وزارة الري: انتهاء جولة جديدة من مفاوضات سد النهضة
تاريخ النشر: 24th, October 2023 GMT
انتهت مساء اليوم بالقاهرة جولة جديدة من مفاوضات سد النهضة، والتي عُقدت على المستوى الوزاري لمدة يومين بمشاركة الوفود المعنية من مصر، والسودان، وإثيوبيا.
وذكر المتحدث باسم وزارة الموارد المائية والري أنه تم التوافق على عقد الجولة القادمة في أديس أبابا، بغرض استكمال العملية التفاوضية التي بدأت على مدار الشهرين الماضيين، والتوصل بلا إبطاء لاتفاق على قواعد ملء وتشغيل السد الإثيوبي، وذلك بناء على توافق الدول الثلاث في أعقاب لقاء قيادتي مصر وإثيوبيا في ١٣ يوليو ٢٠٢٣.
FB_IMG_1698171854869 FB_IMG_1698171852684 FB_IMG_1698171850484 FB_IMG_1698171848117
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: السد الإثيوبي الموارد المائية والري تفاوض جولة جديدة سد النهضة عملية التفاوض مصر والسودان وإثيوبيا وزارة الموارد المائية
إقرأ أيضاً:
الرينيسانس: تأملات في عصر النهضة!
(1)
لا يمكن أبدًا كتابة تاريخ دقيق للفكر والثقافة المصرية في القرن العشرين، من دون الوقوف عند إحدى محطاته التكوينية الأساسية الفاعلة؛ فكرًا وثقافة وأدبًا وتاريخًا وفنًا وعلومًا وموسيقى! نعم. إننا بإزاء شخصية موسوعية تكاد تمثل "دائرة معارف عميقة وغزيرة" بكل ما تعني العبارة.
أتحدث عن طبيب العيون والبيولوجي وعالم البحار والموسيقيّ والفنان والمؤرخ الأديب الدكتور حسين فوزي (1900- 1988) الشهير بسندباد العلوم والمعارف والفنون والآداب؛ أحد أبناء الرعيل الأول من بناة النهضة المصرية الحديثة؛ جيل طه حسين، والعقاد، وتوفيق الحكيم، ومحمد حسين هيكل، وأحمد أمين، وأمين الخولي، وغيرهم،
وصاحب الاهتمامات العلمية والتاريخية والأدبية والموسيقية والفنية، الغزيرة، المتنوعة، والذي عاش عمره يدعو إلى التفكير العلمي، والنهضة والرقي الفكري والحضاري، كأحد رواد النهضة والتنوير في مصر في القرن العشرين.
والدكتور حسين فوزي مثقف واسع النظرة، يجمع بين العلم والأدب والموسيقى، ويعتنق رؤية حضارية مستنيرة أخلص لها في كل مراحل حياته وحتى وفاته؛ وتكشف مجمل أعماله رفيعة المستوى عن مفهوم مثالي للتنوير، كان يرى صورته المثلى في حركة النهضة الأوروبية التي تبلورت في الأراضي الإيطالية وعبرت عن نفسها كأحسن ما يكون التعبير فيما فعرف بنموذج "فلورنسا" الحضاري.
(2)
والدكتور حسين فوزي يمثل صورة نموذجية للمثقف الذي لا ينعزل في برجه العاجي ويكتفي بالنظريات المغلقة والقراءات لذاتها، فقد كان يحاول أن يؤثر ويغير ويخلق حالة من «الرينسانس» في مصر، وعلى مثال النموذج الأوروبي الذي أخلص له غاية الإخلاص؛ وكان سبيله إلى ذلك فن الموسيقى بنوع خاص، والذي سعى إلى غرسه في البيئة المصرية والعربية، على مثال الموسيقى الكلاسيكية الغربية، وكانت له جهوده التأسيسية التي لا تنكر في هذا المجال، وعن إغرائه لطه حسين لكي يؤسس لهذا الفن في عهده، وتوالت جهوده بعد ذلك من خلال مؤلفاته وأحاديثه الإذاعية، وشرحه للأصول الأولى لهذا الفن، وتقديمه للأعمال الكلاسيكية الجليلة، حتى استطاع هذا الفن بفضل مجهوداته أن يصبح حقيقة ملموسة في مصر، ومن خلال مؤسسات تنافس المؤسسات العالمية.
