حرب إيرانية لتوريط العرب
تاريخ النشر: 7th, November 2023 GMT
آخر تحديث: 7 نونبر 2023 - 10:44 صبقلم: فاروق يوسف كانت حرب غزة مناسبة للهجاء الشعبوي الموجه إلى النظام السياسي العربي كما لو أنه المسؤول المباشر عن الكارثة التي تعرض لها شعب غزة. حفلة ردح وقدح لم تصدر منها كلمة واحدة في اتجاه إيران التي أدارت ظهرها صامتة وهي التي كانت دائما تقدم حركة حماس جزءا من المقاومة الإسلامية التي هي جزء من واجهتها في حربها الدائمة على العالم.
وبالرغم من كل المآسي التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني فإن هذه الحرب تختلف عن الحروب السابقة كونها لم تبدأ بعدوان إسرائيلي، بل جاء العدوان ردا على ما قامت به حركة حماس من هجوم مباغت وهو أمر يبيحه الوضع الإنساني اليائس الذي يعيشه أهل غزة ولا تبيحه الاتفاقات الموقعة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي. مع العلم أن إسرائيل لم تكترث بتلك الاتفاقات واضعة نصب عينيها أن قطاع غزة لم يعد جزءا من فلسطين منذ أن استقلت حركة حماس به عن السلطة الفلسطينية. لا تعترف حركة حماس بالسلطة الفلسطينية وليس معقولا أن تعترف السلطة بغزة كيانا سياسيا مستقلا. هناك تقع دولة حماس التي هي ليست جزءا من دولة فلسطين. واقعيا لا يحق للسلطة أن تتدخل في شؤون غزة وتدافع عن حكامها الذين استقلوا بها. أما العرب الذين نالهم كالعادة سيل من الهجاء فلا بد أن يكون لهم موقف ينسجم مع رؤيتهم السياسية. فاللعبة إيرانية مئة بالمئة. وحماس لا تحترم النظام السياسي العربي وهي تعمل وفق أجندة معادية له. السؤال الآن “هل استشارت حماس أحدا من العرب في ما كانت تنوي القيام به؟”. يعتقد البعض ممَن تسيطر عليهم عواطف لا علاقة لها بعالم السياسة أن على العرب أن ينجروا وراء حماس في مغامراتها، من غير الأخذ بالاعتبار أن العرب ليسوا قبائل، بل دول تعيش في إطار مجتمع دولي تربطها به الاتفاقيات والمواثيق التي هي بمثابة قوانين يجب الالتزام بها. وحين رفضت مصر الخطة الإسرائيلية لتسفير سكان غزة إلى سيناء فإنها التزمت بسيادتها. أما أن يطالب الهجاؤون الجيوش العربية بأن تصطف وراء ميليشيا مرتبطة بإيران عقائديا وعسكريا فإنه أمر يشبه الجنون. دائما كان قادة إسرائيل مجانين حرب. إسرائيل أصلا كما تأسست هي دولة حرب. لا أحد يعرف ذلك أكثر من زعماء حماس الذين يديرون حربهم من قطر التي استقبلتهم بناء على طلب من الولايات المتحدة. ولكن لعبة الحرب التي يراقبها أولئك الزعماء من خلال شاشة قناة الجزيرة هي في حقيقتها مجال حيوي يمارس من خلاله قادة إسرائيل جنونهم. هل كان على العرب وبالأخص مصر التي لم يتعرض جيشها إلى الانهيار مثلما حدث لجيوش الدول الأخرى أن يدخلوا إلى ذلك الملعب الذي ركبت فيه حماس حصان مغامرتها؟ لا تملك حركة حماس شيئا تخسره في الحرب. فهي تراهن على شعب كانت قد اختطفته وهو ليس شعبها. وهي تنتظر المفاوضات لتبدو منتصرة بالرغم من كل الخراب الذي يُلحق بغزة. كما أنها تضع شعبا ضحية لمشروعها الإسلامي الغامض الذي هو بالتأكيد لا يدخل في إطار النضال الوطني الفلسطيني. أرادت حماس أن تحرج النظام السياسي العربي قبل أن تجر إسرائيل إلى الحرب. وما الهجاء الذي تم توجيهه إلى العرب بسبب تقاعسهم عن المشاركة في الحرب إلا جزء من ذلك الموقف المريب الذي بيتته حماس وهي التي لم تعلق على الموقف الإيراني الصامت. لم يقل أحد في حماس “لقد تركونا وحدنا” أو “غدروا بنا”. كان هناك تنسيق عالي المستوى بين إيران وحماس لتوريط العرب في حرب لن يخرجوا منها إلا مهزومين لأن العالم كله سيكون ضدهم. حركة حماس لا ترى العالم جيدا وهي في حقيقتها لا تعرف ما يجري في العالم العربي. كما أنها بشكل أساسي لا تعرف عدوها. لن يقبل المتحمسون أن يُقال إن حركة حماس ارتكبت خطأ صار على أهل غزة أن يدفعوا ثمنه. حتى أصدقاء الشعب الفلسطيني يفرقون اليوم بين الشعب الفلسطيني وبين حركة حماس. ما يأسف عليه الجميع أن حركة حماس قد أعطت لإسرائيل سببا لارتكاب جرائمها في حق الشعب الفلسطيني وكانت الدول العربية محقة وهي تحاول دفع الشر عن الشعب الفلسطيني من غير أن تقف وراء حركة حماس.
