لجريدة عمان:
2025-07-30@23:28:53 GMT

اقرأ لي رواية

تاريخ النشر: 30th, July 2025 GMT

أنطونيو مونيوث مولينا

ترجمة: حسني مليطات

طلب مني عمّي، الذي كوّن ثروة مهمة في حياته أنّ أنصحه بكتب لتقرأها بناته، اللاتي أوشكن على الخروج من سنّ الطفولة، والبدء بمرحلة عُمرية جديدة، فقال لي: «أريد كتبًا مُؤَسِّسة، ليست بروايات، ولا شيء من هذا القبيل». تجدر الإشارة إلى أنّ عمي وصل إلى مكانته الاجتماعية المرموقة دون الحاجة إلى قراءة ولو كتاب واحد، ومع ذلك، له قناعته الصارمة حول ما لا ينبغي على بناته ألا يقرأنه، ولا يعزو سبب ذلك إلى الظّن المتعارف عليه عن الانحلال الأخلاقي في بعض الروايات، لا سيما عند النساء، بل بسبب توجسّه من «الخيال».

ما الفائدة من قراءة حكايات مختلقة عن أناس لا وجود لهم؟ أتذكر الآن عمي المسكين؛ لأنني أقرأ هنا وهناك تقارير وتحاليل عن اللامبالاة المتزايدة، بل وحتى الرفض الصريح من الرجال للكثير من الروايات، وخاصة عند الشباب، أو أولئك الذين هم في مرحلة المراهقة الأولى. إنّ ما يرصده الخبراء اليوم، وبهذه الحدّة، يعرفه أيّ كاتب يهدي كتبه إلى عدد من القُرّاء، أو يلقي محاضرةً، أو يقبل دعوة من نادٍ للقراءة. إحصائيًّا، القارئ «قارئة»، تمامًا كما أنّ الممرض «ممرضة». وكما يوجد قُرّاء ذكور ممتازون، يوجد أيضًا ممرضون رائعون في عملهم، لكن منذ منتصف القرن الثامن عشر، وتحديدًا حين شاع فنّ الرواية، لوحظ بأنّ جمهورها الأكبر كان من النساء، وهو ما جعل البعض يُعدّ ذلك دليلًا على ضعف الاتساق الفكري لهذا الشكل الأدبي. وقد استطاعت بعضُ النساء، وخاصة في بريطانيا وفرنسا، أن يصنعن لأنفسهنّ «مهنة أدبية»، وقد نجحن في ذلك؛ لأنها، كما ترى فرجينيا وولف، من أرخص المهن. فامرأة مثل جاين أوستين تحمّلت كلفة المواد القليلة التي نحتاج مثلها في عصرنا الحالي؛ لتحقيق فعل الكتابة، مثل: الحبر، والورق، والريشة، وشيء من الكسل.

ويوجد عنصرٌ آخر أساسي، رغم مجّانيته، وهو: فضول التعرّف على حياة الآخرين، والقدرة على التخيّل، الذي يُتيح مراقبة الحياة نفسها من الداخل والخارج، وبسرد تجارب الآخرين، كما لو أن المرء عاشها أو ما زال يعيشها إلى الآن. إنّ تلك القدرة التي يمتلكها الروائي يقابلها، بشكل دقيق، قدرة القارئ على العيش المتخيّل لحياة الأشخاص المُتخيلين في الرواية، ولا يكون ذلك خبط عشواء، ولا بتقريب تلك الشخصيات بآخرين من الواقع، وإنما من خلال تلك الآلية المعقدة، التي سمّاها الشاعر كوليردج التعليق المؤقت أو المشروط للشك وعدم التصديق. أنا أعرف بأنّ الأمير أندريه بولكونسكي وفريدريك مورو ليسا شخصيتين حقيقيتين، موجودتين في الواقع، لكن عندما ينظر بولكونسكي، المصاب بجروح خطيرة في معركة أوسترليتز، إلى السماء الزرقاء الصافية، ويتملّكه شعور الحزن بدنوّ الأجل في سن مبكر، أو عندما يودّع فريدريك مورو حبيبته، مدام أرنو، وينظر إليها وهي تبتعد ببطء بشعرها الأبيض، في هاذين المشهدين من روايات «الحرب والسلم»، و«التربية العاطفية»، يخنقني الحزنُ، لدرجة أنني لا أستطيع أن أتمالك نفسي، فتبلّ الدموع عينيّ. ولذلك، يقول مارسيل بروست: إنّ الأدب، والموسيقى، والفن، السبيل الوحيد لمعرفة نفوس الآخرين، الموسومة بـ«علامات» من الكلمات والإيماءات، التي تظلّ موضع شكّ دائمًا».

