قيادي في حزب الله للجزيرة نت: إسرائيل ستدفع ثمنا باهظا إذا شنت حربا على لبنان
تاريخ النشر: 28th, October 2023 GMT
بيروت – يواصل حزب الله معركة إشغال واستنزاف جيش الاحتلال الإسرائيلي في جبهته الشمالية منذ اندلاع المواجهات بينهما ضمن قواعد اشتباك جديدة وواسعة على طول الحدود مع لبنان بعد عملية "طوفان الأقصى" في غلاف غزة.
ويرى مراقبون أن التراجع النسبي في حدة الاشتباكات بين حزب الله وجيش الاحتلال في اليومين الأخيرين، وبمعزل عما يحمله من تصعيد محتمل لاحقا، يكرّس تحكم حزب الله في إيقاع المعركة ضد إسرائيل، وتعزيز التمسك بسياسة الردع التي تم فرضها على إسرائيل من حيث التوقيت والشكل.
ولعل تسريبات الصحف الأميركية حول نصيحة الرئيس الأميركي جو بايدن ومساعديه إسرائيل بتجنب توسيع الحرب مع حزب الله تؤكد المخاوف من تداعياتها، بعدما أثبت حزب الله صدارة دوره ضمن معادلة "وحدة الساحات"، وبمنع إسرائيل -التي تحاول إجراء اختبار لعمليتها البرية بقطاع غزة- من الاستفراد بالمقاومة الفلسطينية.
في هذه الأثناء، ورغم استمرار رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو وأركان جيشه في إطلاق التهديدات لحزب الله وتحذيره بتدمير لبنان إذا ما شن حربا عليها، يتابع حزب الله معركته العسكرية والنفسية أيضا ضد جيش الاحتلال، حيث يكتفي بإعلان ضرباته العسكرية في بيانات رسمية ومقتضبة يوميا، من دون الكشف عن آفاقها المقبلة.
ويرى محللون أن صمت الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، وعدم ظهوره في خطاب منذ عملية "طوفان الأقصى"، يؤرق الإسرائيليين الذين لا يتوقفون عن الكلام التصعيدي في ظل التساؤل: متى سيتحدث نصر الله؟ وماذا سيعلن؟
وفي مقابلة خاصة مع الجزيرة نت، يتحدث علي فياض النائب البرلماني والقيادي في حزب الله عن قراءته لهذه المرحلة، ويطلق رسائل قصيرة وموجهة من حزب الله إلى إسرائيل وحلفائها، وتحديدا واشنطن.
ويدرج عمليات الحزب في الجبهة الجنوبية ضمن تكتيك مدروس لمحور المقاومة بالمنطقة، وأنه جاهز ومستعد لاحتمالات التصعيد بشتى أشكالها، مؤكدا على مستوى التنسيق العالي مع حركة المقاومة الإسلامية (حماس) ومختلف فصائل المقاومة الفلسطينية، وعلى جاهزيتها العسكرية العالية في قطاع غزة.
وباسم حزب الله، يحذر فياض إسرائيل من دفع ثمن يفوق مخيلتها إذا ما شنت عدوانا على لبنان.
وفي ما يأتي نص الحوار:
تعد عملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الحالي لحظة مفصلية في تاريخ الصراع بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي. اليوم ومع مرور نحو ثلاثة أسابيع، كيف تنظرون في حزب الله إلى "طوفان الأقصى"؟ وما أبرز النتائج التي حققتها؟
لا شك في أن عملية "طوفان الأقصى" ذات قيمة استثنائية في تاريخ الصراع مع إسرائيل. أولا، من حيث قدرة المقاومة على إحاطة التخطيط والتحضير والتنفيذ بسرية كاملة. وثانيا، لأنها حصلت داخل فلسطين المحتلة. وثالثا، من حيث نتائجها العسكرية، ومن حيث العمق الذي بلغته وحجم الخسائر الإسرائيلية، ومن حيث أعداد الأسرى.
بالمجمل، كشفت مواطن ضعف إستراتيجية في القدرات الاستخباراتية والمعنوية والعسكرية لدى إسرائيل، وأظهرت قدرات استثنائية تمتلكها المقاومة على المستويات المختلفة.
إذن، ما أبرز التحولات والخسائر التي تكبدتها إسرائيل بعد "طوفان الأقصى"؟لقد أعلن العدو الإسرائيلي عن وجود ما يزيد عن 220 أسيرا لدى المقاومة، وما يقارب 1300 قتيل و100 من مجهولي المصير، فضلا عن مئات الجرحى.
بيد أن التحولات التي أنتجتها العملية تبقى الأهم، من ناحية عدم قيمة كل اتفاقيات السلام وعمليات التطبيع في تأمين الحماية والأمن والاستقرار للكيان الصهيوني.
والتحول الأهم، لقد عادت القضية الفلسطينية إلى واجهة القضايا العربية كقضية مركزية، وإلى صدارة القضايا العالمية كقضية متفجرة منتجة للاضطرابات الخطيرة إقليميا وعالميا، وأظهرت أن الكيان الإسرائيلي لا يزال في المربع الأول بكونه محتلا ومعتديا.
تواصل إسرائيل ردها على "طوفان الأقصى" بأشرس عدوان على قطاع غزة، وتقول إن هدفها هو القضاء على حركة حماس. ما تقييمكم لوضع حماس وفصائل المقاومة عسكريا وميدانيا؟نحن نعتقد أنه رغم المجزرة الفظيعة وغير المسبوقة التي يتعرض لها المدنيون في غزة، فإن العدو لم يتمكن من إلحاق أذى ذي تأثير في بنية المقاومة وقدراتها وتحضيراتها، ومما لا شك فيه أن هذه البنية تمتلك الكفاية العالية لمواجهة العدو في حالة الالتحام البري.
عندما استهدف العدو الإسرائيلي المستشفى المعمداني، ومن ثم الكنيسة الأرثوذكسية، فقد أراد إيصال رسالة مفادها أن لا خطوط حمراء في استهدافه للمدنيين وللأهداف في غزة وللتمهيد ربما لإمكانية انتقاله إلى استخدام أسلحة محرمة دوليا.
بيد أن ذلك ينطوي على إمكانية أن يتحول إلى قضية رأي عام دولي مؤثر، وفقا لمؤشرات المظاهرة الكبرى في لندن وللمظاهرة التي اقتحمت مقر الكابيتول في واشنطن.