المصدر: شبكة اخبار العراق
كلمات دلالية: الشعب الفلسطینی حرکة حماس
إقرأ أيضاً:
المصافحة التي لم تتم.. خلافات عميقة تعوق التوصل لاتفاق في غزة برعاية أمريكية
في الوقت الذي تتكثف فيه الجهود الدولية للتوصل إلى هدنة توقف نزيف الدم في قطاع غزة، تكشف المقترحات المتبادلة بين الأطراف المعنية عن حجم الهوة التي تفصل بين مواقف كل من حركة "حماس" وإسرائيل، برعاية ومتابعة أمريكية مباشرة.
ومع كل اقتراب من نقطة الاتفاق، تظهر الشروط المتبادلة كحواجز أمام تحقيق اختراق سياسي حقيقي، مما يُبقي المشهد مفتوحًا على مزيد من التعقيد والمعاناة الإنسانية.
كشفت تقارير إعلامية، الإثنين، أن حركة "حماس" وافقت مبدئيًا على مقترح هدنة تقدّم به المبعوث الأمريكي إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، يقضي بوقف إطلاق النار لمدة 70 يومًا مقابل الإفراج عن 10 رهائن أحياء على دفعتين، إلى جانب إطلاق سراح مئات من الأسرى الفلسطينيين، بينهم محكومون بأحكام عالية ومؤبدات.
غير أن متحدثًا باسم ويتكوف نفى هذه الموافقة، مشيرًا إلى أن المفاوضات لا تزال مستمرة، وسط تضارب في الروايات. ووفق صحيفة "إسرائيل هيوم"، فإن مسؤولًا إسرائيليًا رفيعًا – لم يُكشف عن اسمه – وصف المقترح بأنه لا يعكس "نية حقيقية من قبل حماس للمضي قدمًا"، مشددًا على أن "أي حكومة مسؤولة في إسرائيل لا يمكن أن تقبل بهذا الطرح"، ما يعكس موقفًا إسرائيليًا رافضًا للعرض الأمريكي – أو على الأقل لبعض بنوده.
مطالب جديدة تثير الجدلالمقترح الذي طُرح عبر وسطاء تضمن بنودًا غير مسبوقة من قبل حركة حماس، من بينها طلب مصافحة علنية بين خليل الحية، القيادي في الحركة ورئيس وفدها المفاوض، والمبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف، كرمز لضمانة بعدم استئناف القتال عقب فترة التهدئة. كما تضمن الإفراج التدريجي عن 10 رهائن، 5 منهم في اليوم الأول من الهدنة، والباقون بعد شهرين.
هذه البنود – بحسب الصحافة العبرية – تتناقض مع الخطة الأصلية التي قدمها ويتكوف، والتي تنص على إطلاق سراح جميع الرهائن على مرحلتين: الأولى مع بداية التهدئة، والثانية في نهايتها. كما شملت مطالب حماس انسحابًا واسعًا للقوات الإسرائيلية من المناطق التي سيطرت عليها في قطاع غزة، إضافة إلى إدخال كميات كبيرة من المساعدات الإنسانية، وهو ما تعتبره إسرائيل "تنازلات مفرطة".
غضب إسرائيلي داخليردًا على هذه التطورات، أصدر "منتدى عائلات الرهائن" بيانًا غاضبًا، انتقد فيه استمرار الحرب ورفض الاتفاقات الجزئية، واصفًا إياها بأنها "خسارة إسرائيلية يمكن، بل يجب، تجنبها". وطالب المنتدى بعقد اتفاق شامل يعيد جميع الأسرى الـ58 وينهي الحرب، مشيرًا إلى أن "الحكومة يمكنها التوصل إلى مثل هذا الاتفاق صباح الغد إذا اختارت ذلك"، في إشارة إلى وجود دعم شعبي واسع لهذا الخيار.
