لماذا كل هذا التهويل لما يحدث في المدارس؟
تاريخ النشر: 25th, November 2023 GMT
سالم بن نجيم البادي
لا داعي لكل هذا التهويل والتضخيم والتصوير والضجيج في وسائل الإعلام لما يحدث في المدارس، والمدرسة هي مكان للتربية والتعليم وبداخلها فلذات الأكباد وأمل المستقبل، وهم أمانة غالية في رقاب الذين يعملون داخل المدرسة.
ولا شك أنَّ الذين يعملون في المدارس أشد حرصًا على هذه الأمانة الغالية من غيرهم وهم في كل الأحوال أعلم بظروف وأحوال مدارسهم، وما يحدث داخل المدرسة ينبغي أن لا يتجاوز أسوار المدرسة، وأن تُحل كل المشاكل بعيدًا عن هواة التهويل والذين يصنعون من الحبة قبة، ويحبون نشر الإشاعات دون أن يكلفوا أنفسهم عناء البحث والتقصي عن الحقيقة والواقع كما هو، وذلك بالذهاب إلى إدارت المدارس أو التواصل بالهاتف قبل النشر في وسائل التواصل الاجتماعي أو الحديث عن المواقف التي تحدث في المدارس ونشرها في المجتمع وسوف يتبين حجم المبالغة والكذب وغياب الحقيقة بعد أخذ المعلومات من مصدرها وهو هنا المدرسة التي حدثت فيها الواقعة.
إنَّ المجتمع المدرسي يضم أطيافًا مختلفة من البشر، ومن الطبيعي أن تحدث بينهم أحيانًا بعض المشاكل والخلافات أو سوء الفهم، وفي زحمة العمل في المدارس تقع بعض الأخطاء أو التقصير أو السهو أو القيام بأفعال وتصرفات بحسن نية وأحيانًا بعدم توقع ردود الفعل المبالغ فيها. والعاملون في المدارس في الغالب هم أهل ثقة وأمانة وإخلاص، ويبذلون أقصى ما يستطيعون لتربية وتعليم الطلبة وتقويم بعض السلوكيات غير الملائمة، ويتم ذلك باللطف واللين والنصح والإرشاد والأساليب التربوية الحانية، كما يتم في الوقت نفسه تطبيق العقوبات الواردة في لائحة شؤون الطلبة إذا اقتضت الضرورة ذلك.
إن الطالب الذي قام بتصوير الشطيرة التي لم تعجبه ونشرها عبر مواقع التواصل الاجتماعي كانت أمامه طرق أخرى كثيرة ليُعبِّر عن عدم الرضا، ومنها إعلام إدارة المدرسة والمعلمين، ثم ولي أمره، وولي أمره بإمكانه التواصل مع المديرية العامة للتربية والتعليم أو وزارة التربية والتعليم.
والذي صوَّر الشجار الذي جرى في إحدى المدارس ثم نشره، تصرف بطريقة خاطئة، وكان من المُفترض البحث عنه ومعاقبته؛ لأن تصوير الطلبة غير لائق وغير قانوني، ولا يجوز تصوير الأشخاص دون موافقتهم. والشجار يحدث في كل مكان؛ في الملاعب والأسواق والشوارع وحتى في المنازل بين الإخوة الأشقاء!
لا أعلم ما الهدف من نشر صور الطلبة وهم يتشاجرون وهل له ما يبرره؟ والشجار الذي حصل بين طالبيْن في لحظة غضب، لم يكن يستدعي الذهاب إلى مركز الشرطة من قبل ولي أمر أحد الطلبة، وقد ثبت أن الخطأ كان مُشتركًا بين الطالبين، وكان بالإمكان حل المشكلة وديًا، والسعي للصلح بينهما قبل الذهاب إلى مركز الشرطة.
أيضًا.. الشائعة التي نشرها أحدهم بحدوث تسمم للطلبة في إحدى المدارس بعد أن أكلوا الطعام من جمعية المدرسة، كانت مجرد خبر كاذب ومغرض، بعد أن نفى المركز الصحي الذي ذكره مروج الشائعة وصول حالات تسمم إليه!
علاوة على أن صورة الطالب وهو يستلم جائزة قدرها 500 بيسة لا تستحق كل تلك التعليقات الساخرة!