ورغم قساوة وضراوة ما يحصل، فإن صلابة الشعب الفلسطيني وثبات المقاومة على خياراتها يشيران إلى المضي في المواجهة.
ألا تخشون مشروع تهجير جديدا للفلسطينيين في قطاع غزة، رغم تأكيد مصر والأردن (حتى الآن) عدم فتح حدودهما لهذه الغاية؟ وما أدوات التصدي لذلك؟إن مشروع تهجير الفلسطينيين خطر دائم بسبب رؤية أميركا وإسرائيل في التوسع العدواني وتخفيف الحضور السكاني المقاوم، ويجب أن تبقى اليقظة قائمة، ولا يستطيع أحد تنفيذ هذا المشروع مع حضور المقاومة في الميدان.
أعادت عملية غلاف غزة إلى أذهاننا إحدى كبرى المناورات العسكرية لحزب الله في مايو/أيار الماضي، حيث استعرض الحزب راجمات الصواريخ ونفذ محاكاة افتراضية لعملية اقتحام أراضي الاحتلال، فهل يمكن القول إن "طوفان الأقصى" تحاكي ببعض جوانبها مناورة حزب الله؟نحن لا ننكر التعاون وتبادل الخبرات ونقل الدروس المستفادة والمساعدة على مستويات مختلفة بين المقاومة الإسلامية في لبنان وفصائل المقاومة الفلسطينية. بل نعتبر أن من صميم دورنا مؤازرة المقاومة الفلسطينية على تطوير قدراتها.
تردد كثيرا في الآونة الأخيرة وجود غرفة عمليات مشتركة بين أطراف محور المقاومة. ماذا تقول؟
إن التنسيق بين أطراف محور المقاومة قائم، كما أننا نسعى دائما إلى تطويره لجعله أكثر فاعلية وتكاملا.
لماذا لم تقدم إسرائيل حتى اللحظة على تنفيذ عملية برية واسعة في غزة رغم اختباراتها المحدودة؟إن تردد إسرائيل في القيام بالعملية البرية يعود إلى أسباب عديدة، لكن لا شك في أن أحد الأسباب الرئيسية هو عدم يقينها في نجاح هذا الغزو، وقلقها من قدرات المقاومة المجهولة في إلحاق الهزيمة بها.
وأعتقد أنه من الصعب تذليل العقبات والمخاطر التي يتوقعها العدو، وما إطالة الزمن إلا للبحث عن الطرق الممكنة، وهذا صعب.
على مستوى جبهة الجنوب، نشهد يوميا وتيرة متصاعدة في المواجهة بين حزب الله وجيش الاحتلال. هل كسرت "طوفان الأقصى" قواعد الاشتباك التقليدية بين الحزب وإسرائيل؟عندما نتحدث عن قواعد الاشتباك بين المقاومة والعدو الإسرائيلي لا يقصد بها أي تفاهم مباشر أو رسمي، فهذا ليس واردا في حسابات المقاومة. لكن قواعد الاشتباك هي ترجمة لمعادلات الردع والتوازن التي فرضتها المقاومة على مدى تاريخها وخاصة بعد النصر الكبير في عدوان يوليو/تموز 2006.
أما الوضعية الراهنة فتقول إن المقاومة سترد على أي عدوان، ومهما تكن طبيعته صغر أم كبر، بالمثل وبما يفوق المثل، تبعا لتقدير المصلحة في حسابات المقاومة.
هل تمهد هذه الوتيرة المتصاعدة من التوتر إلى اشتعال الحرب في لبنان؟لقد فرضت المقاومة على العدو معركة إشغال واستنزاف وتشتيت لقواه العسكرية، وهي معركة تفضي إلى إنهاكه معنويا وعسكريا في ظل الخسائر الجسيمة التي تصيبه، ويتكتم عليها، وفي اضطراره إلى إجلاء مستوطنات الشمال وتعطيل دورة الحياة الطبيعية مع آثار اقتصادية كارثية.
إن أي تغير في وضعية المواجهة مرتبط بتطور الظروف التي تفرض أن تكون الخيارات مفتوحة.
ما تتعرض له غزة كسر كل قواعد وتجاوز كل حدود، والمقاومة الإسلامية في لبنان لا يمكن أن تؤدي دور حرس حدود للعدو الإسرائيلي، وليست معنية بأمنه أو الحؤول دون استهدافه من قبل فصائل المقاومة.
ما الظرف أو الحدث الذي يعد خطا أحمر عند حزب الله ويستدعي الدخول في حرب مفتوحة مع إسرائيل؟نحن نتحرك في إطار متحرك ميداني ومفتوح الأفق، تبعا لقراءتنا للتطورات وما تستوجب من تعاط قادر على تحقيق النتائج المرجوة.
ولقد أشرنا إلى أهمية نتائج عمليات المقاومة في الجنوب عسكريا، لكن ثمة أهمية استثنائية في المجريات الراهنة تكمن في أن العدو بات يدرك عمليا أنه لن يتمكن من الاستفراد بمواجهة أي طرف مقاوم، دون أن يترك هذا الأمر تأثيراته العملية على أدوار الأطراف المقاومة الأخرى.
هل ترون أن شعار وحدة الساحات في محور المقاومة، خصوصا بعد القصف الأخير من العراق واليمن، دخل حيز التطبيق؟ وهل الحرب الجارية يمكن أن تشعل حربا إقليمية؟نحن متمسكون بشعار وحدة الساحات، وثمة جهود كبيرة بُذلت، ولا تزال تبذل في سبيل توفير مقومات نجاح هذا الشعار، وما يجري راهنا يصب في هذا الاتجاه، ويشكل ترجمة لخطوة مهمة في هذا المسار.
وأمام تمادي العدو الصهيوني في مجازره، وفي ظل هذا الغطاء الغربي والشراكة الأميركية والعجز الدولي عن حماية المدنيين في غزة، فإن ذلك يضع المنطقة بأسرها أمام احتمالات شديدة الخطورة.
هل تتفقون مع من يرى أن جلب حاملات الطائرات الأميركية لشرق المتوسط يستهدف حزب الله حصرا؟إن الحضور العسكري الأميركي على مستوى حاملات الطائرات وغيرها، يجعل أميركا شريكا في تحمل مسؤولية ما يجري من مجازر وتداعيات. وإن المقاومة الإسلامية في لبنان تمارس دورها وواجباتها تجاه شعبها وقضاياها دون رضوخ لأي تهديدات مهما تكن طبيعتها أو الجهة التي تقف وراءها.
