الدول «الجُزرية الصغيرة».. في مهب رياح «تغير المناخ»
تاريخ النشر: 19th, November 2023 GMT
طه حسيب (أبوظبي)
لم يعد التغير المناخي خطراً مقبلاً، بل أصبح واقعاً يهدد الحياة اليومية في شتى أرجاء الكوكب. يتفاوت الخطر من منطقة إلى أخرى، ومن مكان إلى آخر حتى داخل البلد الواحد. الدول الجُزرية الصغيرة واحدة من أكثر المناطق عرضة لخطر التغير المناخي، وهي الأكثر انكشافاً أمام تداعياته. فارتفاع مستوى سطح البحر يهدد هذه الدول بالاختفاء، ويعصف بسبل العيش داخلها، سواء الزراعة أو الصيد والسياحة.
وأثناء قمة جلاسجو «كوب26» وجّه سايمون كوفي وزير خارجية «توفالو» الدولة الجُزرية الواقعة في المحيط الهادئ كلمة من منصة وسط مياه المحيط ليوجه رسالة ضمنية بحجم المخاطر التي تتعرض لها بلاده جراء التغير المناخي. هذه الدولة في أمسّ الحاجة لبناء قدرتها على المدى الطويل للتصدي لتداعيات التغير المناخي، وضمن هذا الإطار استوعبت جزر المالديف دروس كارثة تسونامي عام 2004 وطورت جاهزيتها في تأمين احتياجاتها من المياه العذبة والطاقة الشمسية وحماية المنشآت من ارتفاع منسوب المياه.
انبعاثات محدودة وخسائر هائلة
الدول الجُزرية الصغيرة عدد سكانها 65 مليون نَسمة، وهي معرضة بشدة لتأثيرات تغير المناخ، وحجم انبعاثاتها من غازات الاحتباس الحراري العالمية 1% فقط، لكن خسائرها من التغير المناخي من عام 1970 إلى عام 2020 بلغت حسب البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة 153 مليار دولار أميركي. هذه الجزر هي الأكثر عرضة للخطر، والأكثر انكشافاً في مواجهة تداعيات التغير المناخي، كونها معزولة جغرافياً، وعلى الرغم من أنها تظهر كنقط صغيرة على الخريطة فإن امتداداتها البحرية يجعلها دولاً محيطية كبيرة، لديها أنظمة بيئية ثرية بالتنوع البيولوجي، وفي الوقت نفسه تتعرض لمخاطر التغير المناخي أكثر من غيرها.
تشكل الجزر 5% فقط من مساحة سطح الأرض، ومع ذلك فهي موطن لـ 20% من أنواع الطيور والزواحف والنباتات في العالم، بالإضافة إلى أكثر من 40% من الكائنات المهددة بالانقراض. وفي الوقت نفسه، يتعرض سكان الجزر لضغوط مستمرة لتطوير اقتصاداتهم مع بناء القدرة على الصمود في مواجهة قضايا مثل تغير المناخ والكوارث الطبيعية. تُعَّد الدول الجزرية نموذجاً يُحتذَى به في معالجة الأزمات البيئية العالمية، وذلك بسبب وجودها في الخطوط الأمامية لآثار المُناخ. على سبيل المثال، ضغط قادة الدول الجزرية الصغيرة النامية على المجتمع الدولي لوضع هدف للحد من الاحترار العالمي إلى 1.5 درجة مئوية، وهو الهدف الأكثر طموحاً في إطار اتفاقية باريس.