والفيديو الذي نُشر مؤخرا للطلبة في إحدى المدارس وهم يقومون بما يُشبه العرض العسكري، قد يكون ذلك الفعل غير مناسبٍ من وجهة نظر بعض النَّاس في المجتمع، لكن ما كان ينبغي نشره على نطاق واسع ولا يستحق ردود الفعل المتشنجة والمبالغ فيها. وقد وصل أمر الحادثة إلى خارج حدود الوطن والسبب في ذلك من قاموا بنشر الفيديو ومن قاموا بالتعليق على الواقعة.
أحداث عديدة تقع داخل المدارس يتم تداولها وتضخيمها وتنهال سهام اللوم والنقد على المدرسة والمديريات ووزارة التربية والتعليم حتى قبل معرفة الحقيقة!
التصوير في المدارس ممنوع وتوجد تعليمات مشددة بخصوص منع تصوير الطلبة، وبعض المدارس توجد بها لوحة كبيرة على باب المدرسة الرئيسي تحذر من تصوير الطلبة وعدم السماح بنشر صور الطلبة على مواقع التواصل الاجتماعي، وعلى العاملين في المدارس الكف عن تصوير كل شيء يحدث في المدارس وأن يكون التصوير في أضيق الحدود.
آن الاوان لردع كل من يُروِّج للشائعات عن المدارس وكل من ينشر عن المشكلات التي تحدث في المدارس، ويجب سن تشريعات تُحرِّم نشر ما يحدث داخل أسوار المدارس، ومن يدّعي حدوث مخالفات داخل أي مدرسة عليه تقديم الدليل وإبلاغ الجهة المختصة، وإلّا فإنه يُعرِّض نفسه للمساءلة القانونية ونحن في دولة القانون والمؤسسات.
أهل الميدان في الحقل التربوي يعلمون أن كثيرًا مما يُقال عنهم فيه ظلم وتجنٍ، وهُم في كل الأحوال يرحبون بزيارة أولياء الأمور إلى المدرسة لمعرفة الحقيقة كاملة، عوضًا عن النشر في وسائل التواصل الاجتماعي، وهم أيضا على استعداد لتحمل المسؤولية عن أخطائهم إن وُجِدَتْ، ويأملون أن يكون هدف الجميع الإصلاح وليس التشهير أو تصيد الأخطاء والهفوات، ثم نشرها أمام العالم كله قبل معرفة حقيقة ما يحدث فعلًا، وقد يكون ذلك بسوء نية ورغبة في الإساءة إلى المدرسة، وعلى الجهات ذات الاختصاص العمل على وقف هذا التهويل لما يحدث في المدارس من أجل إعادة الاحترام والتقدير للمدارس ومن يعملون داخل هذه المدارس.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
لماذا جاءت نتائج الجولة الرابعة من مفاوضات طهران وواشنطن مفاجئة؟
طهران- على خلاف التقديرات التي رجحت فشل الجولة الرابعة من المفاوضات النووية بين طهران وواشنطن عبّر مسؤولون أميركيون وإيرانيون عن تفاؤلهم بنتائج المحادثات التي عقدت أمس الأحد في سلطنة عمان.
ورغم أن كبير المفاوضين الأميركيين ستيف ويتكوف جدد مطالب بلاده بـ"تفكيك منشآت التخصيب الإيرانية ووقفه الكامل داخل الأراضي الإيرانية" فإن وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي أعاد عشية مفاوضات مسقط تأكيد "لاءات بلاده الشهيرة" في وجه من يسعى إلى انتزاع حقها في تخصيب اليورانيوم واستخدام الطاقة النووية لأغراض سلمية، في موقف فسره مراقبون بأنه ينذر باقتراب المباحثات من طريق مسدود.
لكن وعلى مدار 3 ساعات من التفاوض تمكن الطرفان من الاتفاق على مواصلة الحوار، وقررا بحث العناصر التقنية في الجولة المقبلة رغم إقرارهما بصعوبة المفاوضات، حيث وصفتها واشنطن بـ"المشجعة"، في حين رأت فيها طهران "درجة أكبر من الجدية مقارنة بالجولات السابقة".
بين التصلب والانفتاحومع التباين الواضح في خطوط التفاوض الحمراء بين الطرفين تساءلت الأوساط السياسية في طهران: هل قبلت إيران بشروط واشنطن، أم أن الأخيرة تراجعت عن بعض الملفات التي تصر طهران على أنها "غير قابلة للتفاوض؟".
إعلانوفي هذا السياق، اعتبر السفير الإيراني الأسبق في بريطانيا جلال ساداتيان أن نتائج الجولة تشير إلى جدية الطرفين في مواصلة المسار الدبلوماسي رغم ما وصفها بـ"التناقضات الأميركية الناجمة عن ضغوط صهيوأميركية تهدف إلى إفشال الحوار"، مشيرا إلى أن ما يهم إيران هو ما يطرح داخل غرف التفاوض، لا التصريحات الإعلامية الموجهة للاستهلاك الداخلي.
