ن.تايمز: مجزرة أطفال في غزة.. قتيل كل 7 دقائق وتكرار لإبادة رواندا الجماعية
تاريخ النشر: 7th, December 2023 GMT
سلط كاتب العمود بصحيفة "نيويورك تايمز"، نيكولاس كريستوف، الضوء على مجزرة الأطفال التي ترتكبها إسرائيل يوميا في قطاع غزة، مشيرا إلى أن القطاع هو "أخطر مكان يمكن أن يعيش فيه أي طفل في العالم اليوم"، بحسب تقييم المديرة التنفيذية لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، كاثرين راسل.
وذكر كريستوف، في مقال نشرته الصحيفة الأمريكية وترجمه "الخليج الجديد"، أن عدد الأطفال الذين قتلوا في غزة منذ بدء الحرب في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي يزيد عن ضعف عدد الأطفال الذين ماتوا في جميع الصراعات في جميع أنحاء العالم عام 2022، وفقًا لأرقام الأمم المتحدة.
وأشار إلى أن رئيس منظمة الإغاثة "ميد جلوبال"، زاهر سحلول، أفاد بأن "واحدا من بين كل 150 طفلاً فلسطينياً في غزة قُتل خلال شهرين فقط"، وحذر من أن كثيرين آخرين قد "يموتون بسبب الالتهابات أو الأمراض المنقولة بالمياه أو الجفاف، بينما سيعاني آخرون من إعاقات جسدية مدى الحياة".
يأتي ذلك فيما واصلت إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، الدفاع عن إسرائيل حتى في ظل تسببها في مقتل أعداد هائلة من المدنيين في غزة.
وعلى النقيض من ادعاءات إدارة بايدن بأن إسرائيل تتلقى رسالة لإظهار ضبط النفس، تفيد تقارير الأمم المتحدة بأن هذا الأسبوع "شهد بعضًا من أعنف عمليات القصف في غزة" وأنه "إذا أمكن، فإن سيناريو أكثر جهنمية على وشك الظهور".
وقال مارتن غريفيث، كبير مسؤولي الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية: "لا يوجد مكان آمن في غزة. مثل هذا التجاهل الصارخ للإنسانية يجب أن يتوقف".
وتقول السلطات الصحية في غزة إن أكثر من 16,248 شخصًا قتلوا في القطاع حتى الآن، 70% منهم نساء وأطفال، وهو ما وثقه مراقبو حقوق الإنسان.
بل إن مسؤولا كبيرا في إدارة بايدن قال للكونجرس إن الأرقام المبلغ عنها قد تكون أقل من الواقع على الأرجح "بسبب عدم انتشال الجثث تحت الأنقاض"، ما يعني أن امرأة أو طفلاً يُقتل في المتوسط كل 7 دقائق تقريباً على مدار الساعة منذ بدء الحرب.
وتساءل كريستوف: كيف يمكن لإسرائيل تعزيز أمنها من خلال تسوية مناطق واسعة بالقنابل التي تزن 2000 رطل؟ مشيرا إلى أن الولايات المتحدة نصحت إسرائيل، مرارا وتكرارا، باستخدام قنابل أصغر حجما وتوجيه المزيد من الضربات الجراحية، لتجنب تحويل الانتصارات التكتيكية إلى هزيمة استراتيجية.
اقرأ أيضاً
سيناتور أمريكي: الضحايا من أطفال غزة 10 أضعاف أمثالهم في أوكرانيا خلال عامين
وأضاف أن أقصى ما يمكن قوله في حرب إسرائيل على قطاع غزة أنها "أضعفت بشكل متواضع القدرة العسكرية لحماس"، مشيرا إلى أن متحدث عسكري إسرائيلي أعلن أن عدة آلاف من مقاتلي حماس قتلوا، وهو ما قد يصل إلى 10% أو أقل من قوة الحركة.
وأشار كريستوف إلى أن حماس اكتسبت شعبية ومصداقية في الضفة الغربية، إذ كانت أعلام حماس في كل مكان عندما زارها مؤخراً، وتحول الدعم العالمي لإسرائيل إلى "طوفان من التعاطف مع الفلسطينيين"، حسب تعبيره، مضيفا: لقد نجحت حماس في تحقيق أحد أهدافها، وهو إعادة القضية الفلسطينية إلى الأجندة العالمية".