في حالة مفترضة، هل يمكن أن يستدعي اشتباككم مع القوات الأميركية، إن حصل، التدخل الإيراني في المعركة؟
نحن نقوم بدور فاعل في مواجهة العدو، وجاهزون تماما لأي تطور يطرأ في سياق المواجهة.
إذا قرر حزب الله فتح جبهة حرب مع إسرائيل، هل الساحة اللبنانية الداخلية مهيأة بالتفاهم السياسي لهذه الخطوة؟ وهل تقلقكم الأصوات المحذرة من جر لبنان إلى حرب؟إن حزب الله يقارب تعقيدات المرحلة بحكمة وشجاعة وبثبات وإدراك عميق للظروف كافة، وهو يتحرك في إطار دوره الإستراتيجي في مواجهة العدو الإسرائيلي، وبهدف مؤازرة غزة وحماية المصالح الوطنية اللبنانية.
يحذر البعض من الدمار الذي سيلحق بلبنان إذا شنت إسرائيل حربا عليه والتذكير بما حصل جراء حرب 2006، بما تردون؟نرد بأن العدو سيدفع ثمنا باهظا يفوق مخيلته إذا شن عدوانا تدميريا على لبنان.
كيف تقيمون المساعي الإقليمية، عربيا وغربيا، لوقف الحرب على قطاع غزة ومنع تمددها على جبهات أخرى في طليعتها لبنان؟للأسف الموقف العربي مخز ولا يرقى إلى مستوى ما تتعرض له غزة، أما الموقف الغربي فهو إما شريك في العدوان وإما متواطئ، بمعزل عن بعض الاستثناءات التي صدرت. في حين أن الموقف الشعبي في بعض البلدان يشكل مؤشرا واعدا على تحولات قد تؤدي دورا فعليا في إيقاف الحرب.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: المقاومة الفلسطینیة المقاومة الإسلامیة العدو الإسرائیلی المقاومة على طوفان الأقصى مع إسرائیل قطاع غزة حزب الله فی لبنان فی غزة من حیث
إقرأ أيضاً:
نائب أردوغان للجزيرة نت: إسرائيل تحاول استثمار الفوضى بالمنطقة لمصالحها
أجرى نائب الرئيس التركي جودت يلماز مقابلة خاصة مع موقع الجزيرة نت، حاوره فيها الصحفي كمال أوزتورك، تناولت قضايا محورية من السياسة الخارجية والوضع الداخلي، إلى الاقتصاد والحرب على غزة، ووجّه خلالها رسائل ذات أبعاد استراتيجية.
تجدون فيما يلي الأسئلة والأجوبة التي وردت في هذه المقابلة:
في وقت إجراء هذه المقابلة، وصل الرئيس السوري أحمد الشرع إلى تركيا في زيارة مفاجئة. ما سبب هذه الزيارة؟ وكيف تصفون العلاقات التركية السورية في الوقت الراهن؟
يلماز:
سوريا بلد في غاية الأهمية بالنسبة إلينا. فهي جارة، وتربطنا بها حدود تتجاوز الـ900 كيلومتر، ولدينا معها روابط تاريخية عميقة. ولهذا فإن أي تطور، سواء أكان إيجابيا أم سلبيا، يقع فيها، فإنما يمسنا عن قرب. لقد شهدت سوريا ثورة بعد أكثر من ستين عاما من الديكتاتورية، ومن حكم جائر وظالم. واليوم تدخل سوريا مرحلة جديدة. وأساس موقفنا من سوريا في هذه المرحلة يقوم على بناء الثقة والاستقرار فيها، وصون وحدتها وسلامة أراضيها.
وفي هذا السياق، نولي أهمية بالغة لقيام نهج حكم شامل يضم جميع مكونات المجتمع السوري. ومن جهة أخرى، نحن نتحدث عن بلد مُدمَّر، لا على مستوى البنية التحتية المادية فحسب، بل كذلك على مستوى المؤسسات. وهذا البلد بحاجة إلى إعادة بناء شاملة، تشمل الإطار القانوني والمؤسساتي، إضافة إلى إعادة تأهيل بنيته التحتية من طرق، وشبكات طاقة، ومناخ استثماري، واقتصادي. وتركيا تبدي أعلى مستويات التضامن مع سوريا في جميع هذه المجالات، وتسعى جاهدة لدعم استقرارها السياسي وأمنها، وهي مستعدة لتقاسم خبراتها وتقديم الدعم الكامل في مسيرة إعادة الإعمار.
إعلاننحن نؤمن أن استقرار سوريا وقيامها من جديد كدولة مزدهرة لا يصب في مصلحة الشعب السوري وحده، بل هو أمر حيوي للمنطقة بأسرها. فاستقرار سوريا سيساهم بقدر كبير في استقرار المنطقة ورفاهيتها. وإذا نظرنا إلى هذا الموضوع من منظور تركي، فإن سوريا أكثر أمناً واستقراراً بعد إعادة الإعمار ستعود على تركيا بفوائد جمة في شتى المجالات، وأنا أؤمن بذلك من أعماق قلبي.
تركيا تدعم وحدة سوريا، وتعارض تقسيمها، في حين تسعى إسرائيل إلى خلق سوريا مجزأة. هل هناك صراع على النفوذ بين تركيا وإسرائيل في هذا الشأن؟يلماز:
لقد دفع الشعب السوري ثمناً باهظاً جراء الصراعات، وهو يستحق الآن بيئة مستقرة وآمنة. وكما ذكرت، فإن تركيا تبذل قصارى جهدها لتحقيق ذلك. غير أن إسرائيل، من خلال انتهاكها للحدود، تقوم بأعمال تخل بالاستقرار، وتضر بمسار إعادة الإعمار في سوريا، ونحن لا نوافق مطلقاً على هذه الأعمال، ونعتقد أن الشعب السوري لا يستحق مثل هذا التعامل.
كنا وما زلنا نتحرك على جميع المنصات الدولية، ونتعاون مع جميع الدول المعنية بالقضية السورية لوقف هذه الانتهاكات التي تُعد خرقاً للقانون الدولي وحقوق الشعب السوري. ونأمل ألا تُمعن إسرائيل في ممارساتها هذه. وللأسف، فإنها تُظهر نفس السلوك في لبنان أيضاً.
