مقدمة الترجمة

حظيت العلاقات الوطيدة بين أذربيجان ودولة الاحتلال الإسرائيلي باهتمام كبير أثناء الحرب بين أذربيجان وأرمينيا، التي اشتعلت فصولها أكثر من مرة منذ عام 2020، وأسفرت عن نجاح باكو في ضمِّ إقليم ناغورني-قره باغ إلى سيادتها. وقد لعب الاحتلال دورا محوريا في تزويد أذربيجان بالسلاح والذخيرة. هذا الدور، يقف الآن حائلا دون أن تتجاوب أذربيجان مع دعوات من دول إسلامية عديدة للتصعيد والضغط على تل أبيب من أجل وقف عدوانها على قطاع غزة، حيث يكتفي النظام الأذربيجاني منذ بدء الحرب بالإدانة السطحية ليس إلا، كما يصف "إلدار محمَّدوف"، المُتخصص في السياسات الخارجية، في مقاله المنشور على موقع "أوراسيا نِت".

نص الترجمة

ناشد المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي في أول نوفمبر/تشرين الثاني الجاري الدول الإسلامية كافة بقطع كل علاقاتها الدبلوماسية والاقتصادية مع إسرائيل، وذلك في خضم تصاعد الحرب على قطاع غزة. وشدَّد خامنئي بالأخص على "عرقلة مسار صادرات النفط والغذاء" إلى إسرائيل. بيد أن هذه المناشدات على الأرجح تعكس الطموحات الإيرانية في قيادة المقاومة المعادية لتل أبيب، ولن تسفر عن مُخرجات عملية ملموسة، وذلك لأن دولتين من أعضاء منظمة التعاون الإسلامي، وهما أذربيجان وكازاخستان، تغطيان نصف الاحتياجات النفطية للدولة العبرية.

بحسب معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، فإن دولة الاحتلال الإسرائيلي مسؤولة الآن عن توريد نحو 70% من أسلحة الجيش في أذربيجان. (الأناضول)

من بين الدولتين، تُمثِّل أذربيجان شريكا شديد الأهمية بالنسبة إلى إسرائيل، إذ إنها تمدُّ تل أبيب بنحو 40% من احتياجاتها من النفط، وتتلقى في المقابل أسلحة متقدمة تُقدَّر قيمتها بمليارات الدولارات. وبحسب معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، فإن إسرائيل مسؤولة الآن عن توريد نحو 70% من أسلحة الجيش في أذربيجان، كما أن أذربيجان مستفيدة أيضا من الجهود المبذولة من قِبل جماعات الضغط الداعمة لتل أبيب في واشنطن (التي توازِن الحضور الكثيف لجماعات الضغط الأرمينية)*.

تخدم هذه العلاقة الأهداف الإستراتيجية الإسرائيلية والأذربيجانية: فقد مكَّنت الأسلحة الإسرائيلية باكو من استعادة أراضيها المحتلة في إقليم ناغورني-قره باغ المُتنازع عليه سابقا بين أذربيجان وأرمينيا، وذلك في غضون 44 يوما من الحرب بين الطرفين عام 2020، ثمَّ أنهت أذربيجان المهمة بحلول عام 2023 بإعادة إحكام قبضتها على الإقليم وتهجير سكانه الأرمن. ومن جهة أخرى، تجد إسرائيل في أذربيجان ساحة للأنشطة الاستخباراتية ضد إيران، ألد أعدائها. وما يفاقم الأمور هو أن المسؤولين الأذربيجانيين بعد النصر المُظفر على أرمينيا، وعلى رأسهم الرئيس الأذربيجاني "إلهام علييف"، صعَّدوا خطابهم القومي الوحدوي وقالوا كلاما يشير ضمنيا إلى حقوق لهم في الأراضي الشمالية الغربية الإيرانية، وهي مَوطِن الملايين من الإيرانيين الأذريين، وهي مناطق يُشار إليها في باكو عادة بأنها "أذربيجان الجنوبية".

والحق أن بعض مراكز الأبحاث الأميركية المتشددة التي تتخذ من واشنطن مقرا لها، مثل معهد هَدسون، ومؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات (Foundation for Defense of Democracies) التي اضطلعت بدور فعال في صياغة وتشكيل سياسة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب حيال إيران؛ بدا وكأنها تروِّج بكل نشط للأفكار "الانفصالية" الأذربيجانية بوصفها حصان طروادة لتفكيك إيران على أسس عِرقية، وهو أمر لم يؤدِّ إلا إلى ازدياد الشعور بعدم الارتياح في طهران حيال جارتها الشمالية. وقد وقفت إيران رافضة بشدة لمخططات أذربيجان من أجل إنشاء ما يُسمَّى "ممر زانغِزور"، الذي يعبر أرمينيا ويربط الأراضي الأذربيجانية بإقليم "ناخْجِوان" (إقليم أذربيجاني منفصل عن باقي أراضيها ومحاط بأراضي تركيا وأرمينيا)، خوفا من أن تخسر إيران حدودها مع أرمينيا.

