هيئة محاربة الرشوة تنتقد "ضعف" المتابعات القضائية في ملفات الفساد
تاريخ النشر: 6th, December 2023 GMT
انتقدت الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة قي تقريرها السنوية لسنة 2022، ما وصفته “ضعف” المتابعات القضائية، بخصوص ملفات الفساد والتي قدمها تقرير رئاسة النيابة العامة خلال سنة 2021.
ونبهت الهيئة في سياق “رصدها لضعف المتابعات” في قضايا الفساد، إلى ضرورة تجاوز الإكراهات التي تشكل “كوابح حقيقية أمام انخراط واع ومسؤول لكافة المعنيين” في القيام بواجب التبليغ عن أفعال الفساد، مؤكدة على أن تحقيق هذا الانخراط الجماعي، بقدر ما يظل رهينا بتصحيح الأعطاب المرصودة، بقدر ما يحتاج إلى توعية المواطنين بمخاطر الفساد وآثارها الفردية والجماعية الوخيمة، مع توفير أنواع من الضمانات والحمايات السائر المعنيين بالتبليغ بما يقوي محفزات التبليغ لديهم، ويحول دون تحملهم لأصناف من الأضرار على خلفية هذا التبليغ.
وأشار التقرير إلى ضبط 205 حالة تلبس بجريمة الرشوة عن طريق الخط المباشر لمحاربة الرشوة منذ انطلاق العمل به وهي حالات تهم العديد من القطاعات وتتعلق أساسا بأعوان ورجال السلطة.
والجماعات الترابية، والدرك الملكي والأمن الوطني والمياه والغابات والوقاية المدنية والقوات المساعدة والصحة والعدل والتجهيز والنقل، ومستخدمين بالقطاع الخاص.
وبالنسبة لجرائم الفساد المعروضة أمام أقسام الجرائم المالية، أكد تقرير رئاسة النيابة العامة خلال 2021 أن عدد القضايا الرائجة بأقسام الجرائم المالية بلغ 783 قضية، بتسجيل انخفاض بلغ معدله 47.30 بالمائة مقارنة مع 2020 التي بلغ فيها عدد القضايا الرائجة بأقسام الجرائم المالية ما مجموعه 1486 قضية.
ورصدت الهيئة بخصوص القضاء المالي في شقه المتعلق بالقضايا ذات الصلة بالتأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية، إصدار المحاكم المالية لـ 104 قرارا وحكما بغرامات بلغ مجموعها 4.741.500.00 درهم، بالإضافة إلى الحكم بإرجاع ما مجموعه 15 مليون و739الف درهم مع التأكيد على ارتباط أغلب المؤاخذات بالحالات ذات الصلة بفرض وتحصيل المداخيل وتنفيذ عقود التدبير المفوض، وغيرها.
وحسب التقرير فقد نبهت الهيئة في سياق استعراض معطيات المحاكم المالية، إلى الإشكالية التي لم يفتأ المجلس الأعل للحسابات يؤكد عليها، منذ دخول مدونة المحاكم المالية حيز التنفيذ، والمتعلقة بمحدودية التوصل بطلبات في شأن القضايا ذات الصلة بالتأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية، من قبل السلطات المخول لها إحالة القضايا على المجلس.
وثمنت الهيئة التوجه الذي اعتمدته رئاسة النيابة العامة بإعادة قراءة تقارير المحاكم المالية لاستنباط القضايا المحتملة للفساد وتبليغها إلى النيابات العامة المختصة مع التعليمات الكتابية بشأنها مؤكدة على أهمية التنصيص القانوني على الإحالة من طرف السلطة القضائية إلى المحاكم المالية للقضايا التي يمكن أن تتوفر فيها قرائن التأديب المالي أو التدبير بحكم الواقع.
كلمات دلالية الفساد المتابعات القضائية الهيئة الوطنيّة للنزاهة والوقاية من الرشوة
المصدر: اليوم 24
كلمات دلالية: الفساد المتابعات القضائية
إقرأ أيضاً:
رواتب وامتيازات السلطة المتضخمة مفتاح الفساد!
آخر تحديث: 11 دجنبر 2025 - 10:22 ص بقلم:كفاح محمود تُعاني الدولة العراقية، مثلها مثل ليبيا وبعض دول الشرق الأوسط، من مفارقة صارخة: إيرادات نفطية هائلة تُقدّر بملايين البراميل يوميًا، تقابلها خزائن خاوية ومجتمعات مثقلة بالفقر والبطالة، فيما ينعم السياسيون برواتب وامتيازات فلكية تجعل من الوظيفة العامة صفقة تجارية أكثر من كونها تكليفًا وطنيًا، حيث تحولت المناصب التشريعية والتنفيذية إلى مغنمٍ يتسابق إليه الطامحون، لا من أجل خدمة الشعب، بل لتحصيل الامتيازات وتوزيع الغنائم والمفارقة الأكبر أن المدافعين عن هذه الامتيازات يبرّرونها بحجة “حماية المسؤول من الابتزاز أو الارتهان للخارج”، وكأن الوطنية والضمير لا يكفيان لردع الخيانة، بل لا بد من شراء الولاء بالمال العام، هكذا يتحول الانتماء إلى سلعة قابلة للتثمين، ويتحول البرلمان إلى سوق مفتوحة، تُباع فيه المقاعد وتُشترى الولاءات، وهو ما يفسر اتساع الفساد المالي والسياسي، وتآكل العقد الاجتماعي بين الدولة والمجتمع.