ونوه كريستوف إلى أن الاشمئزاز من الخسائر في الأرواح الفلسطينية أدى إلى تعريض استقرار الدول المجاورة، مثل الأردن، للخطر، كما أحبط أي أمل في التوصل إلى اتفاق تطبيع بين إسرائيل والسعودية، وتزايدت مخاطر اندلاع انتفاضة في الضفة الغربية، إلى جانب مخاطر اندلاع حرب أوسع مع لبنان.
وتساءل الكاتب: "هل جعل هذا إسرائيل أكثر أمنا؟ هل هذا يكفي لتبرير قتل امرأة أو طفل كل 7 دقائق على مدار الساعة؟ لقد قمت بتغطية الكثير من الصراعات، وأحد الأشياء المدهشة حول القصف على غزة هو مدى شدته. فنحو نصف المباني في شمال غزة تظهر أضرارا هيكلية، وفقا لتحليلات صور الأقمار الصناعية".
واختتم كريستوف مقاله بالتأكيد على أن وتيرة قتل المدنيين في غزة أكبر بكثير مما كانت عليه في معظم الصراعات الأخيرة، مؤكدا أن المثال الوحيد الذي يعرفه لهكذا وتيرة هو الإبادة الجماعية التي وقعت في رواندا في عام 1994.
اقرأ أيضاً
الأمم المتحدة: وحشية الحرب ضد أطفال غزة لم نشهدها منذ عقود
المصدر | نيويورك تايمز/ترجمة وتحرير الخليج الجديدالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: غزة إسرائيل حماس اليونيسيف الأطفال أطفال غزة الأمم المتحدة فی غزة إلى أن
إقرأ أيضاً:
لماذا لا تستطيع إسرائيل أن تنتصر في غزة؟
عندما بدأت إسرائيل حربها على غزة في أكتوبر 2023، لم يكن الهدف المعلن أقل من «القضاء التام على حماس». بدا ذلك، لحظة انفعالية، وكأنه مهمة ممكنة. فإسرائيل دولة ذات تفوق عسكري لا يُضاهى في المنطقة، وتتمتع بدعم غربي سياسي وتسليحي ضخم، بينما تقاتل حركة محاصَرة، محدودة الموارد، ومعزولة جغرافيا. لكن أكثر من 20 شهرا من القصف والدمار والإبادة الجماعية لكل ما يدب على الأرض، لا يبدو النصر، وفقا للتوجيه السياسي المعلن والصادر للمؤسسة العسكرية، في الأفق، بل إن إسرائيل نفسها باتت أبعد من أي وقت مضى عن تحقيق أهدافها في الحرب.
ما الذي يحدث إذن؟ ولماذا لم تعد القوة العسكرية كافية لتحقيق الانتصار؟ ولماذا تصبح كل حرب تشنها إسرائيل على غزة أطول، وأكثر دموية، وأقل فاعلية؟
في عمق العقيدة العسكرية الإسرائيلية ـ كما هو الحال في كثير من العقائد العسكرية الغربية ـ ترسّخت فكرة الحرب الخاطفة، التي تحقّق النصر السريع من خلال الضربة الأولى الساحقة، وقد نجحت هذه العقيدة في حرب 1967، لكنها فشلت مرارا منذ ذلك الحين، خصوصا في مواجهة الخصوم غير النظاميين الذين يتقنون حرب المدن والأنفاق، ويجيدون تحويل نقاط ضعفهم إلى أدوات استنزاف طويلة الأمد.
تشبه الحالة الإسرائيلية في غزة ما يسميه بعض الاستراتيجيين «مغالطة الحرب القصيرة»؛ حيث يُفترض أن صدمة القوة ستدفع الخصم إلى الانهيار، لكن الواقع يُثبت أن الخصم ـ عندما يكون متجذرا شعبيا، وعقائديا، ومتحركا جغرافيا ـ لا يُهزم بهذه الطريقة، بل على العكس، كلما طال أمد الحرب، زادت فاعليته، واهتزت صورة القوة المتفوقة أمام جمهورها.
تُظهر تجربة إسرائيل في غزة أن التفوق العسكري وحده لا يكفي؛ فإسرائيل دمرت معظم البنية الأساسية في القطاع، وقتلت عشرات الآلاف، وهجّرت الملايين في غزة لأكثر من مرة، لكنها لم تستطع إقناعهم بالتخلي عن المقاومة، ولم تستطع فرض سيناريو «ما بعد حماس» رغم أنه كان شغل العالم الشاغل أكثر من شغلهم بإنهاء الحرب ووقف الإبادة. وفي غياب هذا السيناريو، تبدو الحرب بلا غاية واضحة سوى التدمير، وهذا ما يحدث الآن، فلا هدف واضح لجيش الاحتلال إلا التدمير والاستمتاع بالقتل والتجويع.. لكن هذا الأمر رغم فظاعته إلا أنه بات يفقد إسرائيل زخمها السياسي ويقوّض مشروعيتها الأخلاقية التي كانت توهم العالم بها.