جوانب إسهامات الدكتور حسين فوزي عظيمة ومتسعة ومتشعبة، وإن كان يربط بينها جميعًا من أقصى درجات الإبداع والخيال إلى أقصى درجات الانضباط العلمي والموضوعي "النهضة" و"فن صناعة الحضارة" والبحث عنها، والبحث عن صيرورتها واتصالها.
(3)
والدكتور حسين فوزي من كبار مثقفي مصر والعالم العربي الذين أولوا هذا العصر اهتماما كبيرا وخصوه بمزيد من القراءة والدراسة والمعايشة؛ وقد تجلى هذا الاهتمام في إنتاج حسين فوزي ونشاطه الثقافي والمعرفي الكبير؛ وإن كان قد تجلى بشكل أكثر بروزا وحضورا في كتاب له صدر عن دار المعارف قبل ما يزيد على نصف القرن بعنوان «تأملات في عصر الرينسانس».
في هذا الكتاب صغير الحجم عظيم الفائدة يتناول المؤلف عصر الرينيسانس أو ما يعرف بعصر النهضة أو عصر الإحياء، وهي تلك الحركة الزاهرة التي بدأت في التبلور والانتشار في إيطاليا العصور الوسطى. "عصر النهضة" هو الذي أعقب القرون الوسطى، التي كان مركز السلطة فيها والهيمنة للكنيسة، وباسم الدين وقدسية الدين كانت الكنيسة تسيطر على عقول ووجدان وسلوك الناس في كل صغيرة وكبيرة من شؤون حياتهم وعلاقاتهم.. إلخ، جاء عصر النهضة بنظرة مغايرة تماما؛ عقب اهتزاز سلطة الكنيسة الكاثوليكية بظهور حركة الإصلاح الديني، وزاد في تصدع هذه السلطة وطأة ضربات التطورات العلمية والفكرية والاكتشافات الكونية.. إلخ،
وعرض الكتاب بإيجاز لهذه النظرة وقصة العلاقة بين الدين والسلطة، كما عرضها العالم المسيحي في الانتقال من العصور الوسطى إلى عصر النهضة الأوروبية، ليخلص في النهاية إلى أن الفكر الأوروبي لم يتحرر إلا بعد أن خلع عن نفسه نير الوصاية الكنسية.
ويوضح حسين فوزي في كتابه القيم أن تقوُّض سلطة الكنيسة وانقشاع الهيمنة التي كانت لها على نفوس الناس، لم يكن يعني (كما يفهم الكثيرون أو يتصورون وهما) أن مكانة الدين في نفوس البشر قد انزاحت. أبدا لم يحدث هذا! ولم يتحول الناس إلى كفار أو ملحدين كما يشيع في كتابات المحافظين والمتدينين عن تلك الفترة!
ولم يكتف المؤلف بالمراجع الموثوق بها التي تناولت هذا العصر، لكنه جمع إلى جانب هذا تأمله الخاص، خلال مشاهداته، ومعايشته لهذه الحضارة، متنقلاً بين فنونها وآدابها وآثارها. ويشعر القارئ أن مثل هذا الكتاب ينقله إلى مناطق التاريخ والأدب والفن، ويقرب حضارة العالم البعيد ليجعلها بين يديه دون أن يبذل من نفسه غير الرغبة في القراءة والاستمتاع والمعرفة.