نحن نرى حكومة نتنياهو تسعى إلى خلق منطقة غير مستقرة، وتحاول استثمار هذه الفوضى لمصالحها. بينما الواجب الحقيقي هو بناء بيئة مستقرة في المنطقة بأسرها. لذا فإن موقفنا واضح تماماً، ونحن لا نقبل بأي شكل من الأشكال هذه الاعتداءات الإسرائيلية على سوريا، ونكرر في كل مناسبة أنها تُعدّ انتهاكاة للقانون الدولي. ونحن مستمرون في جهودنا لتمكين الحكومة المركزية في سوريا وتعزيز مناخ السلام في المجتمع السوري.
ما مستقبل قضية "وحدات حماية الشعب" في سوريا، في ظل استمرار رفضها إلقاء السلاح والانخراط في تسوية سياسية، رغم الدعوات الموجهة لعبد الله أوجلان وحزب العمال الكردستاني ضمن إطار مشروع "تركيا بلا إرهاب"؟يلماز:
كما تعلمون، تمّ التوصل إلى اتفاق بين إدارة دمشق وقوات سوريا الديمقراطية، وتم تحديد خارطة طريق معينة. ما ننتظره هو الالتزام بذلك الاتفاق. فالأصل أن تعود السلطة في جميع المناطق، بما فيها تلك الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية، إلى الحكومة المركزية، وهنا نقصد سوريا الشاملة التي تضم جميع مكوناتها، لا نتحدث عن طائفة أو عرق أو مذهب بعينه.
نحن نقصد بسوريا الشاملة ذلك الكيان الذي يجتمع فيه، على أساس المواطنة المتساوية، السنّة، والعلويون، والمسلمون، والمسيحيون، والدروز، والأكراد، والتركمان، والعرب… نريد أن نرى جميع هذه المكونات تلتقي على أرضية المواطنة المتساوية.
وهذا لن يتحقق إلا بتمكين الحكومة المركزية. فنحن ننتظر تشكيل بنية حوكمة جديدة في سوريا تشمل تمثيلاً واسعاً عبر البرلمان، والدستور الجديد الجاري العمل عليه، وكل ما يلزم من مقومات بناء الدولة. وعندما يتحقق ذلك، فإن الأكراد، مثلهم مثل غيرهم من الأعراق، سيصبحون مواطنين من الدرجة الأولى في سوريا، وسيشاركون في الحياة السياسية والاقتصادية، وسيكون لهم دور إيجابي في إعادة إعمار سوريا، لا مثار جدل أو تهديد.
أما المسارات الأخرى، فإنها تُهدد وحدة سوريا وسلامة أراضيها، وتفتح الباب للتدخلات الخارجية. وهذا لا يخدم لا الأكراد ولا سوريا. ما يجب أن يكون هو أن تتعاون جميع المكونات التي تتقاسم تاريخاً وحضارةً واحدة منذ قرون، في بناء مستقبل مشترك لسوريا.
في هذا السياق، أرى أن عملية صياغة الدستور بالغة الأهمية. من الضروري أن تُدار هذه العملية بطريقة تشاركية، وأن تنتج إطاراً سياسياً شاملاً. لكن جوهر القضية يتمثل في تقوية الحكومة المركزية. فعندما تنجح هذه الحكومة في بناء قدراتها المؤسسية وتبسط سلطتها على كامل البلاد، فإن كثيراً من المشكلات ستزول من تلقاء نفسها.
ومن غير الصحيح أن ننظر إلى سوريا بعين الماضي أو بعقلية نظام الأسد. نحن الآن بصدد الحديث عن سوريا جديدة، يجب أن تتفادى أخطاء الحقبة الماضية. وإن وضع أي مجموعة نفسها في خانة الأقلية لن يجلب لها أي منفعة. بل يجب على الجميع أن يأخذ مكانه في سوريا الجديدة كمواطن من الدرجة الأولى، وعلى أساس المواطنة المتساوية.
كما أن رصيد سوريا الحضاري يُشكّل في ذاته أساساً صلباً لهذا البناء. فعندما نُطالع تاريخ سوريا، نرى أنها ليست بلداً عادياً، بل تحمل إرثاً حضارياً عظيماً، وشعبها يمتلك ثقافة تعايش راسخة. وحتى في زمن النظام القمعي، كنتُ ألاحظ أثناء زياراتي لها، وأنا وزير التنمية، أن المجتمع السوري كان قادراً على التعايش رغم كل شيء؛ ترى هذا في الأسواق، وفي الشوارع.
إعلانوهذا يدل على أن البنية الثقافية والتاريخية اللازمة متوفرة لدى الشعب السوري. ما يجب الآن هو أن تُترجم هذه الإمكانات إلى إطار قانوني يضمنها. وعندما ينجح الشعب السوري في ذلك، فإنه سيتجاوز سريعاً أي دعوات انفصالية أو نزعات تؤدي إلى صراعات داخلية.
هل تعتقدون أن لإسرائيل دوراً في تعنّت "وحدات حماية الشعب"؟
يلماز:
قد تكون هناك قوى، في مقدمتها إسرائيل، ترى مصلحتها في إبقاء سوريا في حالة صراع داخلي يجعلها عرضة للتدخلات. لكن هذه الرؤية لا تخدم الشعب السوري، ولا الأكراد، ولا العرب، ولا التركمان. لذلك، يجب أن يكون منظورنا منطلقاً من حاجات الشعب الحقيقية، وتطلعاته المشروعة. وأنا أؤمن أن الشعب السوري قادر على إنجاز ذلك.
يلماز:
بين الرئيس ترامب ورئيس جمهوريتنا تاريخ مشترك وتجربة عمل طويلة، أقاما خلالها علاقة قوية، وحافظا على حوار مستمر. وما نلاحظه اليوم هو أن هذه العلاقة تُستأنف على نحو إيجابي جداً. وقد تابعنا ذلك من خلال اللقاءات والتعليقات التي صدرت علناً، وأيضاً من خلال ما جرى في الكواليس.
وخلال زيارة ترامب إلى السعودية، أعرب عن استعداده للقدوم إلى تركيا إذا تصادف أن حضر الرئيس الروسي بوتين، في إطار ما يُثار حول أوكرانيا. كما أدلى ترامب بتصريحات مهمة بشأن رفع العقوبات عن سوريا، موضحا أنه اتخذ هذا القرار استجابة لتوصية من الرئيس رجب طيب أردوغان.