وفي حديثه للجزيرة نت، أشار ساداتيان إلى حملات يقودها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عبر اللوبي الصهيوني في واشنطن تسعى إلى التأثير على مواقف ويتكوف وإفشال المحادثات، الأمر الذي عمّق الخلاف داخل الإدارة الأميركية بين ويتكوف والرئيس دونالد ترامب، على حد قوله.
ورغم الحذر الذي رافق التفاؤل الأميركي والإيراني فإن ساداتيان يرى أن عودة التركيز على الجوانب الفنية توحي بتراجع واشنطن عن مطلب تصفير التخصيب، لأن إثارة النقاط التقنية تفترض مسبقا بقاء بعض أنشطة التخصيب، وهو ما يتعارض مع دعوات التفكيك الكامل.
الانقسام داخل واشنطنمن جهته، يرى السفير الإيراني السابق في الأردن نصرت الله تاجيك أن مفاوضات مسقط عكست حيوية المسار الدبلوماسي رغم التهديدات المتكررة بإيقافه، معتبرا أن الطرفين حرصا على إبقاء الباب مفتوحا أمام الحوار رغم الضغوط الداخلية والخارجية الساعية لإغلاقه.
وفي حديثه للجزيرة نت، قال تاجيك إن تمسك كل طرف بخطوطه الحمراء أعاق التوصل إلى اتفاق واضح حتى الآن، مشيرا إلى أن الانقسام داخل الفريق الأمني في الإدارة الجمهورية يسهم في تناقض المواقف الأميركية، حيث "تعرف واشنطن ما لا تريده (امتلاك إيران قنبلة نووية)، لكنها لا تعرف بدقة ما الذي تريده تحقيقه من المفاوضات".
وأكد تاجيك أن طهران أبدت جدية كبيرة رغم تكرار واشنطن تهديداتها العسكرية، مشددا على أن المطالب الأميركية -خصوصا تفكيك المنشآت وتصفير التخصيب- لا معنى لها في ظل التزامات إيران بموجب القرار الأممي 2231 ومعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية التي تضمن لها حق الاستخدام السلمي للطاقة النووية.
إعلان فرص التسويةبدوره، يعتقد السفير الإيراني الأسبق في فرنسا أبو القاسم دلفي أن واشنطن وطهران تتفقان على الإطار العام للاتفاق، فالرئيس ترامب يعلن أنه لا يريد سوى ضمان عدم إنتاج إيران سلاحا نوويا، وهو ما لا تنوي طهران فعله أساسا وفق فتوى مرشدها الأعلى علي خامنئي.
وفي حديثه للجزيرة نت، رأى دلفي أن تحديد نسبة التخصيب وآليات الرقابة يمكن بحثهما في الجولات المقبلة، لكن الخلافات الأوسع في العلاقات الإيرانية الأميركية لن تحل في جولات قصيرة، بل تتطلب مفاوضات معمقة يجب ألا تطيل أمد النزاع.
وأشار دلفي إلى زيارة ترامب المرتقبة لدول الخليج، متوقعا أن تسعى هذه الدول إلى خفض التوتر الإقليمي وتقديم مقترحات وساطة بين واشنطن وطهران لتفادي التصعيد ودفع عملية السلام.
خطوة بخطوةوبالعودة إلى تصريحات الوزير عراقجي عقب الجولة الرابعة، إذ قال إن بلاده "لن تساوم على مبدأ التخصيب، لكنها منفتحة على مناقشة النسب والمستويات لبناء الثقة"، ومن هذا يتضح -وفقا لمراقبين- أن طهران طرحت تصورا أوليا لقبول بعض القيود مقابل تراجع أميركي عن مطلب الحظر الكامل.
ويقرأ مراقبون إيرانيون بين سطور تغريدة وزير الخارجية العماني بدر البوسعيدي -الذي قال إن المحادثات "تضمنت أفكارا مفيدة ومبتكرة تعكس الرغبة في التوصل إلى اتفاق مشرّف"، وإن هذه الأفكار تمثل حلولا وسطا بشأن ملف التخصيب، وقد تمهد لاتفاق مؤقت ومرحلي ينفذ وفق منهجية "خطوة بخطوة"، مما يفتح المجال لتخفيف التوتر والبناء التدريجي على نقاط التفاهم النادرة.