العدوان الإسرائيلي على غزة.. واستعادة الوعي لدى الأجيال الناشئة
تاريخ النشر: 27th, November 2023 GMT
طالما عانيتُ من عدم اهتمام ابني الشَّاب بالشَّأن العامِّ، وعدم اكتراثه بحديثي عن القوميَّة العربيَّة، وقضيَّة فلسطين والصراع العربي الإسرائيلي، حاولتُ بشتَّى الطُّرق جذبه لقراءة التاريخ أو مطالعة الكتب، دُونَ جدوى، فهو ينتمي لجيل اختطفته التكنولوجيا وأَسرته شبكة الإنترنت، حيث وُلد مطلع الألفيَّة الجديدة، وكانت أذرع البلاي ستيشن، وأزرار الكيبورد، وشاشة الموبايل، هي أدواته للتعامل مع الحياة، وعن طريقها كوَّن أفكاره، وتبلْوَرَت آراؤه تجاه ما يجري حَوْلَه من أحداث، كان ينكر وجود أزمة بَيْنَ فلسطين و»إسرائيل» من أصله، ويستشهد بالأفلام السينمائيَّة والمسلسلات الأميركيَّة، الَّتي يشارك فيها ممثِّلون فلسطينيون من عرب 48 ودروز مندمجون في المُجتمع الإسرائيلي، وكان يريني مشاهد من هذه الأفلام يتحدث أبطالها الإنجليزيَّة والعبريَّة والعربيَّة، ويتناولون الأكلات الشرقيَّة والغربيَّة، ويستمعون للأغاني العربيَّة والأجنبيَّة، يعملون في الشُّرطة ويلتحقون بالجيش الإسرائيلي، وتجمعهم علاقات الصداقة والزواج بَيْنَ عرب وإسرائيليِّين، ويطلب مِنِّي تخمين جنسيَّات هؤلاء الممثَّلين؛ أيُّهما عربي وأيُّهما إسرائيلي، كما تظهر هذه الأفلام المقاومة الفلسطينيَّة، على أنَّهم أُناس متطرِّفون كارهون للحياة ورافضون للاندماج أو العيش في سلام مع «إسرائيل».
حتَّى اندلعت أحداث طوفان الأقصى في 7 أكتوبر الماضي، ومع توحُّش العدوان الإسرائيلي، وتصاعُد أعداد الشهداء والمصابين والدَّمار الَّذي لَحقَ بقِطاع غزَّة، فوجئتُ بابني الشَّاب يتلو على مسامعي قائمة بأسماء المنتجات والسِّلع والمطاعم الَّتي عليَّ مقاطعتها؛ لدعمها الكيان الصهيوني، تعجَّبت وسألتُه عن سرِّ هذا التغيُّر المفاجئ، خصوصًا وأنا أعْلَم علاقته الوثيقة بمطاعم الأكلات السريعة وإدمانه على شرب المياه الغازيَّة، وكان ردُّه: هل شاهدتَ حلقة «الدحيح» الأخيرة؟ قلتُ له: ارسلها لي.
الحلقة بعنوان حكاية أرض، ويتحدَّث فيها عن قرية الطنطورة الفلسطينيَّة الَّتي تقع بالقرب من مدينة حيفا، والَّتي كان أهلها يمتهنون صيد الأسماك، حتَّى جاءت النَّكبة عام 1948م وهاجمها اليهود من البحر، ورغم استسلامهم، إلَّا أنَّ الإسرائيليِّين قاموا بإعدام رجال القرية دُونَ رحمة، وفرَّ بقيَّة السكَّان إلى لبنان، وأقامت «إسرائيل» مكانها كيبوتس يهوديًّا، تحوَّل إلى منتجع سياحي في الوقت الراهن، وأنشأوا موقفًا للسيَّارات فوق القبر الجماعي الَّذي ضمَّ رفات أكثر من 200 فلسطيني.
كشف «الدحيح» كيف نكَّلت السُّلطات الإسرائيليَّة بالباحثين الإسرائيليِّين الَّذين حاولوا مؤخرًا التنقيب في المنطقة عن بقايا قرية الطنطورة، مخافة فضح الأكاذيب الإسرائيليَّة عن بيع الفلسطينيِّين أرضهم طواعية لليهود، وإنكار أنَّهم هُجِّروا تحت نير المذابح الإسرائيليَّة، وأنَّ دَولة الاحتلال أُقيمت على جثث الفلسطينيِّين، حتَّى أنَّ «إسرائيل» سنَّت في العام 2011م قانونًا للنَّكبة، والَّذي يمنع الدَّعم الحكومي عن أيِّ شخص يذْكُر لفظ «النَّكبة» داخل أراضي فلسطين المحتلَّة.