مقترح "بحبح" بين التفاؤل والتشكيكفي خضم هذا التوتر، كشفت تقارير إعلامية عن وثيقة جديدة يُبحث فيها حاليًا، قدمها الوسيط الفلسطيني–الأمريكي بشارة بحبح، بالتنسيق مع ويتكوف، تقضي بوقف شامل للحرب خلال فترة الهدنة، وتعهد من حماس بعدم تنفيذ هجمات أو تهريب أسلحة أو تطوير ترسانتها العسكرية خلال هذه الفترة.
لكن هذه الوثيقة لم تُعلن رسميًا، وتُقابل بقدر من التشكيك في إسرائيل، خصوصًا في ظل تصريحات رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الأخيرة، والتي جدّد فيها التزامه بإعادة جميع الرهائن "أحياء وأموات"، تزامنًا مع مواصلة جيشه قصفه المكثف على القطاع.
وفي ظل تواصل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وتفاقم الكارثة الإنسانية، انتقد الدكتور أيمن الرقب، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس، موقف المجتمع الدولي، وخصوصًا الإدارة الأمريكية، مؤكدًا أنها لا تمارس ضغطًا حقيقيًا على إسرائيل لوقف إطلاق النار أو إدخال المساعدات.
أمريكا لا تمارس ضغطًا حقيقيًا على الاحتلالوأضاف الرقب في تصريحات لـ “صدى البلد”، أن ما تفعله إدارة ترامب لا يتجاوز الضغط السياسي، عبر مقترحات مثل تلك التي تقدم بها المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف، والتي رفضتها إسرائيل رغم قبول حماس بها، في محاولة لإفشال الجهد الأمريكي.
وأوضح الرقب أن واشنطن، رغم قدرتها على التأثير الفعلي، تكتفي بتصريحات سياسية لا ترقى إلى مستوى الأفعال، مضيفًا: "لو أرادت الإدارة الأمريكية وقف العدوان لعلّقت إمدادات السلاح والذخيرة، لكنها تتواطأ ضمنيًا مع حكومة نتنياهو المتطرفة". ولفت إلى أن تصريحات ترامب المتناقضة توحي برغبته في وقف الحرب، دون أي تحرك عملي يجسد هذه الرغبة، معتبرًا أن ما يصدر عن واشنطن ليس سوى "دغدغة مشاعر" ومحاولة لتبرئة الذات من الجرائم الإسرائيلية بحق الفلسطينيين.
وفي ما يخص الموقف الأوروبي، أشار الرقب إلى وجود تحول نسبي في الخطاب الأوروبي نتيجة الجرائم المتواصلة في غزة، واستخدام الاحتلال لسياسة التجويع، وهو ما بدأ يحرج الاتحاد الأوروبي.
وأوضح أن دولًا مثل فرنسا تتحرك فعليًا لعقد مؤتمر دولي للسلام، بينما ما تزال دول أخرى كالمجر والنمسا ترفض أي ضغط على الاحتلال.
وأكد أن أوروبا تمتلك أوراق ضغط مهمة، لكنها لم توظفها بعد بشكل مؤثر.
وفي ختام تصريحاته، شدد الرقب على أن واشنطن وبروكسل قادرتان على وقف الحرب وإنهاء معاناة غزة، لكن غياب الإرادة السياسية واستمرار سياسة الكيل بمكيالين، يمنحان الاحتلال مزيدًا من الوقت لارتكاب مجازره دون رادع، وسط تصريحات دولية شكلية لا تغير من واقع المعاناة اليومية للفلسطينيين.
وفي ظل تصاعد الضغوط الدولية على إسرائيل لوقف هجومها على غزة، يتبيّن أن الطريق نحو هدنة حقيقية ما زال طويلًا، وأن أي تقدم مشروط بقبول تنازلات مؤلمة من الطرفين.
ومع تعنّت الحكومة الإسرائيلية، ومطالب حماس التي تعكس عمق معاناة الشعب الفلسطيني، يبقى أفق التهدئة رهينًا بإرادة سياسية غير متوفرة بعد، ما ينذر باستمرار الأزمة الإنسانية في القطاع الذي يقبع تحت نار الحرب منذ أكثر من 19 شهرًا.