دراسة: بكتيريا تنتج مادة صناعية مهمة من الصرف الصحي
تاريخ النشر: 25th, October 2023 GMT
يدخل كحول "البوتانيديول" (متعدد الوظائف) في تطبيقات صناعية مختلفة من إنتاج البوليستر والأدوية إلى مستحضرات التجميل.
وبينما يعتمد تصنيعه بشكل تقليدي على عمليات كثيفة الطاقة، فإن فريقا بحثيا صينيا وضع خطوة على الطريق نحو إنتاجه باستخدام البكتيريا ومياه الصرف الصحي الصناعي.
وخلال الدراسة المنشورة في العدد الأخير من دورية "نيتشر ساستنينابيليتي"، كشف الفريق البحثي -الذي يضم باحثين من معهد شنتشن للتكنولوجيا المتقدمة التابع للأكاديمية الصينية للعلوم، ومعهد هاربين للتكنولوجيا- عن تفاصيل طريقتهم الجديدة، وكيف نجحوا في توظيف البكتيريا البحرية سريعة النمو، التي تسمى "فيبريو ناتريجينس" لهذا الغرض، وذلك بعد أن قاموا بهندستها وراثيا بطريقة تجعلها قادرة على تحمل ملوثات الصرف الصحي الصناعي.
سبق أن حاولت فرق بحثية توظيف البكتيريا في معالجة مياه الصرف الصحي الصناعي، لكن لم تكن تلك الحلول الحيوية تصمد أمام الملوثات التي كانت تقضي على البكتيريا غير أن الفريق الصيني يزعم أنه نجح في التغلب على تلك المشكلة عن طريق الهندسة الوراثية.
وتتمتع بكتيريا فيبريو ناتريجينس في العادة بتحمل استثنائي لتركيزات الملح العالية، وقدرة على الاستفادة من مصادر الكربون المختلفة، ومع التعديلات الوراثية التي أدخلها الباحثون اكتسبت أيضا القدرة على تحمل الملوثات والمعادن الثقيلة في مياه الصرف الصحي، لتقوم ليس فقط بمعالجة المياه، ولكن بتحويل تلك الملوثات إلى مواد مفيدة مثل كحول البوتانيديول.
ويوضح بيان صحفي نشره الموقع الرسمي للأكاديمية الصينية للعلوم أن "مياه الصرف الصناعي الحقيقية بتركيبتها من الملوثات العضوية الرئيسية والمعادن الثقيلة والملوثات المعقدة، تكون سامة للخلايا البكتيرية ويصعب عليها معالجتها بكفاءة، كما أنها تحتوي على مستويات عالية من الملح والأكسجين المذاب، وبالتالي، فإنه من الصعب استخدام مياه الصرف الصحي كمواد خام للبكتيريا".
وللتغلب على تلك المشكلة، استخدم الباحثون الهندسة الوراثية لتمكين البكتيريا من التعامل مع الملوثات، وقاموا بتدريب السلالة المهندسة على استخدام مصادر مختلفة من المعادن والكربون من أجل إنتاج مادة شبه موصلة من مياه الصرف الصحي، يتم توظيفها في إنتاج كحول البوتانيديول.
أنتجت سلالة البكتيريا المهندسة وراثيا كبريتيد الهيدروجين من الملوثات، الذي لعب دورا محوريا في تسهيل إنتاج مادة شبه موصلة تمتص الضوء بكفاءة، وهي جسيمات كبريتيد الكادميوم النانوية.
وهذه الجسيمات النانوية، المشهورة بتوافقها الحيوي، يتم تنشيطها بواسطة ضوء الشمس، مما يساعد على توظيفها بكفاءة في إنتاج معزز بشكل كبير لكحول البوتانيديول.
وأظهرت كمية المادة المنتجة باستخدام هذا النهج الجديد أنها تتجاوز ما يمكن تحقيقه من خلال الخلايا البكتيرية وحدها. علاوة على ذلك، أظهرت النتائج قابلية هذا العملية للتوسع، إذ نجح الفريق البحثي في معالجة 5 لترات من مياه الصرف الصحي بدعم من ضوء الشمس.
وبذلك فإن هذه الطريقة، التي ابتكرها الباحثون، لا تتميز فقط ببصمة كربونية أقل، بل تقلل أيضا من تكاليف المنتج، مما يؤدي إلى تأثير بيئي أقل بشكل عام بالمقارنة مع كل من التخمير البكتيري التقليدي وطرق إنتاج كحول البوتانيديول، القائمة على الوقود الأحفوري.
رغم إعجابه بتلك الطريقة المبتكرة، التي وصفها بـ"المختلفة"، فإن إبراهيم الشربيني، المدير المؤسس لبرنامج علوم النانو بمدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا بمصر ومدير مركز أبحاث علوم المواد بالمدينة، لديه بعض التحفظات، منها عدم قابلية تلك الطريقة للتطبيق الصناعي.