الدول الجُزرية ما هي؟
هناك 38 دولة جزرية صغيرة، وهي دول أعضاء في الأمم المتحدة: أنتيغوا وبربودا، جزر البهاما، البحرين، بربادوس، بليز، كابو فيردي، جزر القمر، كوبا، دومينيكا، جمهورية الدومينيكان، فيجي، غرينادا، غينيا بيساو، غيانا، هايتي، جامايكا، كيريباتي، جزر المالديف، جزر مارشال، موريشيوس، ولايات ميكرونيزيا الموحدة، ناورو، بالاو، بابوا غينيا الجديدة، سانت كيتس ونيفيس، سانت لوسيا، سانت فنسنت وجزر غرينادين، ساو تومي وبرينسيبي، ساموا، سيشيل، سنغافورة، جزر سليمان، سورينام، تيمور الشرقية، تونغا، ترينيداد وتوباغو، توفالو، فانواتو. كما توجد 20 دولة جُزرية أخرى ليست أعضاءً في الأمم المتحدة: ساموا الأميركية، أنغيلا، أروبا، برمودا، جزر فيرجن البريطانية، جزر كايمان، كومنولث ماريانا الشمالية، جزر كوك، كوراساو، بولينيزيا الفرنسية، جوادلوب، غوام، مارتينيك، مونتسيرات، كاليدونيا الجديدة، نيوي، بورتوريكو، سينت مارتن، جزر تركس وكايكوس، جزر فيرجن الأميركية.
«عِقْدُ الأمم المتحدة لإصلاح النظم الإيكولوجية»
واختارت الأمم المتحدة 3 من الدول الجزرية لتكون في طليعة مبادراتها المنضوية في إطار مايعرف بـ «عِقْدُ الأمم المتحدة لإصلاح النظم الإيكولوجية» وهي: فانواتو في المحيط الهادئ، وسانت لوسيا في منطقة البحر الكاريبي، وجزر القمر في المحيط الهندي، علماً بأن هذا «العِقْدُ» يمتد خلال الفترة من 2021 إلى 2030، بهدف حماية النظم البيئية سواء البرية أو المائية، وحشد الدعم المالي والجهود العلمية لمنع تدهور الموائل الطبيعية.
طموحات في «أسبوع نيويورك للمناخ»
وتحت عنوان «نحن نستطيع... نحن نفعل»، كان «أسبوع نيويورك للمناخ»، في الفترة من 17 إلى 24 سبتمبر الماضي، فرصة للدول الجزرية الصغيرة للتعبير عن طموحاتها، آنذاك أفصحت «فيامي نعومي ماتافا»، رئيسة وزراء جزر ساموا عن أن تحالف الدول الجزرية الصغيرة يأمل في أن تكون جميع الدول المشاركة في «كوب28» مستعدة للدخول في مسار جديد من العمل المناخي، ويحدوها الأمل في طموح أكبر بكثير للتخفيف من آثار تغير المناخ، مؤكدة ضرورة تدشين صندوق للخسائر والأضرار - صندوق مناسب للغرض من احتياجاتنا كمجتمعات أكثر عرضة لتغير المناخ. وأكدت أن دعم رئاسة COP28 لا يقدر بثمن.
وخلال أسبوع نيويورك للمناخ»، قال الأمين العام للأمم المتحدة: «إن الدول الجزرية الصغيرة النامية هي في قلب عاصفة من المشاكل العالمية التي لم تفعل شيئاً تقريباً لخلقها». «نحن بحاجة إلى تحرك عالمي لإنهاء هذه الأزمات. إن الدول الجزرية الصغيرة لا تفتقر إلى الطموح، بل تفتقر إلى التمويل. ويتعين على البلدان المتقدمة أن تفي بما يلي: الوفاء بوعد تخصيص 100 مليار دولار أميركي سنوياً، تجديد موارد صندوق المناخ الأخضر، وتقديم خريطة طريق لمضاعفة تمويل التكيف بحلول عام 2025». ومن المهم أيضاً إجراء مناقشة حول المؤتمر الدولي الرابع للدول الجزرية الصغيرة النامية، الذي سيعقد في مايو 2024 وسيكون بمثابة منصة للمجتمع الدولي للتركيز على الدول الجزرية الصغيرة النامية والعمل مع قادة الدول الجزرية الصغيرة النامية لرسم خطة عمل عشرية جديدة لتحقيق الأهداف الإنمائية..