يعيش كلّ واحد منّا مُقيّدًا داخل حياته الخاصة، في بيئة محدودة من الأشخاص والأماكن، وفي زمن مُنح قصيرًا لهذا العالم. لا أعتقد بأنّ الروايات تواسينا عن تفاهة الواقع، ولا تتيح لنا الاستمتاع بمشاعر أقوى وأصدق من تلك التي تُقدّمها لنا الحياة؛ فبالطبع هناك روايات سيئة، وروايات بغيضة، وروايات قد يكون لها، في بعض الأحيان، تأثير مُدمّر، في لحظات أو في فترات الهشاشة المُطلقة. ومع ذلك، فأنا مقتنع بأنّ امتلاك «عادة» قراءتها، وتثقيف الذات نقديًّا، ومع توليد الحماس أثناء ممارسة فعل القراءة نفسه، يمكن أن يُنير لنا الطريق للتعريف بذواتنا والآخرين، دون أن ننسى أهمية تلك الروايات في التسلية السليمة والزهيدة؛ ففي الأدب، كما يقول إسحاق باشيفيس سينجر «الحقيقة المملة ليستْ حقيقة». إنّ عالم اليوم، الذي يبدو أنّه يمنحنا منظورات غير محدودة لكل شيء، يحصرنا في قوقعة التشابه والانتماء القبلي: هويتك الجنسية، ومبادئك الأيديولوجية، والجيل الذي تنتمي له. إنّ الرواية الجيدة تُعلّمك تذّوق الفروق اللامتناهية للخاص وغير القابل للاختزال، وتُعرّفك على الأخوّة العميقة التي قد تربطك بمن يبدو غرباء عنك: أشخاص من زمن آخر، ومن جنس آخر، ومن طبقة مختلفة، ويتحدثون بلغة أخرى غير لغتك، للتعرف، فجأة، على ذاتك بهوية، نادرًا ما تجدها عند معاصريك، لا سيما بين المجموعة التي تنتمي لها، برغبتك، وتكيّفك، وبكامل قوّتك.

يتحدث بعضُ المؤرخين عن زمنٍ، بدأ تقريبًا في عصر التنوير، حدث فيه ما أطلق عليه «توسعة الدائرة الأخلاقية». الزمن الذي يتزامن أيضًا مع بداية العصر الذهبي لفنّ الرواية. بدأ الأشخاص أو الجماعات الذين حرموا من إنسانيتهم، أو وصفوا بمستويات دنيا، بالحصول على حق الاعتراف بهم، وبحقوقهم، وبمساواتهم مع الآخرين. وبينما كان المستكشفون والتُجّار يُخضعون الشعوب الأصلية باسم تفوّق الإنسان الأبيض، كان هناك مفكرون مثل ديدرو وغيره الكثير، بينهم نساء، يدينون الاستغلال والعنف الاستعماري، وينددون بالعبودية، مُتخيّلين أنّ أولئك الأشخاص من ذوي البشرة المختلفة، وأنماط العيش المغايرة، يستحقوّن أن يُدرجوا ضمن دائرة أخلاقية، عرفت بأنها كانت، في ذلك الوقت، حكرًا على «الذكور البيض»، من ذوي السلطة الاقتصادية. دافع الروائي والفيلسوف جان جاك روسو عن مبدأ المساواة بين البشر، غير أنّ ماري وولستونكرافت ذكّرت أتباعه -أتباع روسو- في الثورة الفرنسية بأنّ الإعلان العالمي عن حقوق الإنسان والمواطنة لن يكون فاعلًا إلا إذا شمل حقوق المرأة. وعُرفت ابنتها ماري شيلي بشجاعتها الموروثة من أمها، فقد رسمت من ملامح «فرانكشتاين» الشخصية الإنسانية التراجيدية لأشد الكائنات إقصاء عن الدائرة الأخلاقية، «فرانكشتاين» ذلك المخلوق المسخ الذي تبرأ منه خالقه نفسه؛ مذعورًا من هيئته. وسلط الاهتمام الأكبر بمسألة المعركة السياسية ضد العبودية، حين انضمّت إلى الحُجج النظرية شهادات صادقة من عبيد فارّين، رووا بأنفسهم قصص استعبادهم، وتمرّدهم، وشجاعتهم، ليجبروا خيال القُرّاء، من خلال ذلك السرد، على أن يتقمّصوا شخصيات المُضطهدين، وأن يتعرفوا، كما لو أنّهم ينظرون إلى مرآة مقلقة، على وجوه مَنْ صنّفوهم يومًا ما على أنهم أدنى منزلةً. تجدر الإشارة إلى أنّ العلم لم يتحرر كليًّا من أوهام العنصرية إلا بعد العقاب القاسي الذي فرضه النّازيون: فأفضل الأدب، هو الذي فتح عيون القُرّاء للتعرف على أدلة المساواة بين البشر، وعلى تفرّد كل واحد منهم.

