طالما عانيتُ من عدم اهتمام ابني الشَّاب بالشَّأن العامِّ، وعدم اكتراثه بحديثي عن القوميَّة العربيَّة، وقضيَّة فلسطين والصراع العربي الإسرائيلي، حاولتُ بشتَّى الطُّرق جذبه لقراءة التاريخ أو مطالعة الكتب، دُونَ جدوى، فهو ينتمي لجيل اختطفته التكنولوجيا وأَسرته شبكة الإنترنت، حيث وُلد مطلع الألفيَّة الجديدة، وكانت أذرع البلاي ستيشن، وأزرار الكيبورد، وشاشة الموبايل، هي أدواته للتعامل مع الحياة، وعن طريقها كوَّن أفكاره، وتبلْوَرَت آراؤه تجاه ما يجري حَوْلَه من أحداث، كان ينكر وجود أزمة بَيْنَ فلسطين و»إسرائيل» من أصله، ويستشهد بالأفلام السينمائيَّة والمسلسلات الأميركيَّة، الَّتي يشارك فيها ممثِّلون فلسطينيون من عرب 48 ودروز مندمجون في المُجتمع الإسرائيلي، وكان يريني مشاهد من هذه الأفلام يتحدث أبطالها الإنجليزيَّة والعبريَّة والعربيَّة، ويتناولون الأكلات الشرقيَّة والغربيَّة، ويستمعون للأغاني العربيَّة والأجنبيَّة، يعملون في الشُّرطة ويلتحقون بالجيش الإسرائيلي، وتجمعهم علاقات الصداقة والزواج بَيْنَ عرب وإسرائيليِّين، ويطلب مِنِّي تخمين جنسيَّات هؤلاء الممثَّلين؛ أيُّهما عربي وأيُّهما إسرائيلي، كما تظهر هذه الأفلام المقاومة الفلسطينيَّة، على أنَّهم أُناس متطرِّفون كارهون للحياة ورافضون للاندماج أو العيش في سلام مع «إسرائيل».


حتَّى اندلعت أحداث طوفان الأقصى في 7 أكتوبر الماضي، ومع توحُّش العدوان الإسرائيلي، وتصاعُد أعداد الشهداء والمصابين والدَّمار الَّذي لَحقَ بقِطاع غزَّة، فوجئتُ بابني الشَّاب يتلو على مسامعي قائمة بأسماء المنتجات والسِّلع والمطاعم الَّتي عليَّ مقاطعتها؛ لدعمها الكيان الصهيوني، تعجَّبت وسألتُه عن سرِّ هذا التغيُّر المفاجئ، خصوصًا وأنا أعْلَم علاقته الوثيقة بمطاعم الأكلات السريعة وإدمانه على شرب المياه الغازيَّة، وكان ردُّه: هل شاهدتَ حلقة «الدحيح» الأخيرة؟ قلتُ له: ارسلها لي.
الحلقة بعنوان حكاية أرض، ويتحدَّث فيها عن قرية الطنطورة الفلسطينيَّة الَّتي تقع بالقرب من مدينة حيفا، والَّتي كان أهلها يمتهنون صيد الأسماك، حتَّى جاءت النَّكبة عام 1948م وهاجمها اليهود من البحر، ورغم استسلامهم، إلَّا أنَّ الإسرائيليِّين قاموا بإعدام رجال القرية دُونَ رحمة، وفرَّ بقيَّة السكَّان إلى لبنان، وأقامت «إسرائيل» مكانها كيبوتس يهوديًّا، تحوَّل إلى منتجع سياحي في الوقت الراهن، وأنشأوا موقفًا للسيَّارات فوق القبر الجماعي الَّذي ضمَّ رفات أكثر من 200 فلسطيني.
كشف «الدحيح» كيف نكَّلت السُّلطات الإسرائيليَّة بالباحثين الإسرائيليِّين الَّذين حاولوا مؤخرًا التنقيب في المنطقة عن بقايا قرية الطنطورة، مخافة فضح الأكاذيب الإسرائيليَّة عن بيع الفلسطينيِّين أرضهم طواعية لليهود، وإنكار أنَّهم هُجِّروا تحت نير المذابح الإسرائيليَّة، وأنَّ دَولة الاحتلال أُقيمت على جثث الفلسطينيِّين، حتَّى أنَّ «إسرائيل» سنَّت في العام 2011م قانونًا للنَّكبة، والَّذي يمنع الدَّعم الحكومي عن أيِّ شخص يذْكُر لفظ «النَّكبة» داخل أراضي فلسطين المحتلَّة.
كما تناول «الدحيح» نشأة الصهيونيَّة وكيف أنَّها أكذوبة لا علاقة لها بالديانة اليهوديَّة، ودَوْر أوروبا في توجيه الهجرات اليهوديَّة إلى فلسطين منذ نهاية القرن التاسع عشر، وكيف تنبَّه الفلسطينيون لهذا الخطر منذ وقت مبكِّر وقاموا بعدَّة ثورات ضدَّ الهجرات اليهوديَّة، ووجهت بالقمع والتنكيل من الاحتلال الإنجليزي. وتناولت الحلقة «وعد بلفور»، ودَوْر الغرب في تسليح العصابات الصهيونيَّة، الَّتي كانت نواة للجيش الإسرائيلي، الَّذي بلغ تعداده في حرب «النَّكبة» 35 ألف مقاتل سبقَ لَهُم المشاركة بجوار الحلفاء في الحرب العالَميَّة الثانية، مزوَّدين بأحدث الأسلحة الغربيَّة، والطائرات المقاتلة، بَيْنَما كان مجموع الجيوش العربيَّة لا يزيد عن 25 ألف مقاتل، وكانت أسلحته من مخلَّفات الحروب، ويفتقر للتدريب والتنظيم، وجاء بعضهم إلى فلسطين على ظهور الخيول والجِمال.
و»الدحيح» اسمه الحقيقي أحمد الغندور، وهو صانع محتوى مصري خريج الجامعة الأميركيَّة وحاصل على الماجستير، يستعمل العاميَّة المصريَّة المطعَّمة بالمصطلحات الحديثة الَّتي يستخدمها جيل الشَّباب، له طريقته الخاصَّة في السَّرد، يتميَّز عن غيره من صنَّاع المحتوى، بأنَّه يستعين بفريق إعداد متخصِّص يُدقِّق المعلومات ويجمع المادَّة الخبريَّة من مصادرها الموثوقة.