في جزيرة ساموا انعقد يوم 11 أكتوبر الماضي اجتماع شارك فيه القادة والمسؤولون من دول جزر المحيط الهادئ الصغيرة المعروفة اختصاراً بـ (PSIDS)، وذلك وقبل أقل من شهرين من انعقاد الاجتماع المقبل لمؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (COP28) في دبي - لتعزيز مواقفهم قبل مفاوضات المناخ العالمية السنوية. توحيد رؤى الدول الجزرية كان محور اجتماع انعقد يوم 13 أكتوبر الماضي، بجزيرة جرينادا، لمدة يومين شاركت فيه دول جزر منطقة الكاريبي، لصياغة خطوات واستراتيجيات للتكيف مع تداعيات التغير المناخي، واستطلاع أفق الطاقة المتجددة وتعزيز أطر التمويل والتعاون الإقليمي. خلال الاجتماعات أكد رئيس وزراء غرينادا «ديكون ميتشل» أهمية الجبهة الموحدة، قائلاً: «لكي يُسمع صوتنا في أروقة مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين، نحتاج إلى أن نجتمع معاً للتحدث بصوت واحد».
مخاطر
مخاطر مشتركة تتعاظم يوماً بعد يوم وتضع الدول الجزرية الصغيرة أمام استحقاقات حتمية تدفعها نحو التكيف مع الخطر المناخي والتحول السريع في مجال الطاقة وتطوير بناها التحتية في أسرع وقت ممكن بما يستوجب حشد الدعم الدولي لتعزيز قدرتها على الصمود سواء في مجال التمويل المناخي أو نقل التكنولوجيا وبناء استثمارات خضراء في الطاقة المتجددة.
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: التغيرات المناخية الاحترار المناخي مؤتمر الأطراف المناخ التغير المناخي تغير المناخ أزمة المناخ التغیر المناخی الأمم المتحدة تغیر المناخ قدرتها على
إقرأ أيضاً:
المغرب يدين بالأمم المتحدة تورط الجزائر في دعم مخططات الإنفصال وزعزعة إستقرار الدول
زنقة 20. الرباط
أدان المغرب، أمس الثلاثاء أمام لجنة الـ24 التابعة للأمم المتحدة، تعنت الجزائر التي ترهن العملية السياسية الخاصة بالصحراء المغربية، على حساب الاستقرار الإقليمي.
وخلال الدورة العادية للجنة الـ24، المنعقدة ما بين 9 و20 يونيو الجاري، أكدت نائبة السفير الممثل الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة، ماجدة موتشو، أن “العملية السياسية الجارية تحت إشراف الأمين العام والتي ييسرها مبعوثه الخاص، بدعم من مجموع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، لا يمكن أن تظل رهينة تعنت وعناد بلد وحيد، على حساب الاستقرار الإقليمي”.
وشددت على أن المجتمع الدولي وغالبية الأعضاء الدائمين بمجلس الأمن خلصوا إلى هذا الاستنتاج، معربة عن الأسف لكون بعض الأطراف تواصل الاستغلال السياسي لقضية الصحراء المغربية لخدمة مصالح لا تمت بصلة لمبادئ حق تقرير المصير.
وقالت إن “بلدا جارا، يعد طرفا رئيسيا في هذا النزاع الإقليمي، ويدعي الدفاع عن حق تقرير المصير، يعرقل منذ عقود أي حل واقعي وبناء من خلال استغلال مبادئ ميثاق الأمم المتحدة لأهداف سياسية وسعيا للهيمنة”.
وأضافت أن البلد ذاته، السباق إلى التحدث بشأن الصحراء المغربية وتعبئة قنوات دبلوماسية ومالية هامة من أجل تغذية الانقسام والانفصال، يلوذ بالصمت المطبق بشأن باقي القضايا المدرجة في جدول أعمال هذه اللجنة.
واعتبرت السيدة موتشو أن “هذا الموقف الانتقائي يشي بالكثير عن دوافعه الحقيقية ويظهر إرادة صريحة لتحويل العملية السياسية الأممية عن هدفها، خدمة لاستراتيجية تروم زعزعة الاستقرار الإقليمي”.
من جانب آخر، تطرقت نائبة السفير الممثل الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة إلى الدينامية الدولية الإيجابية الداعمة لحل سياسي وواقعي وبراغماتي ومستدام، يقوم على التوافق، لتسوية هذا النزاع الإقليمي بشأن الصحراء المغربية، مسجلة أن هذه الدينامية ما فتئت تتعزز حول المبادرة المغربية للحكم الذاتي.
