البقاء على المسار الصحيح لتحقيق صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2030، قد يحتاج العالم إلى تطوير ما يقارب 80 منجمًا جديدًا للنحاس، بتكلفة استثمارية قد تصل إلى 250 مليار دولار.

وأضاف المركز أنه في عام 2023، جاء ما يقرب من نصف استهلاك النحاس العالمي من قطاع الإنشاءات والإلكترونيات الاستهلاكية، بينما توزع باقي الطلب على قطاعات مثل: البنية التحتية، والنقل، والمعدات الصناعية، وقطاعات أخرى، وأضاف أن النحاس يُعَد عنصرًا أساسيًّا في التحولات العالمية نحو الطاقة المتجددة، فقدرته الفائقة على التوصيل الكهربائي وتعدُّد استخداماته يجعلانه بالغ الأهمية للصناعات الرئيسة مثل: البناء، والإلكترونيات، والطاقة المتجددة، والنقل، والدفاع. ومع تنامي الطلب عليه من قطاعات الكهرباء والذكاء الاصطناعي وتقنيات الطاقة النظيفة، تتعرض سوق النحاس العالمية لضغوط متزايدة بفعل قيود العرض، وعدم اليقين الجيوسياسي، وتزايد التوترات التجارية، وانخفاض جودة الخام.

وفي ظل تزايد اهتمام الصناعات بالاستدامة ومبادئ الاقتصاد الدائري، يبرز النحاس المُعاد تدويره كحل واعد لتلبية الطلب العالمي، إذ يحتفظ بخصائصه الفيزيائية والكيميائية دون تدهور في أثناء عملية إعادة التدوير، ولذلك يُمكن اعتبار المخزون الحالي من النحاس قيد الاستخدام جزءًا لا يتجزأ من احتياطيات النحاس العالمية، بالإضافة إلى ذلك، تتطلب عملية إعادة التدوير طاقة أقل بكثير من تعدين وتكرير النحاس المُستخرج حديثًا، مما يؤدي إلى انخفاض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، ومن ثَمَّ، تُمثل إعادة تدوير النحاس أحد العوامل الرئيسة في انتقال المجتمع نحو أنماط إنتاج واستهلاك أكثر استدامة.

ومن ناحية أخرى، يمكن للدول تحقيق فوائد اقتصادية من خلال تصدير خردة النحاس إلى الدول ذات البنية التحتية المتطورة لإعادة تدويرها مرة أخرى، نظرًا لأن احتياجات بعض الدول من النحاس تعتمد بشكل كبير على النحاس المُعاد تدويره لتلبية الطلب الداخلي.

وأشار التقرير إلى أنه وفقًا للمجموعة الدولية لدراسة النحاس (ICSG)، فإن ما يقرب من ثلث استخدام النحاس العالمي في عام 2023 جاء من مصادر مُعاد تدويرها، وتُعَد الدول المتقدمة المصدر الرئيس لنفايات وخردة النحاس لإعادة التدوير، ففي عام 2023، استحوذت الولايات المتحدة وحدها على 14.5% من صادرات نفايات وخردة النحاس العالمية، تليها ألمانيا واليابان بنسبة 6.7% لكل منهما، ثم ماليزيا 5%، فهولندا 3.7%.

وفي إطار تعزيز الشفافية وفهم ديناميكيات سوق الخردة، أطلقت المجموعة الدولية لدراسة النحاس عددًا من المشروعات البحثية، من أبرزها: مشروع دولي لتحليل تدفقات النحاس المُعاد تدويره ومعدلات إعادة التدوير والسياسات المؤثرة على جمع وتداول هذه الخردة. وقد أسهمت هذه المشروعات في توفير بيانات دقيقة لصناع السياسات والمستثمرين، ووضعت أسسًا مهمة لدعم تطوير سوق الخردة عالميًّا.

وفي عام 2024، أطلقت المجموعة مشروعًا تحليليًّا جديدًا لتقييم اتجاهات إنتاج المصاهر الثانوية، وتحسين البيانات المتعلقة بالإنتاج الثانوي، ودراسة القضايا التنظيمية التي تؤثر على تدفقات النحاس المُعاد تدويره. ومن المتوقع أن تؤدي هذه الجهود إلى زيادة المعروض العالمي من النحاس المكرر، وتعزيز دور الاقتصاد الدائري في القطاع.