كما تناول «الدحيح» نشأة الصهيونيَّة وكيف أنَّها أكذوبة لا علاقة لها بالديانة اليهوديَّة، ودَوْر أوروبا في توجيه الهجرات اليهوديَّة إلى فلسطين منذ نهاية القرن التاسع عشر، وكيف تنبَّه الفلسطينيون لهذا الخطر منذ وقت مبكِّر وقاموا بعدَّة ثورات ضدَّ الهجرات اليهوديَّة، ووجهت بالقمع والتنكيل من الاحتلال الإنجليزي. وتناولت الحلقة «وعد بلفور»، ودَوْر الغرب في تسليح العصابات الصهيونيَّة، الَّتي كانت نواة للجيش الإسرائيلي، الَّذي بلغ تعداده في حرب «النَّكبة» 35 ألف مقاتل سبقَ لَهُم المشاركة بجوار الحلفاء في الحرب العالَميَّة الثانية، مزوَّدين بأحدث الأسلحة الغربيَّة، والطائرات المقاتلة، بَيْنَما كان مجموع الجيوش العربيَّة لا يزيد عن 25 ألف مقاتل، وكانت أسلحته من مخلَّفات الحروب، ويفتقر للتدريب والتنظيم، وجاء بعضهم إلى فلسطين على ظهور الخيول والجِمال.
و»الدحيح» اسمه الحقيقي أحمد الغندور، وهو صانع محتوى مصري خريج الجامعة الأميركيَّة وحاصل على الماجستير، يستعمل العاميَّة المصريَّة المطعَّمة بالمصطلحات الحديثة الَّتي يستخدمها جيل الشَّباب، له طريقته الخاصَّة في السَّرد، يتميَّز عن غيره من صنَّاع المحتوى، بأنَّه يستعين بفريق إعداد متخصِّص يُدقِّق المعلومات ويجمع المادَّة الخبريَّة من مصادرها الموثوقة.
محمد عبد الصادق
[email protected]
كاتب صحفي مصري
المصدر: جريدة الوطن
إقرأ أيضاً:
مدير معهد فلسطين للأمن القومي: اغتيال رائد سعد يهدف لإرباك حماس ورفع معنويات الداخل الإسرائيلي
أكد اللواء حابس الشروف، مدير معهد فلسطين للأمن القومي، أن اغتيال القيادي رائد سعد والتصعيد الإسرائيلي الأخير في قطاع غزة يأتيان في إطار سياسة إسرائيلية ثابتة تقوم على خرق اتفاق وقف إطلاق النار الذي انتهكته إسرائيل مرارًا، مؤكدًا أن تل أبيب لا تزال متمسكة بنهجها العسكري في التعامل مع القطاع.
وأوضح الشروف، خلال مداخلة على قناة «القاهرة الإخبارية»، أن إسرائيل تعتمد استراتيجية تُعرف بـ«قطع رأس الأفعى»، وتهدف من خلالها إلى توجيه ضربات مركزة لقيادات حركة حماس، في محاولة لإرباك منظومة القيادة والسيطرة داخل الحركة، وإضعاف قدرتها على إدارة المشهد الميداني في قطاع غزة.
وأضاف أن لهذه الضربة أبعادًا داخلية إسرائيلية واضحة، تتمثل في توجيه رسالة إلى الجمهور والجيش الإسرائيليين مفادها أن الحكومة قادرة على استهداف قيادات حماس والاستمرار في العمليات العسكرية، وذلك بهدف رفع المعنويات في ظل الضغوط الداخلية التي يواجهها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
وأشار الشروف إلى أن اغتيال رائد سعد يمثل ضربة موجعة لحركة حماس وقد يُحدث ارتباكًا مؤقتًا داخل بنيتها التنظيمية، إلا أنه لا يمكن اعتباره ضربة قاضية أو حاسمة، مؤكدًا أن الحركة تمتلك القدرة على امتصاص مثل هذه الضربات وإعادة ترتيب صفوفها.
وشدد مدير معهد فلسطين للأمن القومي على أن استمرار هذه السياسة يعكس غياب نية حقيقية لدى إسرائيل للالتزام بوقف إطلاق النار، ويؤكد أن التصعيد ما زال خيارًا مطروحًا بقوة في الحسابات الإسرائيلية، رغم الجهود الإقليمية والدولية الرامية لاحتواء الموقف.
اقرأ أيضاًبأمر مباشر من نتنياهو.. تقارير عبرية تكشف تفاصيل اغتيال رائد سعد في غزة
مستشار الرئيس الفلسطيني: قبلنا خطة ترامب لوقف الإبادة الجماعية في غزة
«الهيئة الدولية لدعم فلسطين»: حماية «الأونروا» في غزة واجب للحفاظ على القضية الفلسطينية