وفي الاجتماع الذي حضره كل من الأمير محمد بن سلمان والرئيس أحمد الشرع، شارك الرئيس أردوغان عبر الاتصال المرئي، وأُجريت خلاله مراجعة جماعية وتقييم للوضع. قد تكون وسائل الإعلام العالمية تجاهلت هذا الجزء عمداً أو لم تُبرز دوره، لكن الحقيقة أن الرئيس أردوغان كان حاضراً في ذلك اللقاء وشارك في النقاشات التي جرت.
في هذا السياق، لا بد لي من الإشادة باستضافة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وبالرؤية التي طرحها. لقد رأينا أن تعاون تركيا مع السعودية يُثمر نتائج إيجابية جداً. وهذا اللقاء شكّل نموذجاً رائعاً لهذا التعاون.
إعلانكما أن رؤية السعودية بشأن العقوبات تتقاطع مع رؤية رئيس جمهوريتنا، وهو ما أفضى إلى نتائج بالغة الأهمية. فالعقوبات التي فُرضت في السابق على نظام الأسد الظالم، تحوّلت لاحقاً إلى أداة لمعاقبة الشعب السوري، وأصبحت عائقاً كبيراً أمام إعادة الإعمار.
ولذلك، فإن القرار برفع هذه العقوبات يُعدّ بالغ الأهمية من أجل استقرار سوريا، ولفتح الطريق أمام إعادة إعمارها. وهذه التطورات تؤكد على القيمة الكبيرة للحوار بين دول المنطقة، وخصوصاً بين تركيا ودول الخليج، وعلى رأسها السعودية، لما لهذا الحوار من أثر بالغ في استقرار المنطقة.
ما دامت العقوبات قد رُفعت، يبدو أن إعادة بناء البنية التحتية في سوريا ستسير بوتيرة أسرع. هل لديكم تنسيق مع دول المنطقة في هذا الشأن؟يلماز:
نعم، كل اللقاءات التي نجريها مع دول المنطقة تتناول أيضاً البُعد الاقتصادي. فإعادة الإعمار جزء لا يتجزأ من تعزيز الأمن. فمن دون إعادة إعمار حقيقية، لا يمكن الحديث عن أمن فعلي.
رفع العقوبات يُحسّن مناخ الاستثمار، سواء على مستوى الاستثمارات الحكومية في البنية التحتية، أو على مستوى الاستثمارات الخاصة، وهي لا تقل أهمية. وكان لا بد من إزالة تهديد العقوبات كي تتمكن الشركات من القدوم والاستثمار في سوريا.
الاستثمار هناك يتطلب سلسلة منسقة من العمليات: لوجستية، وتمويلية، وتوريدية… وكلها كانت متأثرة بالعقوبات. وبالتالي، فإن رفعها سيُحسّن بيئة الأعمال بشكل كبير.
الشعب السوري لا يملك فقط ثقافة التعايش، بل يمتلك أيضاً روح المبادرة وريادة الأعمال. كما أن له جالية واسعة، وخاصة في تركيا ودول الجوار، من رجال الأعمال وأصحاب المشاريع. فتح الباب لعودة هؤلاء للاستثمار في بلدهم أمر في غاية الأهمية. وكذلك جذب رؤوس الأموال من دول المنطقة والعالم سيُعزز من هذه الديناميكية.
وقد بدأنا نلمس تحركاً في هذا الاتجاه من قبل الاتحاد الأوروبي، بعد الولايات المتحدة، نحو رفع العقوبات بشكل شامل. وهذا سيُسهم كثيراً في تحسين الوضع الاقتصادي والأمني في المنطقة.
إعلان تركيا تنفذ مشروعاً مهماً تحت عنوان "تركيا بلا إرهاب"، كيف سينعكس هذا المشروع على المنطقة؟يلماز:
مشروع "تركيا بلا إرهاب" له أهمية قصوى، أولاً لأمن تركيا وسلامها ومستقبلها. لكنه لا يقل أهمية من حيث أثره على استقرار الشرق الأوسط. فكما تعلمون، هو شأن يطال العراق وسوريا وإيران بشكل مباشر.
لذلك فإن تفكيك التنظيم الإرهابي، وتخليه عن السلاح، وتراجع أجندة الإرهاب سيُعزز أمن المنطقة ككل. والمنطقة التي تتحرر من الإرهاب ستنعم ببيئة أفضل من حيث الرفاه والاستقرار والتطور الديمقراطي.
الأهم من ذلك أن هذا الواقع سيوسّع من مجال السياسة المدنية. فبدلاً من لغة السلاح والعنف، سيتاح للناس خوض العمل السياسي بأساليب مدنية وإنسانية، والتحاور في قضاياهم بطرق ديمقراطية وسلمية.
كذلك فإن هذه العملية تُظهر قدرة المنطقة على حل مشكلاتها بنفسها. فكلما أظهرت دول المنطقة القدرة على التعامل مع قضاياها الداخلية دون تدخل خارجي، دلّ ذلك على نضج سياسي كبير. ولهذا نرى أن مشروع "تركيا بلا إرهاب" مشروع بالغ القيمة من منظور حل النزاعات داخلياً.
بما أن التنظيم قد أعلن حلّ نفسه، ووافق على التخلي عن السلاح، كيف ستنفذون هذه المرحلة عملياً من الناحية التقنية؟يلماز:
دعونا نستعرض المراحل من بدايتها. الإطار العام لهذا المشروع يتجلى في رؤية "قرن تركيا" التي أعلنها رئيس جمهوريتنا. ومن بين ركائز هذه الرؤية أن يكون القرن الحالي قرن السلام والأخوة.
في ضوء التطورات الإقليمية الأخيرة، شدّد الرئيس أردوغان في 30 أغسطس/آب 2024 على أهمية "تعزيز الجبهة الداخلية"، وبيّن الحاجة إلى ترسيخ وحدتنا الوطنية والتصدي لمحاولات زعزعة الأمن عبر الفتن الطائفية والعرقية.
وفي هذا السياق، أدلى زعيم حزب الحركة القومية، دولت بهتشلي، بتصريح تاريخي قلب المألوف السياسي. أعقبه دعوة من عبد الله أوجلان، مؤسس التنظيم، قال فيها: "لم يعد لهذا التنظيم أي معنى. أعلنوا حلّه وتخلّوا عن السلاح". وقد استجاب التنظيم لهذه الدعوة، وأعلن قبل أسابيع قليلة قراره بحلّ نفسه والتخلي عن السلاح.