لقد شهدنا بأعيننا اتّساع الدائرة الأخلاقية، سواء في القوانين، أو في الحياة اليومية، أو داخل العائلة نفسها، حيث بات ما كان، حتى وقت قريب، لا يُتخيّلُ أمرًا معتادًا: خيارات النّاس الحيوية والجنسية، والتابوهات القديمة التي تلاشت إلى حدّ لم يعد أحد يتذكرها. إنّ تخيّل ما لا يمكن تخيّله هي مهمة الروائي والمصلح الاجتماعي. لكن لأننا ما زلنا نتذكر البشاعة الجمالية والأخلاقية لماضٍ غارق في الأحكام المسبقة، فإننا نرتعب أكثر عندما نرى كيف أن الدائرة الأخلاقية عادت تضيق مرة أخرى: حيث الحدود القاطعة بين «نحن» و«الآخرين»، والحدود الذهنية التي تساعد الروايات على زوالها، والحدود الجغرافية التي عادت من جديد بكل ما في هذا العالم من تشدد سياسي وتوحش تكنولوجي. ففي غزة، وأوكرانيا، والسلفادور، ومناجم الجحيم في الكونغو، وأفغانستان، وفي الزنازين المحاطة بالتماسيح في فلوريدا، يُعذّب النّاس ويُبادون بكل سهولة، وكأنّ الآخرين لا يعرفون عنهم شيئًا، أو أنهم لا يريدون أن يتصوروا بأنّ أولئك الذين يعيشون في ذلك الجحيم هم بشر مثلنا.

حسني مليطات مترجم وأكاديمي في جامعة صحار

المقال عن صحيفة ألباييس الإسبانية، منشور بتاريخ 5/7/ 2025.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

طريقة التقديم على منحة العمالة غير المنتظمة 2025 .. اقرأ الشروط

طريقة التقديم على منحة العمالة غير المنتظمة 2025 هي محل اهتمام عدد كبير من المواطنين الراغبين في التسجيل ضمن منحة العمالة غير المنتظمة 2025، التي تأتي ضمن توجه الدولة لدعم الفئات المستحقة، والحد من تبعات الإصلاح الاقتصادي. 

وزارة العمل أتاحت منحة العمالة غير المنتظمة ضمن توجه الدولة لتوسيع آليات الدعم النقدي المباشر للفئات المستحقة.

ما هي منحة العمالة غير المنتظمة 2025

هي منحة أقرتها الدولة لمساندة الفئات الأكثر هشاشة اقتصاديًا، وتبلغ قيمتها حاليًّا 1500 جنيه، وتهدف إلى:

التخفيف من آثار التضخم وارتفاع الأسعار.تحسين مستوى المعيشة للعمال غير المنتظمين.

