لجريدة عمان:
2025-05-19@03:46:33 GMT

كبح الديون في ألمانيا واحتمال انهيار اقتصادها

تاريخ النشر: 4th, December 2023 GMT

في الشهر الماضي، قضت المحكمة الدستورية الألمانية بأن خطة الحكومة لإعادة توجيه أموال مساعدات فيروس كورونا غير المُستخدمة نحو مكافحة تغير المناخ تنتهك ما يسمى بِـ«كبح الديون». لا يُشكل هذا القرار مجرد انتكاسة للمستشار أولاف شولتز؛ بل قد يؤدي أيضًا إلى تعميق الانقسامات الإيديولوجية داخل الحكومة الائتلافية وتقويض السياسة المالية للبلاد، مما يُشكل تهديدًا خطيرًا على توقعاتها الاقتصادية.

لقد أدخلت ألمانيا نظام كبح الديون في دستورها في عام 2009، وفرضت قيودًا أكثر صرامة بكثير من تلك التي يفرضها ميثاق الاستقرار والنمو في الاتحاد الأوروبي. ويمنع نظام الكبح إلى حد كبير الحكومة الفيدرالية وحكومات الولايات من تحمل ديون جديدة؛ ولا يُسمح بالاستثناءات إلا في حالات الطوارئ القصوى. واستخدمت الحكومة الفيدرالية هذا الاستثناء الطارئ في عام 2020 لتخصيص أكثر من 200 مليار يورو من الأموال الخاصة للتخفيف من الآثار الاقتصادية للجائحة. وقد حاولت حكومة شولتز استخدام نفس الإعفاء لتوجيه 60 مليار يورو (66 مليار دولار أمريكي)، أو 1.5% من الناتج المحلي الإجمالي، من هذه الصناديق الخاصة نحو الإعانات الصناعية والمبادرات المتعلقة بالمناخ. ثم استأنف حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي المُعارض أمام المحكمة، التي منعت خطة الحكومة على أساس عدم تلبيتها «المتطلبات الدستورية للاقتراض الطارئ». ومن عجيب المفارقات أن حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، تحت قيادة المستشارة السابقة أنجيلا ميركل، هو الذي أنشأ هذا الصندوق الخاص. وفي حين يُمثل هذا الحكم إحراجًا للحكومة الفيدرالية، وخاصة لوزير المالية كريستيان ليندنر، فإن المشكلة الأكبر تتمثل في أن الحكومة تواجه عجزًا قدره 60 مليار يورو في برامجها وإعانات الدعم المُقررة في الوقت الحالي. لقد أصبح صندوق المناخ والتحول الألماني شبه مُستنفد، مع إيرادات متوقعة تبلغ 30 مليار يورو فقط، معظمها من تجارة الانبعاثات. ويعني الحكم أيضًا أن الحكومة لن تكون قادرة على الوفاء ببعض التزاماتها، مثل 6.5 مليار يورو من التمويل الإضافي لشركة السكك الحديدية دويتشه بان، و15 مليار يورو من الإعانات لمنشآت شركتي إنتل وتايوان لتصنيع أشباه الموصلات المخطط لها في ماغديبورغ ودريسدن، وأربع مليارات يورو لإنتاج الصلب الأخضر، أو 1.8 مليار يورو كمساعدات لتوفير وسائل التدفئة المنزلية. علاوة على ذلك، يُقدم الحكم موجة جديدة من عدم اليقين الاقتصادي، مما يجعل العديد من الشركات تتساءل عن الوعود التي لا يزال بإمكانها الاعتماد عليها. وهذا من شأنه أن يقوض النمو الاقتصادي في لحظة حرجة.

لقد أثرت أزمة الطاقة وتباطؤ الاقتصاد العالمي على ألمانيا بشكل أكثر حدة من الدول الصناعية الأخرى، ويمكن أن يؤدي الانخفاض المتوقع في الاستثمار الخاص إلى زيادة عرقلة التحول البيئي والرقمي في الاقتصاد. وإذا توفرت الإرادة السياسية الكافية، فمن الممكن حل هذه المشكلة بسهولة. ومن الممكن أن يوافق البوندستاغ (البرلمان) على تعليق مؤقت لنظام كبح الديون لعام 2024، وبالتالي منح الحكومة المرونة المالية اللازمة. ولكن هذا هو بالضبط أساس المشكلة: فعندما يتعلق الأمر بالسياسة المالية والديون، تُصبح الأحزاب الحكومية أكثر انقسامًا من أي وقت مضى.