وبناء عليه، أصبحت إعادة التدوير اليوم جزءًا جوهريًّا في صناعة النحاس الحديثة، ليس فقط كمصدر بديل للمواد الخام، بل كأداة استراتيجية لدعم الاستدامة البيئية وتحقيق التوازن في السوق العالمية في ظل تنامي الطلب وتحديات العرض.

وأوضح المركز أنه مع تسارع التحول العالمي نحو الطاقة النظيفة والاقتصاد الرقمي، يشهد الطلب العالمي على النحاس -أو ما يُعرف بـ"الذهب الأحمر"- ارتفاعًا غير مسبوق، نظرًا لدوره الحيوي في البنية التحتية للطاقة المتجددة، والرقمنة، والنقل الكهربائي، والتصنيع المتقدم.

وفي ظل هذا المشهد، تسعى الدول الغنية باحتياطيات النحاس إلى تأمين موقعها في السوق العالمية عبر تعزيز سلاسل الإمداد، وتوسيع الاستثمارات في قطاع التعدين، وتطوير الصناعات المحلية المرتبطة به.

وذكر المركز أن التجربة الحالية في دول مثل: تشيلي، وبيرو، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، تشير إلى توجهات واضحة نحو زيادة القيمة المضافة، وذلك عن طريق تحديث منشآت التكرير والصهر، وتشجيع المعالجة المحلية للمواد الخام. إلا أن هذه الدول ما زالت تواجه تحديات هيكلية مزمنة، أبرزها: تقلبات أسعار السلع الأساسية، وضعف البنية التحتية، وتذبذب السياسات الاقتصادية، والفجوات في تعقيد هيكلها الإنتاجي. فعلى سبيل المثال، تمتلك إندونيسيا قدرات صناعية نسبية متقدمة مقارنة بدول مثل: زامبيا، والكونغو، ما يُبرز الحاجة إلى سياسات تنموية شاملة تشمل الاستثمار في البنية التحتية، وتنمية المهارات، وتعزيز التكامل الإقليمي.

أما من منظور السياسات التجارية، فيُظهر هيكل الرسوم الجمركية على منتجات النحاس في عام 2023 تعقيدًا واضحًا، إذ تُفرَض رسوم منخفضة على النحاس المكرر وسبائكه (أقل من 2% في الأسواق الكبرى)، مقابل رسوم أعلى على المنتجات النحاسية شبه المصنعة، كالأسلاك والأنابيب والصفائح (تصل إلى 8% في كوريا الجنوبية و7.5% في الهند). ويعكس هذا التفاوت محاولات الدول المستوردة لحماية صناعاتها التحويلية، مما يُقلل الحوافز لدى الدول المصدِّرة لتطوير صناعات القيمة المضافة محليًّا، ويُعمِّق الفجوات في سلاسل القيمة العالمية.

في السياق ذاته، تواجه صناعة النحاس العالمية تحديات إضافية، على رأسها تراجع جودة الخامات، وارتفاع التكاليف، وطول فترة تطوير المشروعات (التي تصل إلى 25 عامًا في بعض الحالات)، إلى جانب ارتفاع المخاطر الجيوسياسية وقيود التجارة، وللتغلب على هذه التحديات، يتطلب الأمر تسريع الاستكشافات، وتبسيط إجراءات التصاريح، وتقديم الحوافز المالية، ودعم الاستثمار في تقنيات الاستخراج والرقمنة الصناعية. كما يُعَد تنويع مصادر الإمداد أمرًا حاسمًا، إذ يمكن للشراكات التجارية الاستراتيجية بين الدول المنتجة والمستهلكة أن تُخفف من القيود الجمركية، بينما يُعزز تكوين سلاسل قيمة إقليمية أكثر تكاملًا لمرونة الصناعة واستدامتها.

وتُعَد الاستفادة من آليات التجارة التفضيلية، مثل: مبادرة "كل شيء ما عدا السلاح"(EBA) الأوروبية، أو نظام الأفضليات المعمم (GSP)، فرصة ثمينة للدول النامية لتوسيع صادراتها من النحاس المُصنَّع بدلًا من المواد الخام فقط. كما يمثل تشجيع التصنيع المحلي للنحاس -عبر دعم الصناعات التحويلية، وتقديم حوافز ضريبية، وإنشاء مناطق صناعية متخصصة- خطوة ضرورية نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي الصناعي وزيادة القدرة التنافسية عالميًّا.

