السلاح والطاقة هما السر.. لماذا تتردد أذربيجان المسلمة في دعم غزة ضد إسرائيل؟
تاريخ النشر: 22nd, November 2023 GMT
مقدمة الترجمة
حظيت العلاقات الوطيدة بين أذربيجان ودولة الاحتلال الإسرائيلي باهتمام كبير أثناء الحرب بين أذربيجان وأرمينيا، التي اشتعلت فصولها أكثر من مرة منذ عام 2020، وأسفرت عن نجاح باكو في ضمِّ إقليم ناغورني-قره باغ إلى سيادتها. وقد لعب الاحتلال دورا محوريا في تزويد أذربيجان بالسلاح والذخيرة. هذا الدور، يقف الآن حائلا دون أن تتجاوب أذربيجان مع دعوات من دول إسلامية عديدة للتصعيد والضغط على تل أبيب من أجل وقف عدوانها على قطاع غزة، حيث يكتفي النظام الأذربيجاني منذ بدء الحرب بالإدانة السطحية ليس إلا، كما يصف "إلدار محمَّدوف"، المُتخصص في السياسات الخارجية، في مقاله المنشور على موقع "أوراسيا نِت".
ناشد المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي في أول نوفمبر/تشرين الثاني الجاري الدول الإسلامية كافة بقطع كل علاقاتها الدبلوماسية والاقتصادية مع إسرائيل، وذلك في خضم تصاعد الحرب على قطاع غزة. وشدَّد خامنئي بالأخص على "عرقلة مسار صادرات النفط والغذاء" إلى إسرائيل. بيد أن هذه المناشدات على الأرجح تعكس الطموحات الإيرانية في قيادة المقاومة المعادية لتل أبيب، ولن تسفر عن مُخرجات عملية ملموسة، وذلك لأن دولتين من أعضاء منظمة التعاون الإسلامي، وهما أذربيجان وكازاخستان، تغطيان نصف الاحتياجات النفطية للدولة العبرية.
من بين الدولتين، تُمثِّل أذربيجان شريكا شديد الأهمية بالنسبة إلى إسرائيل، إذ إنها تمدُّ تل أبيب بنحو 40% من احتياجاتها من النفط، وتتلقى في المقابل أسلحة متقدمة تُقدَّر قيمتها بمليارات الدولارات. وبحسب معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، فإن إسرائيل مسؤولة الآن عن توريد نحو 70% من أسلحة الجيش في أذربيجان، كما أن أذربيجان مستفيدة أيضا من الجهود المبذولة من قِبل جماعات الضغط الداعمة لتل أبيب في واشنطن (التي توازِن الحضور الكثيف لجماعات الضغط الأرمينية)*.
تخدم هذه العلاقة الأهداف الإستراتيجية الإسرائيلية والأذربيجانية: فقد مكَّنت الأسلحة الإسرائيلية باكو من استعادة أراضيها المحتلة في إقليم ناغورني-قره باغ المُتنازع عليه سابقا بين أذربيجان وأرمينيا، وذلك في غضون 44 يوما من الحرب بين الطرفين عام 2020، ثمَّ أنهت أذربيجان المهمة بحلول عام 2023 بإعادة إحكام قبضتها على الإقليم وتهجير سكانه الأرمن. ومن جهة أخرى، تجد إسرائيل في أذربيجان ساحة للأنشطة الاستخباراتية ضد إيران، ألد أعدائها. وما يفاقم الأمور هو أن المسؤولين الأذربيجانيين بعد النصر المُظفر على أرمينيا، وعلى رأسهم الرئيس الأذربيجاني "إلهام علييف"، صعَّدوا خطابهم القومي الوحدوي وقالوا كلاما يشير ضمنيا إلى حقوق لهم في الأراضي الشمالية الغربية الإيرانية، وهي مَوطِن الملايين من الإيرانيين الأذريين، وهي مناطق يُشار إليها في باكو عادة بأنها "أذربيجان الجنوبية".
والحق أن بعض مراكز الأبحاث الأميركية المتشددة التي تتخذ من واشنطن مقرا لها، مثل معهد هَدسون، ومؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات (Foundation for Defense of Democracies) التي اضطلعت بدور فعال في صياغة وتشكيل سياسة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب حيال إيران؛ بدا وكأنها تروِّج بكل نشط للأفكار "الانفصالية" الأذربيجانية بوصفها حصان طروادة لتفكيك إيران على أسس عِرقية، وهو أمر لم يؤدِّ إلا إلى ازدياد الشعور بعدم الارتياح في طهران حيال جارتها الشمالية. وقد وقفت إيران رافضة بشدة لمخططات أذربيجان من أجل إنشاء ما يُسمَّى "ممر زانغِزور"، الذي يعبر أرمينيا ويربط الأراضي الأذربيجانية بإقليم "ناخْجِوان" (إقليم أذربيجاني منفصل عن باقي أراضيها ومحاط بأراضي تركيا وأرمينيا)، خوفا من أن تخسر إيران حدودها مع أرمينيا.