محمد عبد الصادق
Mohamed-abdelsadek64@hotmail.com
كاتب صحفي مصري

المصدر: جريدة الوطن

إقرأ أيضاً:

جبهة تحرير فلسطين ترحب بمقترح البرلمان الإسباني حظر تجارة الأسلحة مع الاحتلال الإسرائيلي

الثورة نت/..
رحبت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ، بتصويت البرلمان الإسباني لصالح النظر في مقترح قانون يهدف إلى حظر تجارة الأسلحة مع الاحتلال الإسرائيلي، مطالبة باستكمال الخطوة بإقرار نهائي للقانون وبتنفيذه العملي.

وقالت الجبهة الشعبية، في بيان صحفي مساء اليوم الثلاثاء إن القرار يشكل “تطوراً سياسياً مهماً يعكس تنامي الوعي العالمي والدعم المتصاعد لحقوق الشعب الفلسطيني داخل المؤسسات الأوروبية، مدفوعاً بضغط الشارع الإسباني والمواقف المتقدمة للحكومة الإسبانية، ورفضاً للعلاقات العسكرية مع كيان يرتكب جرائم إبادة جماعية بحق المدنيين، لا سيما الأطفال”.

وشددت على أن القرار يجب أن يُشّكل نموذجاً يُحتذى به من باقي برلمانات العالم، لا سيما دول الاتحاد الأوروبي، من أجل وقف دعم آلة القتل الإسرائيلية، والالتزام بالقانون الدولي الإنساني.

ودعت الجبهة الحكومات والبرلمانات الغربية كافة إلى الكف عن تزويد الكيان بالسلاح، وفرض العقوبات عليه، وعزله ككيان مارق ومنبوذ يمارس جرائم إبادة، تمهيداً لمحاسبته دولياً على الجرائم المرتكبة بحق أبناء الشعب الفلسطيني وفي مقدمتهم الأطفال.

ومساء اليوم صوت البرلمان الإسباني، على قانون لحظر تجارة الأسلحة مع الاحتلال الإسرائيلي.

وذكرت مصادر رسمية إسبانية لوسائل إعلام محلية أن نواب الحزب الإسباني الحاكم صوتوا لصالح النظر في قانون يحظر بيع الأسلحة للاحتلال الإسرائيلي.

مقالات مشابهة

  • الرئيس الفلسطيني يؤكد ضرورة وقف العدوان الإسرائيلي وإدخال المساعدات لقطاع غزة
  • السفير الإسرائيلي في واشنطن: الفرنسيون على وشك إعلان 7 أكتوبر يوما لاستقلال فلسطين
  • تشيع شهيد ارتقى جراء العدوان الإسرائيلي على الحديدة
  • السيد القائد عبدالملك الحوثي: العدو الإسرائيلي فاشل في التأثير على الموقف اليمني وفاشل في ردع الموقف اليمني
  • ارتفاع عدد ضحايا العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة إلى 53,655 شهيدًا
  • فلسطين تدين إطلاق الاحتلال الإسرائيلي النار على وفد دبلوماسي بمخيم جنين
  • ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين في العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة إلى 53,655 شهيدًا
  • جبهة تحرير فلسطين ترحب بمقترح البرلمان الإسباني حظر تجارة الأسلحة مع الاحتلال الإسرائيلي
  • حماس: وجود الوفد الإسرائيلي بالدوحة محاولة مكشوفة لتضليل الرأي العام
  • فلسطين ترحب بالحراك الأوروبي لوقف جرائم الاحتلال الإسرائيلي