خريطة توضِّح ممر زانغِزور (الجزيرة) أذربيجان.. الدعم المعنوي لا أكثر

تقدم هذه التوترات خلفية للعلاقات الأذربيجانية-الإيرانية في السنوات الأخيرة. وهكذا، فإن الحرب في غزة والمناشدات بـ"حظر إسلامي للنفط" يمكن أن يُنظَر إليها، من بين أشياء أخرى، على أنها طريقة أخرى لطهران تمارس بها الضغط على باكو. لكن من المُستبعَد أن يكون لدى النظام الإيراني النفوذ لإجبار أذربيجان على التخلي عن علاقتها المربحة مع إسرائيل في مجالي الطاقة والأمن. ولا ترى أذربيجان حاجة ماسة إلى أن تستجيب لمطالبات إيران وتوقعاتها، وذلك بفضل تحالفها الإستراتيجي مع تركيا وتفاهماتها مع روسيا.

خلافا للبلدان العربية التي لديها علاقات مع تل أبيب، فما من ضغط شعبي داخلي قوي في أذربيجان لأن تتخذ موقفا أشد حزما حيال إسرائيل. ورغم تعاطف كثير من الأذربيجانيين مع الشعب الفلسطيني، فإن دور تل أبيب في دعم أذربيجان في نزاعها مع أرمينيا يحظى بتقدير كبير هناك. وحتى مع وجود جماعات إسلامية مؤيدة لإيران مثل "حُسينيون"، فإنها لا تمثل تحديا حقيقيا للنظام في باكو، بل يستخدمها النظام ذريعة لقمع المعارضة الدينية بحُجة مكافحة الإرهاب. وقد صوَّتت أذربيجان لصالح قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الداعي إلى هدنة إنسانية فورا لـ"وقف الأعمال العدائية بين حماس وإسرائيل" في غزة، إلا أن هذا سيكون أقصى ما ترغب أذربيجان في فعله من أجل فلسطين.

إن الخطاب الناري المعادي لإسرائيل تقابله مصالح أذربيجان القومية من جهة أخرى. وفي سياق فقدان إيران للعلاقات القوية مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، تحتاج إيران إلى إحياء العلاقات والروابط مع الجوار، بما في ذلك أذربيجان. إن التوترات والخطابات العدائية المُتبادَلة لم تمنع باكو وطهران من أن يتواصلا بهدوء فيما يخص التعاون الاقتصادي، لا سيما ما يتعلَّق بتطوير ممر النقل والتجارة الشمالي-الجنوبي، الذي يُعَدُّ مهما أيضا بالنسبة إلى روسيا بعد غزوها أوكرانيا عام 2022 (حيث ترى فيه موسكو بديلا لها عن سُبُل التجارة مع أوروبا)*.

تفاهمات إستراتيجية

ورغم استياء إيران من الصعود الإقليمي لأذربيجان على حساب أرمينيا، فلم يكن أمام إيران خيار سوى التوافق براغماتيًّا مع المشهد الجيوسياسي الجديد في منطقة جنوب القوقاز، خاصة بعد أن ابتعدت أرمينيا بنفسها عن روسيا حليفة إيران واقتربت أكثر إلى الغرب، بما في ذلك عقدها لتدريبات عسكرية ضخمة مع الولايات المتحدة. وقد عارضت إيران على الدوام وبشدة وجود قوى "من خارج المنطقة" بجوار حدودها، ناهيك بأن تكون تلك القوة هي الولايات المتحدة، عدوها الألد.

