وافقت إسرائيل وحماس على إيقاف القتال يوم الجمعة 24 نوفمبر، بعد قرابة خمسين يوما من الحرب في غزة. وقد تطلب وقف إطلاق النار من حماس إطلاق سراح عشرات الرهائن وإطلاق إسرائيل سراح سجناء فلسطينيين، ومع ذلك تعهد مسؤولون إسرائيليون بمواصلة القتال في غزة الأمر الذي يثير تساؤلات عما سيحدث لغزة بعد الحرب، فثمة رؤى متنافسة بشأن غزة توضح أنه ما من سياسة واضحة للمنطقة عندما تنتهي الحرب.
لقد توجه رئيس أركان الجيش الإسرائيلي هرتسي هاليفي إلى شمال إسرائيل في 28 نوفمبر وتحدث إلى قوات الجيش الإسرائيلي. وأعلن قائلا «إننا نستعد لمواصلة عملية تفكيك حماس وسيستغرق الأمر وقتا، فالأهداف معقدة، لكنها مبررة إلى أبعد الحدود». وزار وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف جالانت غزة خلال عطلة نهاية الأسبوع في 25 نوفمبر وقال للجنود: «قدرتنا على إعادة المجموعة الأولى من الرهائن إلى الوطن هي نتيجة للضغط العسكري. وفور فرض الضغط العسكري، فإنهم [أي حماس] يريدون فترة راحة، وعندما تزيدون من الضغط، فإنهم يريدون فترة راحة أخرى». وقد كان الإطار الزمني لمواصلة العمليات محض أيام، بما يعني أنه لم يكن من المتوقع أن يستمر وقف القتال طويلا: «وأي مفاوضات أخرى [مع حماس] ستعقد في ظل استمرار القتال».
في الوقت الراهن، لدى إسرائيل ثلاث فرق من الجنود في غزة، تتمركز فرقة المدرعات السادسة والثلاثون وسط قطاع غزة، عازلة مدينة غزة عن جنوب غزة. وتعمل وحدات أخرى على طول الساحل وشمال مدينة غزة، فهي جوهريا تطوق المدينة، وقد تم طرد حماس من العديد من الأحياء، وتكبدت خسائر، رغم أن العدد الدقيق غير واضح.
لقد مرت إسرائيل بهذا من قبل، ففي حين أن إسرائيل كانت تدير قطاع غزة بعد حرب عام 1967، فقد قامت بإخلاء المنطقة من المجتمعات اليهودية في عام 2005، ووصلت حماس إلى السلطة خلال العامين التاليين، وطردت السلطة الفلسطينية المدعومة من الولايات المتحدة من غزة. وفي أعقاب هذه الهزيمة، استثمرت واشنطن في قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية. ومع ذلك، واجهت السلطة الفلسطينية تحديات عديدة في السيطرة على الضفة الغربية على مدى السنوات الـ 16 الماضية. وخلال العام الماضي، تمكنت حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية المدعومة من إيران من زعزعة استقرار مدينة جنين في شمال الضفة الغربية، وكثيرا ما تصطدم إسرائيل مع الجماعات المسلحة في نابلس وطولكرم، وهما مدينتان أخريان في شمال الضفة الغربية.
يتضح من هذا أنه حتى لو منيت حماس بالهزيمة في غزة، فلا أحد يعرف إن كانت السلطة الفلسطينية قادرة على فرض سيطرتها على غزة. وفي كل الأحوال، رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو فكرة أن تتولى القيادة الحالية للسلطة الفلسطينية حكم غزة بعد حماس، وليس من المرجح أن يتمكن محمود عباس من السيطرة على غزة. كما أظهر أعضاء حركة فتح التي يتزعمها عباس أنهم غير قادرين على الانسجام مع إسرائيل في إطار يمكن أن ينجح في غزة. فعلى سبيل المثال، برَّر جبريل الرجوب ـ المسؤول في فتح ـ هجوم حماس في السابع من أكتوبر. وإسرائيل لن تقبل أن يدير غزة مسؤولون يدعمون الهجوم الذي أودى بحياة 1200 شخص.