وفي ظل محدودية التوسع السريع في الإنتاج الأوَّلي، تبرز أهمية الاقتصاد الدائري كمسار حيوي لسد الفجوة المتزايدة بين العرض والطلب، حيث أن إعادة تدوير النحاس واستخدام الخردة الصناعية يسهمان في تقليل الانبعاثات وتحقيق الاستدامة. وتؤكد التوجهات الحديثة ضرورة دمج الإنتاج الثانوي بشكل استراتيجي ضمن منظومة سلاسل الإمداد العالمية للنحاس.

ومن المتوقع أن يرتفع إنتاج مناجم النحاس بنسبة 3.5% في 2025، رغم إغلاق منجم "كوبري بنما-Cobre Panamá" الذي خفَّض الإنتاج 330 ألف طن. أما فيما يتعلق بإنتاج النحاس المكرر فمتوقع أن ينمو بنسبة 1.6% في 2025، مدعومًا بالتعافي من الصيانة وزيادة المنشآت في عدة دول. وبخصوص الاستهلاك العالمي للنحاس المكرر، فإنه سيرتفع بنسبة 2.7% في 2025، مع نمو قوي خارج الصين.

كما أنه من المتوقع أن يبلغ فائض النحاس المكرر نحو 194 ألف طن في 2025، مع تحذير من تغيرات في المخزونات الصينية التي قد تؤثر على التقديرات.

أشار التقرير في ختامه إلى أن النحاس يشكل حجر الزاوية في التحولات الاقتصادية والتكنولوجية التي يشهدها العالم اليوم، ويظل الطلب عليه في تزايد مستمر مع توسع الاقتصاد الأخضر والرقمي، وبالرغم من وفرة الاحتياطيات في بعض الدول، تواجه صناعة النحاس تحديات كبيرة تتعلق بجودة الخام، والمخاطر الجيوسياسية، والقيود البيئية. هذه التحديات تتطلب تبني استراتيجيات متكاملة تشمل: تطوير التعدين، وتعزيز إعادة التدوير، ودعم التصنيع المحلي، بالإضافة إلى بناء شراكات دولية متوازنة. هذا، ويمثل توظيف مبادئ الاقتصاد الدائري والتكنولوجيا الحديثة العنصر الأساسي في تحقيق الاستدامة وتلبية الطلب العالمي المتنامي على "الذهب الأحمر" في المستقبل القريب.

اقرأ أيضاًمعلومات الوزراء يسلط الضوء على قصة أول سائقة للقطار الكهربائي الخفيف LRT في مصر

معلومات الوزراء: البورصة السلعية صمام الأمان للأسواق وآلية فعالة لضبط الأسعار

«معلومات الوزراء»: 17.3 مليون سيارة كهربائية تم بيعها على مستوى العالم في 2024

مقالات مشابهة

  • «مدبولي» يستعرض حصاد عمل وزارة البيئة في الفترة من 2018 إلى 2025
  • قيادي بمستقبل وطن: إطلاق إستراتيجية المدن الذكية خطوة جادة للنهوض بالعمران في مصر
  • محافظ المنيا يفتتح مجمع الذكاء المكاني لدعم التحول الرقمي وتعزيز الخدمات الذكية
  • آيفون 17 قد يخسر هذه الميزة الجديدة بينما باقي الهواتف تستفيد منها
  • أضاحي العيد في اليمن :تراكمات مالية من الريف إلى المدينة وأسعار خيالية يعجز الفقراء عن توفيرها
  • محافظ القاهرة يدعو المهتمين بالتعرف على مدينة القاهرة بأماكنها وشخصياتها إلى استخدام تطبيق ذاكرة المدينة
  • «معلومات الوزراء» يستعرض مستقبل النحاس في ظل التحول الرقمي والثورة الخضراء
  • آلاف فرص العمل والوحدات السكنية المطلة على النيل إطلاق مدينة "جِريان" الذكية بمحور الشيخ زايد
  • ديوان المحاسبة يستعرض «حوكمة التقنية» في اليوم الوطني لتقنية المعلومات
  • مدبولي: مشروع جريان نقلة نوعية في مستقبل المدن الذكية صديقة البيئة