وبناءً على ذلك، اتفقت طهران وباكو على إنشاء "ممر زانغِزور" عبر الأراضي الإيرانية عوضا عن الأراضي الأرمينية، ما ألغى في الوقت الحالي قلق إيران بشأن خسارة حدودها مع أرمينيا. وقد قال "حكمت حاجييف"، مساعد الرئيس الأذربيجاني، إن "الممر" من خلال أرمينيا "فقد جاذبيته" بالنسبة إلى باكو نظرا إلى وجود البديل الإيراني. ويمكن لإيران أن تقبل بحقيقة النفوذ المتنامي لأذربيجان في القوقاز من خلال ادعاء يحفظ ماء وجهها مفاده أن تحذيراتها التي لم تتوقف بشأن رفض أي تغييرات في الحدود الإقليمية، مدعومة بتدريبات عسكرية إيرانية قرب حدود أذريبجان، آتت أُكلها في الأخير. ومن ثمَّ لا يُرجَّح أن تكون إيران مستعدة لأن تُعرِّض هذه المكتسبات إلى الخطر بجَلْب العداوة مع باكو بسبب غزة، التي تمثل قضية فائقة الأهمية سياسيا ورمزيا بالنسبة إلى طهران، لكن منفصلة عن علاقاتها الثنائية مع أذربيجان.

وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان (يسار) يلتقي بنظيره التركي هاكان فيدان في أنقرة – 2 نوفمبر/تشرين الثاني 2023 (الأناضول)

نظريا، لربما تلقى إيران دعما أكبر لموقفها في تركيا، حيث إن رئيسها رجب طيب أردوغان وجَّه انتقادات شديدة لأفعال إسرائيل في غزة. إن تركيا أحد أقرب الحلفاء لأذربيجان، كما أن النفط الأذربيجاني يتدفق إلى تل أبيب بعد المرور من ميناء جيهان التركي. وفي اليوم نفسه الذي أصدر فيه آية الله خامنئي دعوته لفرض مقاطعة شاملة مع إسرائيل، التقى وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان بنظيره التركي هاكان فيدان في أنقرة، وشدد خصوصا على ضرورة فرض حظر على تصدير النفط. بيد أن هذه الدعوة لم تلقَ صداها لدى فيدان، الذي أكَّد انتقادات بلاده لإسرائيل والتزامها بحل الدولتين.

لذلك، يجب النظر إلى مناشدات إيران بعزل تل أبيب دبلوماسيا واقتصاديا على أنها استجابة لحاجة النظام الإيراني إلى تعزيز سمعته بوصفه خصما قويا لإسرائيل، وليس على أنها مناشدات نابعة من إستراتيجية واقعية قادرة على توحيد صفوف الدول الإسلامية الأخرى. وحتى لو ارتفع عدد ضحايا الفلسطينيين، وهو أمر يبدو حتميا، فمن المرجح أن دولا مثل أذربيجان، التي توازِن علاقاتها بين إسرائيل والنظام الإيراني، لن تتجاوز مستوى الانتقادات السطحية لتل أبيب.

_______________________________________

*: تعقيب المترجم

ترجمة: كريم محمد

هذا التقرير مترجم عن Eurasianet ولا يعبر بالضرورة عن موقع ميدان.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: بالنسبة إلى فی أذربیجان تل أبیب

إقرأ أيضاً:

إيران تعيد تموضع نفسها لمواجهة صعود إسرائيل وتركيا

«مشهد جيوسياسي متغير في الشرق الأوسط»، هذا «الكليشيه» السياسي المتكرر ما زال صالحا للانطلاق منه لفهم حالة إعادة التموضع وإعادة صياغة السياسات الخارجية لكل دولة من دول الإقليم. فكما في الاقتصاد، تجري الآن في السياسة الخارجية والدفاع والأمن الوطني عملية إعادة تكيف هيكلي مع هذا المشهد، بغرض أن تتأكد كل دولة في المنطقة من أنها ستكون فائزة في العملية الجارية لإعادة بناء خرائط النفوذ، أو على الأقل التأكد من أنه لن يكون على حسابها.

يمثل تاريخ ٨ ديسمبر الماضي، بسقوط النظام السوري السابق وصعود نظام موال للولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين في المنطقة، أكبر وأهم إعلان عن بدء هذا المشهد الجيوسياسي المتغير.

يتوج أحدث تصريح من الرئيس السوري الجديد، أحمد الشرع، هذا التغير الاستراتيجي، عن انتقال سوريا بعد ٥٤ عاما من نظام البعث المعادي لإسرائيل والولايات المتحدة، إلى معسكر واشنطن استراتيجيا، وإلى معسكر المنسحبين العرب عن المواجهة مع إسرائيل: «مستعدون لتحقيق الاستقرار الإقليمي وأمن الولايات المتحدة وحلفائها جميعا».

إلا أن التصريح الأهم للرئيس الشرع، في سياق التحولات المرتقبة في السلوك السياسي للجمهورية الإسلامية الإيرانية، هو الذي وجهه إلى الأمريكيين وحلفائهم من إسرائيليين، وأيضا من بين السطور، إلى حلفاء واشنطن العرب والأتراك السنة: «لدينا أعداء مشتركون مع تل أبيب (يقصد هنا الإيرانيين)».