لا تريد إسرائيل أن تدير السلطة الفلسطينية قطاع غزة، وقالت السلطات الإسرائيلية أيضا إنها تريد إلحاق الهزيمة بحماس في غزة، ويعني هذا أن مليوني فلسطيني سوف يحتاجون عما قريب إلى حكومة قادرة. وترفض الدول العربية في المنطقة أن يكون لها دور في غزة ما بعد الحرب، وقالت المملكة الأردنية، التي سبق أن حكمت الضفة الغربية، إن الجيوش العربية لن تنتشر في غزة في أي وقت قريب.
تدعم السياسة الأمريكية حل الدولتين: دولة فلسطينية تسيطر على الضفة الغربية وغزة، وإسرائيل. وقد قال جو بايدن أخيرا «إننا بحاجة إلى تجديد عزمنا على متابعة حل الدولتين، حيث يمكن للإسرائيليين والفلسطينيين يوما ما أن يعيشوا جنبا إلى جنب في حل الدولتين متساوين في الحرية والكرامة».
ومن هنا اللغز، إسرائيل لا تريد حماس في غزة ولا تريد أيضا أن تدير السلطة الفلسطينية قطاع غزة، والدول العربية لا تريد إدارة غزة، وتريد الولايات المتحدة والغرب أن تنشأ دولة فلسطينية من هذا الصراع. فكيف يمكن التوفيق بين هذه المطالب المتنافسة؟ خاصة وأنها في ما يبدو تناقض بعضها بعضا.
علاوة على ذلك، لا يبدو أن أنصار حماس، ومنها إيران وتركيا وبعض الدول والجماعات الأخرى، تمانع وصول حماس إلى السلطة في الضفة الغربية وحماس تستغل الصراع الحالي في غزة لإطلاق سراح الرهائن ببطء وكسب الاستحسان والنفوذ في الضفة الغربية. وإسرائيل ،التي لا تقبل سلطة حماس في غزة، لن ترغب في أن تكون لحماس مخالب في الضفة الغربية. لكن قدرات السلطة الفلسطينية تتآكل إذ تفقد السيطرة على بعض المدن والحرب الحالية في غزة لا تقوي السلطة الفلسطينية، فقد يتزعزع استقرارها، ويأتي هذا في وقت لم تعد فيه الدول الغربية راغبة في اتباع سياسات بناء الدول.
فالولايات المتحدة، على سبيل المثال، لم تكن مستعدة للاستثمار في شرق سوريا لضمان الاستقرار ومع أن قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة قد ساعدت في هزيمة داعش عام 2019، فلا تبدو في واشنطن أو الغرب رغبة في زيادة الدعم لها، وهذا يعني أن الولايات المتحدة تعمل مع القيادة المركزية «بواسطة ومع ومن خلال» مجموعات مثل قوات سوريا الديمقراطية في سوريا. ومع ذلك، لا يوجد هدف سياسي أوسع وفي الوقت نفسه لا تزال سوريا منقسمة. فتحتل تركيا ،العضو في حلف شمال الأطلسي، أجزاء من شمال سوريا. ويسيطر النظام السوري، المدعوم من روسيا وإيران، على وسط سوريا. وسوريا ،شأن صراع غزة والصراع المحتدم في الضفة الغربية، لا تمضي في الطريق إلى نتيجة مباشرة.