تقدم هذه التوترات خلفية للعلاقات الأذربيجانية-الإيرانية في السنوات الأخيرة. وهكذا، فإن الحرب في غزة والمناشدات بـ"حظر إسلامي للنفط" يمكن أن يُنظَر إليها، من بين أشياء أخرى، على أنها طريقة أخرى لطهران تمارس بها الضغط على باكو. لكن من المُستبعَد أن يكون لدى النظام الإيراني النفوذ لإجبار أذربيجان على التخلي عن علاقتها المربحة مع إسرائيل في مجالي الطاقة والأمن. ولا ترى أذربيجان حاجة ماسة إلى أن تستجيب لمطالبات إيران وتوقعاتها، وذلك بفضل تحالفها الإستراتيجي مع تركيا وتفاهماتها مع روسيا.
خلافا للبلدان العربية التي لديها علاقات مع تل أبيب، فما من ضغط شعبي داخلي قوي في أذربيجان لأن تتخذ موقفا أشد حزما حيال إسرائيل. ورغم تعاطف كثير من الأذربيجانيين مع الشعب الفلسطيني، فإن دور تل أبيب في دعم أذربيجان في نزاعها مع أرمينيا يحظى بتقدير كبير هناك. وحتى مع وجود جماعات إسلامية مؤيدة لإيران مثل "حُسينيون"، فإنها لا تمثل تحديا حقيقيا للنظام في باكو، بل يستخدمها النظام ذريعة لقمع المعارضة الدينية بحُجة مكافحة الإرهاب. وقد صوَّتت أذربيجان لصالح قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الداعي إلى هدنة إنسانية فورا لـ"وقف الأعمال العدائية بين حماس وإسرائيل" في غزة، إلا أن هذا سيكون أقصى ما ترغب أذربيجان في فعله من أجل فلسطين.
إن الخطاب الناري المعادي لإسرائيل تقابله مصالح أذربيجان القومية من جهة أخرى. وفي سياق فقدان إيران للعلاقات القوية مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، تحتاج إيران إلى إحياء العلاقات والروابط مع الجوار، بما في ذلك أذربيجان. إن التوترات والخطابات العدائية المُتبادَلة لم تمنع باكو وطهران من أن يتواصلا بهدوء فيما يخص التعاون الاقتصادي، لا سيما ما يتعلَّق بتطوير ممر النقل والتجارة الشمالي-الجنوبي، الذي يُعَدُّ مهما أيضا بالنسبة إلى روسيا بعد غزوها أوكرانيا عام 2022 (حيث ترى فيه موسكو بديلا لها عن سُبُل التجارة مع أوروبا)*.
تفاهمات إستراتيجيةورغم استياء إيران من الصعود الإقليمي لأذربيجان على حساب أرمينيا، فلم يكن أمام إيران خيار سوى التوافق براغماتيًّا مع المشهد الجيوسياسي الجديد في منطقة جنوب القوقاز، خاصة بعد أن ابتعدت أرمينيا بنفسها عن روسيا حليفة إيران واقتربت أكثر إلى الغرب، بما في ذلك عقدها لتدريبات عسكرية ضخمة مع الولايات المتحدة. وقد عارضت إيران على الدوام وبشدة وجود قوى "من خارج المنطقة" بجوار حدودها، ناهيك بأن تكون تلك القوة هي الولايات المتحدة، عدوها الألد.
وبناءً على ذلك، اتفقت طهران وباكو على إنشاء "ممر زانغِزور" عبر الأراضي الإيرانية عوضا عن الأراضي الأرمينية، ما ألغى في الوقت الحالي قلق إيران بشأن خسارة حدودها مع أرمينيا. وقد قال "حكمت حاجييف"، مساعد الرئيس الأذربيجاني، إن "الممر" من خلال أرمينيا "فقد جاذبيته" بالنسبة إلى باكو نظرا إلى وجود البديل الإيراني. ويمكن لإيران أن تقبل بحقيقة النفوذ المتنامي لأذربيجان في القوقاز من خلال ادعاء يحفظ ماء وجهها مفاده أن تحذيراتها التي لم تتوقف بشأن رفض أي تغييرات في الحدود الإقليمية، مدعومة بتدريبات عسكرية إيرانية قرب حدود أذريبجان، آتت أُكلها في الأخير. ومن ثمَّ لا يُرجَّح أن تكون إيران مستعدة لأن تُعرِّض هذه المكتسبات إلى الخطر بجَلْب العداوة مع باكو بسبب غزة، التي تمثل قضية فائقة الأهمية سياسيا ورمزيا بالنسبة إلى طهران، لكن منفصلة عن علاقاتها الثنائية مع أذربيجان.