وفي حين اقترح حزب شولتز الديمقراطي الاجتماعي إصلاح نظام كبح الديون وفرض ضرائب أعلى على أصحاب ومواريث الدخل المرتفع، فإن ليندنر والديمقراطيين الأحرار يفخرون بأنهم يمثلون الضمير الليبرالي الاجتماعي للبلاد. وفي حين يعتقد أن مستقبله السياسي يتوقف على الالتزام بنظام كبح الديون والحفاظ على الحيطة المالية دون زيادة الضرائب، فقد أعلن ليندنر بالفعل عن خطط لفرض تدابير تقشف أكثر صرامة. ومن ناحية أخرى، فإن أغلب أعضاء الحزب الاشتراكي الديمقراطي، إلى جانب أعضاء حزب الخضر -الشريك الثالث في الائتلاف- حريصون على تنفيذ أجنداتهم الطموحة (والمُكلفة). وهذا يضع شولز في موقف لا يُحسد عليه، حيث سيضطر إلى التوفيق بين استراتيجيتين ماليتين متناقضتين على ما يبدو.

ويُسلط هذا الصراع الضوء على عيوب نظام كبح الديون والطبيعة المتناقضة للسياسة المالية الألمانية. وفي حين تتظاهر الحكومات ووزراء المالية بدعم نظام كبح الديون، فإنهم يعملون على خلق ميزانيات صورية لتجاوز القيود التي يفرضها هذا النظام عندما يناسب ذلك احتياجاتهم السياسية. وقد مكن ذلك ألمانيا من تقديم دعم مالي ضخم للشركات المحلية خلال الجائحة وأزمة الطاقة المُستمرة. ولكن في الوقت نفسه، تحافظ الحكومة على سياسة مالية هيكلية مُقيدة، مما يؤدي إلى عدم كفاية الاستثمار العام وانخفاض كبير في جودة البنية التحتية والتعليم والرعاية الصحية. والأمر ببساطة أن نظام كبح الديون كان بمثابة ذريعة ملائمة لسياسة مالية تُفضل إعانات الشركات على حساب المنافع العامة.

إن الخطر الحقيقي الناجم عن حكم المحكمة الدستورية لا يتمثل بالضرورة في نقص الأموال، بل في الانقسامات العميقة داخل الحكومة والشلل السياسي والاقتصادي الذي يلوح في الأفق. وكان القطاع الصناعي في ألمانيا، الذي يشكل أهمية بالغة في خلق وظائف جيدة الأجر ودفع عجلة الابتكار، بطيئًا في تبني الثورات الرقمية والبيئية. ولإحراز التقدم واللحاق بالركب، يتعين على الحكومة الاستثمار بشكل عاجل في البنية التحتية، والبحث العلمي الأساسي، والتعليم.

ومن خلال تفاقم الجمود السياسي، يُشكل قرار المحكمة الدستورية تهديدًا خطيرًا للتنمية الاجتماعية والاقتصادية في ألمانيا. ولكن بعيداً عن العواقب المحلية، فإن هذا الحكم يخلف أيضًا آثارًا سلبيةً على أوروبا، حيث استخدمت الحكومة الألمانية الحكم لرفض طلب الاتحاد الأوروبي الحصول على مبلغ بقيمة 100 مليار يورو كدعم للميزانية. وعلى مدى العامين الماضيين، تمكن شولتز مرارًا من سد فجوة الخلافات الرئيسية داخل ائتلافه المُكون من ثلاثة أحزاب. وهو الآن يواجه أصعب التحديات والتي قد تكون حاسمة في فترة ولايته: تطوير استراتيجية مُبدعة وفعّالة للتغلب على الجمود السياسي وضمان بقاء ألمانيا قادرة على المنافسة اقتصاديًا في القرن الحادي والعشرين.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: ملیار یورو وفی حین

إقرأ أيضاً:

ألمانيا بلا ألمان

جام كوتشوك- ترجمة تركيا الان في نهاية الأسبوع الماضي، ذهبنا أنا وصديقي أوموت أوزتورك في رحلة لمدة يومين إلى فرانكفورت وهايدلبرغ. كنت قد زرت فرانكفورت آخر مرة في عام 2013 من أجل معرض الكتاب، وسبق أن زرتها عدة مرات منذ عام 2004. كنت أُعجب بها في السابق، لكن نظرتي تغيّرت الآن.