يشتعل الوضع في سوريا وغزة بسبب الجماعات الوكيلة المدعومة من إيران مثل حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية في الضفة الغربية وميليشيات في سوريا تنفذ هجمات على القوات الأمريكية. ومع ذلك، كما هو الحال في غزة، لا يوجد خيار واضح آخر لأجزاء من سوريا. فواشنطن لا تريد أن تغزو تركيا شرق سوريا أو تزيح النظام السوري. وتركيا لا تريد أن يقوم نظام الأسد بغزو شمال سوريا المحتل أيضا. ولذلك فالدرس المستفاد لغزة هو أن هذا النوع من المواقف الانقسامية يفتقر إلى نهاية يسيرة وما لم تحل الولايات المتحدة وشركاؤها مفارقة حكم غزة، سوف يستمر الخصوم في محاولة استغلال الوضع. وبالمثل، يتعين على إسرائيل أن تعمل على إيجاد استراتيجية للتعامل مع غزة تتجاوز نطاق الهزيمة التكتيكية لحماس.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: السلطة الفلسطینیة الولایات المتحدة فی الضفة الغربیة المدعومة من لا ترید حماس فی ومع ذلک فی غزة
إقرأ أيضاً:
الضفة الغربية: نزوح جماعي وهدم واسع للبيوت في مخيمي نور شمس وطولكرم للاجئين
تشن إسرائيل حملة عسكرية واسعة في الضفة الغربية، تسببت بهدم مئات المباني في مخيم نور شمس وطولكرم للاجئين الفلسطينيين، ما دفع مئات العائلات إلى النزوح. وقد أدى هذا التصعيد إلى نزوح نحو 40 ألف فلسطيني، في أكبر عملية من نوعها منذ احتلال الضفة الغربية عام 1967. اعلان
في ظل التصعيد المستمر للعمليات العسكرية الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة، يعاني سكان مخيم نور شمس للاجئين الفلسطينيين من أوضاع إنسانية صعبة.
فقد اضطر المئات من الفلسطينيين في المخيم إلى الرحيل بعد تلقيهم إخطاراً بهدم منازلهم، وحزموا أمتعتهم الشخصية ونقلوها بسياراتهم.
وتشن إسرائيل حملة هدم واسعة في مخيمي نور شمس وطولكرم في شمال الضفة الغربية، حيث تم هدم أكثر من 100 مبنى كجزء من عملية عسكرية تقول إنها تستهدف التنظيمات المسلحة.
Relatedمستوطنون إسرائيليون يقتحمون مرآب سيارات ويحرقون ثلاث مركبات في الضفة الغربيةالجيش الإسرائيلي يهدم منزلي عائلتين في قرية قبيا شمال الضفة الغربية المحتلةإجلاء قسري وملاجئ مكتظة: نازحو الضفة الغربية يواجهون مصيرًا مجهولًاوقال نهاد الشاويش، رئيس اللجنة الشعبية في مخيم نور شمس: إن 120 منزلًا قد دُمرت سابقًا في المخيم، ومن المقرر هدم نحو 16 منزلًا إضافيًا. وأضاف أن المخيم تعرض لـ 64 اقتحامًا منذ 7 أكتوبر 2023، مما أسفر عن تدمير 276 منزلًا ومحال تجارية، بالإضافة إلى سيارات خاصة وتجارية، مشيرًا إلى أن عمليات الهدم تُعد عقابًا جماعيًّا يستهدف المدنيين.
من جهتها، أفادت إحدى القاطنات في مخيم نور شمس بأن العمليات العسكرية في المخيم لم تنتهِ كما كان متوقعًا، بل فوجئ السكان بخطة جديدة من الجيش الإسرائيلي تتضمن إبلاغهم بهدم 48 مبنى داخل المخيم المكتظ بالسكان، مشيرة إلى أن كل مبنى يحتوي على 4 أو 5 أو 6 شقق سكنية، إلى جانب هدم عشوائي لبعض المنازل أثناء وصول الجرافات إلى المباني المستهدفة.
وقد بدأت القوات الإسرائيلية عملية عسكرية مستمرة منذ عدة أشهر في الضفة الغربية، أدت إلى نزوح ما يقارب 40 ألف فلسطيني، وتدمير عدد كبير من مخيمات اللاجئين في شمال الضفة الغربية، مثل مخيمي طولكرم ونور شمس، اللذين أقيما لاستقبال الفلسطينيين الذين أجبروا على مغادرة بيوتهم في فلسطين التاريخية خلال الحروب السابقة.
ويُعتبر هذا النزوح الأكبر من نوعه في الضفة الغربية منذ أن احتلتها إسرائيل عام 1967.
انتقل إلى اختصارات الوصولشارك هذا المقالمحادثة