إعلانوهكذا دخلنا مرحلة جديدة. المرحلة الحالية تركز على كيفية تجسيد هذا القرار ميدانياً. وقد بدأنا بتأسيس آليات خاصة لمتابعة الأمر. أجهزتنا الاستخبارية تلعب دوراً محورياً في هذا السياق، وكذلك قوات الأمن التي تسيطر تماماً على الميدان. وبالتوازي، ستتابع البعثات الدبلوماسية والمؤسسات المعنية هذه التطورات وترصد تنفيذ القرار وترفع تقارير دقيقة.
وعندما نصل إلى مستوى تطور مرضٍ على الأرض، سنفتح صفحة جديدة بكل تأكيد. ما يعنينا الآن هو مراقبة التطبيق العملي لهذا القرار التاريخي.
ما هي المعطيات المتوفرة حتى الآن؟يلماز:
نحن لا نزال في بداية الطريق. وكما تعلمون، فمثل هذه العمليات لا تسير بسهولة، لا سيما في بيئة غير طبيعية مليئة بالتعقيدات والمتغيرات. أجهزتنا المختصة تُتابع الوضع بمنتهى الحذر والدقة. وعندما تصل إلى مستوى مناسب من الرصد والمراقبة، ستُصدر تقاريرها وتعرض التقييمات الدقيقة.
في هذه المرحلة، علينا أن نثق بمؤسساتنا ونترك لها مسؤولية قيادة هذا المسار. تركيا تمتلك مؤسسات قوية وبنية تحتية راسخة، ونحن واثقون من قدرتها على إدارة هذه العملية بنجاح.
هل ستتلقون دعماً من الحكومة العراقية؟يلماز:
ذلك يتوقف على طبيعة الاحتياجات الفنية لمؤسساتنا. بالطبع، هناك بُعد دبلوماسي وإقليمي ودولي لهذا الملف، خاصة أن بعض العمليات تجري على أراضٍ عراقية، وربما في أماكن أخرى. لذلك فإن العلاقات الدولية سيكون لها دور، لكن جوهر المسألة يتمثل في متابعة مؤسساتنا الخاصة لهذه العملية ورصدها بدقة، وأنا على يقين بأنها ستقوم بذلك بأفضل شكل ممكن.
يلماز:
عندما تُرفع ظلال الإرهاب، وتُسلّم الأسلحة بشكل نهائي ولا رجعة فيه، فإننا سننتقل إلى بيئة مختلفة تماماً. فالإرهاب لطالما سمّم الديمقراطية والسياسة المدنية. كما كان عائقاً كبيراً أمام التنمية، وفرض علينا كلفة اقتصادية ضخمة.
في غياب الإرهاب، ستنتعش السياسة المدنية والديمقراطية بكامل طاقتها. وستُصبح بيئة التنمية والاستثمار أكثر إشراقاً.
إعلان حزب "الديمقراطية والمساواة الكردي" يطالب بإجراء تعديلات قانونية، ما موقفكم من هذه المطالب؟يلماز:
نحن لا ندخل كثيراً في الجدل القانوني بهذا الخصوص. ما نراه أكثر إلحاحاً في هذه المرحلة هو مسألة التخلي عن السلاح، وتحقيق تقدم ملموس على الأرض. وأما الإصلاحات القضائية، فلنا بشأنها خطة واضحة ومعلنة منذ مدة طويلة، وهي ماضية قدماً بمعزل عن هذا المسار.
لدينا استراتيجية إصلاح قضائي انطلقت قبل بدء هذه العملية. ومن الطبيعي أن يكون لجميع الأحزاب رؤاها ومقترحاتها، لكننا لا نرى من المناسب ربط هذه المطالب القانونية بمسار التخلي عن السلاح. فقد قدّمنا حِزماً متعددة من الإصلاحات القضائية إلى البرلمان، وسنواصل العمل في هذا الاتجاه ضمن إطار الاستراتيجية العامة للعدالة. لكن ربط هذا كله بالمسار الأمني القائم حالياً، نعتبره غير ملائم.
أهم ما يشغلنا اليوم هو التحقق من تنفيذ قرار التخلي عن السلاح على الأرض.
عند حديثي مع بعض المواطنين، لاحظت وجود قدر من عدم الثقة تجاه التنظيم، خاصة أنه خالف وعوده في محاولات سابقة. هل لديكم خطة خاصة لإقناع الناس وطمأنتهم؟يلماز:
في مثل هذه العمليات، يجب أن نكون يقظين للغاية تجاه محاولات التحريض ونشر المعلومات المضللة. فمثل هذه المسارات دائماً ما تكون عرضة للاستهداف من قِبل قوى لا تريد استقراراً لتركيا، ولا تريد لهذه المشكلة أن تجد حلاً.
والتجارب السابقة علمتنا أن أطرافاً تسعى إلى إشاعة الفوضى والتخريب عبر دس معلومات خاطئة أو افتعال أزمات. وقد يُروّج البعض لأحداث لا صلة لها بهذه العملية من أجل خلق بلبلة في الرأي العام.
ولذلك، الأهم في هذا السياق هو التحلي بالعزم والتركيز على جوهر العملية، وإتمامها في أقصر وقت ممكن. مؤسساتنا تتولى هذا الدور بحزم، وتعمل وفق رؤية سياسية صلبة يقودها رئيس الجمهورية شخصياً. وهذه العملية أصبحت الآن سياسة دولة، وليست مجرد مبادرة عابرة.
ومن خلال متابعتي للرأي العام، ألاحظ ارتياحاً عاماً، خاصة في مناطق الشرق والجنوب الشرقي من البلاد، حيث يسود شعور بالتفاؤل. وكل المواطنين في تركيا يتطلعون إلى التخلص النهائي من وباء الإرهاب. لكن من الطبيعي أن تُطرح بعض التساؤلات والمخاوف في الأوساط العامة، ويُعبَّر عنها ضمن الأطر المشروعة، وهذا أمر مفهوم.
إعلانفي هذا السياق، تلعب تصريحات المؤسسات الرسمية والأحزاب السياسية دوراً مهماً في توعية الرأي العام وتزويده بالمعلومة الصحيحة. ومع تقدم العملية، سيلمس المواطنون النتائج بشكل أوضح. وأنا أؤكد أنه لا داعي لأي قلق، فمبادئنا وثوابتنا الوطنية واضحة: تقوية وحدتنا الوطنية، والتخلص من آفة الإرهاب.