في المقابل، نجد أن التجارب الغربية العريقة قد طوّرت فلسفة مختلفة تمامًا، ففي النرويج، وهي واحدة من أغنى الدول النفطية في العالم، يُعامل العمل النيابي كخدمة عامة مؤقتة، لا كغنيمة شخصية، كذلك في بريطانيا وفرنسا والسويد، ورغم ثرائها واستقرارها السياسي، ظلّت الرواتب والمخصصات البرلمانية ضمن إطار معقول، وتخضع لمراجعة مستقلة وشفافية صارمة، الفلسفة هناك واضحة: النائب أو الوزير ليس موظفًا عند الدولة يسعى للثراء، بل ممثل لمجتمعه أو حزبه يؤدي واجبًا عامًا، يخضع في المقابل للمساءلة الشعبية والقانونية.
هذه المقارنة تكشف بوضوح أن الخلل في العراق وليبيا وأمثالهما ليس في شح الموارد، بل في غياب الرؤية الأخلاقية والسياسية التي تعرّف الوظيفة العامة باعتبارها خدمة مؤقتة، لا استثمارًا طويل الأمد في امتيازات، وهذا ما يجعل النائب البريطاني أو السويدي أو النرويجي ملتزمًا ليس ضخامة راتبه، بل طبيعة المنظومة التي تضبطه: قوانين شفافة، لجان مستقلة تحدد التعويضات، ورأي عام يراقب ويحاسب، بينما عندنا، كل ذلك غائب أو مُغيّب عمدًا، لتحلّ محله ثقافة الريع والمحاصصة.
إن انعكاسات هذه المنظومة على المجتمع كارثية، فالمواطن الذي يرى ممثليه يعيشون في بحبوحة وامتيازات غير مبررة، بينما هو عاجز عن تأمين قوت يومه أو دواء طفله، سيفقد الثقة بالدولة ويعتبرها خصمًا لا حاميًا، ومع الوقت، تنقلب المعادلة: يصبح الطريق إلى السلطة هو الطريق الأقصر إلى الثروة، ويُقصى الأكفاء والشرفاء لصالح الأكثر قدرة على شراء الولاءات والصفقات، وهكذا ندخل في حلقة مفرغة من الفساد الذي يلد فسادًا، حتى يغدو الإصلاح شبه مستحيل.
إن الحصانة الحقيقية للمسؤول لا تُبنى على الأموال، بل على قوة القانون واستقلال القضاء وشفافية المؤسسات، فالمال قد يشتري الصمت، لكنه لا يشتري الضمير، وشراء الولاء عبر الرواتب الفاحشة لا يؤدي إلا إلى إدمان الفساد، لذلك فإن الإصلاح الجذري يبدأ بإعادة تعريف الوظيفة العامة باعتبارها تكليفًا وخدمة، لا غنيمة ومصدر ثراء، ويقتضي ذلك ربط رواتب ومخصصات النواب والوزراء بمستوى الرواتب العامة في الدولة، ووقف الامتيازات غير المبررة، واعتماد لجان مستقلة تحدد ما يُستحق فعلاً ضمن إطار الخدمة العامة.
التجارب العالمية تؤكد أن السياسة يمكن أن تكون عملاً شريفًا إذا بقيت مرتبطة بمفهوم الخدمة، لا بالمنفعة الشخصية، أما حين تتحول المناصب إلى تجارة رابحة، فإنها تفقد معناها وتفقد معها الدولة استقرارها، وإذا كانت النرويج الغنية، وبريطانيا العريقة، وفرنسا الديمقراطية، والسويد المستقرة قد وجدت سبيلًا لتنظيم العمل السياسي بعيدًا عن المزايدات المالية، فما الذي يمنع العراق أو ليبيا من أن تسلك الطريق ذاته؟
إنها ببساطة مسألة إرادة وإيمان بأن الوظيفة العامة ليست للبيع، وأن السياسة ليست تجارة في أسواق المال، بل عقد ثقة بين الشعب وممثليه، من دون هذا الفهم، ستظل الدولة رهينة للفساد، وسيبقى المواطن أسيرًا لعجزٍ لا يليق ببلدان غنية بمواردها وعقولها.