(4)
الغريب أن هذا الكتاب القيم من بين كتب الدكتور حسين فوزي لم يحظ بالشهرة ولا الاهتمام التي حظيت بها سلسلة كتبه الشهيرة السندباديات مثلا (سندباد مصري، سندباد عصري، حديث السندباد القديم.. إلخ)، ولا مثلما حازتها كتبه الأحرى في مجال الموسيقى (عن الموسيقى السيمفوني، وبيتهوفن.. إلخ)
وربما يعود ذلك إلى أنه من كتبه المتأخرة فقد صدرت طبعته الأولى عن دار المعارف عام 1984 أي قبل وفاته بأربعة أعوام فقط (وإن كنت أشك في أن طبعته الأولى قد صدرت في هذا التاريخ لأسباب وشواهد نصية قد تضيق بها مساحتنا المحددة)، وكما جاء في ديباجة التعريف بالكتاب:
"... أجاد فيه تصوير روح الحضارة التي تكفلت بالانتقال من العصور الوسطي إلى عصور الإحياء، مناقشًا في هذا الصدد فلسفات وآراء وتصورات كبار رجال النهضة، كما تجلت في أعمال ميكيافيلي، والشاعر بترارك، والبابا إسكندر السادس، وميراندولا، ومقدمًا نبذات مهمة ووافية عن هذه الشخصيات.
عن أثر هذا الكتاب وقيمته وأهميته، يقول المرحوم رجاء النقاش في مقال له بالأهرام:
"بالصدفة، وقع كتاب في يدي للعالم والأديب الكبير الدكتور حسين فوزي (1900-1988) صديق توفيق الحكيم الدائم، وأحد الأدباء والمفكرين الرواد منذ الربع الأول من القرن العشرين وحتى نهاية هذا القرن العشرين،
وللدكتور فوزي كثير من الكتب المهمة على رأسها كتابه الشهير «سندباد مصري» والذي يروي فيه تاريخ مصر منذ أيام الفراعنة حتى العصور الحديثة بطريقةٍ فاتنة، تحتفظ للتاريخ بحقائقه الواضحة، ولكنها تقدم ذلك في أسلوب فني ساحر سهل بديع".
"كان الكتاب الذي وقع في يد النقاش، وهو يفتش عن كتاب يخرج معه بالصدفة، ويحمله إلى عصر غير عصره، أملًا في أن يبعده ذلك ساعات أو أياما عن مشاغل الواقع الراهن، هو كتاب الدكتور حسين فوزي وعنوانه «تأملات في عصر الرينيسانس»؛ الذي يصفه قائلا "والكتاب لطيف ومليء بالمعلومات الدقيقة، وهو كتاب صغير لا يجد الإنسان تعبًا في قراءته، ولا يستغرق وقتًا طويلًا في هذه القراءة. كتاب بسيط وممتع ومفيد وشديد التركيز في تقديم المعلومات الرئيسية عن عصر الإحياء أو عصر النهضة الأوروبية، وكاتبه من هذه الناحية يعرف موضوعه حق المعرفة".
(5)
وقارئ كتاب (تأملات في عصر الرينسانس) يخرج بانطباع له شواهده وإثباتاته على أن الدكتور حسين فوزي مثقف واسع النظرة، يجمع بين العلم والأدب والموسيقى، ويعتنق رؤية أوروبية أخلص لها في كل مراحل حياته وحتى وفاته. وسيجد قارئ الكتاب صورة للمثقف الذي لا ينعزل ويكتفي بالنظريات والقراءات، فقد كان يحاول أن يؤثر ويغير ويخلق حالة من «الرينسانس» في مصر، وعلى مثال النموذج الأوروبي الذي أخلص له غاية الإخلاص.
وكان سبيله إلى ذلك فن الموسيقى بنوع خاص، والذي سعى إلى غرسه في البيئة المصرية والعربية على مثال الموسيقى الكلاسيكية الغربية، وقد ركز في دعوته لهذا الفن على المفهوم الإنساني المشترك، الذي يخاطب الإنسان في كل مكان، دون محاولة منه للوقوف على «خصوصية» هذا الفن، التي اكتسبها خلال مسيرته في تاريخ الحضارة الأوروبية.. (وللحديث بقية)