ويقول الشربيني -في تصريحات هاتفية للجزيرة نت- إن "الصرف الصحي الصناعي يختلف من صناعة إلى أخرى، ومن منطقة إلى أخرى، ومن ثم فإنه لتطبيق تلك الطريقة يجب اختيار صرف صناعي بمواصفات خاصة، بحيث يحتوي على المعادن التي يمكن للبكتيريا استقلابها لتبدأ عملية الإنتاج، وهذا أمر يصعب من التطبيق الموسع لهذه المنصة".
أما التحفظ الثاني الذي يشير إليه الشربيني، فهو أن مياه الصرف المعالجة ستحتوي على مواد نانوية من كبريتيد الكادميوم، وهي مادة معروفة بتوافقها الحيوي، أي أنها غير ضارة لصحة البشر، ولكن لا يمكن إطلاق هذا الكلام بشكل مطلق.
ويقول "من المعروف أن تسرب هذه المادة إلى الجسم البشري بكميات كبيرة يحولها إلى مادة ذات تأثير سام، ومن ثم يجب أن تكون هناك آلية للتخلص من المياه المحتوية على تلك المادة بعد الحصول على المواد الكيميائية المطلوب تصنيعها".
ولا يرى الشربيني أن استخدامها في ري أشجار الزينة يمكن أن يكون حلا مناسبا، لأن المياه المحتوية على كبريتيد الكادميوم ستتسرب إلى المياه الجوفية، وتصل إلى الإنسان بشكل أو بآخر، ومن ثم يجب أن يكون هناك حل لتلك المياه، بعد الحصول على المطلوب من مياه الصرف الصناعي.
يدرك الفريق البحثي هذه التحديات التي أشار إليها الشربيني، إذ إن التحدي الذي يواجههم حاليا، هو إيجاد نهج مجدٍ اقتصاديا وصديق للبيئة لتوسيع نطاق هذه التكنولوجيا بشكل صناعي.
ويقول شيانغ جاو، الباحث بمعهد شنتشن للبيولوجيا التركيبية التابع للأكاديمية الصينية للعلوم والباحث الرئيسي بالدراسة، في تصريحات خاصة عبر البريد الإلكتروني للجزيرة نت "في الواقع، لقد أجرينا تجاربنا في كل من المفاعلات الحيوية سعة 30 لترا، و100 لتر، وعالجنا خلال التجارب 5 لترات، وأنتجنا منها 50 غراما من مادة (2.3- بوتانيديول)".
ويضيف أنه "لا تزال هناك تحديات عديدة قائمة عند النظر في تعزيز الإنتاجية الكيميائية في مياه الصرف الصحي، وتشمل هذه التحديات وجود ملوثات غير مطلوبة في عملية التفاعل، وضوء الشمس المتغير من يوم لآخر ومن منطقة لأخرى، والخطوات المعقدة التي ينطوي عليها الفصل الكيميائي والتنقية بعد إنتاج المواد المطلوبة".
ويتابع "تجب معالجة هذه المشكلات من أجل نجاح التطبيقات الواسعة النطاق في المستقبل، كما يجب أيضا تعظيم القيمة الاقتصادية لعملية المعالجة، عبر إنتاج عديد من المواد، وهو ما نجحنا فيه بعد نشر الدراسة".
ويستطرد "أنتجنا مواد كيميائية أخرى غير (2.3- بوتانيديول)، فعلى سبيل المثال، قمنا بتصنيع الأيزوبرين، وهو مكون أساسي في المطاط الصناعي".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الصرف الصحی الصناعی میاه الصرف الصحی من میاه الصرف
إقرأ أيضاً:
دواء يعالج السكري يعزز إنتاج البيض لدى الدجاج أيضا.. دراسة توضح
اكتشف باحثون في جامعة ولاية بنسلفانيا الأمريكية أن الميتفورمين، المعروف كعلاج لداء السكري من النوع الثاني ومتلازمة تكيس المبايض لدى البشر، يمكن أن يساعد الدجاج أيضا على وضع المزيد من البيض.
وتحديدا، يساعد الميتفورمين دجاج التسمين، وهو سلالة دجاج اللحم، على الحفاظ على خصوبته لفترة أطول وإنتاج المزيد من البيض مع تقدمه في العمر، حسب تقرير نشره موقع "scitechdaily" وترجمته "عربي21".
على الرغم من أن العلماء كانوا على دراية منذ بضع سنوات بأن الميتفورمين يُحسّن وضع البيض لدى الدجاج، إلا أنهم اكتشفوا مؤخرا آلية عمله. وقد نُشرت النتائج مؤخرا في مجلة بيولوجيا التكاثر.