وبينما تبحث إسرائيل عن «نصر كامل»، تواصل حماس الظهور والاختفاء، القتال والتكتيك، مقاومة القصف وممارسة الإعلام. لم تعد المعادلة تقتصر على مَن يملك الطائرات والدبابات، بل مَن يملك القدرة على الصمود، وعلى إدارة زمن طويل من القتال غير المتكافئ.. ومن يستطيع أن يقنع العالم بسرديته، ويبدو أن غزة تحقق تقدما عميقا في هذا الجانب رغم أنه بطيء جدا بسبب عملها منفردة في ظل غياب المشروع العربي الموحد في هذا الجانب.
وإذا كانت حرب إسرائيل الظالمة تفشل فإن السبب لا يعود كما يعتقد البعض إلى ضعفها العسكري ولكن إلى حجم التناقض بين الوسائل والغايات؛ فبينما تُستخدم القوة التدميرية بأقصى درجاتها، يبقى الهدف السياسي ـ القضاء على حماس ـ أو بمعنى آخر القضاء على المقاومة هدفا مجردا وغير واقعي بالنظر إلى عقيدة المقاوم الفلسطيني الذي ما زال متمسكا بحقه في أرضه وبأن مشروعه الأول هو تحرير أرضه من المحتل الإسرائيلي.
وأثبتت التجربة أن قتل القادة وتدمير المباني لا يعني نهاية المقاومة، بل إن رفض المحتل الإسرائيلي لأي شكل من أشكال الحل السياسي وإمعانه في التدمير والإبادة يحفز المقاومة ويوسع قاعدتها الشعبية وحاضنتها الاجتماعية وتغلغلها في العقيدة الفلسطينية. وما حدث في غزة خلال العامين الماضيين من شأنه أن يعمق الحقد ويحفز مشاريع الانتقام حتى عند أولئك الذين آمنوا في لحظة من اللحظات بفكرة «السلام» مع إسرائيل.
ومن الواضح أن الحروب بين الاحتلال والمقاومة في العقدين الماضيين لا تنتهي إلى نتيجة واضحة، إنها أقرب إلى «صراعات بلا نهاية»، لا اتفاقات سلام واضحة ولا بيانات استسلام، بل جولة تضع بذورا لجولة أخرى، وكل هدوء هش يفضي إلى انفجار عنيف جدا وهو ما يجعل من الصعب قياس النصر والهزيمة.
رغم ذلك فإن «حماس» في نظر الفلسطينيين والكثير من العرب تنتصر بمجرد بقائها على قيد الحياة، واستمرارها في المقاومة أو نجاحها في تنفيذ عملية نوعية مهما كانت نتائجها، وهذا يعكس الفارق بين من يُقاتل من أجل بقاء دولة، ومن يُقاتل من أجل بقاء القضية.
ربما كان الدرس الأهم من هذه الحرب ـ والحروب التي سبقتهاـ هو أن الاستراتيجية العسكرية يجب أن تكون امتدادا لرؤية سياسية واضحة، وليس بديلا عنها، وحين تنفصل عن السياسة، تتحول إلى عبث.
تستطيع إسرائيل أن تُلحق أذى هائلا بغزة كما تفعل الآن، لكنها لا تستطيع فرض السلام من طرف واحد، ولا بناء واقع دائم بالقوة فقط.
لكن ما يعيق إسرائيل عن تحقيق النصر في غزة ليس فقط قدرة حماس على القتال، بل غياب الاعتراف الإسرائيلي بأن هذا النوع من الحروب لم يعد يُنتصر فيه بالطريقة التقليدية، وقد آن الأوان أن تعترف بأن قوة السلاح وحدها لا تكفي، وأن غزة ومن فيها واقع لا يمكن أن تمحي وجوده أبدا وإن لم تبدأ بقراءة هذا الواقع بعيون سياسية لا عسكرية، فستظل تدور في حلقة حرب لا تنتهي، وتتحول حربها الظالمة بالضرورة إلى مجرد إبادة إنسانية.
عاصم الشيدي كاتب ورئيس تحرير جريدة عمان