يدرك الإيرانيون هنا أنهم خسروا أهم حليف عربي نشأ منذ اتفاق الخميني وحافظ الأسد على أن علاقتهم هي علاقة استراتيجية.. وأن سوريا التي كانت لهم أصبحت عليهم. يدركون أن خسارة سوريا لا تتعلق فقط بخسارة الممر الاستراتيجي الذي صنع نفوذ إيران الإقليمي الهائل في العقود الثلاثة الماضية، ومكنها من إيصال الأسلحة والدعم لمنظمات المقاومة اللبنانية والفلسطينية، ولكن أيضا في نشوء تخطيط استراتيجي أمريكي ستُوظف فيه إمكانات مالية مخيفة لدول عربية، يجعل من سوريا نقطة انطلاق لتقويض النفوذ الإيراني في العراق وما تبقى منه في لبنان. في هذا التخطيط، يجري إعادة رسم الخرائط بحيث يتم عزل وتهميش مصر واستبدال سوريا بها كقاعدة لنفوذ القوى المحافظة العربية، التي توجهها إدارة ترامب في الأسابيع الماضية كقيادة للمنطقة.

تراجع نفوذ طهران في الشرق الأوسط، وتراجع المعسكر الإقليمي صاحب النفس الاستقلالي الرافض للخضوع التام لواشنطن، يفرض على صانعي السياسة الإيرانية الواقعيين إجراء تحولات ملموسة في سياستهم الخارجية، تستوعب هذه التغييرات، ولكن تحافظ على إرث الخميني في إنهاء حالة التبعية للغرب التي اتصف بها حكم شاه إيران.

هذه التحولات لا يمكن التنبؤ بها سوى على المدى القصير، أو في أحسن الأحوال على المدى المتوسط، وهي مرتبطة بفرضيتين إذا تغيرتا تتغير معهما معادلة التحولات المرتقبة:

الفرضية الأولى: نجاح المفاوضات الإيرانية - الأمريكية حول الملف النووي، وبالتالي رفع العقوبات الاقتصادية الغربية عن طهران.

الفرضية الثانية: استمرار المرشد الأعلى خامنئي في قمة الدولة الإيرانية، وترتيب خلافة له تتبنى النهج الاستقلالي نفسه عن واشنطن، أو بعبارة أخرى: عدم ظهور قائد جديد ينقلب على النظام الجمهوري ويعيد إيران إلى الحظيرة الأمريكية كـ«شرطي للخليج» وحليف أمني، ومزود طاقة لإسرائيل كما كانت قبل ١٩٧٩.

وضع جديد سينشأ إذا تُوجت بالنجاح المفاوضات التي تديرها سلطنة عمان بحصافة كبيرة، والتي تقدم فيها جسورا بين المواقف، وتفكك فيها الأزمات التي تنشأ من تباين الأهداف في المفاوضات أو من التصريحات السياسية التصعيدية من الأمريكيين والإيرانيين بغرض الاستهلاك المحلي للرأي العام لديهم.

هذا الوضع سترفع فيه العقوبات عن صادرات النفط الإيرانية، وعن أموال إيران المجمدة في الخارج، وهو ما سيدفع الإيرانيين ـ على المدى القصير ـ لإعطاء الأولوية للداخل الإيراني على الخارج. سيجري التركيز على إصلاح أحوال الاقتصاد الذي أنهكته العقوبات، واستخدام العوائد المتوقعة من العودة التدريجية لصادرات النفط قرب مستوياتها السابقة، وعودة الأموال المجمدة، في تحسين الأحوال المعيشية، وإغلاق أبواب التململ الاجتماعي من تدهور المعيشة، وضخ موارد جديدة في شرايين الصناعة والزراعة والبنية التحتية، وجذب الاستثمارات الخارجية التي حدّت منها كثيرا سياسة العقوبات.

سيتم التركيز على سياسة خارجية وأمن قومي يستهدفان تعافي القوة العسكرية الصاروخية وقوة الدفاع الجوي التي تضررت من الغارات الإسرائيلية، وإعادة بناء قدرات إيران الشاملة كرادع لنتنياهو عن المقامرة بشن هجوم على المنشآت النووية والعسكرية الإيرانية.