إسرائيل ترتكب جرائم ضد الإنسانية في غزةمنذ بداية الحرب على غزة، كانت تركيا شديدة الحساسية تجاه ما يجري هناك. الوضع مأساوي ولا يبدو أنه سينتهي قريباً، لا سيما مع بدء الهجوم البري الإسرائيلي. ما الذي يمكن فعله بشكل ملموس؟ وكيف يمكن حلّ هذه المأساة؟
يلماز:
كما تفضلت، نحن أمام مشهد لا إنساني بكل ما للكلمة من معنى، وإسرائيل مستمرة في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية أمام أنظار العالم أجمع. حكومة نتنياهو لا تعترف بأي حدود أخلاقية أو قانونية في عدوانها. ومنذ اللحظة الأولى، وقفت تركيا إلى جانب الشعب الفلسطيني المظلوم، واتخذت موقفاً حازماً.
رئيس جمهوريتنا كان طوال حياته من أبرز المدافعين عن قضية فلسطين، وهو اليوم يرفع صوته عالياً في جميع المنابر الدولية لفضح ما يجري من إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية. وليس الأمر مقتصراً على التصريحات، فنحن من أكثر الدول التي تقدم مساعدات إنسانية إلى غزة.
وكما ذكرت، فإن الأوضاع تتفاقم يوماً بعد يوم. وقد كنا الدولة الوحيدة تقريباً التي أوقفت جميع أشكال التبادل التجاري مع إسرائيل. وعلى الصعيد السياسي والدبلوماسي، نعمل جاهدين على جميع المستويات، من الولايات المتحدة إلى الاتحاد الأوروبي، ومن دول الجوار إلى الدول الكبرى، لزيادة الضغط الدولي على حكومة نتنياهو. وهذا يجب أن يتم فوراً، لأن الوقت بات ضيقاً جداً.
ما يجري في غزة ليس قضية تخص الدول الإسلامية فقط، بل هو شأن إنساني شامل، لذا نُطلق عليه "تحالف إنساني". لكن لا شك أن الدول الإسلامية تتحمّل مسؤولية خاصة، وهي مطالبة اليوم أكثر من أي وقت مضى باتخاذ موقف موحّد، وخطاب مشترك، وتحرك منسق يعكس وحدتها وقوتها.
إعلانيجب أن تُبذل كل الجهود الممكنة بروح من التضامن والتكامل، ونحن في تركيا لا ندّخر جهداً في هذا الاتجاه. نُجري اتصالات مع جميع الأطراف، ونسعى لقيادة جهود جماعية قادرة على وقف المجازر، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من أرواح المدنيين الأبرياء.
أنتم تقودون برنامجاً متوسط المدى يُتابعه العالم باهتمام. لكننا نلاحظ في بعض المراحل عراقيل التنفيذ. ما هو الوضع الراهن للبرنامج؟يلماز:
ما يهمنا في البرنامج هو الإطار العام والاتجاه الاستراتيجي. فإذا كان البرنامج مبنياً على أسس سليمة، وكان يُنفذ بإرادة قوية، فإن تقلبات قصيرة الأمد لا تعيق مساره. صحيح أن الأحداث العالمية والإقليمية قد تؤثر فيه سلباً أو إيجاباً، ولكن طالما أن البوصلة واضحة، فإن الوصول إلى الأهداف مضمون، حتى إن تأخرنا شهراً أو تقدمنا شهراً.
لدينا برنامج اقتصادي قوي، صيغ بالتشاور مع جميع أصحاب المصلحة، من رجال الأعمال إلى العاملين في الزراعة والصناعة. ويقوم هذا البرنامج على أربعة أعمدة:
الاستقرار السعري وخفض التضخم: وهو أولويتنا القصوى، ونحن ماضون بعزم في تنفيذ سياسة انكماش نقدي فعالة لتحقيق هذا الهدف.النمو المتوازن والمستدام: دون أن نغفل عن مواصلة النمو وتوفير فرص العمل، نركز على تحقيق توازن بين الاستثمار، والإنتاج، والتصدير، والتوظيف.الرفاه الاجتماعي الدائم: نسعى لتحسين مستوى المعيشة بشكل دائم، عبر سياسات اقتصادية تحمي شرائح المجتمع كافة.إعادة إعمار مناطق الزلزال: نحن بصدد أكبر ورشة إعمار في العالم حالياً، لمعالجة آثار الزلزال الذي ضرب 11 ولاية و14 مليون مواطن. نقوم حاليًا بإنفاق متوسط سنوي يُقدّر بنحو 35 مليار دولار في هذا المجال، ومن المتوقع أن يتجاوز مجموع ما أُنفق بحلول نهاية هذا العام 100 مليار دولار، وسنُسلم 450 ألف وحدة سكنية بحلول نهاية العام.
المسألة لا تتعلق فقط بالإسكان، بل ببناء شبكات الطرق، والمستشفيات، والمدارس، والمناطق الصناعية المنظمة. ولحسن الحظ، فإن هذه النفقات مؤقتة، وسنكون قد أنهينا الجزء الأكبر منها العام المقبل، ما سيُهيئ مدناً أكثر أمناً واستعداداً للمستقبل.
إعلان احتجاجات المعارضة أقلقت المستثمرين، هل أثرت التحقيقات بحق المعارضة على برنامجكم الاقتصادي؟يلماز:
أحد رؤساء البلديات خضع لتحقيق بشأن قضايا فساد. ولم تكن المشكلة في التحقيق ذاته، بل في محاولات زعزعة الشارع بعده. فمحاولة خلق مناخ من انعدام الثقة أخافت بعض المستثمرين الأجانب. تساءلوا: هل نحن مقبلون على اضطرابات شبيهة بما حدث في "جيزي بارك" عام 2013؟ هل سنشهد أزمة أمنية طويلة الأمد؟
هذا أحدث تأثيراً محدوداً، لكنه زال بسرعة. إذ سرعان ما اتضح أن تركيا لا تشهد انهياراً أمنياً، وأن الأمن مستتب في الشوارع، فعاد الهدوء، وبدأت مؤشرات الاقتصاد تستقر مجدداً.