نظريا، لربما تلقى إيران دعما أكبر لموقفها في تركيا، حيث إن رئيسها رجب طيب أردوغان وجَّه انتقادات شديدة لأفعال إسرائيل في غزة. إن تركيا أحد أقرب الحلفاء لأذربيجان، كما أن النفط الأذربيجاني يتدفق إلى تل أبيب بعد المرور من ميناء جيهان التركي. وفي اليوم نفسه الذي أصدر فيه آية الله خامنئي دعوته لفرض مقاطعة شاملة مع إسرائيل، التقى وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان بنظيره التركي هاكان فيدان في أنقرة، وشدد خصوصا على ضرورة فرض حظر على تصدير النفط. بيد أن هذه الدعوة لم تلقَ صداها لدى فيدان، الذي أكَّد انتقادات بلاده لإسرائيل والتزامها بحل الدولتين.
لذلك، يجب النظر إلى مناشدات إيران بعزل تل أبيب دبلوماسيا واقتصاديا على أنها استجابة لحاجة النظام الإيراني إلى تعزيز سمعته بوصفه خصما قويا لإسرائيل، وليس على أنها مناشدات نابعة من إستراتيجية واقعية قادرة على توحيد صفوف الدول الإسلامية الأخرى. وحتى لو ارتفع عدد ضحايا الفلسطينيين، وهو أمر يبدو حتميا، فمن المرجح أن دولا مثل أذربيجان، التي توازِن علاقاتها بين إسرائيل والنظام الإيراني، لن تتجاوز مستوى الانتقادات السطحية لتل أبيب.
_______________________________________
*: تعقيب المترجم
ترجمة: كريم محمد
هذا التقرير مترجم عن Eurasianet ولا يعبر بالضرورة عن موقع ميدان.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: بالنسبة إلى فی أذربیجان تل أبیب
إقرأ أيضاً:
محللون: لبنان يريد نزع سلاح حزب الله لكنه لا يضمن إسرائيل
لا تبدو الحكومة اللبنانية قادرة على نزع سلاح حزب الله في ظل غياب أي ضمانات بعدم تعرض البلاد لاعتداءات إسرائيلية جديدة، وهو ما يجعل احتمال العودة للتصعيد أمرا قائما خلال الفترة المقبلة.
فالولايات المتحدة التي لا تتوقف عن مطالبة لبنان بنزع سلاح الحزب، لا تقدم أي ضمانات بعدم وقوع اعتداءات إسرائيلية على لبنان، ولا تلزم الجانب الإسرائيلي بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه مسبقا.
ففي حين ترفض إسرائيل الانسحاب من المناطق التي دخلتها في جنوب لبنان خلال المواجهة الأخيرة، ولا تتوقف عن ضرب أهداف في الأراضي اللبنانية، أكد المبعوث الأميركي توم براك ضرورة تجريد حزب الله من سلاحه في أقرب وقت ممكن وطالب الحكومة بتنفيذ المطلوب بدل الاكتفاء بالكلام.
وقد أكدت الرئاسة اللبنانية أن البلاد تمر بمنعطف خطير يقتضي حصر السلاح بيد الدولة، وأنها على تواصل مع الحزب بشأن هذا الملف، لكنها قالت إنها تحرز تقدما بطيئا في هذا الملف.
في المقابل، أكد الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم، أنه لا مجال للحديث عن نزع السلاح قبل رحيل قوات الاحتلال عن الأراضي اللبنانية، وإلزام إسرائيل ببنود اتفاق وقف إطلاق النار المبرم نهاية العام الماضي. كما قال قيادي بالحزب إن الولايات المتحدة تحاول تجريد لبنان من قوته.
ومن المقرر أن تبدأ الحكومة اللبنانية بحث ملف نزع سلاح الحزب الثلاثاء المقبل، لكنّ هذا لا يعني بالضرورة عزمها المضي قدما في هذا الملف الذي سيجد إشكالية كبيرة في نقاشه، كما يقول الكاتب الصحفي نيقولا ناصيف.