سيتم التركيز في هذه السياسة المرحلية على ضمان الأمن القومي المباشر للدولة الإيرانية، في حدودها مع دول الخليج العربية، وحدودها مع العراق وتركيا ودول آسيا الوسطى. في هذه السياسة، ستوثق إيران علاقتها القوية الخالية من الشكوك والقائمة على الاحترام مع عُمان، وعلاقتها ذات الطبيعة غير الصراعية مع قطر والكويت، وتحويل خلافها مع البحرين والسعودية والإمارات إلى خلاف سياسي يتم السعي لحله بالوسائل السياسية، عبر تثبيت الاتفاق الحازم القائم معهم الآن بتجنب الحرب التي قد تدمر المنطقة وتقضي على الجميع.

وبخصوص العراق، ستقاوم إيران ـ ولكن بالسياسة والنفوذ الناعم ـ الجهد المنظم الرامي لدفع السياسيين والمجموعات المسلحة الأقرب إليها بعيدا عن مركز السلطة في بغداد.

هذه السياسة الخارجية ستتبع نهجا «انكماشيا» فيما يتعلق بالعالم العربي، يُخفف فيه النمط التدخلي مع حركات المقاومة على غرار: «لن نكون ملكيين أكثر من الملك»، أو «عربًا أكثر من العرب». هذا النهج سيستمر ـ على الأقل ـ حتى تستعيد إيران عافيتها، وحتى تتضح نتائج حرب غزة ومستقبل حزب الله في لبنان.

سترُضي هذه السياسة فريقًا في النخبة الإيرانية كان يعارض ما يسميه «صرف المليارات على أطراف عربية كان الداخل الإيراني أحق بها»، كما تُرضي فريقًا آخر يرى أن بعض هذه الأطراف العربية كانت ناكرة للجميل في أكثر من موقف وأكثر من ساحة.

لكن هذه السياسة الانكماشية مع محور المقاومة، ومع المحيط العربي الأوسع لحين من الزمن، لن تمنع إيران من السعي لفك الحصار الجيوسياسي عليها. تسعى طهران لتوسيع نطاق حركتها السياسية في المنطقة، خاصة مع دول قديمة تتعرض للتهميش الاستراتيجي في التموضع الجديد الذي نشأ في المنطقة، والذي تقوده واشنطن، ويشمل تركيا والشام وأجزاء في الخليج.

تقع مصر على رأس هذه الدول التي ستجدد إيران محاولتها ـ المستمرة منذ عهد مبارك ـ لإنهاء الفتور القائم منذ عهد السادات. ورغم النجاح المحدود للغاية الذي تحقق لها من هذه المحاولة، فإن إيران تشعر الآن أنه إذا قابلت القاهرة هذه المحاولة الجديدة بإرادة سياسية للتقارب، فإنها قد تنجح هذه المرة.

فالتطور الجيوسياسي الراهن لا يُهمّش الإيرانيين فحسب، بل يُهمّش مصر وكل الدول «القديمة» السابقة على عصر النفط، عصر الاستعمار والهندسة الغربية للعديد من الدول الحديثة في المنطقة.

هل يمكن فهم زيارة وزير الخارجية العراقي، عباس عراقجي، غير المعتادة إلى القاهرة اليوم الاثنين، بأنها تأتي في هذا السياق من تحولات متوقعة للسياسة الإيرانية بعد الطوفان المضاد لطوفان الأقصى؟ هذا ما ستجيب عنه الأيام المقبلة.

حسين عبد الغني كاتب وإعلامي مصري

مقالات مشابهة

  • لماذا استهدفت القسام عربة همر وفشلت إسرائيل بإخلاء خسائرها؟
  • متحدث الخارجية: امتلاك إسرائيل السلاح النووي يهدد الأمن الإقليمي.. فيديو
  • متحدث الخارجية: إسرائيل الوحيدة الغير منضمه لمعاهدة منع انتشار السلاح النووي
  • إيران: أي إجراء متهور من إسرائيل سيقابل برد صارم
  • ضجيج كبير وردع قليل.. لماذا فشلت ضربات إسرائيل بتحييد جبهة اليمن؟
  • أذربيجان والصين تقران إعفاءً متبادلا من التأشيرات
  • إيران تعيد تموضع نفسها لمواجهة صعود إسرائيل وتركيا
  • لينت خطابها مع عدم قبول “الهيمنة الغربية”.. إيران ترفض السلاح النووي وتلوح بقبول التفاوض المشروط
  • صحيفة إسرائيلية: تركيا أصبحت القوة الجديدة التي تُقلق إسرائيل في الشرق الأوسط!
  • ألمانيا تضغط على إسرائيل.. السلاح مقابل تحسين الوضع الإنساني في غزة