فرانكفورت هي خامس أكبر مدينة في ألمانيا، وهي دولة ذات بنية تحتية قوية. تضم المدينة مركز المعارض ومقر البنك المركزي الأوروبي. كانت المباني والبنية التحتية تبدو لي حديثة في الماضي، لكنها الآن باتت تبدو قديمة في نظري. الشوارع بحاجة ماسة إلى إعادة تأهيل، والمباني أصبحت مهترئة. ميدان رومر، الذي كان أشبه بحكاية خرافية، لم يبقَ منه شيء. وسائل النقل العام أصبحت قديمة وبحاجة إلى تحديث فوري.

لكن هناك تطور أكثر أهمية. لم يعد هناك وجود يُذكر للألمان في ألمانيا… قد لا أكون مبالغًا إن قلت إنني بالكاد رأيت ألمانًا في المترو والترام. كل مكان مليء بالعراقيين، السوريين، اليمنيين، الأفارقة، والأفغان. حتى في الأماكن التي تناولت فيها الطعام، كان جميع عمال المطعم تقريبًا من الأفغان.

كنت أقضي وقتًا طويلًا في محطة القطارات المركزية Hauptbahnhof. كنت أمضي ساعة كاملة في المكتبة هناك. أما الآن، فقد انخفض عدد الكتب بشكل ملحوظ، بينما زادت الأشياء التافهة والمبعثرة. أصبحت كأنها ميتة. أغلب أصحاب المحلات أصبحوا من المهاجرين. كما أن عدد الأشخاص الذين يفترشون الشوارع حول المحطة قد ازداد بشكل كبير. وعندما تسألهم، يقولون إنهم لا يقيمون في الأماكن التي خصصتها لهم الحكومة.

بالطبع، الأتراك موجودون بقوة في المدينة ويملكون العديد من المحلات في مختلف أرجائها. وبكل معنى الكلمة، لم نعد نرى ألمانًا في ألمانيا!

أما أولئك الذين يقولون إن تركيا مليئة بالمهاجرين، فعليهم أن يزوروا فرانكفورت ليروا الحقيقة. ففي عهد ميركل، استقبلت ألمانيا مليونًا ومئة ألف لاجئ، من بينهم 890 ألف سوري. ونظرًا لأن غالبية السكان الألمان باتوا من كبار السن، فإن المهاجرين يعملون في كل مكان في المدينة. ولو لم يكونوا موجودين، لتعرض الاقتصاد الألماني لصعوبات كبيرة.

وحين سقط بشار الأسد أبدى بعض السوريين رغبتهم في العودة إلى بلادهم. لكن الدولة الألمانية بذلت جهودًا كبيرة لمنعهم من العودة. بل إنها وفّرت كل سبل الراحة، بما في ذلك تسهيلات في التأشيرات والإقامة، خصوصًا للعاملين في القطاع الصحي، لضمان بقائهم في البلاد.

اقرأ أيضا

بعد زلزال مرمرة… 5 مناطق تتصدر طلبات السكن في إسطنبول

الجمعة 16 مايو 2025

في ألمانيا أيضًا، هناك فاشيون بعقلية “أوميت أوزداغ”. “حزب البديل من أجل ألمانيا” (AfD) يحاول بكل وسيلة طرد المهاجرين. ومع ذلك، تحتاج ألمانيا سنويًا إلى 400 ألف مهاجر كي تحافظ على حيوية اقتصادها. فبمجرد أن يتوقف تدفق المهاجرين، تبدأ مشاكل نقص اليد العاملة. ولو عاش أوميت أوزداغ في ألمانيا، لوجد ملايين اللاجئين ليلاحقهم ويهاجم محلاتهم!

مقالات مشابهة

  • مصر تدعو الاتحاد الأوروبي للإسراع في صرف 4 مليارات يورو
  • بنمو 43.1%.. الرقابة المالية: 8.4 مليار جنيه أقساط التأمين التجاري خلال فبراير 2025
  • إصابات بهجوم طعن على محتفلين في ألمانيا
  • نهاية أزمة المغربي بوطيب: الزمالك يدفع 2.4 مليون يورو ويرفع حظر الفيفا
  • الحكومة تعلن قبول استثمارات غير مباشرة بـ111.5 مليار جنيه .. تفاصيل
  • "التجارة" تصدر تعليمات مهمة للشركات المنتهية سنتها المالية
  • بموعد أقصاه 30 يونيو.. "التجارة" تدعو الشركات لإيداع قوائمها المالية عن السنة المالية 2024
  • بينها بغيضة وكريهة.. مستشار السوداني يكشف الديون العراقية وتصنيفها عالمياً
  • رسميًا.. بيع ألميريا الإسباني بـ100 مليون يورو
  • ألمانيا بلا ألمان