ورغم عدم ممانعة رئيس مجلس النواب نبيه بري مناقشة نزع سلاح الحزب، فإن هذا لا يعني وجود توافق على هذا الأمر لأن الحكومة تتكون من 3 أطراف أحدها معتدل بينما الآخران لن يوافقا على هذه المسألة أبدا، وفق ما أكده ناصيف خلال مشاركته في برنامج "ما وراء الخبر".
إعلانالأمر الآخر المهم الذي تحدث عنه ناصيف، يتمثل في أن أعضاء الحكومة يعودون إلى انتماءاتهم السياسية فور خروجهم من مجلس الوزراء، مما يعني أن مناقشة نزع سلاح الحزب يأتي في إطار التزام حكومة نواف سلام، بما أقسمت عليه عند توليه مقاليد الأمور.
ولا يمكن لحزب الله ولا لحكومة لبنان القبول بنزع السلاح ما لم تحصل بيروت على ضمانات أميركية فرنسية والتزامات إسرائيلية واضحة بعدم وقوع أي اعتداءات مستقبلا، وهو أمر ترفضه الولايات المتحدة.
لذلك، فإن حكومة نواف سلام تتفهم مخاوف الحزب ولن تقبل بحصر السلاح في يد الدولة التي تعرف أنها لن تكون قادرة على حماية البلاد من أي عدوان مستقبلي ما لم تكن هناك ضمانات واضحة بهذا الشأن، برأي ناصيف، الذي قال إن التاريخ مليء بالدروس المتعلقة بالتعامل مع إسرائيل.
في الوقت نفسه، فإن هناك تطابقا كاملا بين موقفي حزب الله وحركة أمل فيما يتعلق بمسألة نزع السلاح، ولا يمكن الحديث عن خلاف جوهري بينهما في هذه المسألة.
وبناء على هذا التطابق، فإنه من غير المتوقع أن يقبل الطرفان بالقفز على اتفاق وقف إطلاق النار والمضي نحو نزع السلاح بينما لم تلتزم إسرائيل بما عليها من التزامات حتى اليوم، كما يقول الباحث السياسي حبيب فياض.
التصعيد خيار محتمل
وفي ظل هذا التباعد في المواقف، تبدو احتمالات التصعيد كبيرة لأن الأميركيين يريدون وضع لبنان بين خيارين كلاهما سيئ، فإما أن يستسلم لشروط إسرائيل وإما أن يُترك وحيدا لمواجهة مصيره ووقف كل المساعدات التي يعول عليها في إعادة الإعمار وبناء الاقتصاد.
وحتى لو قدمت الولايات المتحدة ضمانات مستقبلية، فإن حزب الله وحركة أمل لا يمكنهما القبول بتسليم السلاح وفق الشروط الأميركية الإسرائيلية وهو ما يعني -برأي فياض- إمكانية العودة للتصعيد الذي قد يصل في مرحلة ما إلى مواجهة شاملة.
في المقابل، يرى الباحث في الدراسات الإستراتيجية والأمن الدولي كينيث كاتزمان، أن الولايات المتحدة وإسرائيل لا تريدان محو حزب الله تماما كما هي الحال بالنسبة لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وإنما تريدان نزع سلاحه والسماح له بالانخراط في السياسة.
وتقوم وجهة النظر الأميركية في هذه المسألة، على إمكانية ترسيم الحدود البرية بين لبنان وإسرائيل وصولا إلى تطبيع محتمل للعلاقات مستقبلا، ومن ثم فإن إدارة دونالد ترامب -كما يقول كاتزمان- لا تصر على نزع سلاح الحزب اليوم أو غدا ولكنها تريده في النهاية لأنها تعتبره أداة إيرانية في المنطقة.
كما أن الفرق السياسية في لبنان نفسه ليست متفقة تماما مع الحزب حيث يعارضه بعضها ويتفق معه بعضها، وهو أمر يجعل مسألة تسليم سلاحه للدولة أمرا منطقيا، من وجهة النظر الأميركية.
لكن فياض يرى أن حديث كاتزمان عن التطبيع وخلاف اللبنانيين حول حزب الله "ينم عن عدم دراية بطبيعة الوضع في لبنان، الذي لن يطبع مع إسرائيل ولو طبعت كل الدول العربية"، مضيفا أن أقصى ما يمكن الوصول إليه هو العودة لهدنة 1949.
الموقف نفسه تقريبا تبناه ناصيف بقوله إن هناك 3 فرق لبنانية تتبنى مواقف مختلفة من حزب الله، حيث يريد فريق نزع سلاحه دون شروط، ويرفض فريق آخر الفكرة تماما، فيما يدعم فريق ثالث هذا المطلب لكنه يتفهم مخاوف الحزب.
إعلان