وقالت إن هذه المبادرة، التي حظيت بترحيب مجلس الأمن الدولي منذ تقديمها إلى الأمين العام في 2007، تعتبر اليوم استجابة ملموسة لانتظارات المنتظم الدولي، إذ تنسجم بشكل كامل مع روح القرارات الأممية ذات الصلة، مذكرة بأن هذا المبادرة تحظى اليوم بدعم أزيد من 118 بلدا في كافة مناطق العالم، من بينها القوة الاستعمارية السابقة في المنطقة، إلى جانب ثلاثة أعضاء دائمين في مجلس الأمن.
وسجلت، من جانب آخر، التناقض الجوهري في المناقشات داخل لجنة الـ24 التي تواصل، بشكل مجانب للصواب، إدراج قضية الصحراء، ضمن مسألة تصفية الاستعمار، مؤكدة أن هذا الوضع “لا يعكس لا الحقائق التاريخية والواقع الميداني، ولا تطور الملف داخل مجلس الأمن، ولا، أيضا، رأي أغلبية المجتمع الدولي، بما في ذلك العديد من البلدان التي عبرت عن رأيها أمام هذه اللجنة بشأن هذه القضية”.
وحرصت على التذكير بأن لجنة الـ24، التي تضطلع بتنفيذ القرار رقم 1514 الذي اعتمدته الجمعية العامة الأممية في 14 دجنبر 1960، مدعوة إلى أن تأخذ بعين الاعتبار تطور مفاهيم وآليات القانون الدولي، مضيفة أنه لا يمكن لهذه اللجنة الاضطلاع بدورها بشكل فاعل مع التغاضي عن آليات تنفيذ القرار المذكور، التي حددتها ووافقت عليها الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، لاسيما في القرار 1541 الذي اعتمدته الجمعية ذاتها في 15 دجنبر 1960.
وقالت الدبلوماسية المغربية إنه “من الضروري التذكير بأن القرار 1541، الذي غالبا ما يتم عمدا إغفاله في هذا النقاش، يوضح أن الحكم الذاتي يعد صيغة لإعمال حق تقرير المصير”، مسجلة أنه خلافا للخطابات الإيديولوجية الضيقة التي تروج لها حفنة من الدول، فإن هذا الحق لا يقتصر على الاستقلال. بل يمكن ممارسته، وفقا للقانون الدولي نفسه، من خلال نظام حكم ذاتي داخلي ضمن إطار مؤسساتي أوسع للدولة.
وأوضحت الدبلوماسية أن هذه المقاربة الواقعية هي ذاتها التي تقترحها المبادرة المغربية للحكم الذاتي، التي توفر إطارا للحكم الذاتي المتقدم، في إطار احترام سيادة المملكة المغربية ووحدتها الترابية.
وأكدت السيدة موتشو أن هذه المقاربة تحظى بدعم صريح من ساكنة الصحراء المغربية، من خلال مشاركتها الواسعة في جميع الانتخابات الوطنية والجهوية والمحلية، وكذلك من خلال انخراطها في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لمنطقتها، مبرزة أن هذه المشاركة تعد تعبيرا مباشرا عن انخراط الساكنة في الإطار المؤسساتي المغربي، وهو ما يتعين على هذه الهيئة الاقرار به.
ودعت، في هذا الإطار، اللجنة إلى اتباع المسار الذي حدده أعضاء مجلس الأمن، من خلال الاعتراف بالتوجه الواضح والقائم على التوافق الذي تبنته المجموعة الدولية، ودعم مقاربة واقعية ترتكز على الحكم الذاتي.
وخلصت الدبلوماسية المغربية إلى أن “الوقت قد حان بالنسبة للجنة الـ24 من أجل تبني موقف شجاع إزاء المبادرة المغربية للحكم الذاتي، يتوافق مع مبادئ الأمم المتحدة. فلا يمكن إيجاد حل سياسي لهذا النزاع إلا في هذا الإطار، وليس من خلال قراءة مغلوطة ومغرضة لحق تقرير المصير”.
الإرهابالبوليساريوالجزائر