من وراء السواد يتدلى الغصن الأخضر
تاريخ النشر: 23rd, October 2023 GMT
غالية عيسى
ربما يكون ليس من المنطقي أن تبحث عن بقعةٍ خصبة لتغرس فيها بذورك على أرضٍ غزاها الجفاف وأرَّقها اليباس، كما أنه ليس من المنطقي أن تتحدث عن الإيجابية وعن الوجه المضيء في اللوحة المعتمة التي تشكلت أمام أعيننا بفعل الانتهاكات الإنسانية التي يمارسها صهاينة الاحتلال أعداء الحياة ضد شعبنا الفلسطيني الشقيق في هذه المرحلة الصعبة من حياتنا جميعًا.
لكنني أبحث دائمًا عن الجزء المفقود في الصورة وأنظر إلى ما وراء السواد، إلى تلك المنطقة حالكة الظُلَمة والتي يتدلى من باطنها الغصن الأخضر؛ لذلك أقول إن الحرب على غزة اليوم أعادت تجميع أوراق القضية الفلسطينية في ملفٍ واحد حتى بات العالم كله مطلعًا عليها مُدركًا لتفاصيلها، واعيًا لمدى وحشيتها، بعد أن حاول الاحتلال الصهيوأمريكي على مدى سنوات طويلة تهميشها وغض أبصار العالم عنها كقضية ضاربة في عمق التاريخ العربي.
اليوم.. أصبحت أجيالنا تردد اسم فلسطين وتعي قضيتها بعد أن نجحت تكنولوجيا الآيباد في الاستحواذ على عوالمهم الإدراكية حتى أنهم يعيشون في معزل عن واقعهم وتاريخهم وقضاياهم المحلية والعربية، اليوم أصبح التلاميذ في مدارسنا يرسمون علم فلسطين بألوانهِ الصامدة في كراساتهم الصغيرة بحبٍ واهتمام ويرددون عبارات التنديد بالاحتلال كعدوٍ مشتركٍ بينهم.
يوميات الحرب على غزة هي انكسار إنساني كبير نعيشه جميعًا في الشرق والغرب، بمختلف أعراقنا ودياناتنا، نتوحد إنسانيًا؛ لأن الظلم لا صوت لهُ إلا عند من فقدوا إنسانيتهم وضمائرهم، اليوم يتوحد الإنسانيون من مختلف القارات في حب فلسطين: اسمها، علمها، تراثها، تاريخها، حاضرها، والدعاء لمستقبلها بصوت المحبة التي تؤلف بين القلوب السليمة والعقول الحكيمة.
كل ذلك الالتفاف العظيم حول القضية الفلسطينية هو من يمثل الغصن الأخضر الذي يتدلى من وراء سواد الحرب وأنين الفقد وبؤس الحال الذي يعيشه الشعب الفلسطيني العظيم والذي سيتجاوزه قريبًا عاجلًا بعد أن يكون قد قدم للعالم دروسًا كبيرة في الإباء والصمود والإيمان بحتمية الانتصار وإن كانت تقابلها رقدة الموت وسمو الارتقاء إلى أعلى مواطن البقاء والخلود في جناتٍ عالية.
وعلى الرغم من أن فلسطين جرح الإنسانية ووجع الشعوب العربية إلا أنها ستبقى أرض الأحرار وصوت الحرية، تلك الشجرة المثمرة التي تتشبث جذورها بثبات في أعماق الأرض وحين تتعب من شدة العطش لا تسقط أوراقها؛ بل ترتقي إلى السماء على هيئة شهداء يرحلون وتبقى غصونهم الخضراء متدلية؛ لتثمر من جديد وتحصد الحب والانتصار إلى ما لا نهاية.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
جيرمي كوربن يتحدى الحكومة البريطانية ويدعو لحركة عالمية لدعم فلسطين
أعلن الزعيم السابق لحزب العمال البريطاني، جيرمي كوربن، عن إطلاق تحقيق شعبي دولي مستقل في جرائم الحرب المرتكبة في قطاع غزة، وذلك بعد فشل تمرير مشروع قانون رسمي في البرلمان البريطاني، يمنح التحقيق صفة قانونية وصلاحيات موسّعة.
جاء ذلك خلال خطاب ألقاه كوربن، السبت، أمام المؤتمر الدولي الأول لتأسيس تحالف عالمي للتضامن مع فلسطين، والذي يُعقد في لندن، بمشاركة حقوقيين وسياسيين ونشطاء من مختلف دول العالم.