في الوقت ذاته، كانت لتصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول الرسوم الجمركية آثار عالمية، إذ رفعت منسوب المخاطر في جميع الاقتصادات الناشئة، وزادت من حالة الضبابية، مما أثّر على حركة الأسواق.
وقد ارتفع مؤشر المخاطر الائتمانية (CDS) من أقل من 300 نقطة إلى أكثر من 370، لكنه عاد وتراجع مجددا إلى ما دون 300، مدفوعا بموقع تركيا الاستراتيجي وتراجع نسبي في حالة عدم اليقين. هذا التحسن ترافق مع عودة تدفقات رؤوس الأموال وارتفاع احتياطات البنك المركزي. ورغم أن البلاد دخلت مرحلة تعافٍ اقتصادي، فإن مسار الاستقرار لا يزال يتطلب وقتاً، لا سيما في ظل الغموض المحيط بالنزاعات التجارية الدولية.
العالم يبحث عن نظام اقتصادي جديدكيف ترون مستقبل الحروب التجارية في العالم؟يلماز:
من الواضح أننا غادرنا مرحلة النظام التجاري الليبرالي العالمي. نحن الآن في حقبة جديدة يتزايد فيها التنافس، ويصعد فيها التيار الحمائي. في السابق، كانت وتيرة التجارة العالمية تتجاوز وتيرة النمو. أما الآن فقد انعكست المعادلة: معدل التجارة أقل من معدل النمو، والدول باتت تركز أكثر على أولوياتها الوطنية، وعلى حماية اقتصاداتها المحلية.
في الوقت ذاته، تراجعت سلطة منظمة التجارة العالمية، وأصبحت القواعد التجارية الدولية هشّة. وهذا لا يُبشّر بخير على المدى القريب، لكنه سيُثير حتما ردود فعل. فالتكاليف الاقتصادية والاجتماعية لهذه التحولات ستدفع الدول إلى البحث عن بدائل.
إعلاننحن في تركيا نؤمن بعدالة النظام الدولي، ونُدافع عن قواعد تجارة عالمية عادلة، لكننا نقرأ الواقع بواقعية. إلى أن تتشكل منظومة جديدة تحل محل النظام الحالي المتداعي، سنواصل اتباع سياسات مرنة وواقعية تُمكننا من التكيّف وحماية مصالحنا الوطنية.
ما هو الوضع الحالي للعلاقات التجارية بين تركيا ودول الشرق الأوسط؟يلماز:
في السنوات الأخيرة، شهدت علاقاتنا مع الشرق الأوسط تطورات بالغة الأهمية. فعلى الصعيد السياسي، نشهد نشاطاً دبلوماسياً مكثفاً للغاية. كما أن التفاعل بين مجتمع الأعمال ومنظمات المجتمع المدني يُظهر أننا في موقع جيد جداً من حيث العلاقات الثنائية.
لدينا علاقات دبلوماسية إيجابية جداً مع العديد من الدول، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة. وهذا بالطبع ينعكس على العلاقات الاقتصادية بشكل مباشر. فتركيا بلد مهم جداً، وتوفر فرصاً استثمارية كبرى، ومع السياسات الجديدة التي نتبعها والبرامج الاقتصادية التي نعتمدها، باتت أكثر جاذبية من حيث الاستقرار على المدى الطويل.
لهذا السبب، أتوقع أنه كلما تقدّم برنامجنا الاقتصادي، ازداد تدفق الاستثمارات من هذه الدول إلى تركيا.
قطر بلد نرتبط به بعلاقات خاصة واستثنائية. لقد جمعنا ما يمكن وصفه بـ"وحدة المصير". نحن نرى أن علاقاتنا مع قطر تستحق كل وصف نبيل، وكل مدح مخلص. عندما تعرضنا للزلزال، كانت قطر من أوائل الدول التي أبدت تضامنها وأظهرت روح الأخوة. وفي الأوقات الصعبة التي مرت بها قطر، وقفت تركيا إلى جانبها بوضوح وحزم.
وهذه المواقف تعكس عمق علاقاتنا. وحتى على المستوى الاقتصادي، نمتلك مع قطر علاقات قوية ومتينة، تُثمر عن فوائد متبادلة. نحن نؤمن بسياسة "رابح-رابح" في جميع علاقاتنا، لكنها تأخذ طابعاً أكثر قرباً مع قطر بسبب ما يجمعنا من علاقات سياسية واستراتيجية متميزة.
هدفنا 100 مليار دولار تجارة مع أمريك كيف ترون العلاقات التركية-الأمريكية في مرحلة ما بعد ترامب؟ وهل هناك تطور بشأن عقوبات قانون CAATSA [بسبب التعاون العسكري التركي الروسي]؟
إعلان تركيا تهدف للوصول إلى 100 مليار دولار في التجارة مع الولايات المتحدة. كيف تقيّمون مسار العلاقات التركية–الأميركية في ظل إدارة ترامب؟ وهل هناك مستجدات بشأن التعاون مع روسيا؟يلماز:
نحن نأمل أن تُرفع هذه العقوبات في أقرب وقت. خلال الولاية الأولى للرئيس ترامب، أدلى بتصريحات مفادها أن تركيا تعرّضت للظلم، وأبدى تعاطفاً واضحاً معنا. أعتقد أن المناخ الإيجابي الذي يسود حالياً بين رئيسنا والرئيس ترامب سينعكس على هذه الملفات الحساسة.
نحن نؤمن بأن استمرار هذا الزخم في العلاقات سيُسفر عن نتائج ملموسة. فحين ننظر إلى الأمر من زاوية المصالح المشتركة، نجد أن بيننا وبين الولايات المتحدة روابط قوية: نحن حليفان كبيران في حلف شمال الأطلسي، كما أننا نمتلك إمكانات هائلة للتعاون في ظل النظام الاقتصادي العالمي الجديد.
في السنوات الماضية، تم تحديد هدف مشترك لرفع حجم التبادل التجاري إلى 100 مليار دولار. وهذا هدف واقعي يمكن تحقيقه. صحيح أن أي بلدين قد يواجهان خلافات، لكن الأهم هو إدراك الصورة الكاملة والتعامل مع المشاكل من خلال الدبلوماسية.
كما أن السفير الأمريكي الجديد المعيّن في أنقرة يُبشّر بدور إيجابي في تحسين العلاقات. وبالنظر إلى المؤشرات الحالية والرؤية السياسية المطروحة، أعتقد أن المستقبل يحمل أفقاً إيجابياً للعلاقات بين البلدين.