لعقود، خضعت دجاجات أمهات اللاحم لتربية انتقائية لإنتاج ذرية سريعة النمو، مما يُساعد على توفير لحوم دجاج بأسعار معقولة في جميع أنحاء العالم. ولكن هناك جانب سلبي: مع تقدم هذه الدجاجات في السن، تنخفض خصوبتها بسرعة. يُشبه هذا الانخفاض في إنتاج البيض ما يحدث لدى النساء المصابات بمتلازمة تكيس المبايض، وهو اضطراب هرموني يؤثر أيضا على الخصوبة.
وهنا يأتي دور الميتفورمين. فالدواء نفسه الذي يُساعد على تنظيم الهرمونات وتحسين الخصوبة لدى النساء المصابات بمتلازمة تكيس المبايض، يُظهر الآن نتائج واعدة في تحقيق نتائج مماثلة بشكل ملحوظ لدى الدجاج.
فوائد لعلاج الخصوبة البشرية من دراسات أجريت على الدجاج
متلازمة تكيس المبايض، وهي اضطراب هرموني يصيب النساء ويتميز بعدم انتظام الدورة الشهرية، هي أكثر حالات الغدد الصماء انتشارا، إذ تصيب ما بين 4% و12% من النساء تقريبا، وهي السبب الرئيسي للعقم لديهن، وفقا للمعاهد الوطنية للصحة. يُستخدم الميتفورمين غالبا خارج نطاق الوصفة الطبية لعلاج أعراض متلازمة تكيس المبايض، حيث يُحسّن حساسية الأنسولين، ويُخفّض مستويات الهرمونات الزائدة، ويُساعد على تنظيم الدورة الشهرية، مما قد يُعزز الخصوبة.
في دراسة أجريت عام 2023 ونُشرت في مجلة "ريبوراكشن"، أعطى باحثون في جامعة ولاية بنسلفانيا مجموعة من الدجاج جرعة يومية صغيرة من الميتفورمين على مدى 40 أسبوعا. كانت النتائج مُلفتة للنظر: وضعت الدجاجات بيضا أكثر خصوبة، وانخفضت نسبة الدهون في أجسامها، وأظهرت مستويات هرمونات إنجابية أفضل من تلك التي لم تُعطى الدواء.
تحسين الصحة الإنجابية والأيضية
صرح راميش راماشاندران، الباحث الرئيسي في الدراسة وأستاذ علم الأحياء الإنجابية في كلية العلوم الزراعية: "تشير هذه النتائج إلى أن الميتفورمين يُمكن أن يُحسّن بشكل ملحوظ وظيفة المبيض لدى دجاج التسمين".
ثم تعمق الباحثون في البحث لمعرفة ما يحدث بالضبط داخل أجسام الطيور، ووجدوا الإجابة في الكبد. يلعب الكبد دورا رئيسيا في تكاثر الطيور، إذ يُنتج فيه سلائف صفار البيض. باستخدام تقنيات تسلسل الجينات المتقدمة في معاهد هاك لعلوم الحياة بجامعة ولاية بنسلفانيا، حلل الفريق الحمض النووي الريبوزي (RNA)، وهو المادة الوراثية التي تُنظم العديد من الوظائف البيولوجية، من عينات الكبد.
جينات مُفعّلة ومُعطّلة بواسطة الميتفورمين
كشفت نتائجهم، المنشورة في ورقتهم البحثية الأحدث في مجلة بيولوجيا التكاثر، أن الميتفورمين "فعّل" العديد من الجينات المُشاركة في إنتاج بروتينات صفار البيض والحفاظ على استقرار مستوى السكر في الدم. في الوقت نفسه، عطّل الميتفورمين الجينات المرتبطة بتراكم الدهون، مما يعكس آلية عمل الميتفورمين لدى البشر الذين يعانون من اضطرابات أيضية.
وصرحت إيفلين ويفر، باحثة ما بعد الدكتوراه والمؤلفة الرئيسية لكلا الدراستين: "بشكل أساسي، يساعد الميتفورمين الدجاجات الأكبر سنا على الحفاظ على صحة أيضية أفضل، مما يسمح لها بالاستمرار في إنتاج البيض بما يتجاوز بكثير معدل انخفاضها المعتاد".
وأضاف الباحثون أن هذه النتيجة قد تكون لها آثار كبيرة على تربية الدواجن. فمن خلال زيادة إنتاج البيض لدى دجاج التسمين، قد يتمكن المزارعون من تقليل معدل دوران القطيع، وتحسين رعاية الحيوانات، وزيادة الكفاءة - كل ذلك باستخدام دواء آمن وبأسعار معقولة.
وأشارت ويفر إلى أن الميتفورمين يتم استقلابه بسرعة في هذه الدجاجات، لذا فهو لا يشكل أي خطر من دخوله إلى إمدادات الغذاء البشري.