واقرأ أيضًا:

تنفيذا للتوجيهات الرئاسية| دعم متكامل ومنح للعمالة غير المنتظمة.. تفاصيلوزير العمل: الوزارة تعمل بشكل جاد على دعم العمالة غير المنتظمةوزير العمل: صرف 23 مليون جنيه تعويضات للعمالة غير المنتظمة خلال عامتنفيذا لتوجيهات الرئيس السيسي .. وزير العمل: 1000 جنيه زيادة للعمالة غير المنتظمةطريقة الاستعلام عن منحة العمالة غير المنتظمة 2025

يستطيع المواطنون الاستعلام عن منحة العمالة غير المنتظمة 2025، من خلال الخطوات الآتية:

ادخل إلى موقع وزارة العمل من خلال الضغط هـــــــنــــــــــــا.

اضغط على زر «العمالة غير المنتظمة» من القائمة الرئيسية.

أدخل رقمك القومي وتاريخ ميلادك ورقم الهاتف المحمول بدقة.

اضغط على أيقونة «استعلام» وسيظهر لك حالة الطلب، إذا تم قبول الطلب، أو إذا كان قيد المراجعة، أو تم رفضه مع بيان السبب.

شروط الاشتراك في منحة العمالة غير المنتظمة 2025

وضعت وزارة العمل مجموعة من المعايير يتعين توافرها لدى المواطن المستحق لضمان الحصول على الدعم المالي بصورة عادلة ومنظمة:

أن يكون المتقدم يحمل الجنسية المصريةألا يكون لديه عمل ثابت أو راتب شهري منتظمأن يكون مقيم داخل جمهورية مصر العربية على نحوٍ دائمألا يكون مسجلا في وظيفة حكومية أو خاصة يتقاضى منها راتب أساسيأن يتراوح عمره بين واحد وعشرين سنة وستين سنةألا يكون قد حصل على دعم مماثل من قبل من أي جهة حكوميةأن يقدم صورة شخصية وبطاقة رقم قومي ساريةالفئات المستحقة لمنحة العمالة غير المنتظمة 2025

تستهدف منحة العمالة غير المنتظمة 2025 عدة شرائح من المجتمع، منها: 

العمالة اليومية غير المؤمن عليهم.الحرفيون مثل «الميكانيكيين والنجارين».سائقو المركبات غير المسجلين في التأمين.الباعة الجائلون وصغار التجار.العاملون المتضررون من ظروف اقتصادية طارئة. طباعة شارك منحة العمالة غير المنتظمة منحة العمالة غير المنتظمة 2025 طريقة التقديم على منحة العمالة غير المنتظمة طريقة التقديم على منحة العمالة غير المنتظمة 2025 طريقة الاستعلام عن منحة العمالة غير المنتظمة 2025 الاستعلام عن منحة العمالة غير المنتظمة 2025 وزارة العمل شروط الاشتراك في منحة العمالة غير المنتظمة 2025 الفئات المستحقة لمنحة العمالة غير المنتظمة 2025 الفئات المستحقة لمنحة العمالة غير المنتظمة ما هي منحة العمالة غير المنتظمة

مقالات مشابهة

  • الدقير: نرحب بتصريحات مناوي حول التواصل مع الآخرين
  • طريقة التقديم على منحة العمالة غير المنتظمة 2025 .. اقرأ الشروط
  • القائم بأعمال سفارة جمهورية أذربيجان بدمشق لـ سانا: القمة التي جمعت السيدين الرئيسين أحمد الشرع وإلهام علييف في العاصمة باكو في الـ 12 من تموز الجاري خلال الزيارة الرسمية للرئيس الشرع إلى أذربيجان، أثمرت عن هذا الحدث التاريخي الذي سيسهم في تعزيز التعاون ا
  • غريب في رواية كويتية.. قراءة في رواية قطط إنستجرام لباسمة العنزي
  • للكاتب جمال فايز.. مكتبة كتارا تناقش رواية «شتاء فرانكفورت»
  • بعد فحص الرسائل وتسجيلات الصوت.. المحكمة تشكك في رواية الطبيب وتبرئ فتاة التجمع من الابتزاز
  • فضيحة مدوية.. شاهد ما الذي كانت تحمله شاحنات المساعدات الإماراتية التي دخلت غزة (فيديو+تفاصيل)
  • معلومات عن حل الدولتين.. وتوقعات باعتراف 10 دول أخرى
  • رواية مغايرة لمقتل شادماني.. ابنته تتحدث عن عملية إسرائيلية مباشرة