وأوضح كوربن أن التحقيق المرتقب سيُعقد يومي 4 و5 أيلول/ سبتمبر المقبل في قاعة "تشرش هاوس" التاريخية في وستمنستر، وهو ذات الموقع الذي ألقى فيه قبل سنوات خطابه الشهير بالاعتذار عن دعم حرب العراق.
وقال إنّ: "الحكومة البريطانية لم تكتف برفض التحقيق، بل رفضت حتى مناقشة مشروع القانون الذي قدمناه"، مضيفًا: "هذا ليس مفاجئًا، لكنه مخزٍ".
وأشار إلى أنّ التحقيق الجديد سيركز على ثلاث قضايا محورية: تجارة السلاح، وجرائم الاحتلال، وانتهاكات القانون الدولي في سياق الحرب الإسرائيلية على غزة، داعيًا شخصيات قانونية وحقوقية إلى تقديم شهادات مكتوبة ومرئية ومباشرة خلال جلسات التحقيق.
ونوّه كوربن إلى تصاعد الدعم العالمي للمساءلة الدولية، خاصّة من خلال مبادرة "مجموعة لاهاي"، التي تضم دولا من الجنوب العالمي تسعى لدعم قرارات محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية في ملاحقة مجرمي الحرب في فلسطين.
وأشاد بمواقف دول مثل جنوب أفريقيا، كولومبيا، ماليزيا، وإندونيسيا، التي واجهت ضغوطا شديدة وتهديدات بفرض عقوبات غربية، لكنها رفضت التراجع عن دعمها لفلسطين.
"لا مغادرة ولا استسلام.. بل مقاومة"
في خطابه، قال كوربن: "نعيش لحظة تضامن عالمية حاسمة مع الشعب الفلسطيني.. الاحتلال يسعى لفرض سيطرة دائمة على غزة والضفة، لكن الفلسطينيين لم يغادروا.. قرروا البقاء والمقاومة".
وأضاف: "علينا أن نقف مع الضحايا، مع من فقدوا أحبّتهم، مع من تنزف أرواحهم كل يوم. يجب وقف تصدير الأسلحة التي تُستخدم في الإبادة، ويجب بناء حركة عالمية تنهي هذا الظلم المستمر منذ عقود".
وعلى الرغم من الهجمات السياسية والإعلامية التي تعرض لها كوربن داخل بريطانيا، لاسيما من اللوبيات المؤيدة للاحتلال الإسرائيلي، بسبب دعمه الثابت للقضية الفلسطينية، إلا أنه واصل نشاطه الحقوقي والسياسي العالمي دون تراجع.
ويأتي إعلان كوربن في وقت تشهد فيه غزة كارثة إنسانية متفاقمة، في ظل استمرار الحصار الإسرائيلي وإغلاق المعابر بشكل كامل منذ 2 مارس/ آذار الماضي، ما أدى إلى تفشي المجاعة وحرمان السكان من الغذاء والدواء.
وأكدت وزارة الصحة الفلسطينية في غزة، أمس الجمعة، أن 122 فلسطينيًا، بينهم 83 طفلًا، قضوا بسبب الجوع وسوء التغذية منذ بداية الحرب في تشرين الأول.أكتوبر الماضي.
إلى ذلك، تُظهر مشاهد مؤلمة من القطاع أطفالا يعانون من هزال شديد وأعراض إعياء وفقدان وعي، في ظل غياب تام لأي ممرات آمنة أو آليات إغاثة فاعلة.
توزيع مساعدات مشبوهة
رغم تحذيرات الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية من تداعيات الحصار، شرع الاحتلال الإسرائيلي، منذ 27 أيار/ مايو الماضي، في تنفيذ خطة لتوزيع مساعدات إنسانية عبر ما تُعرف بـ"مؤسسة غزة للإغاثة الإنسانية"، وهي جهة مدعومة من الولايات المتحدة وتل أبيب، لكنها مرفوضة أمميا ومحليا بسبب شبهات التوظيف السياسي والإخضاع الأمني.
وتستهدف قوات الاحتلال المدنيين الفلسطينيين عند نقاط توزيع المساعدات، خصوصا في مناطق التماس العسكري، في محاولة واضحة لتفريغ الدعم الدولي من مضمونه وتحويله إلى أداة للابتزاز.
ومنذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، ويشن الاحتلال الإسرائيلي حرب إبادة جماعية على قطاع غزة، بدعم سياسي وعسكري مطلق من الولايات المتحدة، أسفرت عن سقوط أكثر من 203 آلاف شهيد وجريح، معظمهم من الأطفال والنساء، إضافة إلى ما يزيد على 9 آلاف مفقود، ومئات آلاف النازحين، ومجاعة تحصد الأرواح يومًا بعد يوم.